المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مع العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي,عماد بن حسن المصري



أهــل الحـديث
26-06-2013, 09:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


مع العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي
كَتب العلاقة الدكتور محمود محمد الطناحي ، مقالة في مجلة الهلال في ديسمبر من عام 1992م , بعنوان النحو ... والشعراء ، وجُمعت هذه المقالة مع زميلاتها في كتاب صدر عن دار البشائر الإسلامية ، ط 1 /1422 / 2002 بعنوان : مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي ، صفحات في التراث والتراجم واللغة والأدب ، القسم الأول ج 1 / ص 214 - 224 ، ناقش فيه مع الشاعر الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي ، ورد فيه على قوله أنه مدين لعميد الأدب العربي طه حسين بهذا المنهج الذي أخرج به الشعر الجاهلي من سلطان النحاة والشراح وسدنة الكتب الصفراء .
ثم تكلم في ص 216 على تقعيد القواعد فقال : والنحوي حريص على هذا النظام مثبت به , فما خرج عنه رفضه أو ضعَّفه أو شذذه , ولا يبالي النحوي أي نص كان هذا الذي خرج عن النظام , ولذلك يضعف النحوي بناءَ على نظامه بعض القراءات القرآنية الآتية من طريق التواتر , فقد تكلم النحاة على قراءة نافع وابن عامر وحمزة ولكساني ( إن هذان لساحران ) بتشديد نون ( إن ) مع رفع ( هذان ) بعدها وحقه النصب , وتكلموا على حذف الفاء في جواب ( أما ) من قوله صلى الله عليه وسلم ( أما بعد ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ) وحقه فما بال . وتكلموا على حديث ( صلّى رسول الله عليه وسلم قاعداً , وصلى وراءه رجال قياماً رجالاً ) وقبله نكرة ( رجال ) وحق صاحب الحال في النظام النحوي أن يكون معرفة .
ثم قال : ومع كل هذه الصرامة النحوية , فقد قام نحاة آخرون بتوجيه هذا الكلام الخارج عن النظام , ورده إليه من طريق موافقته لبعض لغات العرب أي - لهجاتهم - أو من طريق الحذف والتقدير .
قلت : ولا تكفي هذه الإشارة من فضيلة العلامة بشأن موضوع كبير وشائك متعلق بكتاب ربنا وسنة نبينا , وهو ( الدكتور ) المسهب في شرحه لبعض المسائل التي تقل وزناً وقيمة من النصوص الثلاثة السابقة فأقول وبالله المستعين .
القول في الآية ( إن هذان لساحران ) . قال ابن جرير الطبري رحمه الله في التفسير ( 8 : 429 ) .
وقد اختلف القراء في قوله ( إن هذان لساحران ) فقرأنه عامة قراء الأمصار ( إن هذان ) بتشديد إن وبالألف في هذان قالوا : قرأنا ذلك كذلك ، وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول : إن خفيفة في معنى ثقيلة ، وهي لغة قوم يرفعون بها ويدخلون اللام ، ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى ما ، وقال بعض نحويي الكوفة : ذلك على الوجهين ، أصلها على لغة بني الحارث بن كعب ومن جاورهم ، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف ، وقد أنشدني رجل من الأسد عن بعض بني الحارث بني كعب :
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى مساغاً لناباه الشجاع لصمما
قال : وحكي عنه أيضاً : هذا خط يدا أخي أعرفه قال : وذلك وإن كان قليلاً أقيس ، لأن العرب قالوا : مسلمون فجعلوا الواو تابعة للضمة ، لأنها لا تعرب ، ثم قالوا : رأيت المسلمين ، فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم ، قالوا : فلما رأوا الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها ، وثبت مفتوحاً ، تركوا الألف تتبعه فقالوا : رجلان في كل حال . قال : وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين في الرفع والنصب والخفض ، وهما اثنان ، إلا بني كنانة فإنهم يقولون رأيت كلي الرجلين ومررت بكلي الرجلين . وهي قبيحة قليلة مضوا على القياس ، قال : والوجه الآخر أن تقول : وُجدت الألف من هذا دعامة وليست بلام فعلي ، فلما بُنيت زدت عليها نوناً ، ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول بكل حال كما قالت العرب ، الذين زادوا نوناً تدل على الجمع فقالوا : الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم ، كما تركوا هذان في رفعه ونصبه وخفضه قال : وكان القياس أن يقولوا : الذون , وقال : آخر منهم : ذلك من الجزم المرسل ، ولو نصب لخرج إلى الانبساط .
