المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المواعظُ السَّنيةُ في أيامِ شهرِ رمضان البهيّة



أهــل الحـديث
17-07-2013, 05:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

(لمواعظُ السَّنيةُ في أيامِ شهرِ رمضان البهيّة) هو عنوانُ كتابٍ ألفه جدي الشيخ عبدالرحمن الكمالي -رحمه الله-، جمعَ فيه ثلاثينَ موعظةً مرتبةً على حسب أيام شهرِ رمضان الفضيل.

وعادتي السنوية هي أن أقرأَ الموعظة الأخيرة في (وداع شهر رمضان) في بداية الشهر!، حتى أستشعرَ مدى الحسرةِ والندمِ اللذين سينتاباني بعد فراقِ الشهر؛ لأستغلَّ أوقاتَه بما تستحقه من عبادةٍ وذكر وتسبيحٍ وحمدٍ وشُكر؛ فإليكم هذه الموعظة من ذلك الكتاب:


في وداعِ شهرِ رمضانَ المُعظَّم

الحمدُ لله العظيم الإحسان، الكثيرِ النوال، الغنيِّ المنانِ العظيمِ المفضال، المتفردِ بالدوام فلا انقضاء له ولا زوال.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له الكبيرُ المتعال، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه سَنيُّ الخصال، اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبه ما دامت الأيامُ والليال.
أمّا بعـد:

فيا أخوانيَ الكرام:
اعلموا -رحمكم الله- أنَّ يومَكم هذا يومُ الوداع، لشهركم الذي شرفه الله وعظَّمه، ورفعَ قدرَه وكرَّمه، بالصيام والقيام وتلاوة القرآن، ونزولِ الرحمةِ عليكم من الله والرِّضوان.

شهرٌ جعله الله مصباحَ العام، وواسطةَ النظام، وشَرَفَ قواعدِ الإسلام: المشرقةِ بأنوارِ الصيام والقيام.
شهرٌ أنزل الله فيه كتابه، وفتحَ فيه للتائبين أبوابَه، فلا دعاءَ فيهِ إلّا مسموع، ولا ضُرَّ إلّا مدفوع، ولا عملَ إلّا مرفوع.

واعلموا -رحمكم الله- أنَّكم فارقتم شهرًا عظيما، متفضِّلًا كريما، أينَ الصُّوامُ القُوّامُ الموافقون لكم في سالفِ الأعوام؟ أينَ من كانوا معكم لياليَ شهرِ رمضانَ شاهدين، وفي كلِّ حقٍّ لله عاملين، من الآباء والأُمهات، والإخوانِ والأخوات، والجيرَةِ والقَرابات؟
أتاهم -والله- هاذمُ اللذّات، ومفرِّقُ الجماعات، وقاطعُ الشهوات،فأخلى منهم المَشاهِد، وعطَّلَ منهم المساجد، تراهم في بُطون الألحاد صرعى، لا يجدون لما هم فيه دفعا، ولا يملكون لأنفسهم ضَرًّ ولا نفعا، ينتظرون يومًا الأمَمُ فيه إلى ربِّهم تُدعى، والخلائقُ تُحشرُ إلى الموقف وتَسعى، والعيونُ تذرفُ من هولِ ذلك اليوم دمعا، والقلوبُ تتصدعُ من الحساب صدعا،"ونُفِخَ في الصور فجمعناهم جمعا".

فَرَحِمَ الله امرءًا مَهَّدَ فيه لنفسِه، قبلَ حُلولِ رمسِه، واشتغلَ بيومِه عن غدِهِ وأمسِه، وتَزوَّدَ من بقية شهرِهِ ففي نَفادِه نفادُ عُمُرِه، وأظهرَ لِفراقِ شهرِه جزعه، وسلَّم على شهرِه وودَّعَه، وقال:
السلامُ عليك يا شهرَ رمضان، السلامُ عليك يا شهرَ الصيامِ والقيامِ وتلاوةِ القرآن، السلامُ عليك يا شهرَ التجاوزِ والغفران، السلامُ عليك يا شهرَ البركةِ والإحسان، السلامُ عليك يا شهرَ التُّحَفِ والرِّضوان.

السلامُ عليكَ يا شهرَ الأمان، كنتَ للعاصين حبسا، وللمتقين أُنسا، السلامُ عليك يا شهرَ النُّسُكِ والتعبد، السلام عليك يا شهرَ الصيامِ والتَّهجد، السلام عليك يا شهرَ التراويح، السلام عليك يا شهرَ الأنوار والمصابيح.

السلامُ عليك يا شهرَ المتجرِ الريبح، السلامُ عليك يا شهرًا يُترَكُ فيه القبيح، السلامُ عليك يا أُنسَ العارفين، السلامُ عليك يا فخرَ الواصفين، السلامُ عليك يا نورَ الوامقين، السلامُ عليكَ يا روضةَ العابدين، السلامُ عليك يا شهرًا يتسابق فيه المتقون، السلام عليك من فؤادٍ لفراقك محزون.

فيا ليت شعري: هل تعودُ أيّامُك أو لا تعود؟ ويا ليتَنا تحققنا ما تشهدُ به علينا يومَ الورود، ويا ليتَنا علمنا من المقبول منّا ومن المطرود؟ وهل إذا عادت أيامُك فنحنُ في الوجود؟ ونُنافس أهلَ الركوع والسجود؟ أم قد انطبقت علينا اللُّحود، ومزَّقنا البِلى والدّود، فيا أسفًا لتصرمِّك يا شهرَ السُّعود.

فيا شهرَنا غيرَ مُودَّعٍ ودعناك، وغيرَ مَقلِيٍّ فارقناك، كانَ نهارُك صدقةً وقياما، وليلُك قراءةً وقياما، فعليك منّا تحيَّةً وسلاما.
أتُراكَ تعودُ بعدَها علينا؟ أو يُدركنا المنونُ فلا تؤولُ إلينا؟ مصابيحنا فيك مشهورة، ومساجدُنا منكَ معمورة؛ فالآن تُطفؤُ المصابيح، وتنقطعُ التراويح، ونرجعُ إلى العادة، ونُفارقُ شهرَ العِبادة.

شهرَ رمضانَ ترفق، دموعُ المحبين تدفق، قلوبُهم من ألمِ الفراق تشقَّق، عسى وقفةٌ للوداع تُطفئُ من نارِ الشوق ما أحرق، عسى ساعة توبةٍ وإقلاعٍ ترفو من الصيام كلَّما تَخرَّق، عسى منقطعٌ عن ركب المقبولين يلحق، عسى من استوجَبَ النارَ يُعتق.
عسى وعسى من قَبلِ وقتِ التَّفَرُّقِ = إلى كلِّ ما نرجو من الخيرِ نلتقي
فيُـجـبـرُ مـسـكـورٌ ويُقبَـلُ تائبٌ = ويُـعتـقُ خـطّاءٌ ويُــسـعَـدُ مـن شـقـي

عبادَ الله:
من كانَ منكم مَنَعَ نفسَه في شهرِ رمضان من الحرام، فليمنعها فيما بعدَه من الشهورِ والأعوام؛ فإنَّ إلهَ الشهورِ واحد، وهو على الزمانَينِ مُطَّلِعٌ وشاهد، آجرنا الله وإياكم على فراقِ شهرِ البركة، وأجزلَ أقسامَنا وأقسامَكم من رحمتِه المُشترَكة، وبارك لنا ولكم في بقيته، وسلكَ بنا وبكم طريقَ هدايته: بفضلِه وكرمه ورحمته، إنه أرحمُ الراحمين.