المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مُحدِّثُ العِراق، ومُسْنِدُها العلامة صُبحي السَّامرّائي (1355هـ - 1434هـ)



أهــل الحـديث
25-06-2013, 04:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




مُحدِّثُ العِراق، ومُسْنِدُها
العلامة صُبحي السَّامرّائي (1355هـ - 1434هـ)



الحمدُ للَّـهِ الذي جعلَ العُلماءَ أهلَ خَشيَتِه، ورتَّبَ على إكرامهم وإجْلالِهم أجرَهِ ومَثُوبته، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّهِ، وصَحْبِهِ، وآلهِ وعِتْرَتِه، أمَّا بعدُ:

..بعدَ أن ودَّعت بيروت -لتَوِّها- الأستاذ الشَّيخ زُهير الشَّاويش –برَّدَ اللهُ مضجعه- ؛ تُودّعُ -اليومَ- مُحدِّثُ العراق الَّذي حلَّ بها ونَزَل؛ فشَرَّفها ثمَّ رَحَل = العلامة المُحقِّق الشَّيخ صُبحي بن جاسم البدري الحُسيني السامرائي –تغشَّته الرَّحمات- الذي ودَّعَ الدُّنيا بعدَ أيَّام عصيبة!، قضاها على السَّرير الأبيض؛ جعلها اللهُ لذنوبه مُكفِّرات، ولدرجاته رافعات؛ كما وردَ في الخبر عن سيِّد المَخلوقاتﷺ: «مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ .. حَتَّى يَلْقَى اللهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» رواه الترمذي.