قلت : استطاع الحافظ ابن جرير أن يدافع عن هذه الآية ، وأنها ليست مخالفة لصرامة القواعد النحوية , وأنها من معهود خطاب وكلام العرب , وهي على الجادة في سلكها ففي بيت الشعر الذي أورده على صحة دعوى مقولة العرب قوله :
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى مساغا لناباه الشجاع لصمما
وصوابه ( لنابيه ) فبعض العرب تطلق مثل هذا الكلام في الرفع على المنصوب أو المجرور .
ثم استشهد رحمه الله على ( مسوغ هذا الكلام ) بكلمة ( الذين ) فإنها آتية في كل القران على معهودها الأصلي ، بوجود الياء قبل النون منصوبة في كل القران , فلم يعاملها نحاة العرب على القواعد النحوية كقوله قال الذون , رأيت الذين , مررت بالذين .
وقال ابن جرير : وحدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال : قال أبو عمرو ، وعيسى بن عمر ، ويونس : إن هذين لساحران في اللفظ ، وكتب هذان كما يريدون الكتاب واللفظ صواب ، قال : وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوماً من بني كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب ، قال : وقال بشر بن هلال : إن لمعنى الابتداء والإيجاب ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ، ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها ، فترفع الخبر ولا تنصبه ، كما نصبت الاسم ، فكان مجاز ( إن هذان لساحران ) مجاز كلامين مخرجه : إنه : أي نعم ... ثم قلت : هذا ساحران ، إلا أنهم يرفعون المشترك كقول صابئ .
فمن يك أمس بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريب
ويقصد الطبري رحمه في قوله هذا أي : نعم ، أن بمعنى نعم والساحران خبر مبتدأ محذوف واللام دخلة على الجملة وتقديره : لهما ساحران ، والى هذا جنح صاحب التحرير والتنوير ( 1 : 2652 ) فقال : إن حرف جواب مثل : نعم وأجل ، وهو استعمال من استعمالات ( إن ) ، أي اتبعوا لما استقر عليه أمرهم بعد النجوى كقول عبد الله بن قيس الرقيات :
ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنه
أي أجل أو نعم ، والهاء في البيت هاء السكت .قلت عماد :وهذا معروف في كلام العرب قال الخليل في العين : : [ تكون ] ( إنّ ) في مَوْضع ( أَجَلْ ) فيكسِرونَ ويثقّلون فإذا وفقوا في هذا المعنى قالوا : إنّهْ . . تكون الهاء صلةً في الوقوف وتَسْقط [ الهاء ] إذا صرفوا . . . وبلغنا عن عبدِ الله بن الزُّبَيْر أن أعرابيّاَ أتاه فسأله فحرمه فقال : لعن الله ناقةً حملتني إليك فقال ابنُ الزُّبير : إنّ وراكِبَها أي : أَجَلْ
قال الطناحي رحمه الله : ( 1 : 216 ) وتكلموا على حذف الفاء في جواب أما ، من قوله صلى الله وعليه وسلم : أما بعد ، ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله وحقه فما بال قلت : وإن كان الشيخ رحمه الله ، ألمح في الصفحة المقابلة 217 بقوله ومع كل هذه الصرامة النحوية , فقد قام نحاة آخرون بتوجيه هذا الكلام الخارج عن النظام وردوه إليه من طريق موافقته لبعض لغات العرب - أي لهجاتهم- أو من طريق الحذف والتقدير .
قلت : ولا تكفي هذه الإشارة من الدكتور رحمه الله , وهو من أساطين اللغة والأدب , أن يجعل الشبهة هكذا دونما إيراد جلاء لها ، ولو على طريق الاختصار لا الإشارة أو الإمارة . سيما أن الشبهة لها في القلوب موقع كالاسفنجة تشرب ما يُلقى فيها .
قلت : قال : ابن هشام في أوضح المسالك ( 4 : 232 ) فصل في أمَّا : وهي حرف شرط وتوكيد دائماً وتفصيل غالباً , يدُّل على الأول مجيء الفاء بعدها , والثالث استقراء مواقعها نحو ( فأما اليتيم فلا تقهر ) ( فأما الذين اسودت وجوههم ) ( فأما من أعطى واتقى ) الآيات , ومنه ( فأما الذين في قلوبهم زيغ ) الآية وقسيمه في المعنى قوله تعالى ( والراسخون في العلم ) الآية فالوقف دونه ، والمعنى أما الراسخون فيقولون ، وذلك على أن المراد بالمتشابه ما استأثر الله تعالى بعلمه .
ومن تَخَلُّف التفصيل قولك ( أما زيد فمنطلق ) .
