المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موقف سيد قطب من الصحابة وخبر الواحد,عماد بن حسن المصري



أهــل الحـديث
26-06-2013, 10:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


موقف سيد قطب من الصحابة وخبر الواحد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد...
سأعرض في هذه المقالة إلى موقف المفكر سيد قطب من الصحابة وخبر الواحد ,وسأقسم المبحث إلى قسمين:الأول :رأيه في الصحابة


والثاني: موقفه رحمه الله من خبر الواحد.
وقال أحد المدعين : يكفيه هاتين الشبهتين ليخرجاه من دائرة السنية.
وقبل رد هذه المزاعم والشبه لا بد من عرض أمر مهم، كمدخل لفهم هاتين المسألتين.
هناك ثلاثة مراحل مرَّ بها الشهيد سيد رحمه الله في حياته العلمية.
المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل الالتزام حيث كان متأثراً– كأي طالب علم بأفكار أساتذته؛ مثل طه حسين، وأستاذه عباس محمود العقاد، فهذه المرحلة امتدت إلى سنة (1945) قبل الالتزام بالدعوة والعمل الإسلامي، تقلَّب منها الشهيد رحمه الله بين حزب الوفد، والسعديين، ومناصرة العقاد وأدبه وفكره؛ وفي هذه المرحلة كتب الشهيد عدة مقالات وأبحاث، يؤخذ عليه كثير مما كتب فيها، وهذه المرحلة كان الشهيد نفسه يسميها بمرحلة الضياع، فكانت منه بعض الكلمات في حق الصحابيين الجليلين معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص رضي الله عنهما.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة التحول إلى العمل الإسلامي، فألف فيها كتابه الأول العدالة الاجتماعية، وذلك سنة (1948)، وفيه: يشعر القارئ أن الشهيد سيداً رحمه الله لا يزال متأثراً قليلاً بأفكار أستاذه العقاد وطه حسين، فصدرت منه كلمات في حق الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفي هذه المرحلة تصدي للرد على سيدٍ رحمه الله الأستاذ محمود شاكر.
وبيّن سيد رحمه الله في رده على مقالة الأستاذ محمود أنه لا يقصد الطعن في الصحابة رضي الله عنهم، وإنما يريد الدفاع عن الإسلام مما نسب إليه في كتب التاريخ والسير.
المرحلة الثالثة: مرحلة النضج الفكري، الذي انبثق منه الجهاد والبلاء. وهد المرحلة تعتبر الحاكمة على عقل وفكر ونتاج الشهيد رحمه الله وهي الناسخة لحياته السابقة، والتي بدأت أوائل الخمسينات وانتهت به شهيداً على مقصلة الظلم والعدوان. وهذه المرحلة الناسخة، صدر عن الشهيد رحمه الله كتب رائعة منقحة معدَّلة منها:
العدالة الاجتماعية، وهي الطبعة السادسة التي أصدرتها "دار إحياء الكتب العربية"، عام (1914)، حذف- رحمه الله- منها ما انتقده عليه الأستاذ محمود شاكر، وعدَّل كثيراً من العبارات، وأضاف أموراً أخرى، اتجهت به إلى موقف عدل من الصحابة رضوان الله عنهم كما في الظلال، انقل منها: في سورة النساء الآية (153) قال رحمه الله: ثم تابع اليهود كيدهم للإسلام وأهله منذ ذلك الزمن، كانوا عناصر أساسية في إثارة الفتنة الكبرى التي قُتل فيها الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، .... وقال في سورة التوبة الآية (111): ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جد في سفره، وأمر الناس بالجهاز والإسراع، وحض أهل الغنى على النفقة، وحمل المجاهدين الدين لا يجدون ما يركبون، فحمل رجال من أهل الغنى محتسبين عند الله، وكان في مقدمة المنفقين المحتسبين عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأنفق نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها.
ثم يدافع الشهيد رحمه الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، دفاع العارف لمقامهم، وعلو شأنهم، وبذلهم الخير، فيقول في تفسير قوله تعالى:( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى ) [النجم:33-34] الذي يعجب الله من أمره الغريب، تذكر بعض الروايات أنه فرد معيَّن مقصود، وأنفق قليلاً في سبيل الله، ثم انقطع عن البذل خوفاً من الفقر، ويحدد الزمخشري في تفسيره "الكشاف" شخصه، أنه عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويذكر في ذلك قصة؛ لا يسند فيها إلى شيء، ولا يقبلها من يعرف عثمان رضي الله عنه وطبيعته وبذله الكثير الطويل في سبيل الله بلا توقف وبلا حساب كذلك، وعقيدته وتصوره لتبعة العمل وفرديته.
