المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قال تعالى "قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا"



أهــل الحـديث
17-07-2013, 11:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



لقد أشار القرآن الكريم على "الـفوصل" أو المُتَحَجِّرَات من بقايا الإنسان البدائي الأول والديناصورات الدابة العظام وغير ذلك من الكائنات المنقرضة الأخرى من خلال،

قوله تعالى "قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا" سورة الإسراء 50 .

فعند قراءتنا لهذه الآية الكريمة من سورة الإسراء لا يسعنى سوى التفكير العميق بما هو مقصود ومعني هنا من الإعجاز وخاصة لما هو مُشار إليه بالحجارة وبالحديد ودورهم في الإحلال بالصورة البدلية مكان هذا الإنسان بلحمه وعظمه، فلنتسائل معاً عن ماهو القصد الحقيقي من وراء تسديد هذا المثل الآلهي والذي لم يُذكر بدافع الصدفة وإنما حتماً كان له الأبعاد الإعجازية العميقة ولذلك فلقد رأيت بأن الضرورة تتطلب التعمق بالدراسات العلمية حتى نتحقق فيما إذا كان للإنسان أو الكائن الحي تواجد على هذه الصورة وفي هذه الحالة من الوجود الحديدي أو الحجري في أي من مراحل الرقود والممات.

لقد كان نتيجة الدراسة العلمية ومشاريع التنقيب والبحث العلمي بأن تعرفنا على الوجود المتحجر لبقايا الكائنات الحية والتي أطلق عليها العلم الحديث المتحجرات أي (الفوصل) وهي عبارة عن الهياكل العظمية المتحجرة أو بعضاً من أجزائها بالإضافة إلى بعض الأنسجة للكائنات الحية الميتة والمتواجدة في التربة والتي كان قد إنقضى على دفنها على الأقل عشرة الآف عام فما أكثر والتي يتم الحصول عليها وإستخراجها عن طريق الحفر والتنقيب والمدهش بالأمر هو ليس العثور على هذه البقايا بل هو التعرف على خاصيتها الفيزيائية والتي فيها يكون يكون المعدن والحجر قد حل بديلاً عن مركباتها العضوية، كما وأن هذه المتحجرات لا تتشكل خارج التربة بل في داخلها وبعد الدفن سواء بفعل العوامل الطبيعية وإنجرافات التربة أم غيرها.

إن الجدير بالذكر وهو بأن المتحجرات والتي أصبحت معنية في دراسة أصل الحياة ونشأتها وتطورها على كوكب الأرض تتواجد عادةً من ضمن طبقة الصخور الرسوبية والتي تُمكننا من تقدير وحساب عدد السنين التي إنقضت على وجود هذا الكائن الحي، فالمتحجرات هي عبارة عن بصمات ودلائل الأطوار الحياتية المختلفة حيوانية ونباتية برية وبحرية وهي إما تكون على شكل ورقة شجر أو غصن أو حشرة أو صدفة أو تكون بقايا لهيكل عظمي لحيوان أو إنسان أو بعضاً من الأجزاء العظمية أو الأنسجة فقط ومنها القفص الصدري والجمجمة والفك والأسنان وماشابه ذلك والتي نتعرف من خلالها على هذا أو ذاك الصنف والذي وجد وعاش في إحدى العصور الجيولوجية القديمة وبقيت أثاره محفوظة داخل طبقات الأرض الصخرية الرسوبية حتى يتم العثور عليه من خلال عمليات الحفر أو بالصدفة.
لقد إعتمد العلماء في دراساتهم على إتباع طرق البحث الحديثة وذلك من أجل القراءة الدقيقة للتواريخ وكان من أهم ما أستخدموا في هذا المجال هو إستعمالهم للعناصر ذات النشاط الإشعاعي ومثال على ذلك اليورانيوم والموجود في داخل طبقات الصخور وبذلك إذن فلقد أصبح العلماء اليوم قادرين على بناء تاريخ الأرض القديمة وإستخلاص الدراسات التفصيلية لأي من المناطق المحددة والتي تم التعرف على وجود المتحجرات فيها.

