المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعادة النظر بتضعيف أثر ابن عباس " كُفرٌ دُون كفر "



أهــل الحـديث
03-07-2013, 08:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




إعادة النظر بتضعيف أثر ابن عباس " كُفرٌ دُون كفر "

تَحقيق العبد الفقير /

أبي الزهراء بن أحمد آل أبو عودة الغزي

فلسطين – غزة

1433ه – 2013 م



مُقدمةٌ :


إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِالله من شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَما بَعد.
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْي هَدْيُ محَمَّدٍ صَلى الله عليه وسلم، وَشرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ.
إِن ما كَان مِنْ أهميةِ هذا العلمِ وعظيمِ شأنهِ وكونهُ السَد ُّ المَنيع والحصينُ الحَصين واعلم أن أصعب العُلومِ هُو عِلمُ العِللّ لِما فيه مِنْ الغُموضْ فكَانَ لِزاماً عَلى أهل العلمِ أن يحفظوا هذا الدين ويَرفعوا لِواءهُ عالياً في عَنان السَماء وذلك من خَلالِ جَمْعِ مَا تَنَاثَرَ من تَعْلِيلاتٍ ، وَدِرَاسَتِهَا دِرَاسَةً عِلْمِيَّةً ، تُبَيِّنُ الرَّاجح من المَرْجُوحِ، وَتُبَيِّنُ مَنَاهِجَ العُلَمَاءِ السَّابِقِينَ الَّذِينَ أَلَّفُوا فِيهِ .
وأما ما قد بلغ مِنْ الصُعوبة والمشقةِ في إدراكِ الإنسانِ خَبايا أسرارها ولَمْ يَطَلِع على خَفاياهُ وتِلكَّ الأسرار تُمكِنُكَ مِنْ الحُكمِ على الأحاديثِ والبَحثِ فيها والتَعليل ومَعرفةِ سَقيمِ الأخبار وصحيحها والتميز بَين الاختلاف وعدمهِ بين الرُواةِ في الحَديث ولا يكون هذا الأمر إلا مِنْ خلال جمع الرواياتِ وتحقيقها مِنْ أحاديث مَنْ تَدور عليهم الأسانيد مِنْ الرُواةِ المَشهورينِ بين الأمصارِ ومَعروفينَّ بالإمامةِ والوثاقةِ بَين الأئمةِ الأعلام ! وليس عَددهم بالقليل إلا أنا لابد مِنْ الوقوفِ على شيءٍ مِنْ مَروياتِ الأعلام المَشهورين والأثباتِ المُوثقين مِنْ الأئمةِ سابقاً ولاحقاً ومَعروفاً بالدين والأمانةِ في الرواياتِ ! .
قال الحافظ الذهبي – رحمه الله – في التذكرة : (( فحقٌّ على المحدِّثِ أن يَتورَّعَ في ما يُؤديهِ، وأن يَسألَ أهلَ المعرفةِ والورعِ؛ ليعينوه على إيضاحِ مَرويَّاتهِ، ولا سَبيلَ إلى أن يصيرَ العَارِفُ الذي يُزَكِّي نَقَلةَ الأخبارِ ويَجرحهم جهبذًا إلاَّ بإدمانِ الطَّلبِ، والفَحْص عن هذا الشأنِ، وكَثرةِ المذاكرةِ والسَّهر، والتيقُّظ والفَهم، مع التقوى والدِّين المتين، والإنصاف والتردُّد إلى مجالسِ العلماء، والتحرِّي والإتْقان، وإلاَّ تفعل :
فَدَعْ عَنْكَ الكِتَابَةَ لَسْتَ مِنْهَا
وَلَوْ سَوَّدْتَ وَجْهَكَ بِالْمِدَادِ
قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [بالنحل: 43]، فإنْ آنستَ يا هذا مِن نفسك فهمًا وصدقًا ودِينًا وورعًا، وإلاَّ فلا تَتَعَنَّ، وإن غلَب عليكَ الهَوى والعصبيَّة لرأيٍ أو لمذهَب، فباللهِ لا تتعَب، وإنْ عرفتَ أنَّك مُخَلِّطٌ مُخَبّطٌ مهملٌ لحدودِ الله، فأرِحْنا منك، فبعدَ قليلٍ ينكشف البَهْرَجُ، وَيَنْكَبُ الزَغَلُ، ولا يَحيق المكرُ السيِّئُ إلا بأهلِه، فقد نصحتُك، فعِلم الحديثِ صَلفٌ؛ فأين عِلمُ الحديث، وأينَ أهلُه؟ كدتُ ألاَّ أراهم إلاَّ في كِتاب أو تحتَ تُرابِ )) .
أما وقد اطلعت كثيرا على كلام طلبة العلم والمشايخ على الحديث فانقسموا إلي فريقين ، فريقٌ منهم يقول بضعف الحديثِ ومنهم من أخذ بكلام الشيخ عبد الله السعد ، والشيخ سليمان العلوان والشيخ الطريفي في تضعيف الحديث ، ومنهم من قال بصحتهِ وسلفه المتقدمين من أهل الحديث الذين قالوا بصحة هذا الأثر واحتجوا بهِ ، وإني ارتأيت أن أضع رأيي في هذا الموضوع ، فعمدت إلي كتابة هذا البحث المتواضع الذي لا أزعم فيه أني بلغت قمم الصوابِ ولم أقع في الزلل إلا أن الكفة لديَّ مالت مع من قال بصحة هذا الحديث ، وإني لأحسن الظن بمن أعله ورأى أن فيه علةً تقدح فيهِ فهذا لما ظهر له مِن علةٍ في الحديث ، وإن الاشتغال بعلم العلل يولد لدى صاحبها ملكة في النقد ومعرفة السنة ودراسة الأحاديث وأحوال الرواة ، واختلف اختلافاً بيناً بين طلبة العلم والمشايخ في تصحيح وتضعيف هذا الحديث ولجلالة المضعف في نفسي ومكانته فإني وإن خالفته الرأي أسأل الله له التوفيق والسداد فإن منهم من أعرفه من المحدثين الأتقياء الأمناء ، ومن طلبة العلم من لهُ نظرٌ طويلٌ وباعٌ لم يبلغه أبي الزهراء ولا مَن هو على شاكلته ، وهذا الحديث يرويه ابن عباس – رضي الله عنه – وعنه يرويه طاووس ويرويه عنه ابنه ، وتابع ابنه هشام بن حجير وإن كان اختلف في توثيقه إلا أنا سنناقش وثاقة هشامٍ في معرض التعرض لطريقه لهذا الأثر ، واختلف على ابن طاووس – رحمه الله – فحدث بهِ عنه معمر واختلف عنه فرواه سفيان وعبد الرزاق وكلاهما حدث به عنه في اليمن ، والذي يترجح رواية سفيان عنه وإن كان عبد الرزاق – رحمهم الله – صاحب كتابٍ وقد حدث بحديثه في اليمن هو وسفيان فكلاهما أخذه عن معمر في اليمن ، ومتابعة هشام بن حجير لابن طاووس مِن الأوجه التي ترجح صحة حديث سفيان ودلالة حفظ سفيان لهذا الحديث على إمامة الاثنين – رضي الله عنهما – ومخالفة عبد الرزاق لسفيان أتى فيها ما ظنه بعض طلبة العلم مِن قول ابن طاووس وقد وقع لعبد الرزاق عن معمر أخطاءٌ في روايتهِ ولم يعرف لسفيان الثوري عن معمر خطأٌ واحدٌ في روايته عنه ، والاثنين من الأئمة الثقات والأعلام الأثبات وعبد الرزاق صاحب كتابٍ مِنْ أجل الكتب وهو مصنفهِ فإن حدث منه قال ابن معين فأصح من أن يحدث من حفظه وكان – رضي الله عنه – عمي في أخر عمرهِ وهو ثقةٌ ثبتٌ إمام صاحب مصنفات ، وسيأتي الترجيح في المسألة ودراسة هذا الحديث بعين منصفٍ ونظرةِ فاحصٍ ولا أحسب نفسي مِنْ النقاد الأفذاذ ولا الأعلام الأثبات إنما أنا عبدٌ فقير كثير الخطأ والزلل فرحم الله من رأى في مقالتي خطأ فوجهني ووعظني وناقشني بأدبٍ وعلمٍ وحُجة بينة .


