المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مَروياتُ الإِمام الثِقةَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ بَين التَدليس والإرسالِ الخَفي



أهــل الحـديث
18-07-2013, 11:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




مَروياتُ الإِمام الثِقةَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ بَين التَدليس والإرسالِ الخَفي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا الأمين ، الذي بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، فتركها على المحجة البيضاء ، وسنة غراء ، ورثها عنه العلماء الأفاضل النُبلاء ، فنفوا عنها تحريف المبطلين ووضع الوضاعين ، وتأويل الجاهلين .
ألا وإن لأهل الحديث السبق الأول في هذا الشأن فقد حصنوها بتحقيق الصحيح والضعيف وبينوا منها السقيم من الصحيح فكانت لهم الكلمة الأولى واليد الطولى في الذب عن تلك المحجة البيضاء والسنة الغراء والحصن الحصين لأمة نبي الإسلام التي ورثها العُلماء عَن الأنبياء أخرج أبو داود والترمذي من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( من سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع.وإن العالم ليستغفرُ له مَنْ فى السموات ومن فى الأرض حتى الحيتانُ فى الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب.وإن العلماء ورثة الأنبياء.وإن الأنبياء لم يُوَرِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما وَرَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر )) .فحاز أهل الحديث كل الإحترام والمحبة فأدخل الله لهم القبول في قلوب البشر جمعاء وكانوا أكثر أهل الناس إبتلاءاً فهذا الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة يبتلى بفتنة خلق القرآن فيصبر ويثبت بقوةٍ على الحقِ ويأمر بالاعتقاد بأن القرآن كلام الله ليس مخلوقاً وغيرهُ مِنْ الأئمة الأثبات الثقات أصحاب الحديث الأعلام ممن صبر واحتسب عند الله وكان له الأجر والقبول في كل بقاع الأرد فقال الإمام الشافعي - رحمه الله - ذم الكلام وأهله (ص401) : (( إِذَا رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ، فَكَأَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) وفي رواية عَنه كما روى عنه الحافظ الذهبي في كتابهِ النفيس سير أعلام النبلاء- (ج10/ص59-60-60) : (( إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث ، فكأني رأيت رجلا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ، جزاهم الله خيرا ، هم حفظوا لنا الأصل ، فلهم علينا الفضل )) ولذلك قال داود الأصبهاني - رحمه الله - ذم الكلام وأهله (3/26) : (( أَصْحَابُ الْحَدِيثِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْفُقَهَاءِ وَذَاكَ أَنَّ كَدَّهُمْ ضَبْطُ الْأُصُولِ )) .
ووروي عن الإمام الشافعي في ذم الكلام وأهله (3/26) : (( عَنِ الْبُوَيْطِيِّ قَالَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ صَوَابًا )) ، وقد قال الأعمش - رحمه الله - كما روى عنه صاحب ذم الكلام وأهله (5/173) : (( لَا أَعْلَمُ لِلَّهِ قَوْمًا أَفْضَلَ مِنْ قَوْمٍ يَطْلُبُونَ الْحَدِيثَ وَيُحْيُونَ هَذِهِ السُّنَّةَ كَمْ أَنْتُمْ فِي النَّاسِ لَأَنْتُمْ أَقَلُّ مِنَ الذَّهَبِ )) وإعلم أن حفظ السنة لا يكون إلا ببيان الصحيح والضعيف ولهذا كان أشرف ما عني به أهل الحديث هو النظر في أحوال الرجال وتمييز من كان منهم على إستقامة ومن كان منهم مخرومُ العدالةِ منتقدٌ مِن ناحية العلم أو الحفظ أو الضبط أو الإختلاط أو جرحٌ مفسر بالضعف أو الوضع أو الكذب على رسول الله ، فكان لأهل الحديث شرف تمييز الخبيث من الطيب قال الله تبارك وتعالى : (( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )) ولذلك لا يكون تمييز القوي من الضعيف ولا الصحيح من السقيم إلا لأهل الحديث وقد أكرمهم الله تبارك وتعالى بهذه الشرف العظيم وانتفضوا لهذا العلم ووهبوا له الحياة وأفنوا الأعمار في نقد الرجال وبيان الضعفاء من القائم أمرهم بالعلم والبيان وحفظ سنة خير الأنام وكان منهم حفظةٌ أتقياءٌ أئمةٌ علماءٌ أثباتٌ .