قال تعالى "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " سورة العنكبوت 20 .

والآن لنرجع إلى تساؤلات الكفار والمشركين والمليئة بالسخرية والإستعجاب من نبينا محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) وشكوكهم في مقدرة الله سبحانه وتعالى ورب محمد على البعث أو إعادة خلق الإنسان من العظام أو الرفاث أو التراب،

قال تعالى "أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَ****ٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ" سورة ق 3 .

حيث وكانت تسائلاتهم مليئة بالإستنكار والتكذيب والشكوك في قدرة الله وصُدق كلمات القرآن وهنا أتى التحدي الأعظم بالرد على شكوكهم الضالة وبقوة لم يكونوا قد عهدوها وفي ذلك قال تعالى "قل كونوا حجارة أو حديدا" فما هو واضح أولاً وهو بأن هذه الإجابة كانت قد أتت للرد على التساؤل والذي هو متعلق بالتغيرات التي تتم على الكائن الحي بعد الموت وبقي الرد محصور بهذه العملية، أي إن لم تكتفوا بردكم من العظام والرفاث والتراب فما رأيكم بمرحلة أبعد على تفكيركم وعلومكم وستكون إنجاز علمي وعبرة مستقبلية للأجيال القادمة، والتي دُعيت في العصور اللاحقة والحديثة بظاهرة التحجر، فلقد أشار القرآن الكريم على شيء لم يكن معروف آنذاك في عهد نزول الرسالة ولم يتعرف عليه سوى حديثاً كما وأن هذه الظاهرة التي حدّث عنها القران تحتاج إلى عشرات الآلاف من السنين حتى تصبح في هذه الحالة الحجرية والحديدية. فالله العلي القدير والذي خلقهم اول مرة ليس بعاجز عن خلقهم من جديد أو إعادتهم من المراحل والأطوار الأخرى والتي هم عاجزين عن إستيعابها وإدراكها والتي تحدث بعد الوفاة وبعد أن تفنى الأجساد ويصبح فيها العظام رفث أو في بعض الحالات المعقدة وطويلة الأمد الأخرى والتي فيها يتمعدن ويتحجر العظم ويتحول ويستبدل ويصبح مواد متحجرة وحديدية.

لقد كان من الواضح بأن هؤلاء الكفار المتعنتين لم يتمكنوا من فهم أو إدراك ما تحتويه هذه الآيات الكريمة في طياتها وذلك يرجع لسببين وأولهم هو نتيجة عدم إكتشاف المتحجرات أو حتى وجود أي من الدلائل التي تُشير على حدوث هذه الظاهرة للتحجر في زمنهم والتي كانت مجهولة منذ الأزل إلى أن تم الإشارة عليها بالقرآن الكريم، وثانياً هو عدم سلوك طريق الإيمان في الإجتهاد والبحث والتقصي ومحاولة تفحص الإشارات العلمية القيمة وذلك على الرغم من وضوح لسانها العربي، وبالتالي عجزوا عن فك كلام الله الموحى به مع أنهم كانوا أول من أتيحت لهم الفرصة بالتساؤل والتفكير بعظمة خالق هذا الكون، فالظروف كانت مهيئة ومتاحة لهم نتيجة تمكنهم من العامل اللغوي والفصاحة العربية ليعملوا على بيان وتحليل وإجلاء الغموض المحتوى في سطور الآيات الكريمة ولكن الإيمان لم يكن قد ملأ قلوبهم فعميت عن رؤية الحق، فهم لم يؤمنوا بالغيب بل حتى لم يؤمنوا بتاتاً فكيف لهم بأن يستهدوا، وبالتالي عجزوا عن تفسير المفهوم العلمي هم وغيرهم.
إننا نجد العديد من المؤمنين بقدرات الله يدّعون بأن هذه الظاهرة ليست بالمستحيلة وهي تقع في آطار المُسلمات والإيمان الأعمى بالقدرات الربانية ومن خلال قدرة الله والتي تتجلى في كلمة (كن) وحدها، ولكن فإن مخافة الله والإيمان به يكمن في إبداعه ورؤيتنا لهذا الإبداع الخلقي والتساؤل والتعجب منه وذلك حتى نزداد إيماناً، فإيماننا يولد من خلال النظر في أنفسنا أو في الطبيعة المحيطة بنا أو في ألأفق اللانهائي وفي كل مكان فما علينا سوى النظر وكلما زدنا في التفحص والتساؤل إزددنا عمقاً بفهم ماهية هذه العظمة المطلقة وإزداد معها إيماننا بقدرات الله ولكن هل هذا كاف حتى نقنع به الغير مبصرين وعُمي القلوب من الكفار والمشركين وأهل الضلال، إن هذا طبعاً ليس بالكاف فنحن لا زلنا بحاجة للحجة وللبرهان وللدليل وللإستشهاد والإقناع والعمل الدائم والغير منقطع، وإعتمادنا على بأن الله قادر بكلمة كن وحدها دون العثور على الدليل العلمي تبقى ناقصة الغاية ولا تفي بالغرض الديني ولا تفيد في نشر علوم القرآن.

