المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المفكر سيد قطب رحمه الله وحقوق الإنسان (الحق الأول الاعتقاد :عماد بن حسن المصري



أهــل الحـديث
26-06-2013, 12:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


المفكر سيد قطب رحمه الله وحقوق الإنسان (الحق الأول الاعتقاد
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم...
مقدمة بين يدي المقالة:
بعد الحرب العالمية الثانية بسنوات؛ صدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما يسمى الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وذلك في 10/12/1948، وهذا الميثاق يعده الغرب تتويجاً لسنوات الفكر المستنير على يدي مفكريه، وعلماءه، وسياسي التنوير عندهم. وظن هذا الغرب، أن فلاسفته ومفكريه حازوا قصب السبق، إذ أسسوا لهذا الميثاق. ولقد راموا الورم شحماً، وأوردوا إبلهم أرضاً قاحلة جرزة، فهم تغافلوا وتعاموا عن حقيقة ثابتة ثبوت الشمس في رابعة النهار، أن الإسلام سبقهم بأربعة عشر قرناً من الزمان، (منوِّراً) ظلام العصور الوسطى بنور العدل والسماحة، ووسطية النهج والمنهج والتفكير، وصلاح النظام والمنظومة. فإذا كان الغرب أبَّان همجيته في حربيه العالميتين اللتين أخذتا معهما أرواح ملايين البشر، ومليارات الدولارات، لم تفكر يومئذ بحق مواطن لها أو لغيرها ممن طالتهم حربها الغشومة في الشرق العربي، فكيف انبثق ذهنها بعد الحرب بثلاث سنوات ووضعت هذا القانون الذي لا يخدم إلا أوروبا فقط، بدليل ما تفعله أوروبا بالعالم الإسلامي خصوصاً، والمستضعفين في كل العالم عموماً، وطبقوا المقولة القائلة:
قتل كلب في غابة مسألة لا تغتفر
وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر
بينما نجد الإسلام السباق لهؤلاء في سنِ القوانين الحامية لغير المسلمين، في أرض المسلمين وغيرها، لم يتبجح تبجج هؤلاء، أخرج أبو داود في سننه (2759) والترمذي في سننه (1580) وأحمد في المسند (16401) عن أبي الفيض عن سليم بن عامر قال: كان معاوية رضي الله عنه يسير بأرض الروم، وكان بينهم وبينه أمد، فأراد أن يدنوا منهم، فإذا انقضى الأمر غزاهم، فإذا شيخ على دابة يقول الله أكبر الله أكبر، وفاء لا غدر إن رسول الله صلى عليه وسلم قال: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشدها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء)، فبلغ معاوية ذلك فرجع، وإذا الشيخ عمرو بن عبسة. قلت: وصححه شيخنا العلامة شعيب بن محرم، وأستاذنا العلامة ناصر الدين الألباني رحمه الله.
فانظر أخي المسلم: أين تجد رئيس دولة يرجعه عن عزمه وعزيمته، وتصميمه نص نظري ينقله إليه رجل آخر، هذا والله منتهى العدل والإنصاف لحقوق الغير، فكيف دكت صواريخ الغرب العراق، وأفغانستان، رغم ما يربط هذه الدول المعاهدات، والمواثيق بالأمم المتحدة والدول الغازية لها.
شبهة وردها:
وقال قائلهم إن الشهيد سيداً رحمه الله، كان يكفِّر المجتمعات الإسلامية لأنها ابتعدت بجاهليتها عن الإسلام، فكيف يتصور أن يحفظ لها حقوقاً، ناهيك عن حقوق غير المسلمين في بلاد المسلمين.
قلت: وهذه شكوى ظاهر عوارها، وذلك لأن سيداً رحمه الله لم يكن يكفِّر المجتمعات، ولم يثبت عنه رحمه الله نص صريح قاطع بتكفير أي مجتمع مسلم، بل هي تخرصات وأقاويل، وأنصح في هذا الباب الرجوع إلى كتاب أخي وصديقي الأديب الأريب، وائل علي البتيري (التفنيد) فلقد نقل حفظه الله نقولاً تثبت ما قلته بشأن عدم تكفير سيد للمجتمعات الإسلامية.
