المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السيرة الذاتية للدكتور محمد إبراهيم أحمد علي شمشير (منقول) .



أهــل الحـديث
08-07-2013, 09:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم






السيرة الذاتية للأستاذ الدكتور: محمد إبراهيم أحمد علي (أبو حنيفة الصغير)



اسمه

هو العلامة (أبو حنيفة الصغير)

الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم أحمد عـلـي شمشير



مولده ونشأته

ولد في حي الشامية بمكة المحمية عام 1355 هـ, أتم المرحلة الابتدائية بالمدرسة العزيزية بحي الشامية عام 1368 هـ كان يدرس بها علماء منهم :الشيخ الحافظ الفقيه الحنفي محمد أمين مرداد والشيخ العلامة المؤرخ محمد طاهر الكردي الخطاط والشيخ محمد ساعاتي مدرس الرياضيات والشيخ حسين مرداد وغيرهم رحمهم الله اكمل دراسته الثانوية بالمعهد العلمي السعودي عام 1373 هـ.


تعلمه من كبار العلماء

تتلمذ على كبار علماء المسجد الحرام وخصوصا الشيخ محمد مرداد والشيخ عبد الله دردوم والشيخ محمد زيني عبد الهادي كتبي رحمهم الله وكما حظي بالتلمذة من فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي.


بره بوالده

أستحق بعد تخرجه الابتعاث إلى مصر لتفوقه لكن والده لم يرغب فما كان منه الا السمع والطاعه .فالتحق بكلية الشريعة بمكة المكرمة نزولأعلى رغبة والده رحمهم الله


هو والشيخ الشعراوي

حظي بالتلمذة على فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي مدرس البلاغة وقد خصص الشيخ لتلاميذه درسا بعد العصر في كتاب الامالي لأبي علي القالي في الأدب العربي في مبنى كلية الشريعة بحي الزاهر ,وفي علم العروض بمنزله بحي أجياد بعمارة الشريف شرف رضا، وفي عام 1378هـ تخرج من الكلية وكان الأول ,رشح للقضاء وباصرار من معالي الشيخ حسن آل الشيخ لكنه امتنع وفضل التدريس .




تدريسه وابتعاثه إلى بريطانيا


عين مدرسا بمدرسة سيدنا خالد بن الوليد رضى الله عنه بحي الشبيكة وبحي أجياد بعد انتقالها ,ابتعث إلى الجامعة الأمريكية في دورة علمية لتدريب المعلمين ونال شهادتها, وفي عام 1384 هـ صدر قرار وزير التعليم العالي بتعيينه معيدا بكلية الشريعة بحي الزاهر, وفي عام 1385 هـ ابتعث لبريطانيا للحصول على درجة الدكتوراه التي نالها بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى والتوصية بطبع الرسالة وكانت من قسم القانون المقارن عام 1391 هـ, كما نال على دبلوم في القانون الإنجليزي والدراسات القانونية بدرجة الشرف الأولى من كلية مدينة لندن.


الوظائف التي شغلها

1)أستاذ مساعد بكلية الشريعة 2)عضوافي اللجنة الاستئنافية الجمركية بالمنطقة الغربية (من 2/7/1391هـ إلى 13/6/1396هـ ) 3)رئسيا لقسم الشريعة بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة في 6/9/1393هـ 4)أستاذاً زائراً لتدريس الفقه الإسلامي المقارن بجامعة متشجن آن عام1978م ,كما أنتدب للتدريس بها مرتين عام 1977م ,و1979 م، وقد قام أثناء إعارته لهذه الجامعة بتأليف في اللغة العربية وبالاشتراك مع أ.د:راجي راموني ود:عمرو النامي (تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها)كما استضافته جاامعة هارفارد أستاذا زائرا عام 1979م، وجامعة ديوك بنورث كارولينا عام 1981م، وبعض الجامعات الأمريكية والاوربية . 5)عميدا لكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى في عام 1402هـ وهو المؤسس لها 6)عضوا في مجلس الجامعة في جلسته الأولى لعام 1403هـ كما أعيد تعيينه لفترة ثانية 7)عضوا في مركز بحوث الدراسات الإسلامية بالجامعة عام 1407هـ وعام 1409هـ 8)وكيلا للدراسات العليا والبحث العلمي ورئيس المجلس العلمي عام 1411هـ 9)في 1/6/1414هـ صدر قرار مجلس الجامعة رقم 4 بتعينه أستاذاً للفقه المقارن بقسم الشريعة 10)أحيل على التقاعد في 1/7/1415هـ لبلوغه السن القانوني وعدم رغبته في التمديد .


مؤلـفاته
1. المسؤوليات الاجتماعية للفرد والدولة في القانون السعودي باللغة الإنجليزية
2. تحقيق مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الامام أحمد بن حنبل, بالاشتراك مع أ.د: عبد الوهاب أبو سليمان
3. المذهب عند الشافعية بحث منشور في مجلة جامعة الملك عبد العزيز , العددالثاني ,عام 1398هـ ترجم إلى التركية بقلم د فاروق بشر
4. المذهب عند الحنفية بحث نشر في الكتاب السادس والعشرين ,مركز البحث العلمي واحياء التراث الإسلامي وترجم إلى التركية والفارسية بقلم أسد حنيف
5. اصطلاح المذهب عند المالكية
6. التطور القضائي في المملكة العربية السعودية بحث باللغة الإنجليزية بالاشتراك مع أ.د:عبد الوهاب أبوسليمان نشر بمجلة القانون الإسلامي والمقارن ,نيجيريا جامعة أحمد بلو ,العددالثالث عام 1969م 7ـ تحقيق كتاب الجواهر الحسان في تراجم الفضلاء والأعيان من أساتذة وخلان للشيخ زكريا بيلا وبالاشتراك مع أ.د:عبد الوهاب أبو سليمان.
وفاته


غيبه الموت في مكة المكرمة يوم الأحدالموافق 17/3/1430هـ عن عمر يناهز 75 عاما، وبعد صراع طويل مع المرض، و ووري جثمانه الثرى في مقبرة المعلاة بمكة بعد أداء الصلاة في الحرم المكي عليه




