المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإنسان وبدايته الطينية



أهــل الحـديث
02-07-2013, 07:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



قال تعالى " ... وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ" سورة السجدة 7 .
إننا نشهد جزيئات الطين وهي تتطاير في الهواء ومن حولنا وتُحيط بنا من كل جانب ونراه كل يوم في كل من الماء واليابسة ومع ذلك قليلاً ما نتسائل عن ما هو حقيقة هذا الطين والذي يحمل السر لبداية خلقنا وتكويننا…..فلو أخذنا خليط لأي عنصر "غير طيني" ولكن يشابه في تركيبته التركيبة الطينية أي يتكون من حبيبات دقيقة وقمنا بخلطه مع الماء لكانت النتيجة هي حصولنا على كتلة متحللة من المادة تشبه البودرة لا تمكننا من عمل أي هيئة أو شكل منها، ولكن لو قمنا بعمل نفس الشيء مع الطين لكانت النتيجة جاهزة وقابلة للتطويع لأي شكل أو هيئة، فمن خواص الطين بأنه يحافظ على نفس الشكل تحت تأثير عامل الجاذبية و يمكن لأن يتم إعوجاجه أو ثنيه دون أن ينتج عن ذلك شقوق، وعند زوال العامل المؤثر أو المُحدث للإعوجاج يبقى الشكل المعوج على حاله، ولكن الغريب هو عند جفاف الطين حيث نلاحظ إزدياد في قوته بشكل كبير، كما وأنه من غير العادي الإشارة على الطين على أنه مادة شفافة ولكن في الحقيقة بأنه فعلاً مادة شفافة حيث وأن الشفافية تحصل حين تكون تشكيلة ذرات العنصر منظمة على شكل عال في كل من المسافات القصيرة والمسافات الطويلة من الإحداثيات الثلاثة، ومن خلال إستعمال تقنية المجهريات البصرية والإلكترونية تم التحقق من ذلك والتعرف على الوحدات الطينية الدقيقة والمشكلة لمادة الطين والتي تتكون من صفائح شفافة كمادة البلازما أو ما هو مشابه للمادة الهيولية التي يتكون منها خلية الإنسان الحية، فهيولى الخلية ويُسمى أيضاً بالجِبْلة هو المكون الرئيسي الذي يملأ الخلية وهو مادة شبة شفافة يدخل الماء في تركيبتها بنسبه عالية.
يصف الجيولوجيون الطين بأنه يتكون من جسيمات صغيرة جدًا صفائحية الشكل من الألومينا أي أكسيد الألمنيوم والسيليكا مرتبطة معاً من خلال الماء الموجود في بُنيَتها، فهو يتكون من أنواع من معادن السليكات (الحجر) التي تكسّرت بعوامل التعرية، وتركيبته تحتوي على واحد أو أكثر من التركيبات الطينية المعدنية بالإضافة إلى أكسيدات المعادن ومادة عضوية. يبدأ الطين بالتكوُّن بعد إنقضاء العامل الزمني البعيد وذلك نتيجة عوامل التعرية الكيماوية والتي تتعرض لها صخور السيليكا تدريجياً خصوصاً عند تعرضها للأحماض الكربونية الخفيفة التركيز ولمحاليل إذابة أخرى، أيضاً بالإضافة لظاهرة التحلل هذه يتم تشكيل الطين عن طريق أنشطة دورة الماء الساخنة ذات المصادر الحرارية كمناطق النشاطات البركانية.
إن المرحلة الأولى لخلق الإنسان لم يكن قد سبقها مرحلة أخرى كما أخبرنا الله عز وجل في سورة السجدة وبالتالي إذن لم يكن قد بدأ خلق الإنسان من الأساس من التراب كما أخبرنا الله في خلقه لكل من آدم وعيسى عليهما السلام، بل لقد كان بأن بدأ خلقه للإنسان من الطين وهذه دلالة ومعلومة قيمة ومهمة جداً نريد لأن نعيها جيداً ولم تكن قد ذُكرت دون سبب وإلا فلماذا يُخبرنا الله بأنه كان قد خلقنا من تراب حين أشار على خلقه لآدم وهو أبو البشر الآدميين وأولهم ويُخبرنا بنفس الوقت بأنه بدأ ونُكرر قوله تعالى بدأ خلقه للإنسان من الطين ولم يقل من التراب لأن الخلق هو إحداث الوجود والكيان لصورة جديدة فبدء خلق الإنسان تعني نقطة البداية والأساس وأرضية البناء التكويني وهذا جلي وواضح من قوله تعالى، فلو قمنا بتحليل مادة الطين لوجدنا بأنها عبارة عن مادة مركبة من التراب والماء أي مزيج وخليط يحتوي على هاتين المادتين، إذن فإذا كانت نقطة إبتداء الخلق الإنساني هي جبلة من الطين أي التراب والماء، وهذا ما اشار عليه الله بأن بدأ خلق الإنسان منه فكيف نُفسر إذن خلق الله لآدم من التراب والتراب هو أحد المواد الأولية المكونة للطين والتي بدأ الله تعالى خلق الإنسان منها أي إذن بأن خلق آدم كان قد بدأ من التراب دون الماء، وبالتالي إذن فإن خلق الإنسان من الطين إذن يُخالف خلق آدم والمسيح والذي هو من التراب وبالتالي يجب علينا لأن نبحث عن سر هذا الإختلاف ونعمل على إستخلاصه ونجتهد للعمل على ذلك ..... وهذا سنأتي بالحديث عنه فيما بعد.
لقد أخبرنا الله تعالى بأنه بدأ خلق الإنسان الحي منذ بدايته الدقيقة أي وهو بحجم النطفة أو حتى أقل أي بحجم مكونات جسيمات المادة الأولية الكتلية والتي هي بحجم الدقائق المجهرية فهي كانت حية نتيجة وجود الماء ومنذ البداية ومهما صغُرت تركيبتها الحبيبية، فلقد ثبت علمياً بأن أصغر وحدة بناء للمادة في المركب الطيني هي أصغر من أصغر وحدة بناء لمادة التراب مما يجعلنا نستدل على أن فعل الماء حين يتم خلطه بالتراب يتفاعل في داخل المادة الترابية وينشأ عن ذلك تحليل وفصل للمادة الترابية إلى وحدات أقل وأصغر تحتوي على وجود مائي فيها وذلك مهما كانت دقيقة وهذا يفسر لنا الدور الحياتي والذي يلعبه الماء في المركب أو المادة الطينية والتي خلق منها الله سبحانه وتعالى كل من الإنسان والحيوان، إذن فإن الماء يدخل في الطور الحياتي الأولي للأحياء الطينية ليس فقط على الصعيد الخلوي أي في وحدة البناء الأولى والتي نحتاجها في بناء الإنسان بل في الجسيمات المجهرية الدقيقة الأقل وأصغر حجماً ومسؤولة عن تركيبة وحدة البناء الأولية الكتلية نفسها .


