المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المرسى



االزعيم الهلالي
28-06-2013, 04:30 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف حال الجميع ..

زمان عنكم ولكم وحشة ..

أحببت أن أعود بشيء في يدي .. ووضعت هذه المنثورة المتواضعة بين يديكم ..

كتبتها اليوم .. وأسميتها (المرسى)

وأتمنى أن تصل فكرتها بسهولة ..

وكما أتمنى أن تنال على إعجابكم ..


كانت آخر أيام رحلتي معها شاقة وعناء السفر معها طويل ، كانت آخر أيام تلك الرحلة ليست كأية مرحلة ، كنا لا نخرج من عاصفة بأمواجها العاتية ورياحها المزمجرة وأمطارها الصاخبة فتهدأ ويصفو الجو إلا وندخل في عاصفة أخرى ، وأنا أتذمر وأستشجب الإنكار من حظي ، هل الطريق الذي سلكته كان خاطئا ، أم أن بوصلتي كانت مضطربة ، لم أجد في حياتي شيء يشابه صعوبة ما جربته معك ولكنني كنت أقود الدفة بإحكام ، تحملت الألم وقسوة الطريق وعذاب السفر حتى أظفر بالوصول إلى المستحيل ، إلى شواطئ لم أعرف بعدها ومداها ، فقط كنت وحيدا على ظهر هذه السفينة ، كانت ذاكرتي المثكلة ترسم لي طيوفا أرى فيها أنني كنت تائها بين مراكبي الملونة الصغيرة ، كنت أستطيع إكمال رحلتي بإحدى تلك المراكب ، لكنني رأيتك أجمل وأرحب , رأيتك ترسين على بحر حياتي كالملك على عرشه ، رأيتك شاسعة دافئة قوية تقاتل العباب وترهق الصعاب ، تلألأت أمام عيني وكأنما أشاهد ماسة ترصع خاتما ذهبيا .. أوجست منك خيفة ، لم أكن اعرف من أنت له ومن أين له كل هذا الوصف ، نعم كنت واقفة أمامي كماسة ثمينة وكنت لصا مبتدئا لم أسرق في حياتي شيئا يذكر ، ولكن رغبة في داخلي كالبركان تهزني وتدفعني كي أعيش التجربة ، كي أستطعم حياة الرفاهية والثراء ، ماكنت أعلم من جلبني إليك ، لكنها الأقدار تحذفنا إلى حيث اللامعقول ونحن علينا أن نعيش تجاربنا بلا أي اعتراض ..
كم أنبني ضميري حينما مددت يدي للوهلة الأولى إلى جسدك البراق ، وكم ترددت كثيرا حينما أتيحت لي الفرصة لسرقتك والهروب بك بلا وجهة معينة ، لكنني كنت فعلا بحاجة ماسة إلى الرحيل ، فقررت معك الذهاب وعن شاطئ العذاب الغياب ..
آه كم كانت تلك الأيام رائعة ، وكم كنا فرحين بما نفعل ، كم شكوت من تهوري وكم شكوت من قسوتك .. كم عانت ساعات ليلنا المتأخرة من حديثنا الشجي .. وكم مرت ليال لم نذق فيها طعم النوم لدقائق ، لم أفتقد يوما وأنا معك أحدا من أصدقائي ولم أحتج لأحد منهم قط ، والجميع الجميع كانوا في غياب تام عن البال ، أعجبتني حياتي العزلة معك ، تغنيت كثيرا ولم أشعر بفقد أحد من مدينتي ,, فقط كنت أنت لاسواك ..
أحببتك كثيرا ،، لكنني لا أخفيك علما بأنني طوال رحلتي معك كان هنالك جانب موجع في قلبي ، آلمني أنني سرقتك من الغير، بالرغم من أنك كنت هيمانة بي ولم تودي الرجوع .. ارتحت كثيرا معي وأحببت كثيرا طريقة اهتمامي بك ،، وعاطفتي كانت مثار جدل بالنسبة لك ، حتى أصبت بالشغف ، وأنا أصبت بالهيام ، ومرت الأعوام ولم نصل إلى شيء ، لم أكن أستطع إظهارك للآخرين والتباهي بك ، لأنك وبكل تجرد ( مسروقة ) لا أملك فيك شيئا ، وليس لي القدرة على أن أرسو بك لأي شاطئ فقد أجد من يتعرفون على ملامحك الفاخرة ، وأقيد بالأغلال والحديد ..
كم أرهقتني ،، وكم عاقبتني ،، وكم آلمتني ،، بلا سبب ومبرر ..
وكم كنت شاسع الصدر أتقبلك بلا أي كدر وضيق ، فقط كنت أريدك أن تبقي معي ولا أريد النظر إلى الغد ومافيه من مفاجآت بلا ظلالك، فأقنعت نفسي تماما أنك لي ولي الحق في السيطرة عليك ، وفرض قوانيني الجبرية ، حتى تمكنت من ذلك ، ولكنك كنت مزعوجة كثيرا مني ، فمن أنا إلا لص معتدي ويحق لك قتلي بهذه الكلمة كل يوم ، وكما أنني من رضيت وقطعت الوعود والعهود الثقال لأبقى بجانبك ولا أغادرك لحظة ، مقابل أن تجعلينني سلطان زماني لأنك
كنت ذكية جدا في أساليبك معي وتفهمين ما أريد ، حتى سيطرتي على أعصابي وأفكاري وجنوني ، وعزفت على أنامل ساعاتي كما تشائين ، وكنت أسلمك روحي وعقلي وقلبي بيدي دون تردد ،، وأنت راضية مرضية بما يجري ، فكل ماتمنيت موجود ، ولم تعلمي يوما أنك صادفت قلبا طيبا صادقا وفيا مخلصا بريئا من الخيانة والغدر ، ولكنك لم تعلمي على كبره واتساعه أن جدرانه من حديد وأبوابه من خشب الصنوبر .. لم تكن يوما من ورق أو من شباك عنكبوت .. لهوت كثيرا آخر الأيام كطفلة مشاغبة وكلما كبر عمرنا كلما أصبحت تصرفاتك تصغر .. حتى دق ناقوص الخطر إيذانا بعاصفة تحطم كل مايطفو على سطح المحيط ،، وأمسيت يومها مغموما من كوني سأفقدك وتتحطمي وأنا أغرق معك في اللج الأسود المرعب .. وسمعتك تتمتمين خائفة لديك رغبة عارمة في الرجوع إلى مرساك القديم ، مرساك الذي طالما شكوت من ملله ووحدتك فيه وهجر صاحبك لك ، تريدين الأمن والاستقرار ،، بعد أن اكتشفت أن الحب لا يعترف بالقوانين ولا يحكم أي دستور والعاشق هو اكبر الخارجين عن النظام ، والعاشق دائم المغامرة كطير مكسور الجناح يركض بين الشجيرات باحثا عن الغذاء ليعيش ، وأنت صمدت أمام الكثير وأراك لن تستطيعي إكمال مشواري الطويل الذي له نقطة انطلاق بلا مسار ولا نقطة وصول ،، ولكن يا جميلتي تأكدي بأن الركض بلا هدف ولا وجهة أفضل بكثير من الوقوف مكتوفة الأيدي ،، إنني رغبة تتلألأ في عينيك بالرجوع لبر الأمان والمكوث بين يدي مالكك القديم ،،
سأعيدك كما كنت ببريقك وروعتك وسحرك ..
وأنا سأسرد قصتك بين ثنايا دفتري القديم .. وبين اوراقي اليائسة ..


دمتم بود

...أراكم على خير...