المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل مَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا؟!



أهــل الحـديث
10-07-2013, 05:51 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



الحمد لله القائل:


{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.


[الكهف: 110]


والصلاة والسلام على نبيه الكريم القائل:


«مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدرى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَوْ آخِرُهُ»


رواه ابن حبان (7182) عن عمار بن ياسر، وصححه شيخنا.


وبعد:


فقد استمعت بقلبي وعقلي ـ عبر التسجيل، خلال رحلتي في (كينيا) ـ لنقاش دار بين شيخنا الإمام الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ وبين بعض الأشخاص، وكان النقاش يدور حول إصلاح المجتمع، وإصلاح الأمة، وكان شيخنا الإمام ـ رحمه الله تعالى ـ يقرر أن طريق الصلاح والإصلاح لا بد وأن تكون من قاعدة المجتمع والناس.. وبالتصفية والتربية.. وبالأخلاق والمعاملات الإسلامية.. وليس من خلال تغيير رأس هرم السلطة، كما يحلو لكثير من العاملين للإسلام ـ وبه ـ أن يفهموه، وكان ـ رحمه الله تعالى ـ يستدل على ذلك بقول الله تعالى:


{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.


[الأنعام: 153]


ويشرح فهمه السلفي القويم الراسخ، والمستند لنصوص الشرع، وواقع الناس والحياة المُعَاش، لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي رواه جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:


«كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ, فَخَطَّ خَطًّا، وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَمِينِهِ، وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْخَطِّ الأَوْسَطِ، فَقَالَ:


«هَذَا سَبِيلُ الله»


ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ :


{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}».


رواه ابن ماجه (11) وصححه شيخنا.


ويقرر بلهجته ولغته البسيطة المحببة، أنه يفهم من هذا الحديث أن الْخَطِّ الأَوْسَطِ خط طويل، ونحن نسير فيه مهما طال، والنتيجة ـ كما الوسيلة ـ معروفتان، وهي كما فهمها ـ قبلُ ـ الشاعر الجاهلي امرؤ القيس القائل:


بَكَى صاحِبِي لَمَّا رأى الدَّرْبَ دُونَه ... وأيْقَن أنَّا لاحِقانِ بقَيْصَرا


فقُلتُ له لا تَبْكِ عينُك إنَّما ... نُحاوِلُ مُلْكاً أو نَموتَ فنُعْذَرَا


فليس المهم الوصول إلى الهدف، المهم السير في الطريق الصحيح، أو الموت دونه، وعندئذ نقول ما قاله الصالحون المصلحون قبلنا:


{..قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}


[الأعراف: 164]


ثم قرأت بعد ذلك لشيخنا الإمام ـ رحمه الله تعالى ـ كلاما قَيِّماً عن ماضي، وحاضر، ومستقبل الأمة الإسلامية في سلسلته المباركة:


«السلسلة الصحيحة» (14/31) الحديث رقم (3418)


حول حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:


«بايعنَا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -على السمعِ والطّاعةِ في العُسر واليُسر، والمنشَطِ والمَكره، وعلى أثَرةٍ علينا، وعَلى أن لا نُنازعَ الأمرَ أَهله،[إلا أن ترَوا كُفراً بَواحاً، عندكم من اللهِ فيه بُرهانٌ]، وعلى أن نقولَ بالحقِّ أينَما كنَّا، لا نخافُ في اللهِ لومة لائمٍ».


حيث قال شيخنا معلقا في بعض تعليقه على هذا الحديث:


«من المعلوم أن ما أمر به المسلم من الأحكام منوط بالاستطاعة؛ حتى ما كان من أركان الإسلام، قال تعالى:


{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً}


[آل عمران:97]


وهذا من الوضوح بمكان فلا يحتاج إلى تفصيل.


و الذي يحتاج إلى التفصيل؛ إنما هو التذكير بحقيقتين اثنتين:


الأولى:


أن قتال أعداء الله- من أي نوع كان- يتطلب تربية النفس على الخضوع لأحكام الله واتباعها؛ كما قال- صلى الله عليه وسلم -:


«المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله»


«الصحيحة» (549).