لقد عرّف الله سبحانه وتعالى نوع هذا الطين الذي خُلق منه الإنسان وحدده بالإسم والصفة والذي هو من نوع الصلصال، اي الطين الصلصالي فقال سبحانه وتعالى:
"خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّار" سورة الرحمن 14 .
وحسب لسان العرب فإن الصلصال من الطِّين هو ما لم يُجْعَل خَزَفاً وجف ويبُس وأصبح كالفخار حالته وشكله، وسُمِّي بذلك لتَصَلْصُله؛ وكلُّ ماجَفَّ من طين أَو فَخَّار فقد صَلَّ صَلِيلاً، وتقول العرب تَصَلْصَلَ الغديرُ: جَفَّتْ حَمْأَتُه. وصلصالٌ ومُصَلْصِلٌ: مُصَوِّتٌ. والصلصالُ: الطِّينُ الحُرُّ والمخلوِط بالرَّمْلِ.
وقال تعالى"صلصال كالفخار" فهو ليس بالفخار بل كالفخار وهذا تشبيه بغرض التقريب لفهم حالة الصلصال هذه ولربما أتت من أجل دراستها وفهمها أي إذن الإنسان مخلوق من مادة شبيهة وقريبة نسبياً من مادة الفخار، وللتعريف بالفخار فهو المادة التي يتم إستعمالها في صناعة الخزف والمجسمات الطينية، وهي تشمل على جميع أنواع السراميك "الطين" المعالج بالحرارة أي بالفرن والتي احتوت على مادة الطين عندما تم تشكيلها فالإنسان مخلوق من الصلصال وليس من الفخار.


