المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحرية عند المفكر سيد قطب,عماد بن حسن المصري



أهــل الحـديث
26-06-2013, 12:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحرية عند المفكر سيد قطب

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الحق الثاني : الحرية
لم يطرق مسامع العرب منذ بزوغ فجرهم ، ولم يترنموا كلمة مثل ( الحرية ) والحرية عندهم أسمى غاية ، أعدل مطلوب ، والحرية عند العرب تقابلها العزة والكرامة ، ولقد دخلت قبائل العرب - قديماً وحديثاً - في صراع دام سنوات بلغت الأربعين في تحقيق هذه الكلمة ، والحرية بمعناها الشامل هو تملك الإنسان لإرادته ، وتفكيره ، بحيث يتسنى له عمل ما يريد ضمن ضوابط عرفية ، وعقلية ، ودولية ، والحرية عند الشهيد سيد رحمه الله كانت غاية دام يحارب من أجلها طوال حياته ، حرية يتنسم من خلالها المجتمع عطر القانون الإلهي ، والفرد إمكانية تصرفه الفردي .

المرحلة الأولى :
يقول رحمه الله في تفسير قوله تعالى : ) [المائدة:90] وأما«إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» وأما في الرق مثلااً فقد كان الأمر أمر وضع اجتماعي اقتصادي ، وأمر عرف دولي وعالمي في استرقاق الأسرى وفي استخدام الرقيق ، والأوضاع الاجتماعية المعقدة تحتاج إلى تعديل شامل لمقوماتها وارتباطاتها قبل تعديل ظواهرها وآثارها ، والعرف الدولي يحتاج إلى اتفاقات دولية ومعاهدات جماعية ، ولم يأمر الإسلام بالرق قط ، ولم يرد في القرآن نص على استرقاق الأسرى ، ولكنه جاء فوجد الرق نظاماً عالمياً يقوم عليه الاقتصاد العالمي ، ووجد استرقاق الأسرى عرفاً دولياً يأخذ به المحاربون جميعاً ، فلم يكن بد أن يتريث في علاج الوضع الاجتماعي القائم والنظام الدولي الشامل .
قلت : ونستخلص من هذا النص أن الشهيد(بإذن الله ولا نزكي على الله احدا) سيداً رحمه الله أراد أن الوضع الدولي السائد آنذاك ، والعرف العالمي ، يجيزان الرق ومصادرة الحرية ، ومن هذا العالم كان الوطن العربي مهبط الرسالات جميعاً ، فأراد الإسلام تنجيم قانون الرق ، فلم يأمر الإسلام بالرق إطلاقاً ، وما لبث الإسلام في كل كفارة إلا ورغب فيها بعتق الرقبة المؤمنة ، بل إن بعض الفقهاء المسلمين نص على أن الرقبة ليست شرطاً فيها الإيمان ، وهذه المرحلة نسميها مرحلة ما قبل التغير .