قال عنه معالي الشيخ د. صالح بن عبدالله بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء سابقاً والمستشار في الديوان الملكي
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد،
فقد اخترمت المنية قبل أيام قلائل شيخنا وأستاذنا القدوة العالم العلامة الفقيه البحّاثة المربي الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم احمد علي - رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
وإنني في هذه الأسطر- وأنا أرغب في تدوين كلمات وفاء وعرفان لأستاذي الجليل وشيخي العالم- أعترف بالقصور وبالتقصير- أما القصور فإن سيرته وحياته وشخصيته لا تفي بها الكلمات- وليس هذا مبالغة- وقد أفضى رحمه الله إلى ما قدم.
وأما التقصير فلأني أعترف بأني لم أكن متواصلا معه التواصل المطلوب مما يجب أن يعمل به تلميذ شيخه، ولو ذهبت أتلمس عذراً أو مبررًا فقد يكون:
أولا: لطبيعة الشيخ- رحمه الله- في حبه للعزلة وهي العزلة الإيجابية فهو قارئ نهم، وبحاثة متمكن، وحافظ وقته فيما يفيد.
وثانيا: طبيعة عملي التي جعلت إقامتي في مكة المكرمة- زادها الله شرفا وفضلا- غير منتظمة. وماهذا إلا نوع من الاعتذار أو التعاذر، وإلا فحق الشيخ- يرحمه الله- عليّ كبير وعظيم، لا يفيد معه مثله هذه المسوغات والتبريرات وحسبه الدعاء له بالمغفرة والرضوان من الكريم المنان.
ثم إن كلمات الوفاء هذه ليست كلمات تمجيد أو عبارات ثناء وإن كان- غفر الله له- يستحق كل ثناء وكل تمجيد ولكني سوف أحاول ان أجلي شيئا من شخصيته العلمية وهو يحاضر لنا في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية قسم الشريعة في مكة المكرمة، عامي 90/91هـ و91/92هـ في السنتين الثالثة والرابعة في مادة الفقه من كتاب (الروض المربع).
لقد قال شيخنا الاستاذ الدكتور عبدالوهاب ابوسليمان وهو زميله الوفي وصديقه الحميم قال في مقالته المنشورة في صحيفة عكاظ العدد (15555) والتاريخ 2/4/1430هـ بعنوان (الدكتور محمد ابراهيم احمد علي مدرسة حياة) (.. لم يكن تدريبه تقليدياً بإلقاء أو قراءة من كتاب او كتابة مذكرات تملى وقت المحاضرة..) أ.هـ. وهذا ما أردت بيانه وتفصيله.
من المعلوم أن طرق التدريس تتنوع وبتنوعها تختلف درجة إفادتها للطلاب، فطريقة الحلقات والمساجد عند الشيوخ، إما بقراءة المتن على الشيخ ثم شرحه من قبل الشيخ وهي من أجدى الطرق وأنفعها لاسيما أن للطالب الحرية- بعد المشاورة مع شيخه- في اختيار الكتاب المناسب لعمره وميوله وقدراته وكذلك اختيار الوقت الملائم لظروفه، كما أن في طريقتهم قراءة الكتب المطولة من التفسير وشروح الحديث، وكتب التاريخ والسير وغيرها.
والطريقة النظامية في التعليم الحديث وبخاصة في التعليم العام بالالتزام بمنهج مفروض على الطلاب والمدرس في خطة محددة وزمن محدد- فصل دراسي أو عام دراسي- ثم امتحان في المنهج وهذا مفيد إفادة حسنة في التعليم العام. ولكن مع الأسف أن هذه المنهجية في التدريس والامتحان والتقويم قد انتقلت في اغلب جامعاتنا العربية ولا أقول انها تلقينية بحتة ولكنها لا تساعد على بث الروح العلمية وبعث الهمة نحو الإبداع لدى الطالب الجامعي.
أما طريقة شخينا الدكتور محمد إبراهيم فطريقة فوجئنا بها لأنها على غير ما ألفنا ولقد استمتعنا بها لأنها فتحت لنا آفاق المعرفة وطرق التفكير وتوافقت مع ما يراه ويقصد إليه من ارتفاع مستوى الطلاب في هذه المرحلة الدراسية – المرحلة الجامعية- ولا سيما نهايتها وما ينبغي من تعويدهم على التفكير والبحث والنظرة الكلية الشمولية والاستقلال بالرأي وروح الابتكار والإبداع والاجتهاد المنضبط، وبخاصة في نظرته لمادة الفقه، فكانت طريقته –رحمه الله- ألا يقتصر اهتمامنا على المسائل الجزئية وفروع الأحكام وتحليل العبارات والجمل الفقهية بل حرص أن ينمي في الطلاب ملكة الاستنباط والنظر في علل الأحكام وإدراك القواعد والأصول الكلية ومقاصد الشريعة وقد كان ذلك منه على طريقتين:
