المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أسباب الأعراض عن الحق



أهــل الحـديث
17-07-2013, 01:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



من أسباب الأعراض عن الحق
بقلم المعلمي اليماني_ رحمه الله تعالى_

قال العلامة اليماني _رحمه الله تعالى_ في كتابه:القائد إلى تصحيح العقائد: ( ص12_ ص15) (فصل) الدين على درجات :

• كف عما نهي عنه.

• و عمل ما أمر به.

• و اعتراف بالحق و اعتقاد له و علم به.

ومخالفة الهوى للحق في الكف واضحة فان عامة ما نهي عنه شهوات و مستلذات و قد لا يشتهي الإنسان الشيء من ذلك لذاته ولكنه يشتهيه لعارض و مخالفة الهوى للحق في الاعتراف بالحق من وجوه:

الأول:أن يرى الإنسان أن اعترافه بالحق يستلزم اعترافه بأنه كان على باطل فالإنسان ينشأ على دين أو اعتقاد أو مذهب أو رأي يتلقاه من مربيه و معلمه على أنه حق فيكون عليه مدة ثم إذا تبين له أنه باطل شق عليه أن يعترف بذلك وهكذا إذا كان آباؤه أو أجداده أو متبعوه على شيء ثم تبين له بطلانه و ذلك أنه يرى أن نقصهم مستلزم لنقصه فاعترافه بضلالهم أو خطئهم اعتراف بنقصه حتى أنك لترى المرأة في زماننا هذا إذا وقفت على بعض المسائل التي كان فيها خلاف على أم المؤمنين عائشة و غيرها من الصحابة أخذت تحامي عن قول عائشة لا لشيء إلا لأن عائشة امرأة مثلها فتتوهم أنها إذا زعمت أن عائشة أصابت و أن من خالفها من الرجال أخطأوا ، كان في ذلك إثبات فضيلة لعائشة على أولئك الرجال فتكون تلك فضيلة للنساء على الرجال مطلقاً فينا لها حظ من ذلك و بهذا يلوح لك سر تعصب العربي للعربي و الفارسي للفارسي و التركي للتركي و غير ذلك حتى لقد يتعصب الأعمى في عصرنا هذا للمعري!

الوجه الثاني:أن يكون قد صار في الباطل جاه و شهرة و معيشة فيشق عليه أن يعترف بأنه باطل فتذهب تلك الفوائد.


الوجه الثالث:الكبر يكون الإنسان على جهالة أو باطل فيجيء آخر فيبين له الحجة فيرى أنه إن اعترف كان معنى ذلك اعترافه بأنه ناقص و أن ذلك الرجل هو الذي هداه و لهذا ترى من المنتسبين إلى العلم من لا يشق عليه الاعتراف بالخطأ إذا كان الحق تبين له ببحثه و نظره و يشق عليه ذلك إذا كان غيره هو الذي بين له.
الوجه الرابع:الحسد و ذلك إذا كان غيره هو الذي بين الحق فيرى أن اعترافه بذلك الحق يكون اعترافاً لذلك المبين بالفضل و العلم و الإصابة فيعظم ذلك في عيون الناس و لعله يتبعه كثير منهم و إنك لتجد من المنتسبين إلى العلم من يحرص على تخطئه غيره من العلماء و لو بالباطل حسداً منه لهم و محاولة لحط منزلتهم عند الناس.
ومخالفة الهوى للحق في العلم و الاعتقاد قد تكون لمشقة تحصيلية فإنه يحتاج إلى البحث و النظر و في ذلك مشقة و يحتاج إلى سؤال العلماء و الاستفادة منهم و في ذلك ما مر في الاعتراف و يحتاج إلى لزوم التقوى طلباً للتوفيق و الهدى و في ذلك ما فيه من المشقة.


و قد تكون لكراهية العلم و الاعتقاد نفسه و ذلك من جهات الأول ما تقدم في الاعتراف فأنه كما يشق على الإنسان أن يعترف ببعض ما قد تبين له فكذلك يشق عليه أن يتبين بطلان دينه أو اعتقاده أو مذهبه أو رأيه الذي نشأ عليه واعتر به و دعا إليه و ذهب عنه أو بطلان ما كان عليه آباؤه و أجداده و أشياخه و لا سيما عندما يلاحظ أنه أن تبين له ذلك تبين أن الذين يطريهم و يعظمهم و يثنى عليهم بأنهم أهل الحق و الإيمان و الهدى و العلم و التحقيق ، هم على خلاف ذلك و إن الذين يحقرهم و يذمهم و يسخر منهم و ينسبهم إلى الجهل و الضلال و الكفر هم المحقون و حسبك ما قصه الله عز و جل من قول المشركين قال تعالى:[ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ] ( الأنفال:32 ).

فتجد ذا الهوى كلما عرض عليه دليل لمخالفيه أو ما يوهن دليلاً لأصحابه شق عليه ذلك و أضطرب و أغتاظ و سارع إلى الشغب فيقول في دليل مخالفيه:هذه شبهة باطلة مخالفة للقطعيات و هذا المذهب مذهب باطل لم يذهب إليه إلا أهل الزيغ و الضلال…. و يؤكد ذلك بالثناء على مذهبه و أشياخه و يعدد المشاهير منهم و يطريهم بالألفاظ الفخمة و الألفاظ الضخمة و يذكر ما قيل في مناقبهم و مثالب مخالفيهم و إن كان يعلم أنه لا يصح أو أنه باطل ! ومن أوضح الأدلة على غلبة الهوى على الناس أنهم - كما تراهم - على أديان مختلفة، و مقالات متباينة و مذاهب متفرقة و آراء متدافعة ثم تراهم كما قال الله تبارك و تعالى :[ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ]. فلا تجد من ينشأ على شيء من ذلك و يثبت عليه يرجع عنه إلا القليل و هؤلاء القليل يكثر أن يكون أول ما بعثهم على الخروج عما كانوا عليه أغراض دنيوية.


ومن جهات الهوى أن يتعلق الاعتقاد بعذاب الآخرة فتجد الإنسان يهوى أن لا يكون بعث لئلا يؤخذ بذنوبه فإن علم أنه لا بد من البعث هوي أن لا يكون هناك عذاب فإن علم أنه لا بد من العذاب هوي أن لا يكون على مثله عذاب كما هو قول المرجئة فإن علم أن العصاة معذبون هوي التوسع في الشفاعة - و هكذا .....


ومن الجهات أنه إذا شق عليه عمل كالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هوي عدم وجوبه و إذا ابتلي بشيء يشق عليه أن يتركه كشرب المسكر هوي عدم حرمته. وكما يهوى ما يخفف عليه فكذلك يهوى ما يخفف على من يميل إليه و ما يشتد على من يكرهه فتجد القاضي و المفتي هذه حالهما. ومن المنتسبين إلى العلم من يهوى ما يعجب الأغنياء و أهل الدنيا أو ما يعجبه العامة ليكون له جاه عندهم و تقبل عليه الدنيا، فما ظهرت بدعة و هويها الرؤساء و الأغنياء و أتباعهم إلا هويها و إنتصر لها جمع من المنتسبين إلى العلم.

و لعل كثيراً ممن يخالفها إنما الباعث لهم عن مخالفتها هوى آخر وافق الحق فأما من لا يكون له هوى إلا إتباع الحق فقليل و لا سيما في الأزمنة المتأخرة و هؤلاء القليل يقتصرون على أضعف الإيمان و هو الإنكار بقلوبهم و المسارة به فيما بينهم ، إلا من شاء الله.