ودليل ذلك لم يتركوا هذا المجال العظيم والعلم المتين والقول الرزين وهو قول الجارحين والمعدلين علمٌ لا يتقنه إلا الحفاظ المتقنين الأثبات الأئمةِ المُحدثين فكان على رأسهم الصحابة الكرام المؤمنين العدول سرج الليل وفرسان النهارِ - رضوان الله عليهم أجمعين - فكان على رأسهم : (( الشعبي وابن سيرين وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير )) وإليك أيها المُتقن المحدث الكريم ما كان من آخر عصر التابعين وَهُوَ حُدُود الْخَمِيس ومئة تَكَلَّمَ فِي التَّوْثِيقِ وَالتَّرْجِيح طَائِفَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ المُؤمِنين الصَالحينء فمِنهُم :
(1) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا رَأَيْتُ أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ.
(2) وَضَعَّفَ الْأَعْمَشُ جَمَاعَةً وَوَثَّقَ آخَرِينَ.
(3) وَنَظَرَ فِي الرِّجَالِ شُعْبَةُ وَكَانَ مثبتا لَا يَكَادُ يَرْوِي إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ.
(4) وَكَذَا كَانَ مَالِكٌ.
(5) وَمِمَّنْ إِذَا قَالَ فِي هَذَا الْعَصْرِ قبل قَول معمر.
(6) وهَاشِم الدَّسْتَوَائِيُّ .
(7) وَالْأَوْزَاعِيُّ .
(8) وَالثَّوْرِيُّ.
(9) وَابْنُ الْمَاجِشُونِ .
(10) وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ .
(11) وَاللَّيْث بن سعد وَغَيْرُهُمْ .
فهذه الطبقة من الأئمة الذين تكلموا في الرجال في آخر عصرٍ للتابعين كما نقل الإمام السخاوي - رحمه الله - في كتابه النفيس المتكلمون في الرجال (1/99) فعني هؤلاء ومن تلاهم بنقد الرواة وتبيين حالهم وأول لبنةٍ وضعوا ذلك وقعدوا لهذا العلم العظيم فذكروا أقوال أئمة الجرح والتعديل منهم مَن نقله عَن شيخه المحدث الثين الأمين ! ومنهم من نقله عن اللبنة الأولى بإسناده إلي الأئمة الأعلام المثبتين فساقوها بأسانيدها كما ساقوا الأحاديث ، فعني الإمام الحافظ الناقد الثقة البارع جمال الدين بن يوسف المزي فنقل في كتابه تهذيب الكمال أقوالهم مسندةً لأئمةِ الجرح والتعديل - رضي الله عنهم - وإن كان هذا الكتاب النفيس لم يستوعب كامل شيوخ من ترجم لهم في الكتاب فمن القصص المنقولة في تدليس أبي الزبير المكي - رحمه الله - ما روي من طريق الليث بن سعد وهو إمامٌ ثبتٌ ثقةٌ من الطبقة التي كانت آخر عصر التابعين ممن تكلم في الرجال ونقد الرواة وعرفَّ بالثقات وروي عنه ما يثبت تدليس أبي الزبير المكي ومثل هذا عَنهُ لا يمكن أن يرد وإلا اعتبر رداً لأقوال الأئمة الأثبات الثقات .
فالتدليس لهُ حكمهُ الخاص سواءٌ أكان تدليس الإسناد أو تدليس التسوية أو تدليس الشيوخ أو تدليس البلدان أو العطف فكلُ واحدٍ منهم لهُ حكمه الخاص فإذا ثبت التدليس لابد من تحديد نوع التدليس الذي وقع فيه ذلك الراوي ، والرجوع كونه من المكثرين أم من المقلين لأننا كما قررنا في دراسة تدليس أبي الزبير المكي أنهُ لم ثبت على الراوي أنه مقلٌ من التدليس فإنهُ لا يعامل أبداً معاملة المكثر من التدليس ، وإخترت الإمام الثقة الثبت الفقيه المحدث المشهور حبيب بن أبي ثابت بعد أن رأيت الحافظ ابن حجر - رضي الله عنه - قد وضعهُ في المرتبة الثالثة من المدلسين وهي طبقة لا يقبل من أصحابها إلا ما صرحوا بهِ بالسماع ، ودليلهُ ما روي عن الأعمش - رضي الله عنهُ - في المحدث الفاصل للرامهرمزي (1/455) : حَدَّثَنِي شِيرَانُ ثَنَا إِسْحَاقُ الشَّهِيدِيُّ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ [ص:456]، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: قَالَ لِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَدَّثَنِي عَنْكَ بِحَدِيثٍ مَا بِالَيْتُ أَنْ أَرْوِيَهُ عَنْكَ» فكان هذا دليلاً في اتهامهِ بالتدليس وأن حبيب بن أبي ثابت يتساهل في إسقاط هذا الراوي بينه وبين الاعمش - رضي الله عنهما - وإن كان في صحتها نظرٌ عندي إلا أننا لا يمكن أن ننكر أنهُ قد حكم عليه الأئمة بأنهُ مدلسٌ ويكفي أهل الحديث فضلاً أن قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي هَذِهِ فَحَمَلَهَا فَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ فِيهِ غَيْرُ فَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمُنَاصَحَةُ أُولِي الْأَمْرِ وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ )) فكفى والله بان النبي صلى الله عليه وسلم أثنى عليهم بذلك الثناء العظيم فجزاهم الله تعالى كل خيرٍ لما نقلوه ، فقد وصفهُ بالتدليس عددٌ لا بأس به من العلماء كابن حبان والدارقطني والبيهقي وأقدم ما روي عن الإمام الأعمش - رحمه الله - فإذا قلنا أن حبيب بن أبي ثابت - رضي الله عنه - في الطبقة الثالثة من المدلسين فإننا عندها سنهدر من السنة العدد الكثير ، فكم من حديثٍ رواهُ حبيب بن أبي ثابت وقد رواهُ بالعنعنة ! أنضعفها بالتدليس فنرد سنةً صحيحةً عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - ! .