" دِراسةُ طُرق الحَديث "


وأما هذا فلم نعلم أحداً مِنْ الأئمةِ مَنْ ضعفهُ وقد ضعفهُ ثلةٌ مِمَن ذكرت أسمائهم في المقدمة ، ورأينا حسن بن عبد المنان يضعف الحديث ، وقد ضعفهُ فضيلة الشيخ المحدث سليمان العلوان ، وضعفهُ فضيلة الشيخ المحدث عبد الله السعد ، وضعفه فضيلة الشيخ الطريفي ، وإن كُنت لأجلهم وأقدرهم فإني لا أرى بتضعيفهم للحديث صنعوا شيئاً ، وقد احتج بهِ جملةٌ من الأئمةِ الأعلام كالإمام الألباني مِن المعاصرين ، وقد احتج بهِ الإمام أحمد بن حنبل وأبي عبيد القاسم بن سلام وابن جرير وابن نصر المروزي والسمعاني وابن تيمية وابن القيم ، وهؤلاء كلهم مِن أئمةِ الدين وعلماء الإسلام ولا سلف لمن ضعف الحديث أحد مِن الأوائل وخصوصاً الأسماء التي ذكرنا ، فنسأل مَن سلف مَن ضعف هذا الأثر الصحيح عن ابن عباس – رضي الله عنه - ؟ وهذا الحديث قد رواهُ طاووس ورواه عنه ابنه وطاووس مِنْ الثقات ولا أقول لك أنه موثقٌ من قبل الأئمةِ بل موثق مِن لدن ابن عباس – رضي الله عنه – وروي عنه أنه قال عَنْ طاووس : (( إني لأظن طاووسا من أهل الجنة )) فهو حجةٌ بالاتفاق وإمامٌ علمٌ مِن الاعلام ، وكان طاووس بن كيسان مِن أخص أصحاب ابن عباس – رضي الله عنه – وهو في المنزلة أرفع من عطاء كما قال سفيان بن عيينة – رضي الله عنه – من طريق عبيد الله بن أبي يزيد ، وكان مِن أكبر أصحابه وأخصهم به – رحمه الله – ورواه عنه ابنه عبد الله بن طاووس بن كيسان وهو ثقةٌ وثقه معمر فقال : (( كان من أعلم الناس بالعربية ، وأحسنهم خلقا ، ما رأينا ابن فقيه مثله )) وعنه معمرٌ واختلف عليه فرواه سفيان وعبد الرزاق الصنعاني – رحمهم الله – وحاصله أن طريق سفيان أصح مِن طريق عبد الرزاق الصنعاني لأنا علمنا فيما مضى أن لعبد الرزاق – رحمه الله – عن معمر أخطاءً في الحديث ، ولا نعلم لسفيان عن معمر أخطاء ، وهذا الحديث جاء عَن ابن عباس – رضي الله تعالى عنه – في قوله عز وجل : {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال : « ليس بالكفر الذي تذهبون إليه » وفي رواية « إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه إنه ليس كفراً ينقل عن الملة {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} كفر دون كفر » أهـ .
وقد جاء عن طاووس مِن طرق واختلفت الألفاظ وأما الأول ففي سنن بن أبي منصور والثاني اتفق على إخراجه بهِ الحاكم في المستدرك وصححه وقال على شرط الشيخين ، قال الحاكم[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn1) : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه » ، وقال الشيخ الألباني – رحمه الله – [2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn2) : « وحقِّهما أن يقولا على شرط الشيخين فإنَّ إسناده كذلك ثم رأيت الحافظ ابن كثير نقل في «تفسيره» (6/163) عن الحاكم أنه قال « صحيح على شرط الشيخين » فالظاهر أن في نسخة «المستدرك» المطبوعة سقطاً وعزاه ابن كثير لابن أبي حاتم أيضاً ببعض اختصار » ، وسيأتيك الكلام عَنْ رواية هشام عن طاووس .
[ أولاً ] حَديث عبد الله بن طاووس عن أبيه عَن ابن عباس – رضي الله عنه – .
وأما حديث عبد الله بن طاووس أخرجه سفيان الثوري في "تفسيره" (ص101 رقم 241) عن عبد الله بن طاووس عن أبيه قال: قيل لابن عباس: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فأولئك هم الكافرون} ، قال: هي كفره، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر.