المرحلة الثانية : التقنين لمرحلة الرق .
قال رحمه الله : وقد اختار الإسلام أن يجفف منابع الرق وموارده وحتى ينتهي بهذا النظام كله - مع الزمن - إلى الإلغاء ، دون إحداث هزة اجتماعية لا يمكن ضبطها ولا قيادتها ، وذلك مع العناية بتوفير ضمانات الحياة المناسبة للرقيق ، وضمان الكرامة الإنسانية في حدود واسعة .
بدء بتجفيف موارد الرق فيما عدا أسرى الحرب الشرعية ونسل الإرقاء ، ذلك أن المجتمعات المعادية للإسلام كانت تسترق أسرى المسلمين حسب العرف السائد في ذلك الزمان ، وما كان الإسلام يومئذ قادراً على أن يجبر المجتمعات المعادية على مخالفة ذلك العرف السائد ، الذي تقوم عليه قواعد النظام الاجتماعي والاقتصادي في أنحاء الأرض ، ولو أنه قرر إبطال استرقاق الأسرى لكان هذا إجراء مقصوراً على الأسرى الذين يقعون في أيدي المسلمين ، بينما الأسرى المسلمون يلاقون مصيرهم السيء في عالم الرق هناك ، وفي هذا إطماع لأعداء الإسلام في أهل الإسلام .
ولو أنه قرر تحرير نسل الإرقاء الموجود فعلاً قبل أن ينظم الأوضاع الاقتصادية للدولة المسلمة ولجميع من تضمنهم لترك هؤلاء الأرقاء بلا مورد رزق ولا كافل ولا عائل ، ولا أواصد قربى تعصمهم من الفقر والسقوط الخلقي الذي يفسد حياة المجتمع الناشيء .
قلت : لقد ضمن الإسلام في نصوصه المقدسة ، لكل متبع له - من الرقيق - أن يكافيه سيده بشرط أن يكون المكاتب خيراً - بل أمر أتباعه أصحاب الرقيق أن يؤدوا عن رقيقهم أو يساعدوهم في شيء من المال ، ليستردوا حريتهم ، قال تعالى : (( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )) [النور:33] ذلك على شرط أن يعلم المولى .
في الرقيق خيراً ، والخير هو الإسلام أولاً ، ثم القدرة على الكسب ، فلا يتركه كلاً على الناس بعد تحريره ، وقد يلجأ إلى أحط الوسائل ليعيش ويكسب ما يقيم أوده . والإسلام نظام تكافل . وهو كذلك نظام واقع ، فليس المهم أن يقال : إن الرقيق تحرر ، وليس العنوانات هي التي تهمه ، إنما تهمه الحقيقة الواقعة ، ولن يتحرر الرقيق حقاً إلا إذا قدر على الكسب بعد عتقه ، فلم يكن كلاً على الناس ، ولم يلجأ إلى وسيلة قذرة يعيش منها ويبيع ما هو أثمن من الحرية الشكلية وأغلى ، وهو أعتقه لتنظيف المجتمع لا لتلويثه من جديد ، بما هو أشد وأنكى .

مقارنة هذه النقلة بما عند الغربيين :
ظن الغربيون أنهم حازوا قدم السبق بالدعوة إلى قانون حقوق الإنسان ، ولكنهم فوجئوا أو فجعوا حينما علموا أن الإسلام سبق الغرب بألف وأربعمائة سنة ، في سن هذا القانون ، وبسنهم لهذا القانون أرادوه لأنفسهم لا غيرهم ، فحرروا العبيد اسماً لا فعلاً ، وحرموهم من كل امتياز للحر الكريم ، فميزوا العبيد – السود – بأنهم لا يتملكون داخل المجتمع ، بل منعوهم كما في أمريكا في فترة الستينات من دخول المطاعم كما في شيكاغوا ، وغيرها ، بل كان أصحاب مطاعم بعض الولايات يضعون لافتة مشينة مهينة مفادها ( لا ندخل السود ولا الكلاب ) .
بل منعوهم من إقامة دعوى أمام المحكمة ، أو حتى إقامة محامي ليدافع عنهم في محاكم البيض ، وشكل السود في أمريكا جمعيات لتدافع عن حقهم فقط في الحياة - من دخول مطعم ، أو حتى متجر ، أو مستشفى .
روى البخاري 1 / 20 ومسلم 1661 عن المعرور عن أبي ذر قال : رأيت عليه برداً وعلى غلامه ( عبده ) برداً فقلت لو أخذت هذا فلبسته كانت حلة وأعطيته ثوباً آخر فقال : كان بيني وبين رجل كلام وكانت أمه أعجمية فنلت منها فذكرني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : ( أساببت فلاناً ) قلت نعم قال : أفنلت من أمه قلت نعم قال : إنك امرؤ فيك جاهلية قلت : على حين ساعاتي هذه من كبر السن ؟ قال : ( نعم ، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا يكلفه من العمل ما يغلبه فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه ) .
قلت : أين هذا النص من فعل الغرب المهين المشين ، بل أين هو من فعل المحافظين الجدد الصهاينة حينما تعدوا على كل مقدس للمسلمين ، حقاً إن الإسلام دين الله والغرب اليهودي الجديد لا دين له .

رحم الله سيداً ، فلقد كان سيداً في الدنيا وأرجو أن يكون في الآخرة كذلك .