وفي كتابه " هذا الدين" أثنى ثناءً طيباً على معاوية رضي الله عنه، وعمرو بن العاص، وأبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين، مما يدلك على أن المرحلة الثالثة هي التي يجب أن يصار إليها في حياة الشهيد الحي بإذن الله. وأما قول قائلهم إن سيداً ينتقص الصحابة، هو خبر منسوخ، إن كان هناك في الأصل التنقيص المزعوم!! وقال رحمه الله في كتابه "معالم في الطريق ص14" حيث وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم (جيلٌ قرآني فريد) فقال: لقد خرَّجت هذه الدعوة جيلاً من الناس- جيل الصحابة رضوان الله عليهم- جيلاً مميزاً في تاريخ الإسلام كلّه، وفي تاريخ البشرية جميعه، ثم لم تعد تخرج هذا الطراز مرة أخرى.
شبهة وردها:
قال قائلهم: إن سيداً لا يقبل أحاديث الأحاديث في الاعتقاد كالجهمية والمعتزلة!!
قلت: أعوذ بالله من ضيق التفكير والعطن، وقلة العلم وسوء الظن. ولقد صدق فيهم قول الشاعر:
وعين الرضا عن كل عيبٍ كليلةٌ
ولكن عين البغض تبدى المساويا
إن سيداً رحمه الله حاله كحال بعض علماء المسلمين، يرفض خبر الواحد في أصول الاعتقاد، ولا يقبل إلا المتواتر شرطاً لصحة أصول الاعتقاد، فقال في الظلال (6: 4008)(وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة، والمرجع هو القرآن، والتواتر شرط للأخذ بالأحاديث في أصول الاعتقاد.
قلت: وهذا عين ما نقله الشيخ الدكتور عبد المحسن التركي في كتابه أصول مذهب الإمام أحمد (ص313-316) فقال: أما الاستدلال بأحاديث الآحاد في العقائد، فالجمهور يرون أن أخبار الآحاد تفيد غلبة الظن. كما تقدم، وقد بنوا على ذلك رأيهم في الاستدلال بها في العقائد فقالوا: إنه يُستدل بها في الأحكام العمليّة دون الأحكام الإعتقادية. يستدل الجمهور على أن أخبار لا يستدل بها في العقائد، بأن العقائد يجب أن تُبنى على أدلة قاطعة لا شبهة فيها، وإلا كيف نكون عقائد وهي أصول الدين؛ وأخبار الآحاد أدلة ظنية فيها شبهة. إلى أن قال: والذي أرجحه أخيراً: أن القائلين بالاستدلال بها في العقائد يشترطون ثبوتها وصحتها، وهذا قد يصل إلى القطع عندهم لما احتفَّ بها من القرائن، فيلتقون مع الجمهور، ثمَّ إن الاعتقاد بما كان طريقه آحاداً، ليس كالاعتقاد بما طريقه المتواتر، من حيث القوة.
قلت: وهذا الرأي من الشيخ الدكتور عرض بمنتهى الإنصاف للرأيين، فهل الشيخ الدكتور جهمي معتزلي!!! وهو رأس السلفية.
وأختم القول بنقل عن شيخ الإسلام في هذه المسألة فقال في منهاج السنة النبوية (3-443-453) في رده على الرافضي في الوجه الثاني في نقض الدلالة على وجوب اتباع مذهب الإمامية بحديث (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) قال: فإن هذا الحديث إنما يرويه أهل السنة بأسانيد أهل السنة، والحديث نفسه ليس في الصحيحين، بل طعن فيه بعض أهل الحديث كابن حزم وغيره؛ ولكن قد رواه أهل السنن كأبي داود، والترمذي، وابن ماجة، ورواه أهل الأسانيد كالإمام أحمد وغيره، فمن أين لكم على أصولكم ثبوته حتى تحتجوا به، وبتقدير ثبوته فهو من أخبار الآحاد، فكيف يجوز أن تحتجوا في أصل من أصول الدين وإضلال المسلمين إلا فرقة واحدة بأخبار الآحاد التي لا يحتجون بها في الفروع العلمية.
قلت: فهذا شيخ الإسلام يفرق تفريق الشهيد سيد، فهل شيخ الإسلام جهمي معتزلي!!!؟ سبحانك هذا أفك مبين، وبهتان عظيم.
وأخلص في هذه المقالة إلى أمرين اثنين:
1. إن سيداً الشهيد رحمه الله بريء من سب الصحابة، بل هو يعظمهم ويترضى عنهم ويعتبرهم جيلاً فريداً مميزاً عقمت أرحام الأمة أن تأتي بمثلهم.
2. وهو براء من رفض خبر الواحد في الفروع، ولا يقبل في أصل الاعتقاد إلا ما كان متواتراً.

رحم الله الشهيد سيداً، فلقد كان سيداً في الدنيا، وأرجو أن يكون كذلك في الآخرة.