فليس في قولهم دليلٌ على فحش التدليس ، ولم يصفهُ احدٌ منهم بالإكثار والتدليس المردود من العلماء المتقدمين ، بل كان يقول : (( كان مدلساً )) وقال فيه ابن حبان : (( على تدليس فيه )) فهذا لا يمكن أن يكون جزماً بأنهُ من المكثرين وإنما دليلٌ وقرينةٌ بينةٌ على أنه مقلٌ منه عند ابن حبان - رضي الله عنهما - ولهذا فلابد أن يحقق الباحث وأن لا يكتفي أبداً برد حديث من وصف بالتدليس لأنهُ عندها قد يكونُ اخطأ فيرد أحاديثاً صحاحاً لأجل التدليس ! وإنا والله لنحسن الظن بالأئمة الأعلام الذين وصفوهُ بالتدليس ولا نعلم البيهقي أعل حديثاً لحبيب بن أبي ثابت ولا ابن حبان بالتدليس وقد يراد بوصفهم لهُ مدلساً الإرسال فكثيراً ما كان الأئمة يطلقون هذه اللفظة ويريدون بها الإرسال الخفي وهو علمٌ بديعٌ وفنٌ جزيلٌ لا يتقنه إلا من رزقه الله فهماً ثاقباً وحُسناً وسمتاً في العلمِ وطول صبرٍ وبحثٍ وتنقيب في كُتب الأئمةِ ، ذلك إن غاية ما نقولهُ أن الوصف جاء في تعيين من لم يسمع منهم وكانوا يطلقون التدليس فيمن روى عمَّن عاصرهُ ولا يعرفُ له سماعٌ منهُ كالحجاج بن أرطأة وغيرهُ ، كقتادة بن دعامة السدوسي ، ويحيى بن أبي كثير وهؤلاء وحبيب بن أبي ثابت وغيرهُ من المكثرين ممن تدور عليهم الأسانيد وأكثروا مِن الرواية وقد أعل كثيرٌ من المتأخرين أحاديثاً يرويها حبيب بن أبي ثابت بالتدليس وقالوا أنهُ لم يصرح بالسماع وما كان صنيعهم إلا إحساناً بما رأوهُ موصوفاً به من التدليس ، ولا نعلم إلا الحافظ ابن حجر - رضي الله عنه - قد وصفهُ بالكثرةِ ومثلهُ لا يكون في المرتبة الثالثة من المدلسين فهذا ليس بمسلمٍ أبدأ فوصفهُ : كان مدلساً كما مضى فهذا وصفٌ عامٌ لا يلزم الإكثار من التدليس ، ووالله إنا لنرى أن حبيباً ممن احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح فهذا البخاري يخرج لهُ في الصحيح ويحتمل حديثهُ وقد عنعن فيه صحيح البخاري (4/113/ح3222) من حديث حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن وهب ، وأخرج لهُ معنعناً في صحيحه (4/160) فتارة تجد حديثه عن ابن عباس بواسطةٍ وتارةً تجدهُ عنهُ دون واسطة وفي سماعه من ابن عباس مبحثٌ سنحققه إن شاء الله تبارك وتعالى ، وإنما عابوا عليه أحاديثاً لا يتابع عليها عن عطاء ولم يصفه بالكثرة إلا الحافظ وقد عمدت إلي هذه الدراسة الواسعة لمرويات حبيب بن أبي ثابت وطبقته في التدليس وسماعه من شيوخه الذين تكلم في سماعه منهم فهذه الدراسة أسأل الله تعالى أن تكون خالصةً لوجه الله تبارك وتعالى وأن يجعلني فيها مسدداً بإذن الله تبارك وتعالى .


وكَتب /
أبو الزهراء بن أحمد آل أبو عودة الغزي
9/ رمضان /1434 هـ
حامداً الله تبارك وتعالى ومصلياً لهُ وعلى الحبيب
محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم