المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإنسان مخلوق من ماء مَهين أم من ماء مُهين



أهــل الحـديث
26-06-2013, 02:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


لقد وقع الكثير من علمائنا في الخطأ حين لجأوا للتعريف بالماء المَهين على أنه ماء حقير وضعيف وذلك لأنه على العكس من ذلك تماماً، فلو تمعنا في قول الله تعالى “ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ” وأعتمدنا التفسير على أن الخصوصية هنا كانت بالتحديد للجنس الآدمي والذي يُحدثنا الله تعالى عن نسله، وتذكرنا أيضاً خلق الله للبشر والذي خلقه في أحسن تقويم، وركبه بأحسن صورة، وعلمه البيان وعلمه ما لم يعلم، وخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وكرمه، وفضله على الكثير من خلقه لعلمنا بأن الله لم يخلق البشر من ماء حقير وضعيف، وبالتالي فإن علينا إعتماد الأصح من القول، فحسب لسان العرب فهو يخبرنا على العكس من ذلك: فالمَهْنَة والمِهْنَة والمَهَنَة والمَهِنَةُ كله: الحِذْق بالخدمة والعمل ونحوه، وحين نقول قامت المرأَة بِمَهْنةِ بيتها أَي بإِصلاحه، وكذلك الرجل، وحين القول ما مَهْنَتُك ههنا ومِهْنَتُكَ ومَهَنَتُكَ ومَهِنَتُكَ أَي عَمَلُكَ، وقد مَهَنَ يَمْهُنُ مَهْناً إِذا عمل في صنعته، والفروقات واضحة وجليّة فيما بين ما هو مُهين وما هو مَهين، وهذا نأخذه من قوله تعالى،

“وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ“ سورةالدخان 30 .

وقوله تعالى “وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ” سورة النساء 14 .

ومعنى ذلك اي من العذاب الذليل والمخزي والحقير، وهذا يختلف عن وصف الماء المَهين والذي في تفسيره نستعين بقول الله تعالى،

“وَلَاتُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ“ سورةالقلم 10 .

ومَهين هنا هي صفة للكاذب وكأن الكذب هو مهنته وإختصاصه، وهنا لا نستشهد بالحادثة والتي تحدثت عنها الآية الكريمة ولكن نستشهد بالقيمة اللغوية لكلمة مَهين وللإستفادة من معناها اللغوي فقط والتي أتت لوصف للمهنة أو الدور الوظيفي، ومن هنا نتعرف على معناها والغير محدود أو مربوط بظرف أو حالة معينة.

ولنا مثال آخر في الإشارة على خطاب فرعون وملأه لموسى عليه السلام ووصفه بالساحر أي إمتهانه لمهنة السحر والتي لا تُقارن بمُلك فرعون ومنزلته حسب ما نسب لنفسه وفي ذلك كان قوله تعالى،

“وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)” سورة الزخرف.

إذن فالماء المَهين هو ماء ذو مهنة ووظيفة وتخصص وهو صاحب الدور الوظيفي، والمهنة هنا والذي يحتوي من خلاله السلالة والتي هي ذات وظيفة محددة ومسؤولة عن خلق الإنسان وتكاثره، فكيف لأن تكون من ماء حقير وهذا الماء يحضر للوجود من كرمه الله وفضله، ومهنته الحمل لسلالة الدي إن إيه والتي تحمل الخارطة الوراثية المجهرية للإنسان كُلها وبذلك يكون المسؤول عن توالد وتكاثر الإنسان، إن كل من سلالتي الطين والماء المهين لهم وظائف ومهن إمتهونا في عملية نسِلِّهم لهذا الإنسان وهم أساس التكوين الإنسي وأصله وأبتداءه.
إن تقنية المجهر والذي تم إختراعه في حوالي الـ 1590 ميلادي مكننا من البحث داخل تركيبتنا المجهرية ورؤية آية خلقنا والتي عجزالإنسان عن رؤيتها منذ أن خُلق، ومن خلاله تم التعرف على أول نسيج حي، وإكتشاف خلايا الدم والحيوان المنوي، والتعرف على المجهريات الدقيقة كالفيروسات والبكتيريا والميكروبات والجراثيم، وشجعنا في التعمق في دراسة وفهم البناء الخلوي للإنسان وعلى ماذا تحتوي الخلية وهي الوحدة التركيبية والوظيفية في الكائنات الحية وما تحتوي عليه من أجسام أصغر منها تسمى عضيات، مثل أجسام جولجي، وهناك أيضا النواة التي تحمل في داخلها الشيفرة الوراثية الدنا: الـ ديه ان إيه والمعروف أيضاً بالحمض النووي الذي تم إكتشافه عام 1953 .