قُلت: وأما حديثه عَن عبد الله بن طاووس فـــ[صحيح] إلا أن بينه وبين عبد الله بن طاووس واسطةٌ وقد ذكرناها وهي معمر فيكون الإمام سفيان الثوري – رحمه الله – قد سمعه مرة مِن معمر ومرة من عبد الله بن طاووس لاسيما ورواية الإمام سفيان الثوري – رحمه الله – عن عبد الله بن طاووس في صحيح مسلم فمعلومٌ سماعهُ وإمامٌ مثل سفيان الثوري واسع الرواية وكثيرُ التحديث يحتمل أن يكون قد سمع مِن عبد الله بن طاووس ومِن معمر فتحديثه مرة عن معمر ومرة عن عبد الله بن طاووس عن أبيه محتملٌ قويٌ ودليلهُ أن روايته عن ابن طاووس في الصحيح ، وأما روايته عن معمر فأخرجها الإمام أحمد في الإيمان ، وبن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (2 / 521 - 522 رقم 571 و 572) ، والطبري في "تفسيره" (10 / 355 - 356 رقم 12053 و 12054) ، وابن بطة في الإبانة (2 / 734 رقم 1005) .
جميعاً من طريق سفيان الثوري عن معمر، عن ابن طاووس عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – به، بلفظ: هي به كفر، وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله .
وخالفه عبد الرزاق الصنعاني – رحمه الله – فرواهُ في "تفسيره" (1 / 191) عن معمر، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قال: سئل ابن عباس عن قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فأولئك هم الكافرون} ، قال: هي كفر، قال ابن طاوس: وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله.
ومِن طَريق الصنعاني أخرجه آنفوا الذكر لحديث سفيان ، وابن أبي حاتم في تفسيره ، والقاضي وكيع في أخبار القضاة ، فالناظر إلي طريق عبد الرزاق الصنعاني – رحمه الله – يحكم بصحة ما رواه الصنعاني عن معمر إلا أن في مثل هذا الموطن فإنا لا بد أن نلجأ للترجيح بين الروايتين ، فكلتاهما ظاهرهما الصحة ولكن للحديث علةٌ لابد أن يتحرى الباحث موطنها فيبينها .
وأما سفيان الثوري – رحمه الله – فإمامٌ في الأسانيد والمتون لا يقاس بهِ أحدٌ ، قال عبد الرحمن بن الحكم [3] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn3) : (( ما سمعت بعد التابعين بمثل سفيان )) ، وبدأ ابن مهدي بتسمية أئمة الناس في زمانهم وهم أربعةٌ وفق قولهِ وبدأ بسفيان الثوري ، وهو مقدمٌ على الإمام شعبة قال الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – عنه [4] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn4) : (( سفيان أحفظ للإسناد وأسماء الرجال من شعبة وهو أحب إلي في حديثه عن الأعمش من شعبة )) ، وقال أبو حاتم [5] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn5) : (( هو أحفظ أصحاب الأعمش وهو ثقة حافظ زاهد إمام أهل العراق وأتقن أصحاب أبي إسحاق وهو أحفظ من شعبة وإذا اختلف الثوري وشعبة فالثوري أحفظ وهو أحب الناس إلي في إسماعيل بن أبي حكيم )) ، وقال بنفس قوله أبو زرعة – رحمه الله – ونقله عنه الإمام المزي – رحمه الله – في تهذيبه ، وروى عن سفيان الإمام وكيع وهو ثقةٌ ثبتٌ إمامٌ مِنْ الأئمة الأعلام وعن وكيع أبو أسامة وهناد وابنه – رحمهم الله – وقد أورده الإمام سفيان الثوري في تفسيرهِ فإن سلمنا بأقوال المضعفين فالقول أن الأثر مذكور في أحد التفسيرين وكان لوكيع تفسير أيضاً فذكره الإمام سفيان الثوري – رحمه الله – في تفسيرهِ ولا سيما أن كلاهما قد روى الأثر من عدة طرق .
وأما رواية سفيان في الصحيح عن ابن طاووسٍ فإنها [6] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn6) فسماعه من ابن طاووس محمولٌ على الاتصال لأنه إمام بسعة مروياته وإمامته وقد كان شيخاً لعبد الرزاق فسماعه مرة من معمر ومرة من ابن طاووس مِمكنٌ لاحتماله الرواية عنهما ، فالرواية متصلةٌ لا علةَ فيها إن شاء الله .
وخالفه عبد الرزاق الصنعاني فرواة عن معمر فجعلها في روايته قسما عن ابن عباس وقسما من كلام ابن طاووس وهذا مما دفع طلبة العلم إلي تعليل هذا الأثر بأن نفى كون هذا الكلام الذي جعله عبد الرزاق في كلام ابن طاووس من ابن عباس – رضي الله عنه – وهذا مردودٌ ، وسبيل أهل الحديث تعليل الرواية بالدليل والبرهان والحجة فالاختلاف الآن على عبد الرزاق وسفيان الثوري وليس في معمر كما أعله حسن عبد المنان – المتسرع – هداه الله ، فعبد الرزاق صاحب كتاب إمامٌ ثبتٌ ثقةٌ لكنه لا يقارن بمثل سفيان الثوري – رحمه الله – وهذا من قبيل التفضيل بين أئمة الحديث ، فسفيان يرويه كما تقدم بواسطةٍ ويرويه بدون واسطة وسماعه من ابن طاووس محتملٌ مخرجٌ في الصحيح وبهذا يقضى للإمام الثوري رحمه الله تعالى بالصواب لاحتماله الرواية بواسطة وبغير واسطةٍ فترجح روايته على رواية الصنعاني .
وقد رواه أبو حذيفة عن سفيان فقد يحتمل أن يكون أبو حذيفة أسقط معمراً من الإسناد إذ أنه ليس من أثبت أصحاب الإمام سفيان الثوري وبهذا فإننا نحكم على الرواية من طريق عبد الرزاق الصنعاني ومن طريق الإمام سفيان بن سعيد بن مرزوق الثوري – رضي الله عنهما – ومدار العلةِ عليهما .
وقد زعم بعض المغمورين أنهما لم يسمعا منه في اليمن وهذا ليس لديهم عليه بينةٌ إذ أن سماعهما منه باليمن أمرٌ مقطوعٌ بهِ ولا خلاف في ذلك ودليله قال العجلي[7] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn7) : (( معمر بن راشد أبو عروة، بصري سكن اليمن، رجل صالح يروي عن ابن المبارك ، سكن صنعاء وتزوج بها ، رحل إليه سفيان الثوري، وسمع منه هناك، وسمع هو من سفيان )) ، وهذا دليلٌ على أن سماع سفيان الثوري – رحمه الله – من معمر في اليمن ، والصنعاني يمنيٌ فسماعه مِن معمر في اليمن أمرٌ مرجوحٌ لا كما قال بعض الأغمار الذين لا يحسنون فهم أقوال أئمة الحديث وأعلامهم ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وقال ابن أبي حاتم[8] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn8) : (( حدثنا عبد الرحمن نا سهل بن بحر العسكري نا محمد بن عبد الحميد نا مطرف بن مازن قال قال لنا معمر لما بلغه أن سفيان قادم عليهم اليمن قال لنا معمر: أنه قد قدم عليكم محدث العرب )) أهـ ، فلو تأملت كلام الإمامين ابن أبي حاتم – رحمه الله – والعجلي – رحمه الله – ستعلم يقينا أن الإمام سفيان الثوري سمع معمراً في اليمن ولم يسمع منه في البصرة ! التي قال أهل العلم أنه غلط في بعض الأحاديث التي حدث بها في البصرة وغلطهُ هذا قليلٌ في جنب ما روى كما علمنا ذلك عن الحافظ ابن حجر – رحمه الله – فتخصيص غلطه في بلدٍ معينٍ لا يعني أنه غلط في أحاديثه التي رواها في غير بلده قال الذهبي [9] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn9) : (( أحد الأعلام الثقات ، له أوهام معروفة احتملت له في سعة ما أتقن )) ، وقال الحافظ ابن حجر[10] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn10) : (( فحديثه الذي حدَّث به في غير بلده يعني: اليمن مضطرب؛ لأنه كان يحدِّث في بلده من كتبه على الصحة وأما إذا رحل فحدَّث من حفظه بأشياء وَهِمَ فيها اتفق على ذلك أهل العلم به كابن المديني والبخاري وأبي يعقوب بن شيبة وغيرهم )) ، فسفيان سمع منه في اليمن فإذا كان حديث معمر في اليمن فهو حجة وقد تقدم بين يديك سماعه في اليمن من معمر – رحمه الله – فلا حجة لمن أعل الحديث بتلك العلة مِنْ بينةٍ تقومُ عليه دعواه .
فتقديم رواية سفيان على رواية عبد الرزاق ليس فيه مخالفةٌ وإنما هو عين الصواب لأن أهل العلم عند الخلاف يقدمون سفيان الثوري – رحمه الله – على الإمام شعبة – رحمه الله – كما تقدم من قول الإمام أحمد بن حنبل – رضي الله عنهم جميعا – وهو قول جملة من العلماء ويقدمونه على رأي الإمام مالك – رحمه الله – كذلك وهذا عند الاختلاف والعلة ! فكيف وإن خالف عبد الرزاق الصنعاني وقد علمنا أن الصنعاني – رحمه الله – قد أخطأ في بعض أحاديثه عن معمر ، وأما سفيان فما عرفنا له عن معمر خطأً يرويه وعلى الرغم من أن مقارنة الصنعاني في معمر لا يكون إلا مع أقرانه هذا لأن الإمام أخطأ في بعض ما رواه عن الإمام الثقة الثبت معمر بن راشد – رحمه الله – على غرار سفيان .