وأما الثاني : فذكره الزمخشري فقال : أمَّا حرف يعطي الكلام فضل توكيد تقول : ( زيد ذاهب ) ، فإذا قصدت أنه لا محالة ذاهب قلت : أما زيد فذاهب ، وزعم أن ذلك مستخرج من كلام سيبويه ، وهي نائبة عن أداة الشرط وجملته , ولهذا تؤول بمهما يكن من شيْ ، ولا بد من فاء تالية لتاليها ، إلا إن دخلت على قول قد طرح استقصاء عنه بالمقول ، فيجب حذفها معه كقوله تعالى ( فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم ) أي : فيقال لهم : أكفرتم ، ولا تحذف في غير ذلك إلا في ضرورة كقوله ( فأما القتال لا قتال لديهم ) أو ندور ( أي نادراً ) أما بعد : ما بال رجال يشترطون شروطاً في كتاب الله .
قلت أما قوله : وندرته أي يقع شائعاً في كلام الله ورسوله وكلام العرب ( إلا نزراً ) ، وكأنه بذلك رحمه الله يصوِّب من جهة الجواز حذف الفاء بعد أما بعد , والأصوب ثبوتها بعد أما بعد فصاحة ولياقة ولباقة , قال العيني في العمدة ( 9 : 281 ) وهذا دليل جواز حذف الفاء في جواب أما ، مع أن النحاة صرحوا بلزوم ذكره إلا في ضرورة الشعر .
وقال بعضهم لا يجوز حذف الفاء مستقلاً ، لكن يجوز حذفها مع القول كما في قوله تعالى ( فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم ) إذ تقديره : فالقول لهم هذا الكلام ، وقال ابن مالك : هذا الحديث واخواته : كقوله أما موسى كأني انظر إليه ، وأما بعد ما بال رجال يشترطون شروطاً ، فمخالف لهذه القاعدة ، فُعلم أن من خصه بما إذا حذف القول معه فهو مقصر في فتواه عاجز عن دعواه .
قلت : وجاء حذف الفاء بعد إما في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فما سبقه من حديثه عليه السلام وهو ( الحذف ) معمول به في كلام العرب بتقدير ما , كما حذفت في النثر أيضاً بكثرة وبقلة ، عند حذف القول معها كقوله عز وجل ( فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم ) أي فيقال لهم أكفرتم بعد إيمانكم , والقليل ما كان بخلافه كقوله ( أما بعد ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ) هكذا وقع في صحيح البخاري ما بال بحذف الفاء ، والأصل أما بعد فما بال رجال فحذفت الفاء .
وقد أورد الدكتور نفسه مقولة بأنه يجوز في الشعر العربي مخالفة النحو ، وأورد قصته الفرزدق مع عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي فقد سمع الفرزدق يقول :
وَعضُّ زمانٍ يا مروان لم يدع من المال إلا مسحتاًأو مُجَلَّفُ
فقال له: بم رفعت أو مجلف ؟ فقال: بما يسوءك وينوءك علينا أن نقول وعليكم أن تتألو .
قلت : صدق والله فمع أن هذا البيت مخالف لأصول النحو ! فهو لا تزال الركب تصطك في تسوية إعرابه , وقال أبو فهر محمود محمد شاكر وبيت الفرزدق مما اشتجرت عليه ألسنة النحاة ولكنه بقي مرفوعاً حيث هو .
ولقد جهد النحاة في تصويب رفع هذا البيت ، فمنهم من قال فرفع مجلف على الاستئناف فكأنه قال : أو مجلف كذلك ، وهو كثير في كلامهم ومنهم من قال : فإنه يضمر في المسحت والمجلف ما يرفعه ، مثل الذي ونحوه ، ومن روى لم يدع في معنى : لم يترك فسبيله الرفع بلا علة كقولك لم يضرب إلا زيد .
ثم قال فضيلة الدكتور رحمه الله , وتكلموا على حديث , ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً وصلى وراءه رجال قياما ) لمجيء قياماً حالاً وقبله نكرة ( رجال ) وحق صاحب الحال في النظام النحوي أن يكون معرفة .
قلت : ومن يخالف يا دكتور في أن القاعدة قولهم ( صاحب الحال التعريف ) ولكن الدكتور لا يجهل ( حاشاه زمن ذلك ) فرع قولهم وقد يقع ( يعني الحال ) نكرة بغير مسوغ كقولهم ( عليه مائة بيضاً ) وفي الحديث ( وصلى وراءه رجال قياماً ) وأجاز سيبويه فيها ( رجل قائماً ) وقالوا في إعراب ( قياماً ) حال من نكرة المحضة .
وبعد : فليس مثلي يستدرك على العلامة الدكتور الطناحي , فما أنا إلا وراق ، وهيهات لوراق أن يسبق في مضمار العلم أستاذاً كبيراً , ولكنها فلتات من عَلَمٍ كبير كالطناحي رحمه الله .
وابن اللبون إذا ما لزق في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس .

والحمد لله رب العالمين