المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (( المهدي المُنتظر بين السّنة والشيعة ))



أهــل الحـديث
04-07-2013, 04:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


(( المهدي المُنتظر بين السّنة والشيعة ))

للشيخ العلامة محمد بن الأمين بوخبزة الحسني -حفظه الله-

الحمد لله وحده الصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده .. أما بعد:

قال فضيلة الشيخ:
فائدة: وردت أحاديث كثيرة متواترة في ظهور المهدي(1) وأنه شريف هاشمي، وأنّ اسمه محمد ابن عبد الله، ولقبه المهدي وأنه يُبايع بين الركن والمقام، وأنه سيقوم بدور إصلاحي عالَمي بعون الله وتوفيقه، ولا شك أنّ هذا يتطلب علماً غزيراً وعقلاً مستنيراً وسياسة رشيدةً، ولن تكون المسألة معجزة أو كرامة أو شيئاً خارقاً للعادة، كما يدّعي الشيعة الروافض في مَهديهم المزعوم الذي يُسمونه الحُجّة، والقائم وصاحب الزمان، وأنه مُعمّر منذ أكثر من ألف ومائة عام دخل سِرداباً في مدينة سُرّ من رأى (سامُراء) بالعراق وما زال به حيّاً يُرزق يسمع من يُناديه بل ويُستفتى فيفتي بواسطة نُواب وحجاب (ولا شك في كذبهم ودَجلهم) وأنّ عنده مُصحف فاطمة، وهو المصحف الكامل، وقد صرّح إمامهم في هذا العصر (الخُميني) أن الأنبياء والرسل كلهم بما فيهم خاتمهم صلى الله عليهم وسلم، فشلوا في دعوتهم ولم يستطيعوا تعميم الدين وإظهاره على الدين كله، ولا يقوم بهذا إلا الإمام الغائب(2)، وابتدع لهم من عنده ولاية الفقيه (3) التي استطاع بها بصفته نائباً عن الغائب أن يقوم بالثورة ضد شاه إيران وأن يطبق الأحكام ويُقيم الحدود حسب فقههم المٌعوج مؤقتاً، إلى أن يقوم (القائم)، وصدّقه المغفّلون ودانوا بذلك رغباً ورهباً.


أقول كل هذا مُخالف لطبيعة المهدية السُنيّة التي لا تعدُوا التبشير برجل من أهل البيت يُهيئه الله لإصلاح شامل وهو كما قلنا يحتاج إلى إعداد هائل وعلم وعمل مُتواصل، وليس في الأحاديث الصحيحة غير هذا فلا معنى لإنكار هذا واستبعاده لكثرة من ادّعى المهديّة من الكذبة، وهذا لا يصح أن يكون مُتكأ للإنكار وإلا للَزِم إنكار الألوهية والنبوّة لكثرة مُدّعيها، وكثير من الدّعاة الإسلاميين الآن يتحاشون الحديث عن المهديّة مُتأثريـن بمذهب ابن خلدون ومن تبٍعه من القدامى والمحدثين ككثير من علماء الأزهر وأصحاب المدرسة العقلانية، وهو جهل أو تجاهل، وقد نصّ الحفاظ على تواتر أحاديث المهدي بل وأدخلوه في العقائد لعلاقته بأشراط الساعة، فقال السفّاريني:

وما أتى في النص من أشراط--- فكلّه حقُ بلا شطـــــــاط
منها الإمامُ الخاتم الفصـــــيحُ--- محمد المهـدي والمسيح(4)

أما ابن خلدون الذي تعرض في مقدمته للمهدي (5) وطعن في أحاديثه فلم يكن من أهل الحديث ولا له دراية به، فوقع في أخطاء كثيرة كان في غنى عنها لو رجعَ إلى المختصين من علماء الحديث ونُقاده، وقد ردّ عليه شيخنا أحمد ابن الصديق في كتابه: (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون، أو المُرشد المُبدي لفساد طعن ابن خلدون في أحاديث المهدي) المطبوع منذ ستين سنة بمطبعة الشرقي بدمشق، وقد أجاد وأفاد في الردّ عليه وبيان أوهامه في تلك الأحاديث التي تناولها بالبحث وهي من مشاهير الأحاديث، ثم حاول ابنُ الصديق استيعاب ما ورد عند أهل السُنن في المهدي فذكر ما يزيد على المائة ولكنه حشرها حشراً على عادته دون نقد ولا بيان، وفيها بلا شك كثير من الضعيف والواهي.