فيجب علينا شرح هذا المضمون وذلك حتى يتم التبليغ والتأكيد والتبشير بهذه الديانة السمحاء فالدليل العلمي لابد منه وقولنا للناس بأن الله قادر على أن يحولهم من حجارة وحديد وغيرها لاشك فيه ولكن نحن نريد إستخلاص العبر من القرآن ونريد التأكيد على الدلالة العلمية والتي تم الإشارة إليها بغرض البرهان وليس العفوية وعلينا بالإستفادة منها كدليل وآية ومعجزة وأعجوبة نادرة فإن كان قولنا لكل شيء كوني بأن الله قادر ونتهم بعض بالكفر والتشكيك بقدرات الله فنحن سنكون وسنبقى عاجزين ولا نعي الغرض الحقيقي من علوم القرآن ولا نتفهم الغاية من السير بالأرض والبحث فيها كما ذكرنا سابقاً ولذلك نُعيد ونُكرر على وجوب وضرورة البحث والتنقيب والتجوال في الأرض وذلك حتى نعثر على كيفية حدوث الخلق وكيف كانت قد تكونت وتشكلت الحياة بكل أطوارها وحقباتها التاريخية وما أحتوت عليه من إنسان وحيوان ونبات وجماد، فلقد إستودع الله سبحانه وتعالى كيفية بدء الخلق ونشأته فيها وشجعنا وحثنا بالبحث والتعرف عليها فقال يأمرنا بذلك ولم ينهانا عنه أو كان قد أخبرنا بأن الضلوع في بحث من هذا النوع لهو بالحرام والكفر ولكن على العكس فلقد حذرنا الله من الكذب عن طريق التحليل والتحريم ونسب الاكاذيب إلى الله لأن هذا فيه إفتراء على الله، فمن له الحق لأن يتقول على الله وينسب إليه ما لم يحلله أو يحرمه، فقال الله تعالى في كتابه العزيز مخاطباً اهل البدع اليوم والذين يؤولون ويكثرون من التحريم وعلى هواهم بعد أن ينسبوها إلى الله ويمنعون الناس من التفكر والتساؤل، ويتطاولون ويُشرِطون ويُصعبون ويُعسرون على الناس أمورهم الحياتية بدلاً من الإحتكام لكلام الله وقرآنه وسنة نبيه،

قال تعالى "وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـٰذَا حَلَالٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ." سورة النحل 116 .

فلقد دعانا الله ومباشرة للبحث في مملكته وارضه ولم يطلب منّا التنحي ودفع هذا الأمر للغربيين من أمريكان وأوروبيين وغيرهم حتى يُخبرونا هم بما إحتوى عليه ذكرنا وقرآننا ونستثني أنفسنا كمسلمين من هذه المهمة،

قال تعالى "لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" سورة الأنبياء 10 .