وأما جعل عبد الرزاق – رحمه الله – الأثر من كلام طاووس فيه تقصيرٌ بينٌ إذ أن الإمام الثوري رواه عن سعيد عن طاووس نفسه ، فيكون طاووس رواه مرة عن ابن عباس – رحمه الله – فيرويه مرة من قول ابن عباس ومرة يقوله من كلام نفسه من دون إسناد وهذا حاصلٌ عند أهل التفسير ، ومن المعلوم أن طاووسا أخذ التفسير عن ابن عباس – رضي الله عنه – فلا مجال للشك .
وأما سفيان – رحمه الله – فيروي الحديث على وجوهٍ هو يحفظها ويتقنها إتقاناً بيناً ، فتراه يروي حديث طاووس من طريق سعيد المكي ، وروى حديث ابن عباس من طريق معمر عن ابن طاووس ، وروى حديث عطاء عن ابن جريج ، ويرويه عن طاووس من غير واسطةٍ وهذا لسعة رواية الإمام – رحمه الله – وكثرة إتقانه وحفظه للحديث ، فسفيان يحفظ الحديث عن غير واحد ويروي كل وجه بإسناده لم يخطئ في شيء منها، فرواه عن عطاء وطاووس وروى في نفس الآية عن غيرهم أشياء أخر.
[ ثانياً ] متابعة هشام بن جبير لابن طاووس في روايته عن أبيه .
قال محقق سنن سعيد بن منصور[11] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn11) : عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (3 / 87) للمصنف والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في "سننه" ، وأخرجه الإمام أحمد في "كتاب الإيمان" (ل 131 / ب) .ومن طريقه ابن بطّة في "الإبانة" (2 / 736 رقم 1010) .وأخرجه محمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (2 / 521 رقم 569).وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3 / ل 7 / أ).والحاكم في "المستدرك" (2 / 313).ومن طريقه البيهقي في "سننه" (8 / 20) في الجنايات، باب تحريم القتل من السنّة جميعهم من طريق سفيان بن عيينة، به مثله، إلا أن محمد بن نصر وابن أبي حاتم قالا: ((يذهبون)) ، بدل قوله: ((تذهبون)) .وأما الحاكم فلفظه: إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفرًا ينقل عن الملّة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فأولئك هم الكافرون} ، كفر دون كفر.
قلت : وهذا الحديث صححه الحاكم [12] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn12) : (( صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه )) ، وقال الإمام الألباني متعقباً[13] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn13) : (( وحقِّهما أن يقولا على شرط الشيخين فإنَّ إسناده كذلك ثم رأيت الحافظ ابن كثير نقل في «تفسيره» (6/163) عن الحاكم أنه قال « صحيح على شرط الشيخين » فالظاهر أن في نسخة «المستدرك» المطبوعة سقطاً وعزاه ابن كثير لابن أبي حاتم أيضاً ببعض اختصار )) .
وهذا رواه عن هشام بن حجير الإمام الثقة الثبت سفيان بن عيينة – رحمه الله – وهذه ميزةٌ لا يمكن أن تغفل لهشام بن حجير في روايته ، وقد جمع سفيان فقه وحديث وتفسير ابن عباس – رضي الله عنه – قال ابن المديني [14] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn14) : (( وكان أعلم الناس بهؤلاء عمرو بن دينار وكان يحب ابن عباس ويحب أصحابه ثم كان ابن جريج وسفيان بن عيينة يحبان أصحاب ابن عباس ويحبان طريقه فسمع ابن جريج من طاوس ومجاهد ولم يلق منهم جار بن زيد ولا عكرمة ولا سعيد بن جبير )) .