الأولى: أنه حينما يقرأ فروع المسائل في الروض المربع يكلف الطلاب بالبحث عن العبارات الجوامع في الكتاب إن وجدت ومنها على سبيل المثال (الطلاق معتبر بالرجال). وإن لم توجد فإنه يأتي بقواعد من كتب القواعد ويبين للطالب كيف بنيت هذه الفروع عليها ومنها على سبيل المثال: (اليقين لا يزول بالشك) في بعض مسائل الطلاق وأشهد في هذا المقام أنه –رحمه الله- فتح لنا طريقة وطرقاً في البحث والتحليل والنظر، سواء في فهم العبارات الفقهية الجزئية أو في عودها وإعادتها إلى أصولها الكلية وقواعدها الفقهية. هذا بعض ما علق في الذاكرة من طريقته في التدريس رحمه الله.
أما ما عرف من سيرته –غفر الله له- فقد كان مثالياً غاية في المثالية في تواضعه وإنكاره لذاته وبعده عن المجامع العامة ليس ضعفاً ولا رغبة عن الناس والتعامل معهم، ولكن حرص منه على مجلسه ووقته في المحافظة عليه، وصرفه فيما يفيد من العلم وتحصيله ومذاكرته والبحث فيه، وهو يستقبل إخوانه وأصدقاءه، ومحبيه وطلابه، بحفاوة بالغة، وبذل كريم، فهو لطيف المعشر، عذب الحديث، يختار الكلمات، يحترز أن تصدر عنه كلمة نابية، أو عبارة ناشزة، فهو مرهف الشعور مؤدب وقور، في مجلسه فوائد وفي صداقاته تميز. ومع هذا الأدب الجم فإنه مثالي في الصرامة والوضوح وإحقاق الحق والمناقشة الموضوعية، بل انه يغبط على مثاليته وانضباطه الاجتماعي المستقيم وتدينه وصلاحه وإخلاصه، في علمه وعمله، وتعليمه وعلاقاته. لقد كان مثال الجدية في تعليمه وحرصه على طلابه ومتابعته لهم وإرشادهم والحرص على تفتيح مداركهم، وبث روح التفكير والبحث والثقة بالنفس.
أما إنتاجه الفكري وآثاره العلمية فإن شيخنا لم يكن كثير الإنتاج على الرغم من حفظه وقته واشتغاله بالعلم والبحث والمطارحات العلمية مع جلسائه من اهل العلم والفكر، بل أغلبهم متخصصون من زملائه ونوابغ تلاميذه، ومع هذا فإن له إنتاجاً حسناً، قليل في عدده رصين متين في نوعه وكيفه،وفي ربط بين الكمية والكيفية يأتي قول أستاذنا الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان –حفظه الله- وهو يعلق على مؤلفه: (مصطلح المذهب المالكي).
يقول: (قضى في تأليفه ما يقرب من عشرين عاماً متوالية، ليس للمالكية إطلاقاً مثله لم يشتغل أثناء تأليفه بعمل آخر سوى التدريس). أ. هـ، والكتاب ليس كبير الحجم مقارنة بما صرف فيه من السنين، ولكنه البحث والتمحيص، والتدقيق والعناية، التي جبل عليها شيخنا رحمه الله.
كما ألف كتابين، أحدهما: المذهب عند الحنفية، والآخر المذهب عند الشافعية، وقد حظيت بالقبول وترجمت إلى اللغات التركية والفارسية. وحقق مع زميله وصديقه أستاذنا الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان مجلة (الأحكام الشرعية) على مذهب الإمام أحمد، وكتاب (الجواهر الحسان في تراجم الفضلاء والأعيان من أساتذة وخلان) للشيخ زكريا بيلا –رحمه الله- واشتركا كذلك في بحث (التطور القضائي في المملكة العربية السعودية) وهو بحثٌ باللغة الإنجليزية، وكتب الدكتور محمد إبراهيم بحثاً عن المسؤولية الاجتماعية للفرد والدولة في القانون السعودي، وهو أيضاً باللغة الإنجليزية.
كما نقل – رحمه الله- إلى العربية بعض كتب الرحلات، ولقد قال فضيلة الأستاذ الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان وهو زميله العارف به، الخبير بفقهه: (إن حياته شريط ناطق لجلائل أعماله العلمية في التأليف التي يستمد منها أساتذة الجامعات في الحقل الفقهي، أسس مبادئهم الفقهية، وبخاصة في الفقه الإسلامي المقارن جدير بأن يلقب بـ(أبي حنيفة الصغير).. الخ).
وبعد فهذه كلمات يسيرة ومقالة مختصرة عن هذا الشيخ الجليل، والعالم النبيل، تذكيراً بمقامه الكريم، وفضله العظيم، فجزاه الله عن العلم وأهله خيراً، وأحسن إليه فيما قدم، وغفر له من ذنبه ما تأخر وتقدم،وأبقى ذكره ولا حرمنا أجره، إنه سميع مجيب وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين





قال عنه معالي الشيخ أ.د.عبدالوهاب إبراهيم أبو سليمان
عضو هيــــئة كبار العلماء
إبراهيم أحمد علي مدرسة حياة
يموت المرء وتبقى ذكراه الطيبة حية في النفوس، عالقة في الأذهان وفاءً وتقديراً لما قدم لمجتمعه، وأمته، ومواطنيه، وتعاطيه لشؤون الحياة في دنيا الناس، وبقدر عطائه تعظم الحسرة والحزن عليه.
الزميل الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم علي - رحمه الله - كان على موعد مع لقاء ربه الساعة الرابعة بعد عصر يوم الأحد الدابر 18 ربيع الأول، عام 1430هـ من الأعلام القلائل الذين وهبوا حياتهم لخدمة الأمة والدين بلا إعلام ولا إعلان.
أمضى حياته بمثالية يغبط عليها، كلها دروس وعبر، أكاديمي فريد بين زملائه الأكاديميين، واجتماعي متميز على مستوى الصداقات والتوجه على مستوى العمل.
تطبيق للقيم والتعاليم الإسلامية في أصدق صورها ديدنه، وانضباط للمبادئ الاجتماعية المستقيمة، في أجلى معانيها.
حياته عالماً، فقيهاً، إدارياً حكيماً نتاج تربيته القويمة التي نشأ عليها على يد علماء مربين أفاضل، كانوا القدوة الصالحة لأبنائهم الطلبة، كان لملازمته لوالده الحكيم، وحضوره مجالسه التي كان يحضرها كبار المكيين وقياداتهم الاجتماعية، والفكرية دور كبير في تكوينه الاجتماعي والفكري.
اعتزل الشللية، وبشكات السهر وتضييع الوقت فيما لا يفيد، وانشغل عنها بالعمل المفيد، فمن ثم كان لا يفتأ يردد ما كان يطرق سمعه من حكم ونصائح لوالده وشهود مجالسه من كبار السن يتمثل بها كلما حضرته المناسبة. نشأ - رحمه الله - نشأة علمية اجتماعية مستقيمة.
دأبه النصح والإخلاص لمن يعرفه ومن لا يعرفه، وهو شعاره فيما يسند إليه رسمياً، أو شخصياً.
التدريس مهنته لم ينصرف عنها إلى عمل سواها، حتى لو كان العمل الخارجي يدر عليه أضعاف مرتبه من النقود منذ كان مدرساً في التعليم العام، مدرسة خالد بن الوليد المتوسطة، كان مثال التفاني والإخلاص، يذكر له هذا تلاميذه السعوديون ماضياً، المتسنمون مراكز قيادية، واجتماعية في الوقت الحاضر، لا يزال محمد إبراهيم علي مدرسهم في المرحلة المتوسطة يعيش في ذاكرتهم حياً بأسلوبه الأبوي، وجديته المخلصة وعطائه العلمي، والمعرفي.
محمد إبراهيم أحمد علي طالب الدراسات العليا في جامعة لندن مرجع أساتذته المستشرقين، وزملائه الدارسين فيما يشكل عليهم، أنهى دراسته كأحسن سعودي نال شهادته العليا الدكتوراه، نال إعجاب مشرفه، وزملائه، وكل من يدور في فلك جامعة لندن، حينها كان رمزاً للطالب السعودي في علمه، وسلوكه، وحسن تصرفه.
في جلسة من جلساته الأخوية المعتادة أسبوعياً، وتذكر أحداث تلك الفترة ختم حديثه بقوله: «أحمد الله أن الواحد منا لم يرتكب أمراً يؤدي إلى الهزء بالإسلام». تعليقاً على ما يبدو من سلوكيات وعادات من البعض في الوقت الحاضر عندما يذهب إلى بلاد الغرب.
عاد إلى الوطن، وكله حماس، وإخلاص للنهوض ببلده، ورفعة أبناء أمته، وقد تجلى هذا في إسهاماته المتعددة المتنوعة.
أسهم بنصيب وافر في النهوض بكلية الشريعة ومؤسسات التعليم العالي في جامعة أم القرى، وكانت له بصماته الواضحة في إنشاء كلية الدعوة وأصول الدين، ومركز البحث العلمي، ووضع المناهج في هذه الكليات، وأخيراً وكيلاً للدراسات العليا فأصلح فيها بقدر الجهد ما أفسد الدهر.
تتلمذ عليه في كلية الشريعة في جامعة الملك عبدالعزيز من أبناء هذه البلاد العزيزة، وأبناء البلاد الإسلامية على سعة امتدادها، طلاب أصبحوا منارات في بلادهم، لا يذكرون -من أساتذتهم وهم في مناصبهم العليا- وحقول أعمال إلا أستاذهم الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله من بين كافة من مر بهم من المدرسين الذين تلقوا عنهم العلم في جامعة أم القرى.
لم يكن تدريسه تقليدياً بإلقاء، أو قراءة من كتاب، أو كتابة مذكرات تملأ وقت المحاضرة عادة بعض أساتذة الجامعات العربية، ثم ينصرفون، بل كانت محاضراته تكليف لطلابه بالبحث، وإعداد منهم للمادة، ومناقشة لما أعدوه، بل ربما كلفهم بإلقاء ما جمعوه وإعادته للمناقشة، والتصحيح والاستدراك.
يدينون له في تعليمهم الرجوع إلى المصادر، ومزاولة طرق البحث العلمي عملاً وتطبيقاً، وإثارة أفكارهم، وتنمية مواهبهم.
صريح لا يعرف المجاملة على حساب العمل، أو الحقيقة العلمية، ولو كلفه هذا غضب غيره منه.
حياة الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي شريط ناطق لجلائل أعماله العلمية في التأليف التي يستمد منها أساتذة الجامعات في الحقل الفقهي أسس مادتهم الفقهية وبخاصة في الفقه الإسلامي المقارن، جدير بأن يلقب بأبي حنيفة الصغير، فقد عكف على تأليف بحوث وكتب هي مرجع دراساتهم، وتأسيس لفقيه واع بتراث أمته، يعرف من خلالها ما يأخذ منه وما يذر، كتاب مصطلح المذهب المالكي قضى في تأليفه ما يقرب من عشرين عاماً متوالية، ليس للمالكية إطلاقاً مثله، لم يشتغل أثناء تأليفه له بعمل آخر سوى التدريس لمادة الفقه المقارن.
حياته الخاصة هدوء وسكون، مدمن للقراءة، عاشق للمعرفة في جميع حقولها، انعكس هذا على تناوله للموضوعات التي يتحدث عنها، أو يكتبها، لا يملك سامعه إلا أن يصغي إليه، حسن إلقاء، وبيان واضح، فكر مرتب حصيف.
تعامله مع أهله ومعارفه رحمة لصغارهم، وشفقة لكبارهم.
غادر رحمه الله دنيانا الفانية دون إعلان وضجيج، والكل ثناء وحب، وتذكر لمحاسنه غادرنا قرير العين، هادئ النفس للقاء ربه في سكون وهدوء كما كانت سيرته في حياته وعز نشاطه ليلقى وجه ربه، وليلقى هناك مثوبته من رب كريم لما قدم من عمل لدينه وأمته، ليكون جزاؤه فضلاً من الله ورحمة جنات تجري من تحتها الأنهار «فرحمة الله قريب من المحسنين».