أول الحقوق الإنسانية عند الشهيد سيد رحمه الله:
حقوق الاعتقاد:
ظن بعض الأكاديميين في أردننا، أن سيداً رحمه الله يدعوا ضمن فهمه للآية الكريمة: ) (2لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم65 إلى توسيع قاعدة (لا إكراه) إلى جعل غير المسلمين ممن يعيشون في ظل الدولة الإسلامية، يبشرون بالديانات الأخرى، وهؤلاء ( الأكاديميون ) اخطئوا خطئاً فاحشاً في هذا الفهم، وخلطوا الغث بالسمين وفهموا فهما أعور، وكلام سيد الشهيد رحمه الله واضح جداً في هذه المسألة ولا لبس فيه، فهو يذهب مع الجماعة المسلمة من فقهاء، ومفسرين، ومفكرين، ومحدِّثين إلى أن المسلمين لا يجوز لهم إكراه غيرهم على الإسلام، ولأن حرية الاعتقاد شيء ألزمه الإنسان البشري نفسه به، فهو يتحمل تبعات هذا الاختيار، قال تعالى: (ﯳ) [الإنسان:3] إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا 3 ويذهب معهم بأنه لا يجوز لرئيس الدولة السماح للرعايا من غير المسلمين التبشير بغير الإسلام، قال سيد رحمه الله: ( والإسلام وهو أرقى تصور للوجود وللحياة، وأقوم منهج للمجتمع الإسلامي بلا مراء، هو الذي ينادي بأن (لا إكراه في الدين) وهو الذي يبين لأصحابه قبل سواهم أنهم ممنوعون من إكراه الناس على هذا الدين فكيف بالمذاهب والنظم الأرضية القاهرة المتعسفة وهي تفرض فرضاً بسلطان الدولة، ولا يسمح لمن يخالفها بالحياة ( ظلال القرآن 1: 291).
ويفسر رحمه الله كلامه هذا المجمل، بكلام آخر مفصل كما في الظلال (1: 291) في تفسير قوله تعالى: (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ. أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» ) إن قضية العقيدة- كما جاء بها هذا الدين- قضية اقتناع بعد البيان والإدراك؛ وليست قضية إكراه وغصب وإجبار، ولقد جاء هذا الدين يخاطب الإدراك البشري بكل قواه وطاقاته، كما يخاطب العقل المفكر، والبداهة الناطقة، ويخاطب الوجدان المنفعل، كما يخاطب الفطرة المستكنة ، يخاطب الكيان البشري بكل جوانبه؛ في غير قهر حتى بالخارقة المادية التي قد تلجيء مشاهدها إلجاء إلى الإذعان، ولكن وعيه لا يتدبرها، وإدراكه لا يتعقلها لأنها فوق الوعي والإدراك.
وقال رحمه الله : إن حرية الاعتقاد هي أول حقوق الإنسان التي يثبت له بها وصف إنسان، فالذي يسلب إنساناً حرية الاعتقاد، إنما يسلبه إنسانيته ابتداء، ومع حرية الاعتقاد حرية الدعوة للعقيدة، والأمن من الأذى والفتنة، وإلا فهي حرية بالاسم لا مدلول لها في واقع الحياة.
شبهة وردها:
وفهم بعض الأكاديميين قول سيد: (حرية الدعوة للعقيدة) السماح لغير المسلمين بالتبشير!! ولكنهم كما قال الشاعر:
أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمل
ما هكذا تورد يا سعدُ الإبل!
قال الشهيد رحمه الله :] إن سماحة الإسلام مع أهل الكتاب شيء، واتخاذهم أولياء شيء آخر ولكنهما يختلطان على بعض المسلمين الذين لم تتضح في نفوسهم الرؤية الكاملة لحقيقة هذا الدين ووظيفته، بوصفه حركة منهجية واقعية، تتجه إلى إنشاء واقع في الأرض، وفق التصور الإسلامي الذي يختلف في طبيعته عن سائر التصورات التي تعرفها البشرية؛ وتصطدم من ثمَّ بالتصورات والأوضاع المخالفة، ثم قال رحمه الله: وهؤلاء الذين تختلط عليهم تلك الحقيقة، ينقصهم الحس النقي بحقيقة العقيدة، كما ينقصهم الوعي الذكي لطبيعة المعركة، وطبيعة موقف أهل الكتاب فيها؛ ويغفلون عن التوجيهات القرآنية الواضحة الصريحة فيها، فيخلطون بين دعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة أهل الكتاب، والبر بهم في المجتمع المسلم الذين يعيشون فيه مكفولي الحقوق وبين الولاء الذي لا يكون إلا لله ورسوله وللجماعة المسلمة.
وأخلص في هذه المقالة إلى نقطتين اثنتين:
الأولى: وهي أن سيداً رحمه الله يوافق تماماً فقهاء المسلمين ومفسريهم في أن القاعدة الأولى من قواعد حقوق الإنسان، (حرية الاعتقاد) ضمن قوله تعالى: (لا اكراه في الدين) وأنه أصلَّها جيداً، بحيث فرَّق بين اعتناق الإسلام برغبة واقتناع، وبين المذاهب الأخرى التي لا تسمح إلا بدين الدولة، وإلا حُرِّم حق الحياة .
ثانياً: إن سيداً رحمه الله براء من تلك (الوصمة العار) من بعض الأكاديميين الذين فهموا من توسيع دائرة (لا إكراه في الدين) إلى السماح لغير المسلمين بالتبشير في الدولة الإسلامية وهذه محض افتراء وباطل كما بينته.
رحم الله سيداً، فلقد كان سيداً في الدنيا وارجوا أن يكون كذلك في الآخرة.