فلم يكن أطوار التحول إلى الحجارة والحديد تم إكتشافه حتى القرن التاسع عشر حيث أتى الجواب على تساؤلاتهم وحيرتهم مفاجئاً ولم يكُن متوقعاً أو بالحسبان وفيه تحدي وتصريح بهذه الحالة الجديدة والتي لم يسبق لأن عهدها أو شهدها الإنسان من خلال تعامله مع الأجساد الميتة من قبل وما يمكن لأن يطرأ عليها من مزيد من التحول او التغيير، فنحن نعلم بأن ما يطرأ على الجسد الميت بعد العديد من السنين هو بأن يتحلل تدريجياَ حتى يُصبح تراب (حبيبات ذرية - ذرات)، ولكن فما هذا الجديد والذي يُخبرنا الله تعالى عنه والذي كان فيه قوله تعالى،

"قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا" سورة الإسراء 50.

وهذه الحقيقة المادية التي أعلن عنها الله سبحانه وتعالى لا تحدث لهم بعد موتهم وإنقضاء البضع من السنين ولا حتى بعد إنقضاء المئات من السنين ولا يُمكن حدوثها في جميع البيئات والتي يحصل فيها الدفن معينة حتى تكتمل حدوث هذه المرحلة، فهي تخص تربة معينة ذات خصائص معينة وتخضع لظروف معينة، وهذا أقرب للخيال منه للحقيقة بالنسبة لمن يجهل حصول هذه الحالة ولم يكن عهدها أو إكتشف حدوثها بعد، وذلك نتيجة حدود علم الإنسان وقدراته البسيطة والمتواضعة، ولكن فلقد اتى هذا التصريح من أجل دعم حقيقة وجود هذا الخلق الإنساني والبشري المتحجر أو المتحدد والذي نرى الإشارة الواضحة عليه من خلال هذه الآية الكريمة من سورة الإسراء والتي فيها يعطي الله تعالى مثلاً لأن يكون عليه الخلق الآدمي "الإنساني" على هذه الشكل من التحجر والتحدد، ولكن لربما إدعى البعض بالقول على أن هذا المفهوم للتحجر كنّا قد تعرفنا عليه من خلال تعرفنا على المومياء (الفراعنة المصريين) ومن خلال إكتشاف الرجل الجليدي أي بأننا نُدركه من خلال ظاهرتي التجمد والتحنيط، والتي يمكن حدوثها في معدلات زمنية أقل أي عشرات ومئات من السنين.

إن عملية التحجر المذكورة في قوله تعالى لا تحدث أو توصف عن طريق تحول جسد الميت ليكون شبيهاً بالحجر أي كالحجر من خلال ظاهرتي التحنيط أو التجمد أي تجمد الخلايا والأنسجة أو من خلال الخضوع لعملية تحنيط وتنشيف كامل مع الإبقاء على المادة العضوية الأصلية لبقايا الميت وفيهما يكون الكائن المحنط أو المتجمد أي مادتهم العضوية كالحجر أو الحديد ولكن ليس في جوهر الحجر أو الحديد وحقيقتهم ومحتواهم الكيميائي وتركيبتهم الفيزيائية كما تم ذكره في التنزيل العزيز والذي هو أشد عبرة واعظم آية وله أبعاد كبيرة ويختلف حدوثها تماماً عن ظاهرتي التحنيط أو التجمد، فقوله تعالى (كونوا حجارة أو حديد أي يتحداهم ليكونوا تماثيل مسكوبة من الحجر أو الحديد الخالص في جوهره وتكوينه وذاته فهو لم يقل كونوا (كالحجارة أو كالحديد) بل قال كونوا أي تحولوا بالخالص إلى حديد أو حجارة ... ولكن كيف يتم ذلك ونحن كائنات عضوية ونختلف في تركيبتنا عن الحجر والحديد ويشكل الماء أكثر من سبعين بالمائة من تركيبتنا ونعلم بأن جسد الميت في النهاية يتحلل إلى تراب ولا يُصبح هو بذاته حجر أو حديد ....