وقد استوقف نظري قولُه صلى الله عليه وآله وسلم في تلك الأحاديث الصحيحة في وصف المهدي أنه (يملأ) الأرض عدلاً كما (مُلئت) جوراً(6)، فتأمل كلمتَيْ (يملأ) و(مُلئت) لتتصور ضخامة المُهمة الملقاة على عاتق الإمام، وتأمل مسار الأحوال العالمية وكيف آلت إليه بعد الحربيْن العالميتيْن من انتشار الظلم والزيّف والنّفاق والخداع، واتفاق دُول الكفر المُسماة الأمم المتحدة على سلب حقوق الإنسان المُستضعف تحت ستار: ما سمّوه بالديمقراطية وحق تقرير المصير ونحوها من الألفاظ الجوفاء، وبعد حصول ما ظهرت به قدرة الله تعالى ومشيئته التي لا يعاكسها أحد من سقوط الاتحاد السُفياتي الذي كان يتقاسم السيطرة والنفوذ في العالم، وانفراد الولايات المتحدة (أمريكا) بالنفوذ، وكيف اخترعت ما سمّته النظام العالمي الجديد وهو تعميم سيطرتها على الأمم، وترسيخ حُكمها الجائر على المُستضعفين، وإحكام سيطرتها عليهم وعلى خيرات بلادهم بدعوى الحفاظ على مصالحها، وقد تجلى هذا في حرب الخليج التي تدخلت بسببها بقواتها ونفوذها وبطلب من أمراء الخليج السفهاء المجرمين في أراضيهم, وأقامت القواعد العسكرية ووضعت يدها على منابع النفط الذي هو أعظم ثروة في العالم، ولا يزال الأمر إلا شدة، وهذه فلسطين السليبة التي لولا أمريكا اليهودية ما قامت لليهود دولة، ولا استطاعت غلبة الدول العربية، رغم تشتتها وخيانة رؤسائها وضياع ريح المسلمين الجاهلين المتخاذلين إلى غير ذلك من مظاهر التحيّز السَّافر للظالمين والتآمر على حياة المُستضعفين وخيراتهم مما يُستحقق به قوله صلى الله عليه وسلم: كما (مُلئت) جوراً، ويــُلاحظ أن أحاديث المهدي لم تُشر إلى ما أشارت إليه أحاديث نزول عيسى عليه الصلاة والسلام وهي كذلك أحاديث صحيحة مُتواترة من أنه سيقتل الخنزير ويضع الجزية (يعني يُبطلها ولا يقبلها وإنما هو الإسلام أو السيف) ويكسر الصليب(7)، يعني نهاية الملّة النصرانية وهي امتداد لليهودية، فيظهر أن المهدي لا يتعرض لهذا وإنما سيُحيى الحكم الإلهي المتجلى في الإسلام الحق الذي رضيه لنا ربُنا ديناً، المُتمثل في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم الصحيحة دون طوائف ولا مذاهب ولا نِحل ولا صوفية ولا أحزاب، وهذا سيتم بإذن الله وتوفيقه في سبع سنوات(8) تكون تمهيداً لنزول عيسى الذي سيُعلن لعالم النصرانية أنه عبد من عباد الله أكرمه الله بالنبوة والرسالة وخلقه بكلمته، وليس رباً ولا إلاهاً ولا جزء إله، ولم يُصلّب ولم يُقتل وإنما رفعه الله معززاً مكرماً ليُقيم به البرهان على كذب الأحبار والرهبان في دعاويهم الكاذبة، هذه خواطر سنحت من تأملي في كلمة: (يملأ(9) الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً) والله أعلم.

[نُقل النديم وسُلوان الكظيم] (ص/177-179).

--------------------------------------------------------------
(1) قال الإمام الشوكاني في: (التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح) :(الأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح, والحسن, والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضاً لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك). اهـ.
قال المحدث الناقد أبو العلاء إدريس بن محمد العراقي الحسيني في تأليف له في المهدي ما نصه:
(أحاديث المهدي متواترة – أو كادت – وجزم بالأول غير واحد من الحفاظ النقاد). اهـ.
قال المحدث أبو الطيب صديق حسن في كتابه: (الإذاعة) [ص/124]:(والأحاديث الواردة في المهدي – على اختلاف رواياتها كثيرة جداً تبلغ حد التواتر, وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد).

(2) قال الخميني عليه بهلة الله : لقد جاء الأنبياء جميعاً من أجل إرساء قواعد العدالة لكنهم لم ينجحوا حتى النبي محمد خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية .. لم ينجح في ذلك و إن الشخص الذي سينجح في ذلك هو المهدي المنتظر ) . من خطاب ألقاه الخميني الهالك بمناسبة ذكرى مولد المهدي في 15 شعبان 1400 هـ .

(3) يُعرِّف الشيعة ولاية الفقيه: بـ(مصطلح سياسي ظهر حديثا في الفقه الشيعي حيث يعتبرها فقهاء ولاية وحاكمية الفقيه الجامع للشرائط في عصر غيبة الإمام الحجة، حيث ينوب الولي الفقيه عن الإمام الغائب في قيادة الأمة وإقامة حكم اللّه على الأرض..)

(4) البيتان للإمام محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني أوردهما في عقيدته المشهورة بإسم العقيدة السفارينية أو :(الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية) فصل في أشراط الساعة وعلاماتها الدالة على اقترابها ومجيئها، أبيات: (107-108).

(5) قال ابن خلدون في المقدمة (1/322) - بعد أن استعرض كثيراً من أحاديث المهدي وطعن في كثير من أسانيدها- : " فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان . وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل أو الأقل منه ".

(6) رواه أبو داود في سننه (2/207) والترمذي، وأحمد ، والطبراني في الكبير والصغير ، وأبو نعيم في " الحلية " ، والخطيب في " تاريخ بغداد " من طرق عن زر بن حبيش عن ابن مسعود بلفظ: " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم ، حتى يبعث فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي ، يواطيء اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً ".
قال الترمذي : " حسن صحيح " والذهبي : "صحيح " وهو كما قال .و صصحه الألباني في صحيح الجامع برقم (5304) انظر رسالة "حول المهدي" للشيخ المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله نشرتها مجلة التمدن (22/ 642-646).

(7) صحّ في هذا حديث رواه البخاري في كتاب أحاديث الانبياء- باب نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام برقم (3264) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها". ثم يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم :(وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا).

(8) في هذا المعنى ورد حديث عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) : المهدي مني، أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً يملك سبع سنين . حسنه الألباني في صحيح الجامع (3694).

(9) في الأصل (يملؤ) ولعل الصواب ما أثبتناه.

ضبط نصّه وعلّق عليه الفقير إلى عفّو مولاه/ مُنير بن أحمد أعراب-غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولعموم المسلمين.