وسفيان بن عيينة لقي معمر وابن طاووس والثوري ، فإذا روى تفسير ابن عباس فإنه التفسير الذي لا يعرف غيره عن ابن عباس – رضي الله عنه – وهذه ميزةٌ لا تغفل في رواية هشان بن جبير عن طاووس عن ابن عباس في التفسير ، فإسنادها حسنٌ ولا ينزل عن مرتبة الحسن حديث هشان بن جبير ، فهي متابعةٌ لحديث سفيان ونحن في هذا الموطن نستشهد بهِ شاهدا على حفظ سفيان الثوري لحديث عبد الله بن طاووس مرةً وعن معمر مرةً وليس فيه ما يعل بتلك العلل المبنيات على الوهن .
ونأتي إلي حال هشام بن حجير ، قال ابن شبرمة [15] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn15) : (( لَيْسَ بِمَكَّة مثله )) ، وقال يحيى ابن معين عنه – رحمه الله – : (( صالح الحديث )) ، وقال أبو حاتم[16] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn16) : (( مكي يكتب حديثه )) ، قال العجلي : (( ثقة صاحب سنة )) ، قال الحافظ[17] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn17) : ((و قال ابن سعد : كان ثقة ، و له أحاديث )) ، وقال الساجي – متشدد – : (( صدوق )) ، فالرجل على أحسن الأحوال حسن الحديث ، وقد احتج به الشيخان في الصحيح – رضي الله عنهما – ، ويستدل على ضعفه بما نقل في كتب الجرح والتعديل من قولهم في حقه (( ليس هو بالقوي )) ، (( ليس هو بذاك )) فاعتمد بعض المغرورين على قول الإمام رحمه الله فاحتجوا به على التضعيف ! وهذا ليس بالجرح المفسد لروايتهِ قال الحافظ الذهبي [18] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn18) : (( قد قيل في جماعات: ليس بالقوي واحتج به. وهذا النسائي قد قال في عدة: «ليس بالقوي» ويخرِّج لهم في «كتابه» وقال: قولنا: «ليس بالقوي» ليس بجرح مفسد )).
فتليينه بهذه العبارة يعني أنه لم يبلغ درجات الإتقان وليس من أهل الرواية وتارة تدل سائر العبارات على أن الرجل ضعيف الحفظ، فيوصف بالضعف مع صحة الاعتبار بحديثه، لكن لا تفيد شدة الضعف لذاتها وقد قال شيخنا الألفي [19] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn19) : (( هِشَامُ بْنُ حُجَيْرٍ الْمَكِّيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ )) .
قال شيخنا العلامة المعلمي اليماني[20] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn20) : (( فكلمة «ليس بقوي» تنفي القوة مطلقاً وأن لم تثبت الضعف مطلقاً، وكلمة «ليس بالقوي» إنما تنفي الدرجة الكاملة من القوة )) .
فالإمام أحمد لا يضعف هشان بن حجير ذلك الضعف المطلق الذي يوجب طرح حديثهُ وإن أحسن ما يقال فيه أنه حسن الحديث فيصبح حديثه بالمتابعة التي رواها عبد الله بن طاووس حديثاً صحيحاً فقد وثقه العجلي وابن شبرمة وغير واحدٍ مِن الأئمة الاعلام وتابعه بذلك عبد الله بن طاووس والذي تبين لك ترجيح روايته من طريق سفيان الثوري – رحمه الله – فيما مضى من القول ، واحتج به الإمامين البخاري ومسلم في الصحيح من رواية سفيان بن عيينة عنه – رحمهما الله – . والله اعلم .
[ ثالثاً ] رواية علي بن طلحة للحديث عن ابن عباس – رضي الله عنه – .
وتابع عبد الله بن طاووس علي بن طلحة في روايته عن ابن عباس – رضي الله عنه – ورواية بن طلحة تصلح لأن تكون موافقةً لرواية سفيان الثوري عن عبد الله بن طاووس ، وهذه صحيفة مشهورة مقبولة عند المفسرين لا يكاد يختلف في هذا، حتى قال أحمد رحمه الله أنه لو رحل الرجل في طلبها فقط إلى مصر لما كان كثيرا ، وإن تكلم في صحيفته فإن اعتماد أهل العلم لها واستشهادهم بها دليلٌ قويٌ وحجةٌ بينةٌ على أن رواية علي بن طلحة موافقة لرواية سفيان الثوري عن ابن طاووس ، وفي إسنادها عبد الله بن صالح وهو على كلامٍ فيه لا ينزل عن مرتبة الحسن هو وعلي بن طلحة فكيف لا وهذه الصحيفة تداولها أهل العلم وهي صحيفةٌ مقبولةٌ على ما حصل من كلامٍ فيها فالأرجح أنها تصلح شاهداً لرواية سفيان الثوري – رحمه الله – عن ابن طاووس .