فقيه مكي، متكلم، أديب، شاعر، خطيب مفوه، جم التواضع، ذكي ألمعي، حاضر البديهة، صاحب منطق، متنوع المعارف، إداري حكيم ،يجيد اللغة الإنجليزية، والأوردية، وشيئاً من الفارسية والتركية، زاهد في الشهرة، والمناصب الإدارية، صادق اللهجة، دقيق في مواعيده، ورع مترفع عن سفاسف الأمور.، كريم في خصاله، متسامح في تعامله، زاملته حضراً وسفراً، شدة ورخاءً فوجدته من أكمل الرجال، وأحسنهم خصالاً . الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي رحمه الله إذا تكلم في العلم أشبع، وإذا تكلم بالنكتة والفكاهة أمتع، لايمله سامعه جاداً أو هازلاً. بلغ الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي مكانة علمية مرموقة في المحافل العلمية، والثقافية، والمؤسسات الجامعية الرفيعة داخل المملكة وخارجها هي نتاج جهاد من السنين الطويلة منذ عهد الطفولة إلى أن بلغ مبلغ الرجال، علم جم، وثقافة واسعة، وأخلاق فاضلة رفيعة، وما الحاضر إلا نتاج الماضي.
ولد الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي في رحاب مكة المكرمة عام1355هـ، تربى مع أخيه سليمان رحمه الله تعالى في أحضان والدين كريمين في أسرة مكية علمية .
والدهما الشيخ أحمد علي من كبار المكيين منزلة، ومن أكثرهم ثقافة ومعرفة، وإجادة للغتين التركية والأوردية، وإلماماً جيداً للغة الإنجليزية إلى جانب لغته الأصلية العربية، درَّس اللغتين التركية والأوردية دروساً عامة وخاصة، وكان عازماً على تأليف معجم باللغة الإنجليزية، عمل مدرساً في المدرسة الرشدية على عهد الشريف الحسين رحمهما الله تعالى ..
جرت له أحداث مع حاكم مكة السابق الشريف الحسين رحمه الله تعالى كانت السبب في مغادرته مكة المكرمة إلى بلاد الهند، استقر بها بعض السنين، عاد منها إلى مكة المكرمة فمارس التجارة، والاستيراد بدكانه بباب السلام الكبير مجاوراً للكتبي الشهير الشيخ أحمد السناري رحمهما الله تعالى، صاحب مكتبة كبيرة جامعة، تجمع كتب التراث، والكتب العصرية الحديثة، والمترجمة .
الطفل محمد إبراهيم أحمد علي نشأ على أخلاق مكية فاضلة، وتربية إسلامية رفيعة، كان ملازماً لوالده الذي كان ينثر عليه من حكم الأمم، وتجاربها التي يجيد لغاتها : العربية والتركية، والأوردية ،والإنجليزية، ومن تجاربه في الحياة الكثير الكثير، وقد رزق الله ابنه محمد قلباً واعياً، وحافظة قوية، يختزن في ذاكرته ما كان يجري من حديث وحكم في تلك المجالس، استفاد منها في مسيرة حياته الطويلة، أثرت على شخصيته مظهراً وسلوكاً سداها التعقل، والتأني، ولحمتها الإخلاص في العمل والحب للخير أصبح هذا منهج حياته في جميع مراحل الحياة وتقلباتها.
شب الطفل محمد إبراهيم علي شغوفاً بالقراءة، مولعاً بها كلما وجد وقتاً لذلك، مجاورة دكان والده مكتبة الشيخ أحمد السناري في باب السلام مصدرا يشبع منها هواية القراءة لديه، وكان صاحبها الشيخ أحمد السناري رحمه الله تعالى كريماً متسامحاً دأبه رحمه الله مع كل أحد، يشجع على القراءة، ويسمح له بقراءة ما يرغب قراءته من موجودات مكتبته، فكان ملازماً للقراءة يختار من مكتبته ما يحلو له من كتب الأدب، ومن القصص المترجمة وكانت على ندرتها متوافرة في هذه المكتبة، قد ظهرت آثارها مبكرة بادية في أسلوب كتابته وتقدمه في دراسة اللغة الإنجليزية ببريطانيا، جاء في كتاب ( باب السلام في المسجد الحرام ودور مكتباته في النهضة العلمية والأدبية الحديثة:
« وممن يدين لمكتبة الشيخ أحمد السناري بالفضل في قراءة الكتب التي كان لها دور في تنمية مواهبه، وملكته الأدبية والفكرية في صباه وشبابه الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي الأستاذ بجامعة أم القرى، ووكيل الدراسات العليا والبحث العلمي فيها سابقاً، فقد كان بحكم جواره للمكتبة المذكورة لدكان والده الشيخ أحمد علي رحمه الله تعالى، وبتشجيع منه يأخذ ما يعجبه من كتب وقصص عربية، ومترجمة من دون أجر حتى أنه أصبح متميزاً بين زملائه، وأقرانه بفكر ثر، وخيال خصب، ومعرفة واسعة بالقصص العالمية المترجمة، والسير القديمة والحديثة ...
كان الابن محمد ملازماً لوالده كل أوقاته لايفارقه إلا لدى ذهابه إلى مدرسته الابتدائية العزيزية بالشامية، يقوم بفتح الدكان صباحاً، وإغلاقه مساءً ،وخدمة الزبائن، طيعاً باراً كأحسن مايكون بر الأبناء بالآباء، يقوم بكافة المهام الملقاة على والده . يرتاد دكان والده بباب السلام الكبير كبار المكيين من الموظفين، ورجال الأعمال، والمطوفين للمشورة في شؤونهم، والمراسلات الخارجية، ولتعليم ابنائهم اللغات التي يجيدها. قضى الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم علي فترة صباه في رحاب مكة، المكرمة، محل سكناه :الشامية، فالمسعى، وأخيراً بريع أطلع.
-أتم المرحلة الابتدائية بالمدرسة العزيزية بحي الشامية عام1368هـ، كان يدرس بها أساتذة من أعلام التعليم في مكة المكرمة منهم:
العلامة الفقيه الحافظ الشيخ محمد مرداد، والعلامة المؤرخ الشيخ محمد طاهر كردي الخطاط، والشيخ محمد ساعاتي أستاذ الرياضيات ،والأستاذ عبدالله محمود مرزا، والشيخ حسين مرداد وغيرهم رحمهم الله تعالى.
أكمل دراسته الثانوية بالمعهد العلمي السعودي عام 1374 / 1954 عاصرته زميلاً في الفصل، في المباني المطلة على الشارع العام بحي القشاشية، مقابل باب علي رضي الله عنه من أبواب الحرم الشريف عرفته عن كثب، متقدما على زملائه، مثال الحرص والتفوق، لايسمح لنفسه ولا لغيره بالعبث داخل الفصل والانصراف عن الإصغاء للأساتذة، تجلت هذه الظاهرة في سلوكه على صفحات كتب الدراسة التي امتلأت حواشيها تعليقات، وشروحاً لما يلقيه المدرسون .كان يتوجه إلى الدرس والمدرس بكليته من بدء الدرس إلى نهايته، كسب حب أساتذته وتقديرهم له فهو محل إعجابهم، متفوق في جميع مواد الدراسة، وبخاصة الرياضيات، واللغة الإنجليزية، وكان الوحيد المنافس لبعض الطلاب الماليزيين المبتعثين للدراسة في المملكة العربية السعودية، وقد عرف عنهم إجادتهم لهاتين المادتين.