وفي وفاةِ العُلماء، وذهاب الأئمة الفضلاء، قال إمامُ الأنبياء ﷺ:
«إِنَّ اللَهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ؛ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا –يبقَ عالمٌ- اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا؛ فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» رواهُ البُخاريُّ، ومُسلمٌ.
فأيُّ مُصيبة تَرزَأُ بها الأُمم، وأيُّ ثُلمة أعظمُ مِن موت العُلماء ذوي الهمم؟!
وصدقَ وبرَّ الإمام الحَسن البَصري –رحمه الله-: (موتُ العَالِـم ثُلمةٌ في الإسلام لا يَسُدُّها شيء ما اختلف الليل والنهار!) .
فعلُوّ كعبهم في البلاد والأقطار، وسامقُ فضلهم في الأَمصار ؛ كالشَّمسِ في رائعة النَّهار؛ يكفيهم مِن ذلكَ قَول ربَّهم –جلَّ جلاله-:﴿يَرْفَعِ اللَه الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏﴾. قال ابنُ عبَّاس -رضي الله عنهما-: العُلماءُ فوق المُؤمنين مائة درجة، ما بين الدَّرجتينِ مائة عام!
بل إنَّ اللَّـهَ –تقدَّست أسماؤه- بدأَ بنفسه –العَلِيَّة-، وثنّى بملائكته –العُلويَّة-، وثلَّثَ بنُجوم السَّماءِ المُضية (أهلِ العلم)، فقال –سبحانه-: ﴿شَهِدَ ٱللَهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قائمًا بالقِسْط﴾
وهم كالشمسِ للحياة، والعافيةِ للبدن، بل الأقمار بين النُّجوم،!، قال النبيُّ ﷺ: «.. وإنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَواتِ، وَمَن فِي الأَرْضِ، والحِيتَانُ في جَوْفِ المَاءِ، وإنَّ فَضْلَ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلةَ البَدْرِ عَلَى سَائِرِ الكَواكِبِ ، وإنَّ العُلَماءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، إِنَّما وَرّثُوا العِلْمَ ، فَمَن أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» رواهُ التّرمذي. فهل بعد ذا الفضلِ من فضل؟!
ونحسبُ شيخنا ومُجيزنا أبا عبدالرحمن صبحي السامرائي –رحمهُ الله- مِن أُولئك، فهو مِن أوائل المُحقِّقين النَّاشرين لتُراث سلفنا الصَّالحين؛ قضى في صِنعة التَّحقيق ما نَاف على نصف قرن! أخرجَ لنا بها دُرر الأسلاف، ومُصنَّفات الأئمة وكُتبتهم التي لم ترَ النُّور إلا على يديْه!
ومَن خَبَرَ مكتبته علمَ أنَّها كانت مَوْئِلاً للباحثين وطلبةِ العلم، ومُخطوطاته الخاصَّة كانت مُباحةً مُتاحة –حِسْبَةً لله تعالى-؛ بل إنَّ خيرَه وصل السِّند والهند!، قال الشَّيخ الدُّكتور عبدالعليّ بن عبدالحميد حامد –مُحقق شعب الإيمان- مُزجيًّا الشُّكر والامتنان ـ قبلَ ثلاثةِ عُقود ـ: ( .. وكذلك أشكرُ الأُستاذَ الفاضل صُبحي السَّامرائي ـ حفظه الله ـ الذي تكرَّم بإهداء صُور «الجامع المصنف لشعب الإيمان» من مكتبته الخاصَّة، كما زوَّدنا بكتُب أُخرى هامَّة؛ استفدنا منها في إخراجِ هذا الكتاب) ا.هـ (مُقدِّمة الشُّعب) .
دع عنكَ تدريسه –رحمهُ الله- وإفتاءه، وتعليمه للتوحيد، ونشره السُّنَّة في (بغداد) السَّلام، وإسماعَه لحديث النَّبي ﷺ في الأقطار والأمصار: (العراق، والكُويت، والبَحرين، والسعودية، وقطر، والأُردُنّ، ولبنان، وغيرها)([1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn1)) الذي انتَشَرَ ذِكرُ –مجالِسِه فيها- وذاع، وملأ البقاع والأصقاع، فخرَّج كوكبةً من أفاضل طُلاب العلم وحُذَّاقِهِ، مِنهم : الخطيب، والمُحقِّق، والباحث، والدَّاعي، والمُسنِد .
ولستُ في هذا المَقام أُترجم للشيخ!، فقد كفى المُؤنة طُلابُه، ومُحبّوه، ومَن رام التَّوسع فلينظر فيما كتَبَه تلميذه الوَفِيّ محمد بن غازي القُرَشيّ: (نعمة المنان في أسانيد شيخنا أبي عبد الرحمن) –وهو أوسع ما كُتبَ في ترجمته وذكر أسانيده-، وكذا ما كتبه د. عبدالقادر المُحمَّدي: (أعلام المدرسة الحديثية البغدادية المُعاصرة) .
ولعُلوِّ إسناده وواسع روايته خرَّجَ له شيخُنا بدر العُتيبي ثَبَت: (إتحاف السَّامع والرَّائي بأسانيد الشيخ صُبحي السَّامرّائي)، وخرَّجَ مُجيزُنا وحبيبنا الشيخ محمد زياد التُّكلة: (اللُّمعة في إسناد الكُتُب التِّسعة) من رواية الشيخ –غفر الله له-.
ولمَّا كانَ الحالُ كما وصفتُ من أمرِ شيخنا وأنَّه مِن أفراد الطَّبقة الأُولى في زماننا؛ سعيتُ مع شيخنا –وتلميذه البارّ- محمَّد زياد التُّكلة لاستضافته في بلدنا (غزَّة)، وإقامةِ مجلس سماع للصحيحين، وكانَ مِن شيخنا أبي عُمر التُّكلة أنْ كلَّمَ مُرافقي الشَّيخ الذين تحمَّسوا للأمر ـ جزاهُم الله خيرًا ـ لكن! «قَدَرُ اللَّـه، وما شاءَ فَعَل»!، وما ذلك إلا لأنَّ (العلماء هم ضالتي في كل بلد، وهم بُغيتي إذا لم أجدهم، وجدتُ صلاح قلبي في مجالسة العلماء) –كما قال ميمون بن مهران –رحمه الله-.
ولكن حسبي أنّي تشرَّفتُ بسماع الحديثين: (المُسلسل الأولية) و(المحبة) –بشرطيهما- مُهاتفةً، وتشرفتُ –قبلُ- بإجازةٍ خطيَّةٍ أثناء أحد مجالس الكُويت، بسعي من أخينا ناجي المِشعان الكُويتي –أكرمه الله- .


وداعاً يا مَعينَ العلم حقّاً *** وداعاً يا وحيداً في الصُّمُودِ



لك الله عراقنا؛ عامٌ أفلَ نجمُ أكابر عُلمائك (شيخنا العلامة حمدي السَّلفي، وشيخنا السَّامرائي)، ولله درُّ خطيبها البغدادي –رحمه الله-حينَ قال:
(العراقُ سُرّة الدنيا .. وفيه بغداد صفوة الأرض ووسطها) [تاريخ بغداد 1/320] .



مُصابٌ جَلَّ عن وصْف القصيدِ *** وفَاقَ مَرَارةَ الأمر الشديدِ

والحمدُ للَّـهِ ربّ العالمين


وكتب/
محمود بن محمد حمدان
غزَّة –فلسطين
بعد سماع نبأ وفاة الشَّيخ
16/شعبان/1434هـ


ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــ
([1]) لم أعتمد ترتيبها الجُغرافي، بل حسب أسبقية إقامة مجالس السماع –العامة والخاصة-، والله أعلم .