المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : والتولي يوم الزحف،



عميد اتحادي
12-07-2013, 06:41 PM
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ



تفسير بن كثير
يقول تعالى متوعدا على الفرار من الزحف بالنار لمن فعل ذلك { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا} أي تقاربتم منهم ودنوتم إليهم { فلا تولوهم الأدبار} أي تفرقوا وتتركوا أصحابكم، { ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال} أي يفر بين يدي قرنه مكيدة ليريه أنه خاف منه، فيتبعه، ثم يكر عليه فلا بأس عليه في ذلك وهو قول سعيد بن جبير والسدي . وقال الضحاك أن يتقدم عن أصحابه ليرى غرة من العدو فيصيبها، { أو متحيزا إلى فئة} أي فر من ها هنا إلى فئة أخرى من المسلمين يعاونهم ويعاونوه، فيجوز له ذلك، حتى لو كان في سريه ففر إلى أميره أو إلى الإمام الأعظم دخل في هذه الرخصة. قال الإمام أحمد عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال: كنت في سرية من سرايا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فحاص الناس حيصة، فكنت فيمن حاص، فقلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟ ثم قلنا: لو دخلنا المدينة ثم بتنا، ثم قلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإذا كانت لنا توبة وإلا ذهبنا، فأتيناه قبل صلاة الغداة، فخرج فقال: (مَنْ القوم؟) فقلنا: نحن الفرارون، فقال: (لا، بل أنتم العكّارون أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين) قال: فأتيناه حتى قبَّلنا يده. وقرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية: { أو متحيزا إلى فئة} ""رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه"". وقال أهل العلم: معنى قوله (العكارون): أي العرافون، وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في أبي عبيدة لما قُتل بأرض فارس لكثرة الجيش من المجوس فقال عمر: لو تحيز إليَّ لكنت له فئة، ويروى عنه أنا فئة كل مسلم. وقال الضحاك في قوله { أو متحيزا إلى فئة} : المتحيز الفار إلى النبي وأصحابه، وكذلك من فر اليوم إلى أميره أو أصحابه، فأما إن كان الفرار لا عن سبب من هذه الأسباب فإنه حرام وكبيرة من الكبائر، لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات) قيل يا رسول اللّه وما هن؟ قال: (الشرك باللّه، والسحر، وقتل النفس التي حرم اللّه إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) ""أخرجه الشيخان عن أبي هريرة"". ولهذا قال تعالى: { فقد باء} أي رجع { بغضب من اللّه ومأواه} أي مصيره ومنقلبه يوم ميعاده { جهنم وبئس المصير} . وقال الإمام أحمد عن بشير بن معبد قال: أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم لأبايعه فاشترط عليَّ شهادة أن لا إله إلا اللّه، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن أقيم الصلاة، وأن أؤدي الزكاة، وأن أحج حجة الإسلام، وأن أصوم شهر رمضان، وأن أجاهد في سبيل اللّه؛ فقلت يا رسول اللّه أما اثنتان فواللّه لا أطيقهما: الجهاد، فإنهم زعموا أنه من ولى الدبر فقد باء بغضبٍ من اللّه، فأخاف إن حضرت ذلك خشعت نفسي وكرهت الموت. والصدقة، فواللّه مالي إلا غنيمة وعشر ذود هن رسل أهلي وحمولهم، فقبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يده ثم حرك يده ثم قال: (فلا جهاد ولا صدقة فبم تدخل الجنة إذا)؟ قلت: يا رسول اللّه أنا أبايعك، فبايعته عليهن كلهن ""أخرجه الإمام أحمد، قال ابن كثير: حديث غريب من هذا الوجه لم يخرجوه في الكتب الستة"". وقد ذهب ذاهبون إلى أن الفرار إنما كان حراما على الصحابة، لأن الجهاد كان فرض عين عليهم، وقيل: على الأنصار خاصة لأنهم بايعوا على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وقيل: المراد بهذه الآية أهل بدر خاصة يروى هذا عن عمرو ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد ونافع والحسن البصري وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والضحاك وغيرهم . وحجتهم في هذا أنه لم تكن عصابة لها شوكة يفيئون إليها إلا عصابتهم تلك كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض)، ولهذا قال الحسن في قوله: { ومن يولهم يومئذ دبره} قال: ذلك يوم بدر، فأما اليوم فإن انحاز إلى فئة أو مصر فلا بأس عليه، وقال ابن المبارك عن يزيد بن أبي حبيب: أوجب اللّه تعالى لمن فر يوم بدر النار، قال: { ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله} ، فلما كان يوم أُحد بعد ذلك قال: { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان} ، إلى قوله { ولقد عفا اللّه عنهم} ، ثم كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين، قال: { ثم وليتم مدبرين ثم يتوب اللّه من بعد ذلك على من يشاء} . وعن أبي سعيد أنه قال في هذه الآية: { ومن يولهم يومئذ دبره} إنما أنزلت في أهل بدر، وهذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراما على غير أهل بدر، وإن كان سبب نزول الآية فيهم، كما دل عليه حديث أبي هريرة المتقدم من أن الفرار من الزحف من الموبقات كما هو مذهب الجماهير، واللّه أعلم.


http://www.alro7.net/ayaq.php?langg=arabic&aya=16&sourid=8 (http://www.alro7.net/ayaq.php?langg=arabic&aya=16&sourid=8)