ضم إلى دراسته النظامية بالمعهد العلمي السعودي الدراسة على بعض العلماء المكيين خارج نطاق الدراسة النظامية، درس الرياضيات والفرائض آنذاك على العلامة الشيخ محمد زيني عبدالهادي كتبي في منزله، والفقه على العلامة الفقيه الحافظ الشيخ محمد أمين مرداد أحد كبار علماء المسجد الحرام في الفقه الحنفي ومن كبار حفظة كتاب الله الكريم .، ودرس علم النحو والصرف على فضيلة الشيخ عبدالله دردوم رحمهم الله تعالى، وقد كان أشهر نحوي في البلد الحرام في وقته، تتلمذ عليه العديد من الطلاب من داخل المملكة وخارجها، وتخرجت علي يده أجيال، وكان التلميذ محمد إبراهيم على أحد تلاميذه الأثيرين لديه، المقربين منه .
استحق الشاب محمد إبراهيم في نهاية المرحلة الثانوية (المعهد العلمي) الابتعاث إلى مصر،وكان لايتاح الابتعاث إلا للمتفوقين، الثلاثة الأوئل، ولدى تخرجه من المعهد العلمي عام1373هـ، لم يرغب والده رحمه الله تعالى سفره إلى مصر وخروجه من مكة المكرمة برغم توسط كبار الأساتذة والوجهاء، شفاعتهم عنده للسماح له بالابتعاث، لكن الأب الشيخ أحمد علي ترك الأمر خياراً لابنه محمد، فما كان منه إلا السمع والطاعة، وتلبية رغبة والده، ظل ملازماً لوالده قائماً بحقوقه وواجباته ،والأعمال التي أوكلها له، من ذلك القيام بالإشراف على نظافة سوق باب السلام الكبير، والإشراف التام على عمال الكحل القائمين بصناعة الكحل لحساب والده، يؤدي أعماله التي وكلها والده إليه بكل طاعة ومحبة، ظل فيها الأب أباً بكل معايير الأبوة الصادقة، والابن براً بوالده بكل معاني البر وأوفاها .
الفقيه النابغة
التحق الطالب محمد إبراهيم أحمد علي بكلية الشريعة بمكة المكرمة نزولاً على رغبة والده، كان متاحاً له الالتحاق بكلية المعلمين، ولكنه آثر الالتحاق بكلية الشريعة حباً في المواد الشرعية، فكان الطالب المتميز في دراسته وسلوكه، محبوباً من أساتذته وزملائه، لاينفك عن أولية الفصل في الامتحانات على مدار أربع سنوات البكالوريوس وتفوقه عليهم، برغم اجتهاد بعض زملائه أملاً أن يزحزحه عنها، حظيت دفعته بالتلمذة على فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي مدرس علم البلاغة، كان الإعجاب بهذا العالم العلم من قبل طلابه و بمادته وأدائه لها رحمه الله تعالى، وبحبه الأبوي، حرصه على إفادتهم، يفرض جمال أسلوبه، وغزير عطائه، وإبداعه العلمي في عرضه المادة العلمية متابعته في كل مايقول. ليس غريباً أن ينال الأستاذ الشعراوي الحب والتأثير القوي على طلبته، وفي مقدمتهم الطالب محمد إبراهيم أحمد علي، عرف الأستاذ الشعراوي هذا في طلبته، وشعورهم نحوه واستفادتهم منه فلم يضن عليهم بوقته، بل خصص لهم دروساً بعد العصر في الأدب العربي في كتاب الأمالي لأبي علي القالي في رحاب كلية الشريعة في مبناها الجديد بإحدى فلل الأمراء بحي الزاهر، وفي علم العروض في منزله بحي أجياد بعمارة الشريف شرف رضا، أفادوا منه فائدة كاملة. كان محمد إبراهيم أحمد علي في مقدمتهم حضوراً، ظهر تأثير العلامة الشعراوي على شخصية الشاب محمد إبراهيم علي في علمه، وأسلوبه وقدرته المنطقية في معالجة المسائل العلمية، وبخاصة العقدية فيما وهبه الله تبارك وتعالى من ملكة الإقناع، والجدل بحيث لايجارى في هذا المجال كشيخه الشعراوي رحمه الله تعالى ..
تخرج الطالب محمد إبراهيم أحمد علي في كلية الشريعة ،عام 1378هـ كان الأول بلا منافس على فرقته، رشح للقضاء وبإصرار من معالي الشيخ حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى ـ يوم كان يتولى أعمال رئاسة القضاة بالمنطقة الغربية ـ حرص كثيراً أن ينضم إلى سلك القضاء، ولكنه امتنع عن ذلك وآثر أن يعمل في مجال التدريس. .
عين مدرساً بمدرسة خالد بن الوليد المتوسطة بحي الشبيكة، وبعد انتقالها إلى حي أجياد وقد تعاقب عليها عدة مديرين: الأستاذ السيد خليل مالكي، والأستاذ عبدالله سلامة الجهني، والأستاذ عبدالحميد الخياط رحمهم الله جميعاً، وأسكنهم فسيح جناته، كان الأستاذ محمد إبراهيم أحمد علي محل التقدير من جميعهم، والإعجاب من نشاطه التدريسي، والثقافي، كتب عنه مفتشو وزارة المعارف تقارير رفيعة، وكان مدير التفتيش الديني بوزارة المعارف فضيلة الأستاذ عبدالله الخزيم رحمه الله تعالى يُكِنّ له كل حب وتقدير لما لمسه من إبداع في طريقة تدريسه علم التوحيد، وهو محل ثناء طلابه الذين حظوا بالدرس عليه، درس مادة التوحيد، تخرج على يديه في هذه المدرسة زمرة من نوابغ الطلاب الذين يتسنمون مناصب إدارية، وعلمية، وحرفية عليا، يذكرونه بكل الحب والوفاء، متشبعين بروحه، وسلوكه .
كان لقراءاته المتنوعة، الأثر الكبير في ثقافته، ومعارفه، وأسلوب كتابته فكان من نتائج هذا اعتماد المدرسة عليه في نشاطها الثقافي، أهَّلها لأن تكون متقدمة على الكثير من المدارس في هذا المجال، ابتعث إلى الجامعة الأمريكية في دورة علمية لتدريب المعلمين بلبنان، ونال شهادتها، فأضافت إليه مزيداً من الخبرات في التدريس . انتقل والده رحمه الله تعالى إلى الدار الآخرة أثناء غيابه للدراسة بلبنان، لم تكن المواصلات يومئذ لتتيح حضوره تشييع جنازة والده فكان وقع هذا الحدث عليه أليماً أشد الألم حيث فارق والده في الوقت الذي كان ينبغي أن يكون إلى جنبه
في الجزء الأول من هذه الدراسة تناول الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان السيرة الذاتية للعالم والفقيه المكي الدكتور محمد ابراهيم أحمد علي وتوقف عند مراحل دراسته المختلفة وعمله مدرسا في احدى مدارس مكة ثم انتقاله للعمل معيدا بكلية الشريعة وما أتبع ذلك من ابتعاثه الى لندن وحصوله على شهادة الدكتوراه في الفقه المقارن وعودته للعمل استاذا بجامعة أم القرى بـمكة المكرمة.