كَتبهُ /


أبي الزهراء بن أحمد آل أبو عودة الغزي الأثري


حامداً الله تبارك وتعالى ومصلياً لهُ وعلى نبيهِ


أسأل الله أن يجعلنا مِنْ المخلصين وأن يحفظ والدتنا التي أعانتنا على فعل الخير وطلب العلم


وجزى الله تعالى خيرا كل مَنْ رأى فيما كتبت عيباً فأهدى إلي عيوبي .


**************************************
[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref1) المستدرك (2/313) .
[2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref2) السلسلة الصحيحة (6/113).
[3] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref3) تهذيب الكمال (5/393) .
[4] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref4) المصدر السابق .
[5] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref5) المصدر السابق .
[6] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref6) باب بطلان بيع المبيع قبل القبض صحيح مسلم (3/1160).
[7] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref7) ثقات العجلي 435/1611.
[8] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref8) الجرح والتعديل (1/57) .
[9] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref9)«ميزان الاعتدال» (4/154).
[10] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref10) التلخيص الحبير (3/168) .
[11] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref11) سنن سعيد بن منصور (4/1482).
[12] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref12) المستدرك على الصحيحين (2/313) .
[13] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref13) السلسلة الصحيحة (6/113) .
[14] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref14) علل ابن المديني المقدمة .
[15] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref15) العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد رواية المروذي (1/156) .
[16] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref16)الجرح والتعديل (9/54)
[17] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref17) تهذيب التهذيب (11/33) .
[18] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref18) الموقظة في المقدمة .
[19] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref19)شَذَرَاتُ من إتْحَافِ الأرِيبِ بِأحْكامِ مَرَاتِبِ تَقْرِيبِ التَّهْذِيبِ (1/9) .
[20] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref20) التنكيل (1/442).