كما ولقد أخبرنا الله تعالى بمنشأ ومصدر هذا الطين الصلصال وهو الحمأ المسنون فقال تعالى،
"وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ" سورة الحجر 26 .
وبعد أن تعرفنا على الصلصال دعونا نتعرف على ما أشار الله عليه بالحمأ والذي كان قد أُشتُقَّ منه الصلصال فكان الحمأ هو مصدر وأصل الصلصال قبل تصلصله، فحسب لسان العرب قال ابن الأَثير: وأَصلها من الحَمِّ الحرارة ومن حُمَّة السِّنان، وهي حِدَّتُه وحَميم وحكى شمر عن ابن الأعرابي: الحَمِيم إن شئت كان ماء حارّاً، وإن شئت كان جمراً تتبخر به. والحُمَمُ: الفَحْمُ، واحدته حُمَمَةٌ. والحُمَمُ: الرَّماد والفَحْم وكلُّ ما احترق من النار. وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: إِن رجلاً أَوصى بَنيه عند موته فقال: إِذا أَنا مُتُّ فأَحْرِقُوني بالنار، حتى إِذا صِرْتُ حُمَماً فاسْحَقوني، ثم ذَرُّوني في الريح لعلي أَضِلُّ اللهَ؛ ويقال أَيضاً: حَمَّ الماءُ أَي صار حارّاً. وحَمَّم الرجل: سَخَّم وجْهَه بالحُمَم، وهو الفحمُ. وفي حديث لقمان بن عاد: خُذي مِنِّي أَخي ذا الحُمَمة؛ أَراد سَوادَ لَونه. الحمأة والحمأ الطين الأسود المنتن، حَمِئَ الماءُ حمأ خالطته الحمأة فكَدِرَ وتَغَيرت رائحته. وفي التنزيل: وجَدها تَغْرُب في عَيْنٍ حَمِئةٍ، وقرأَ ابن مسعود وابن الزبير: حاميةٍ، ومن قرأَ حامِية، بغير همز، أَراد حارّةً، وقد تكون حارّة ذات حمأة، وبئر حَمِئةٌ أَيضأ كذلك.


لقد كان بعد ما أخبرنا الله عن مصدر الصلصال والذي هو من الحمأ بأن أتى بالتعريف والتوضيح لحالته الحمئة فقال فيهم"من حمأ مسنون" والمسنون وهو ذو ثلاث صفات إحداهما رائحته النتنة والكبريتية وثانيهما حالته السائلة والمصبوبة صباً، وثالثهما ما هو محكوك، فالمسنون حسب لسان العرب) هو المُنْتِن، وقوله تعالى: من حَمَأٍ مسنون، قال أَبو عمرو: أَي متغير منتن، وقال أَبو عبيدة: المسنونُ المَصبوب، ويقال: المسنون المَصْبوب على صورة، وقال الفراء: سمي المِسَنُّ مِسَنّاً لأَن الحديد يُسَنُّ عليه أَي يُحَكُّ عليه. ويقال للذي يسيل عند الحك: سَنِينٌ، قال: ولا يكون ذلك السائل إلا مُنْتِناً، وقال في قوله: من حمَأٍ مسنون، يقال المحكوك، ويقال: هو المتغير كأَنه أُخذ من سَنَنْتُ الحجر على الحجَر، والذي يخرج بينهما يقال له السَّنِينُ، وسَنَّتِ العينُ الدمعَ تَسُنُّه سَنّاً: صبته، واسْتَنَّتْ هي: انصب دمعها. وسَنَنْتُ الترابَ: صببته على وجه الأَرض صبّاً سهلاً حتى صار كالمُسَنّاة.

وما نستدل به ونستنتجه هنا ألا وهو بأن الحمأ هو مصدر الطين الصلصال والذي ينبع من الأرض أي يخرج منها وهو الطين الأسود المفحم والمصحوب بحرارة الجمر ويخرج منه البخار وهو ذو الرائحة الكريهة النتنة فهو سائل و يسيل ومصبوب وهذه دلائل وإشارات واضحة على طين الحمم البركانية والتربة المصهورة الحامية والتي تسيل وتصب فوق الأرض وتحتك معها، فالحمم البركانية أو "اللابة" هي كتل سائلة تخرج من البراكين، كما تطفح من الشقوق على جوانب البركان، والتي نشأت من خلال الانفجارات الحادثة، تتكون من مجموعة من المعادن والصخور المنصهرة، والتي تكون درجة حرارتها بين 1000 و 1200 °م وعندما تجف تصبح حرة، والحرة هي الأرض البركانية السوداء، وهي اللابة باللسان العربي الفصيح وقد انتقل هذا اللفظ “Lava” إلى الإنجليزية عن طريق الإسبانية وأصلها عربي وهي ذات الرائحة الكريهة الكبريتية والتي حين تجف تكون شبيهة بالفخار ولكن هذا الطين المسنون والمصبوب لم يستعمل لصناعة الخزف بل لخلق الإنسان، كما وأن الطين الصلصال له صوت نتيجة صدوره أو خروجه من فوهة الجبال البركانية على شكل حمم بركانية مقذوفة ذات درجات حرارة عالية جداً يصاحبها غليان الطين وظهور الفقاعات الطينية محدثة الأصوات المختلفة ... وهذا ما خلق الله منه الإنسان وهذه هي حقيقة خلقه






عبدالله أحمد خليل - صفحات من رسالة الله