في هذا الجزء الثاني والأخير يواصل الدكتور أبو سليمان وقوفه على أسلوب الدكتور محمد ابراهيم في التدريس وكذلك اعماله العلمية وينتهي الى ما انتهت اليه حياة العالم الجليل من التقاعد وتجاهل الجامعة له في وقت هو أحوج ما يكون فيه للرعاية والاهتمام. فإلى الجزء الثاني من هذه الدراسة القيمة:
تعتمد طريقة تدريسه على مشاركة الطلاب، بحيث يثير ملكاتهم، ويدربهم على البحث والمناقشة، يسجل لديه الطلاب المجدون، الصادقون في الطلب، وكانت هذه الطريقة تهيئهم للدراسات العليا، تشحذ فيهم الرغبة لاستكمالها، يتذكره طلابه وإن بعد بهم العهد به، أو عادوا إلى أوطانهم، يتذكرون فيه الأستاذ المخلص، الذي لم يأل جهداً لإفادتهم، وتكوينهم التكوين العلمي الصحيح.، أشاد بطريقته التربوية الدارسون عليه تمثلها عبارات الدكتور عبدالله حريري الأستاذ بجامعة أم القرى، وهو أحد تلاميذ الدكتور محمد إبراهيم علي في مقال بعنوان:
لمسة وفاء قائلاً:
نمط التشويق
« الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم علي، وهذا فارس من فرسان البحث العلمي المتجدد في تناوله، الأصيل في قواعده، فهو أستاذ استخدم نمط التشويق في تدريس مادته العلمية، ليس بطريقة التعالي بالصوت، أو الألفاظ غير المفهومة، ينزل مع متعلميه بطريقة يستطيع من خلالها الوصول إلى عقولهم بلغة سليمة، وكلمات بسيطة، إذا تجولت في حجرات ومدرجات الجامعة تراه لا يبخل على أحد من قاصديه ومريديه بما أنعم الله عليه من علم، يعتبره الكل علامة فيه، فهو(فقيه مقارن) اعتبر نفسه خادماً له، يستشعر السعادة في تواجده أمام طلابه، ويعتبر أنها هي رسالته، ورسالة كل أستاذ جامعي، هو للمناصب غير مصاحب مع أنها تسعى إليه، لأنه لا تأخذه في الحق لومة لائم، فالذين على خلاف مدرسته في تطبيق القواعد على الجميع هم غير راضين بمنهجه؛ لأنها لا تحقق شهواتهم ونزعاتهم الدنيوية التي لا تتماشى مع الأخلاق.
لقد زار بعض الدول بدعوات منها لإلقاء محاضرات في تخصصه فكانوا دائمي المطالبة بعودته مرات، ولكن التزاماته الأخلاقية مع طلابه منعته من تكرار مثل تلك اللقاءات.
يجهد نفسه في الإعداد لمواده مذ كان مدرساً في المتوسطة، أما في التدريس الجامعي فقد كان التحضير للمادة التي يدرسها يستحوذ على كل وقته، لا يسمح لشيء يزاحمه، ولهذا لم يؤثر عنه ارتباطه بشلة معينة، أو السعي لتحقيق كسب مادي من اتجار في عقار، أو تطلع إلى عمل يحقق منه نفعاً شخصياً، فهو مع الجميع بفكره وعلمه، وحبه دون تحيز، فنال بهذا التقدير والحب من الجميع..
شارك بنجاح في بعض اللجان القانونية منها:
اللجنة الاستئنافية الجمركية للمنطقة الغربية، المكونة من المستشار القانوني، والكاتب الاجتماعي الشهير الأستاذ محمد عمر العامودي، وعبدالوهاب أبوسليمان الأستاذ بجامعة أم القرى، استمر عمل هذه اللجنة في الأداء من 2/7/1391 هـ
حتى 13/6/1396 هــ وكانت من اللجان القانونية الناجحة بسبب تفاهم أعضائها وانسجامهم علمياً وفكرياً، كان لها الفضل بعد الله جل وعلا في الفصل في أكبر قضية جمركية في تاريخ المملكة العربية السعودية، وقد صودق على أحكامها فيما يتصل بأفراد القضية.
صدر قرار مجلس الوزراء الموقر بتعيينه مستشاراً غير متفرغ لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، قسم الضمان الاجتماعي بجدة، كما عين عضواً في اللجنة التأسيسية لمركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بمكة المكرمة.
مناصب جامعية
تم تعيينه في عدة مناصب جامعية رفيعة:
1. رئيساً لقسم الشريعة بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة بتاريخ 6/9/1393هـ
2. عميداً لكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى بمكة في 1402هـ، وكان هو العميد المؤسس لها.
3. عضواً في مجلس جامعة أم القرى في جلسته الأولى لعام 1403، ثم أعيد تعيينه لفترة ثانية.
4. عضواً في مركز بحوث الدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى عام 1407، وأعيد تعيينه عام 1409هـ.
5. وكيلاً للدراسات العليا والبحث العلمي، ورئيس المجلس العلمي عام 1411هـ.
لم يكن للمنصب تأثير على شخصيته، بل كان لايعبأ للمجاملات الشخصية، فمن ثم جرت عادته حين يحضر مكتبه في وكالة الدراسات العليا توجهه نحو الكرسي الذي يجلس عليه مخاطباً قائلاً: (إن بعض من يدخل للسلام إنما يؤدون لك التحية، وليس لصاحب الكرسي)؛ لما يعلمه أن بعض من يأتي إلى المكتب إنما يأتون لمصالح شخصية، يدرك هذا تمام الإدراك فقد خبر الحياة، خيرها وشرها، الصادق فيها وغير الصادق، أفادت منه الجامعة في إدارة دفة الدراسات العليا، وقضى على الكثير من الرواسب القديمة.
بعد أن أنهى مدة وكالة الجامعة صدر قرار مجلس الجامعة رقم 4، وتاريخ 1/6/1414هـ بتعيينه أستاذاً للفقه المقارن بقسم الشريعة.
أحيل للتقاعد في 1/7/1415هـ لبلوغه السن القانونية، وعدم رغبته في التمديد.
صفحاته الأكاديمية والإدارية نقية نقاء الثوب الأبيض، استطاع أن يقدم خدمات جليلة لجامعة أم القرى على مدى أربعة وعشرين عاماً مدرساً، ومؤسساً لبعض كلياتها ومراكزها العلمية، ومما يذكر له أيضاً أنه استطاع أن يحل بعض المشاكل المزمنة في الدراسات العليا، فمن ثم ظل محبوباً من الجميع على جهوده المخلصة، وتجرده، وحياديته يعرف لكل شخص قدره فيحله المحل الذي يناسبه، وقد أبى التجديد لوكالة الجامعة للدراسات العليا برغم إلحاح معالي مدير الجامعة الأسبق الأستاذ الدكتور راشد الراجح، كما أبى التمديد والتعاقد بعد بلوغه سن التقاعد، غادر الجامعة وقد سجل له التاريخ أعمالاًُ جليلة، وآثارا حميدة لا تنسى في تاريخ التعليم بعامة والجامعي بخاصة.. الباحث الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي صاحب أسلوب علمي، وأدبي متميز في الكتابة نتيجة قراءاته المتنوعة، ومحفوظاته الشعرية، ودراساته الأدبية، واطلاعه الواسع، وهو شاعر ولكنه مقل، غالباً ما يقوله حين تطول به الغربة، ويشتد به الحنين لمسقط رأسه مكة المكرمة، تنطلق شاعريته بفيض من القصائد حينما يكون ما حوله في أرض الغربة مواتياً حيث المناظر الخلابة، والرياض النضرة، يجيد النكتة اللاذعة، يهوى المرح والفكاهة.