والأخرى:


أن ذلك يتطلب الإعداد المادي والسلاح الحربي؛ الذي ينكأُ أعداء الله؛ فإن الله أمر به أمير المؤمنين فقال:


{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}


[الأنفال:60].


والإخلال بذلك مع الاستطاعة؛ إنما هو من صفات المنافقين، ولذلك قال فيهم رب العالمين:


{ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدَّةً}


[التوبة:46].


وأنا اعتقد جازماً أن هذا الإعداد المادي لا يستطيع اليوم القيام به جماعة من المؤمنين دون علم من حكامهم- كما هو معلوم-، وعليه؛ فقتال أعداء الله من جماعة ما، سابق لأوانه، كما كان الأمر في العهد المكي، ولذلك؛ لم يؤمروا به إلا في العهد المدني؛ وهذا هو مقتضى النص الرباني:


{لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}


[البقرة:286].


وعليه؛ فإني أنصح الشباب المتحمس للجهاد، والمخلص حقاً لرب العباد:


أن يلتفتوا لإصلاح الداخل، وتأجيل الاهتمام بالخارج الذي لا حيلة فيه، وهذا يتطلب عملاً دؤوباً، وزمنا طويلاً؛ لتحقيق ما أسميه بـ


(التصفية والتربية)


فإن القيام بهذا لا ينهض به إلا جماعة من العلماء الأصفياء، والمربين الأتقياء، فما أقلهم في هذا الزمان، وبخاصة في الجماعات التي تخرج على الحكام!


وقد ينكر بعضهم ضرورة هذه التصفية ـ كما هو واقع بعض الأحزاب الإسلامية ـ وقد يزعم بعضهم أنه قد انتهى دورها، فانحرفوا إلى العمل السياسي أو الجهاد، وأعرضوا عن الاهتمام بالتصفية والتربية، وكلهم واهمون في ذلك، فكم من مخالفات شرعية تقع منهم جميعاً بسبب الإخلال بواجب التصفية، وركونهم إلى التقليد والتلفيق، الذي به يستحلون كثيراً مما حرم الله! وهذا هو المثال:


الخروج على الحكام؛ ولو لم يصدر منهم الكفر البواح.


وختاماً أقول:


نحن لا ننكر أن يكون هناك بعض الحكام يجب الخروج عليهم؛ كذاك الذي كان أنكر شرعية صيام رمضان، والأضاحي في عيد الأضحى، وغير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة، فهؤلاء يجب قتالهم بنص الحديث، ولكن بشرط الاستطاعة كما تقدم.


لكن مجاهدة اليهود المحتلين للأرض المقدسة، والسافكين لدماء المسلمين أوجب من قتال مثل ذاك الحاكم من وجوه كثيرة، لا مجال الآن لبيانها، من أهمها:


أن جند ذاك الحاكم من إخواننا المسلمين، وقد يكون جمهورهم- أو على الأقل الكثير منهم- عنه غير راضين، فلماذا لا يجاهد هؤلاء الشباب المتحمس اليهود، بدل مجاهدتهم لبعض حكام المسلمين؟!


أظن أن سيكون جوابهم عدم الاستطاعة بالمعنى المشروح سابقاً، والجواب هو جوابنا، والواقع يؤكد ذلك؛ بدليل أن خروجهم- مع تعذر إمكانه- لم يثمر شيئاً سوى سفك الدماء سُدى! والمثال - مع الأسف الشديد- لا يزال ماثلاً في الجزائر، فهل من مدَّكر؟!».


انتهى النقل من كلام شيخنا الإمام رحمه الله تعالى


فقلت لنفسي ـ وأحببت أن أُطْلِعَ عليه من شاء الله من عباده ـ:


هذه هي الوسيلة، وهذه هي النتيجة، خاصة بعد المعاناة الجديدة والأخيرة التي عانيتها وعاينتها في مصر الحبيبة العظيمة، وبعد هذا الذي حدث في مصر مؤخرا من جيشها العظيم!!