وهنا نتذكر قول الله تعالى،
“سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ” سورةفصلت 53 .

ويربط الله في هذه الآية الكريمة بين كل من النظر في الآفاق والنظر في طيات النفس وذلك من إظهار الحق من خلال عظيم صنعه والذي لا يمكن للإنسان لأن يتوصل إليه من خلال مقدراته المتواضعة وحدود علمه القليل دون الإستعانة بالقدرات الذكيه وسلطان العلم الذين مكننّا من البحث في ما هو أعمق وابعد من حدود قدراتنا، فلقد كان من المستحيل رؤية السلالة من الطين أو من الماء المهين في الطرق العادية حتى تقدم العلم وتم إختراع المجهر والذي مكننا من رؤية الصفائح الطينية الدقيقة المكونة للطين ورؤية الكرموسومات وجزيء الـ دي أن إيه والذي يحتوي عليه التكوين الخلوي للخلية المكونة للكائنات الحي، فما هو مُهين وما هو مَهين يختلفان الإختلاف التام عن بعضهم البعض ولا صلة بينهما ومن الخطأ الفادح لأن نعطي صفة المَهين لما هو مُهين.
وللملاحظة فقط: إن معدل قطر كل من هذه الصفائح الطينية الدقيقة التي يتكون منها الطين هو ميكرون واحد أي مايكروميتر واحد ويساوي 0.000001 أو 1/1000000 من الميتر وهذا يساوي معدل قطر خلية الحيوان المنوي والتي هي أيضاً تساوي ميكرون واحد، ومضاعفة العدد لكل منهما يُبقي على التساوي بينهما ………. !!!
فكان بأن إخترع العقل البشري ما يُمكِنه من التعرف على ذلك من خلال استعمال الميكروسكوبات البصرية والتي تعتمد على حاسة البصر مستخدماً قُدرات العين حيث يُرى من خلالها على ما يؤكد على حقيقة الطرح القرآني إستناداً لقوله تعالى “سنُريهم” أي لِما سيُريهم الله في أعماق تركيبة هذا الإنسان الخلوية والدقيقة وبالغة التعقيد والتي هي على الرغم من صغر حجمها كانت المسؤولة عن هذا البناء المتطور للكائن الحي البشري، فكانت النتائج العلمية الدقيقة ليست مبنية على الدراسات السطحية بل كما حدّث بها القرآن وهي في دراسة النفس، ودراسة النفس هي دراسة لبنة الأساس الحي والأصلي لهذا البناء الكامل أي بالغوص فيه والتي تبدأ به ومسؤولة عنه الخلية الواحدة ووحدة البناء الأولية، وكان قوله تعالى في غاية الدقة العلمية المتناهية والتي هي محكومة ومحصورة في القدرة على الرؤيا البصرية والمعنية بالعلوم المجهرية للبحث ” في أنفسهم” أي في داخل النفس ورؤية محتواها الداخلي،

وكان في ذلك قوله تعالى “وفي الأرض آيات للموقنون. وفي أ نفُسِكُم أفلا تُبصرون” سورة الذاريات 20 – 21 .