كما وقد أشار الله على قدرته لإعادة الخلق الإنساني من أطوار وهيئات أخرى تختلف عن هذا الطور الحجري والمعدني الحديدي،

فقال تعالى "أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا" سورة الإسراء 51 .

وكان ذلك واضحاً من قوله تعالى "أو خلقاً مما يكبر في صدوركم" وهذا التحدي الشامل لهؤلاء الصاغرين هو ليثبت قدرة الله المطلقة على إعادة الخلق من أي من الأشكال والتي قد تخطر ببالهم حتى أبعد من الحديد والحجر ألا أن هؤلاء المشركين أصّروا ببقاءهم على العصيان والتعنت والشرك.
ولكن هاهو القرآن الكريم وكما عودنا دائماً يجعلنا نقف أمام أفق جديد، فهو القرآن والذي لا تنقطع عجائبه يحضر إطلالة وخبر من عالم قديم فيخبرنا بتحول البقايا الميتة للإنسان والحيوان وحتى النبات إلى حجر من المعدن الخالص، فالحديد هو أساس المعدن والمعدن هو جوهر الحجر، وحدوث مثل هذه الظاهرة للتحجر أو التحدد لا تنشأ إلا بعد إنقضاء العامل الزمني البعيد جداً ولربما لن يشهد حصولها الإنسان المعاصر لأن بقاءنا نحن الآدميين مرهون بإنقضاء هذا الأجل المسمى عند الله ونريد لأن لا ننسى قوله تعالى عن إقتراب الساعة وبها إقتراب الأجل وفي ذلك نستشهد بقوله تعالى،

"يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا" سورة الأحزاب 63 .

فكيف للسائل إذن بمعرفة ماذا يحدث في عشرات أو مئات الألاف من السنين، وذلك إذا ما قيس بمعدل متوسط عمر الإنسان والذي لا يزيد عن الستينات أو السبيعينات أو الثمانينات أو بل إنقضاء أجل البشر وفناءهم، فكيف لنا بأن نشهد هذا التغيير والتمعدن علينا نحن والذي يحتاج حدوثه عشرات أو مئات الآلاف أو حتى الملايين من السنين، ولكن فهي شهادة من حجر وحديد كانت على وجود خلق كان قد قُضِى أجله منذ زمن بعيد.

لقد إختلف العلماء في تحديد عمر الإنسان الحديث (الجنس الآدمي) فمنهم من قدّر عمره بمئات الألاف من السنين ومنهم زعم بأنه لا يتعدى المئة ألف سنة ومنهم من قدره بعشرات الألاف فقط ومنهم من إكتفى بعشرة أو إثني عشرة ألف من السنين، وكما نُلاحظ فإن جميعهم في حيرة وليس منهم من يعرف الجواب الصحيح وبقوا في حيرة أكبر وهي كيف تم تحول الحبيبات الطينية إلى خلايا حية، فلماذا بقيت حيرتهم هذه سوى لأن الله تعالى لم يشهدهم على خلقه للسماوات ولا للأرض ولا خلقه لأنفسهم فدعهم يتخبطون ويدّعون باطلاً كما يشاؤون،

قال تعالى "ما أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا" سورة الكهف 51 .

لقد كانت الإشارة على الحجر والحديد هي بقصد التعريف بوجود هذا الكائن المنقرض من بشر وإنسان وذلك أتى التشبيه من خلال كوننا نحن الناس أيضاً بشر وإنسان مجتمعين في وحدة واحدة من الجنس والمنزلة ومن خلال إحتمالية حدوث هذه الظاهرة لنا نحن البشر الآدميين وقياساً عليه ما كان قد حصل للسابقين والأولين من المخلوقات، وياتي العلم الحديث ليكتشف وجود هذه الكائنات الحجرية ومنها الحديدية المنقرضة، ومن خلال البحث في المناطق العديدة من الأرض نقوم بالعثور على هذه الآثار الباقية والمتبقية منهم والتي شملت على بقايا للإنسان البدائي وللحيوان المنقرض بأشكاله المتعددة ومنه الآثار العظيمة والضخمة للديناصورات، أو هكذا أحب الغرب والذين إكتشفوا وجودها لأن يطلقوا عليها هذه التسمية، وبذلك تمكنّا من خلال البحث في الأرض بأن توصلنا إليه ولمعرفته وذلك بجهد الغربيين من علماء وباحثين وكانوا قد سبقونا إليه وكنّا نحن قد تجاهلناه وضللنا عنه وذلك على الرغم من قول الله لنا "سيروا في الأرض" وقوله تعالى "وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ".