تغير رأس هرم السلطة، وفاز الحزبيون بالرئاسة وأغلبية مجلس الشعب، ومجلس الشورى، وصاروا حكاما فعليين بشرعية الصناديق كما يحلو لهم، وجاءت القوة العسكرية التي باتت عدة بياتات شتوية منذ شتاء سنة 1973م إلى يومنا هذا، نحو أربعين شتاءً، لم تطلق فيه طلقة واحدة على الصهاينة المحتلين، ولم تزعجهم حتى في كلمة تعكر صفوهم.. جاءت اليوم لتنقلب على هذه الصناديق، وتطيح بها في ضحوة نهار، وتعتقل رأس الدولة ومن حوله من المعاونين.


ونقول للحزبيين أصحاب الصناديق الشفافة ما قاله الشاعر العربي:


سلوا الحوادثَ والتأريخَ هل عرفوا*** حقا ورأياً بغير القوةِ احتُرما


في مصر التي هي أم الدنيا فعلا، والتي أقسمتُ، وأقسمُ أن حبي لها لا أظنه ينقص عن حب أي رجل من رجالاتها الذين أعلنوا حبهم قولا وفعلا، أو الذين ضحوا بدمائهم وأرواحهم برهانا على حبها.. مصر التي انجبت رجالا كثيراً.. منهم من فتحوا شمال أفريقيا، والأندلس وقضوا بعد ذلك على الدولة العبيدية الباطنية الخبيثة سنة (564هـ) قبيل أن يحرروا بلاد الشام من الصليبيين زمن زحفوا مع صلاح الدين في معارك ما كانت حطين سنة (583هـ) إلا جوهرتها النفيسة، ودرتها الرئيسة، وأعادوا للمسجد الأقصى، ولمدينة القدس عروبتها وإسلامها، لينطلقوا بعد أقل من خمس وسبعين سنة لتحرير العالم الإسلامي من التتار والمغول في موقعة عين جالوت سنة (658هـ)، غير بعيد عن موقعة حطين في سهول طبريا وبيسان من أرض فلسطين جوهرة الشام، والعالم الإسلامي، بعد غزوهم بغداد واستباحتها سنة (656هـ).


في مصر أمنا وأم الدنيا، وفي غيرها من بلدان عالمنا الإسلامي المترامي الأطراف لا بد من العودة الحميدة الدؤوبة الصحيحة إلى العناية بديننا وتعلمه وتصفيته والتربية عليه، والإعداد الدؤوب الصحيح بالقوة والبأس الشرعي الصحيح لمعاودة واستئناف الحياة الإسلامية الصحيحة ابتداءً من غرف النوم، وقيعان البيوت، ورحبات المساجد والشوارع والمدارس، لنكون مسلمين نستحق حكم الإسلام العظيم، فضلاً عن جهاده الرحيم، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولإدخالهم في دين الله أفواجاً بشريعة الإسلام وشرعيته، لا بشريعة الديمقراطيات، والبرلمانات، والانتخابات، والمظاهرات، والاعتصامات، والشوارع وشرعيتها.


في مصر أمنا وأم الدنيا، وفي غيرها من بلدان عالمنا الإسلامي المترامي الأطراف أليس من الخير للمسلمين لو أن هذه العشرات من الألوف المؤلفة من الأرواح البريئة من المواطنين، والجيوش، ورجال الأمن أريقت دماؤها في مقارعة المحتلين الصهاينة الذين يدنسون ساحات الأقصى كل يوم؟!


أليس من واجب الحكام والمحكومين على حد سواء أن يتنبهوا إلى حقيقة أن المغالبة بين الحاكم والمحكوم مآلها سفك الدم الحرام، في الشهر الحرام، وفي البلد الحرام كما حصل في فتنة جهيمان القريبة البعيدة.


أليس من واجب الحكام والمحكومين على حد سواء حشد هذه الملايين ـ إن صدق حشدها وحاشدوها ـ لمقارعة من هم حقيقة واقعة يقينية أعداء لدين الله وللبشرية والإنسانية من صهاينة محتلين غاصبين بدل أن تُحشد الليالي والأيام في الساحات والميادين العامة التي تعيق حركة المجتمع والناس والاقتصاد وكل حسن وجميل في مجتمعاتنا؟!


حتى اللحظة لم نعرف أين مصلحة شعوبنا ومجتمعاتنا؟!


هل تحقق حديث أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:


«مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ».


شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِى هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ.


رواه مسلم


{والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.