فكان لابد من الإنسان من التحقيق فيها وليس بالشكل السماعي أو الغيبي أو القلبي بل وتحديداً البصري وذلك لكي يستيقن ويتأكد المبصر بنفسه لماهو عليه من الإعجاز، وصدق كلام الله ومخاطبته لهم وتحديده لمجالي البحث المستقبلي لبني البشر في الأنفس وفي الآفاق، فسنُريهم لا تعني فقط القدرة على الرؤية بل فهي تشمل على البرهان والإعجاز والعظمة، فوضعنا أمام حقيقة رهيبة وهي دراسة التكوين الدقيق للإنسان في اقصى حدود المادة الدقيقة والمجهرية والتعرف على عظيم خلقه في أبعد حدود السماء والذي يُقدر حجمه وأبعاده بمليارات السنين الضوئية، ولكن لماذا قدّم الله آيات الآفاق على أية النفس فهذا جوابه بسيط وفيه كان قوله تعالى،

“لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُمِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” سورةغافر 57 .

لقد شهد العصر الحديث الظهور الملحوظ لعلم الهندسة الوراثية وخاصة دور الغرب الصليبي البارز في محاولات النسخ والتطويع الخلوي والتلاعب في الجزيئات التي تُكون البناء الداخلي للكائنات الحية حيث وكان نتيجة تقدم التقنيات المجهرية الحديثة وتوفر الإمكانيات العلمية والمادية بأن أصبح من الممكن إعتماد تقنية البحث الخلوي والتي منها ماهو الإيجابي والذي يهتم بتحسين الحياة وتطويرها ومنهاوأكثرها ماهو السلبي والذي هو يعمل على نشر الفساد والهمجية واللاأخلاق، والذي فيهم كان قوله تعالى والمنقول لنا عن وعيد الشيطان لهم،

قال تعالى “وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا” سورة النساء 119 .

ونُضيف على ذلك تقبيح السيد المسيح عليه السلام في كتاب الإنجيل للكتابيين والذي فيه كما هو منقول عنهم،
الكتاب المقدس كتاب الإنجيل يوحنا / الإصحاح الثامن/44 ” أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ،وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا.”

ونرى ذلك التغيير في خلق الله في عمليات التجميل الغير ضرورية أي غير ما هو ناتج عن تشوه خلقي عرضي أو ولادي، وعمليات تغير الجنس للمثليين والشواذ وزراعة الأوجه والأطراف، وعمليات نقل الأجنة بأحد خطوات الإخصاب في المختبر كزراعة العديد من البويضات داخل رحم المرأة في آن واحد بقصد الحمل والنتيجة عادة هو الحصول على الحمل بالأربعة والخمسة … وحتى الثمانية من الأجنة في نفس الوقت متجاهلين ما في ذلك تدني للمكانة البشرية وتشبيه أُلانثى من البشر التي كرّمها الله بأنثى الحيوان من القطط والكلاب وغيره، فنحن لسنا ضد تكريس العلم ومنجزاته لما هو في حدود العقل والمنطق والأخلاق والقيم الإنسانية ويتفق ويتماشى معها بل نحن ضد التدني بمنزلة الإنسان الذي كرَمه الله وخلقه بيده، فها نحن نشهد أعمالهم الهدّامة من خلال صناعاتهم الحربية الجرثومية ومن خلال معالجاتهم للحوم والخضار بالهرمونات والكيماويات، ومحاولتهم الدائبة لنسخ الحيوانات ومؤخراً إنتشار فكرة نسخ الإنسان، ومحاولة ترويج أعمال النسخ على أنها خلق تشبيهاً لأنفسهم بالخالق، ولكن تأتي الإجابة على كبرهم وجهلهم من السماء ومباشرة وقبل أن يشرعوا في هذه البحوث بل سبقتهم بأربعة عشر قرناً ليذكرهم الله تعالى على ضُعف قدرتهم على خلق حتى الذباب فيقول العلي القدير،

“يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ … …”سورةالحج 73 .

فإن لن يستطيعوا خلق الذباب فهل من الممكن لأن يخلقوا إنسان !

عبدالله أحمد خليل www.resaletallah.wordpress.com (http://www.resaletallah.wordpress.com)