إن الدليل المادي على حدوث هذه الظاهرة النوعية والعجيبة متوفر اليوم وذلك من خلال العثور على بقايا أكثر من صنف إنساني بدائي أولي كان قد وصل إلى هذه الحالة، ومن خلال دراستها التفصيلية يتم التعرف على البقايا المتحجرة للحيوانات البحرية والنبات والحيوان والإنسان الحجري الأول والديناصورات وحتى الجرثوميات وغيرها من بقايا الحيوانات المتعددة التي جالت الأرض فيما قبل التاريخ، إذن وحين يتم تفحص التربة أو القيام بالحفريات ودراسة المتحجرات والأثارات المتعلقة بالوجود الإنساني أو الحيواني يمكننا للإستدلال والتعرف على أصلنا الآنساني وتركيبته الجسدية البداية الأولية والتي سبقت التسوية والإعتدال والإستقامة والتحديث والتغير التي خضع لها الخلق الآدمي.
أما عملية حفظ المتحجرات هذه فهي تتم بفعل ستة طرق مختلفة والتي أصبحت معروفة لنا اليوم كما يلي:

أولاً: الحفظ السوي، كحفظ الحشرات من خلال المادة الصمغية المتصلبة للشجر.
ثانياً: التفحم أو الكربنة، الحفظ من خلال البقاء على المادة الكربونية أو الكربون فقط وذلك بعد التخلص من الهيدوجين والأكسجين والنيتروجين.
ثالثاً: الحفظ القالبي، وهو حفظ للقالب الخارجي فقط وليس حفظ للعضو وذلك نتيجة ذوبانه أو تحلله.
رابعاً: إعادة البلورة أو التبلور الطبيعي، إتحاد البلورات الصغيرة لتشكل معدن مستقر أكثر وذو بلورات أكبر حجماً.

وأهم عمليتيين للحفظ هما:

خامساً: التمعدن، حيث أن هذه الظاهرة الغريبة تحدث نتيجة تحلل الجسد العضوي في التربة الرسوبية والتي تحتوي على المياه المعدنية فيها، فمن خلال تواجد المياه المعدنية هذه يتم دخول الماء إلى مكان خلايا وانسجة الجسد المتحلل وخاصة العظمية منها، ومن ثم الإحلال التدريجي مكان ما ذاب وتحلل منها وتبدأ تأخذ مكانها الهيكلي ونتيجة لتوفر المواد الصمغية والمتلاصقة والموجودة في المياه المعدنية تبدأ عملية تجميع المعادن الموجودة فيها من سيليكا (أي الحجر) وهو مكون اساسي للصخور أو الأحجار الرسوبية، وكالسايت وبايرايت عن طريق التماسك والتقارب والتلاصق وتعمل بنفس الوقت على عزل وطرد الماء ودفعه خارج الأنسجة والخلايا العظمية وتحل مكان ما كان قد ذاب وتحلل من الأنسجة العضوية فتملأ مساماتها العظمية والصدفية بالمعدن، كما وأن كثير من متحجرات العظام والخشب (الشجر) تحصل بهذه الطريقة ونتيجة ذلك يتَكون نسخة شبيهة بالحجر للأصل وتأخذ شكل القالب مُشكِلة ما يُسمى بالفوصل ويبقى في هذه العملية بعض من مكونات العظم الأصلية على الرغم من إشباعها بمادة السيليكا أي الحجر، فتبقى في معظم الأحيان خليط من الحجر والعظم.