هذا المعين الفياض من القراءات والدراسات أتاح له قوة التأليف، وعمق البحث، وقوة الحجة، دأب على الإتقان والتفرغ لكل ما يسند إليه من أعمال علمية، أو إدارية لايسمح أن يشغله، أو يصرفه عنه أمر آخر؛ فمن ثم جاءت كتاباته ومؤلفاته محكمة في صياغتها، دقيقة في معانيها، مترابطة الفصول، منسجمة المباني والمعاني بديعة في صناعة التأليف
المؤلفات والبحوث
أنتج الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي من الأعمال العلمية المهمة التي أفاد منها الوسط العلمي ولا يزال داخل المملكة وخارجهاـ إذا تجاوزنا رسالة الدكتوراه بعنوان (المسؤوليات الاجتماعية للفرد والدولة في القانون السعودي) باللغة الأنجليزية، لم تطبع ـ فمما أنتجه خلال الأربع والعشرين سنة من عمله الجامعي:
1. تحقيق مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام احمد بن حنبل، بالاشتراك مع عبدالوهاب أبوسليمان الطبعة الأولى، جدة: تهامة للتوزيع والنشر، عام 1400هـ، وقد طبع أخيراً الطبعة الثالثة..
وهو أول عمل علمي مشترك بينه وبين زميله، لايزال أثره بارزاً على الساحة العلمية، داخل المملكة وخارجها وبخاصة في المؤسسات العلمية، والقضائية، والاقتصادية. استغرق إخراجه ما يقارب سبع سنوات، وقد سطا بعض المحامين بالمملكة العربية السعودية على هذا العمل فأخرجه في صورة أخرى بعنوان (الموسوعة في نماذج وصيغ العقود وأحكامها)؛ إذ لم يضف إلى موضوعات المجلة إلا نماذج العقود النمطية لاغير، وأشار إلى المجلة بهذه العبارة “ولهذا تم الاستعانة بمجلة الأحكام الشرعية لعرض بعض الأحكام والمصطلحات التي تتضمنها” ص9، في الوقت الذي نقل كافة موادها تصويراً دون تصرف بإعادة الصف، أو التصحيح، دون تخصيص تعريف بالعمل، ومصدره إلا ماكان نقلاً حرفياً بالهامش، ومن دون استئذان من المحقِّقَين وكذلك كان الأمر من بعض أساتذة جامعاتنا السعودية في قسم الإدارة والاقتصاد، وإنا لله وإنا إليه راجعون..
2. المذهب عند الشافعية: بحث منشور في مجلة جامعة الملك عبدالعزيز، العدد الثاني، سنة 1398هـ. ترجم إلى اللغة التركية، بقلم د. فاروق بشر، الناشر: تركيا : Risale.، عام 1989م.
3. المذهب عند الحنفية: بحث نشر في الكتاب السادس والعشرين، مكة المكرمة: مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، ترجم إلى اللغة التركية والفارسية بقلم د. أسد حنيف، الناشر: تركيا: مؤسسة علمي دار المعرفة إبلاغ سلسلة التراث.
4. اصطلاح المذهب عند المالكية، الطبعة الأولى، دبي: دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، عام 2000/1421، وقد استغرق هذا البحث من فضيلة الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي ما يقارب العشرين عاماً متواصلة دون انقطاع، وقد رجع فيه إلى كتب الفقه، والتاريخ، والأدب عبر العصور الإسلامية، وقد رحل إلى المغرب واتصل بعلماء القرويين وبشيخ علماء الجماعة الشيخ الصقلي رحمه الله للاستفسار عن بعض النقاط المهمة فيما يتصل بمصادر الإفتاء في المذهب المالكي عند المتأخرين، وللبحث عن بعض المصادر المهمة للبحث، ويمكن القول بكل ثقة (إنه ليس للمالكية كتاب مثله) يدرك أهمية هذه المقولة الفقهاء المتخصصون في الفقه المقارن بعامة، والمالكية بخاصة.
تعد هذه البحوث الثلاثة الأخيرة مقدمة طبيعية لدراسة الفقه المقارن في المذاهب الأربعة، وهي البداية الصحيحة لدراسة فقه كل مذهب يحتاج إليها مدرس الفقه المذهبي، والطالب على حد سواء، وعلى هذا العمل في كثير من أقسام الدراسات العليا بالوطن العربي والإسلامي.
5. التطور القضائي المعاصر في المملكة العربية السعودية، بحث باللغة الإنجليزية بالاشتراك مع عبدالوهاب أبوسليمان، نشر بمجلة القانون الإسلامي والمقارن، نيجيريا: جامعة أحمد بلو، العدد الثالث، عام 1969م.
6. تحقيق كتاب (الجواهر الحسان في تراجم الفضلاء والأعيان من أساتذة وخلان) من تأليف العلامة الفقيه فضيلة الشيخ زكريا بن عبدالله بيلا بالاشتراك مع عبدالوهاب إبراهيم أبوسليمان، الطبعة الأولى، لندن: مؤسسة الفرقان، فرع موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، عام 2006/1427.
وهو آخر عمل مشترك مهم يقدمه للساحة العلمية يهتم بالتاريخ العلمي والعلماء في مكة المكرمة في نهاية القرن الرابع عشر الهجري، وأوائل الخامس عشر.
لم يتوقف حفظه الله بعد التقاعد عن مواصلة الاطلاع والدرس فقد كان مواصلاً لنشاطه العلمي مع بعض أساتذة جامعة أم القرى، وجامعة الملك عبدالعزيز في منزله يستفيدون من عطائه العلمي، وتوجيهاته، وله جلسات يعقدها مرتين في الأسبوع مع زميل الدراسة والعمل عبدالوهاب أبوسليمان، كان من ثمارها دراسة بعض المصادر في الفقه المقارن، وقد أتما في هذه الجلسات كتاب (طرح التثريب في شرح التقريب) ثمانية مجلدات للعلامة زين الدين أبي الفضل عبدالرحيم بن الحسين العراقي (ت 806هـ) وولده ولي الدين أبي زرعة العراقي (ت 826هـ)، وكان أيضاً من نتائج هذه الجلسات العلمية إتمام تحقيق كتاب (الجواهر الحسان) للعلامة الشيخ زكريا عبدالله بيلا المكي (ت 1413هـ)، وقد كان لصدوره وإخراجه إخراجاً علمياً صدى كبير في الأوساط العلمية.
هذه لمحات وإضاءات مقتضبة من حياة شخصية علمية فقهية من شخصيات مكة المكرمة، أفاد الساحة العلمية بعطائه العلمي الثر تأليفاً، تدريساً، وتخريجاً لأعداد كبيرة من العلماء في المملكة العربية السعودية وخارجها يدينون له بكل الحب والوفاء.