وسادساً: وأخيراً وأعقد تلك المراحل وأهمها وهي الإحلال "كونوا حجاراً أو حديدا" والتي تحصل حين يقوم الماء بتحليل جميع المادة العضوية الصلبة للبقايا الميتة سواء كان لإنسان أو حيوان وإستبدالهم بمادة معدنية، إن مثل هذا التحول أو الإحلال يأخذ وقت أطول ويعمل بالتالي على إعادة إنتاج أو بناء للعضو الاصلي أي بناء كامل للمادة الصلبة كالأصداف والعظام وهذا لايحدث للمادة الرخوة حيث هي أول ما يتحلل من الميت خاصة وأن الدفن السريع لا يحفظ المادة الرخوة في المخلوق لأنها تتحلل وتبلى بفعل البكتريا إلا إذا صادفتها ظروف خاصة تساعد في حفظها كأن تدفن وتغطى مثلاً بالثلج أو تدفن في مواد إسفلتية أو صمغية فيحفظه ذلك من المؤثرات الجوية التي تعمل على تفتيتها وبلاءها وتلاشيها، وبالتالي فإن إعادة البناء الكامل هو غير البناء العضوي الأصلي ولا يمت له بصلة من حيث التركيب لأنه يحل محله بديلاً وهو بناء معدني خالص حيث يتم بناء العظام والأصداف وحتى النبات والشجر بهذه الطريقة العالية البناء، إن الماء المعدني المسؤول عن تحلل الأجزاء الصلبة يحمل معه مواد الإحلال التالية والتي هي معدن السيليكا "وهو من أكثر المعادن وفرة في القشرة الأرضية وهي عبارة عن (حجر) صخور رملية بيضاء نقية وتتكون من أكسيد السيليكون المعروف بقساوته"، ومعدن الكالسايت "ويعرف بحجر اللايم ويوجد بكثرة في تربة الصخور الرسوبية"، ومعدن البايرايت "ويتكون هذا المعدن كيميائياً من كبريتيد الحديد ويُلَقب بحجر النار" وأخيراً معدن الهيماتايت "ويتكون الهيماتايت من أُكسيد الحديد الثلاثي وهو المادة الأولية والخام الرئيسي المستخرج لإنتاج الحديد أي ما يُصنع الحديد منه بالإضافة إلى إستعماله في الصناعات الحديدية المختلفة" فكل من معدني الهيماتايت والبايرايت هي معادن حديدية كما وأن معدني السيليكا والكالسايت هما ما يشكل جوهر الحجر وتركيبته الأصلية والاولية وهذا ما حدّث الله فيه.

فحين تحل هذه المعادن بديلاً عن الأصل فهي إحياناً تشترك معا وبالتالي تكون النتيجة بأن يكون التحول لحجر خالص، وبالتعريف بالحجر نقول بأن أي قطعة صخرية تُعد حجر إذا إشترك في تكوينها معدنيين أو اكثر أما إذا إحتوت قطعة الحجر على معدن واحد فقط فلا تبقى حجر بل تصبح تعرف بالمعدن والمركبذ الوحيد الذي هو مسؤول عن تركيبتها كما في الحديد والذهب وهكذا، ولذلك يُشار على أن المعدن بأنه جوهر الحجر أي ما يتكون منه الحجر فإن كان الفوصل عبارة عن حجر فهو يشترك في بناءه أكثر من معدن وبالتالي فإن إشترك إثنين من هذه المعادن أو ثلاثة أو حتى الأربعة منها يكون النتيجة حجر، وبذلك قال تعالى "قُلْ كُونُوا حِجَارَةً" وإن تم الإحلال فقط من معدن الحديد وحده يكون كما قال تعالى " أَوْ حَدِيدًا" ويكون التحول بالكامل إلى حديد، وصدق الله العظيم.


صفحات من رسالة الله - عبدالله أحمد خليل