المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المنافق وكراهية الحق



أهــل الحـديث
25-06-2013, 10:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بسم الله الرحمن الرحيم


إن موضوع النفاق بشقيه الأصغر، أي العملي، والأكبر، أي العقدي، هو موضوع بالغ الأهمية وذلك لخطورته الشديدة على الإسلام والمسلمين وحتى على البشرية جمعاء لأنه من يخدع المسلم يخدع غيره إستجابة لميوله وهواه الفاسد. فالمنافقين هم رأس الشر ومن أجل ذلك هم في الدرك الأسفل من النار وما هم بضارين أحدا من الناس إلا بإذن الله سبحانه وتعالى ووفقا لمشيئته وحكمته عزوجل، فالله خلق الشر والخير وقدرهما على الإنسان ليمتحن إيمانه وحبه وطاعته وإخلاصه لله عزوجل وليعلم من يحمد الله ويصبر في الشر ومن يشكر ويحمد الله في الخير وهو سبحانه وتعالى علام الغيوب. فمن خصال النفاق أن يرضى الإنسان فقط عندما يُصيبه الخير ويسخط عندما لا يصيبه الخير، قال تعالى (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم )، ويكون سخطه أشد وأعظم عندما يُصيبه الشر، قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ )، فعلاقة العبد المسلم مع الله الملك الخالق العظيم هي ليست علاقة منفعة وإنما هي علاقة تصديق وإيمان وطاعة وإخلاص لله عزوجل وذلك لأن الدنيا هي ليست غاية أو هدف وإنما هي وسيلة للآخرة ومطية ومزرعة للآخرة، فمن رحمة الله عزوجل وفضله ومنته أنه سبحانه وتعالى رغب عباده بالجنة حيث النعيم العظيم الذي لا مثيل له، قال الرسول صلى الله عليه وسلم (قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر )، وذلك من أجل أن يحفظهم ويصونهم من فتنة نعيم الدنيا الزائل إذا ما تعارض مع طاعة الله عزوجل لأن المسلم عندما يتذكر نعيم الآخرة العظيم الدائم عندئذ يُفضل طاعة الله عزوجل على معصيته. وفي المقابل، من رحمة الله عزوجل وفضله ومنته أنه سبحانه وتعالى رهب عباده بعذاب جهنم العظيم، قال تعالى (‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وكذلك قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ )، من أجل أن يحفظهم ويصونهم من فتنة عذاب الدنيا إذا ما وقع على المسلم أو أصابه لرده عن دين الإسلام أو لجعله يعصي الله عزوجل فالمسلم عندما يتذكر عذاب جهنم العظيم الدائم
عندئذ يُفضل الصبر على أذى وعذاب الدنيا والثبات على طاعة الله عزوجل والإيمان به على معصية الله عزوجل أو الكفر به ليجنب نفسه عذاب جهنم العظيم. وكذلك من رحمة الله عزوجل وفضله ومنته أنه سبحانه وتعالى عندما جعل الدنيا أقرب من الآخرة، جعلها دنيئة وحقيرة مقارنة بالآخرة، ففي دار الدنيا تجد الخير والشر مختلطان فتجد شهوة الطعام والشراب مختلطة بمرض الجسد إذا لم يتم التخلص من فضلات الطعام وشوائبه، وكذلك تجد شهوة الجسد مختلطة بماء مهين يحتاج الجسد إلى الإغتسال والتطهر من خروجه، وهذا هو علة أو سبب مهانته، وكذلك تجد دفء الصيف مختلط بحره، وكذلك تجد سقية الشتاء مختلطة ببرده، وكذلك تجد جمع المال مختلط بالكد والتعب والجهد، وكذلك تجد صحبة المؤمن مختلطة بصحبة المنافق وعلى ذلك قس. بينما في دار الآخرة تجد خيراً عظيماً نقياً طاهراً من أي شائبة في جنات الخلود، وكذلك تجد شراً خالصاً وعذاباً عظيماً في نار جهنم الخالدة. فالله عزوجل نهى عن المنكر، أي فعل الشر، و توعد فاعله بالعقاب في الدنيا والآخرة وأمر سبحانه وتعالى بالمعروف، أي فعل الخير، وبشر فاعله بالثواب والرحمة في الدنيا والآخرة، ولكن الإنسان شقي بمعصية الله عزوجل وسعيد بطاعته سبحانه وتعالى فلا إكراه في الخير ولا إكراه في الشر وإنما الإنسان مُيسر لكل منهما إذا ما شاء ذلك بعد أن يشاء الله الملك العظيم الخالق الحكيم. فالمنافقون هم أداة اليهود وخنجرهم المسموم الذي يطعنون به ظهر الإسلام ويغدرون به، قال تعالى ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون * الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) فهذه الآيات الكريمة تُشير إلى المنافقين من أهل المدينة كعبد الله بن أبي بن سلول الذين كانوا يُظهرون الإيمان والموالاة للمؤمنين وعندما يرجعوا إلى اليهود يخبروهم بأنهم يستهزئون بالمؤمنين ويسخرون منهم بإظهار الإيمان، فمثل المنافقون كمثل اليهود الذين هم أداة الإفساد والتضليل المطواعة في يد إبليس اللعين لأنهم هم المُضللون والمفسدون في الأرض، قال تعالى (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ). وكذلك في هذا المقال هنالك فائدة في توعية المسلم العاصي وتنبيهه وتحذيره من خصال النفاق الذميمة حتى يتجنبها ولا يقربها خوفا من الوقوع فيها والعمل بها والإصرار عليها فيفسُد قلبه ويصيبه مرض الشك والنفاق خاصة النفاق العملي وكذلك التبيين للمنافقين، خاصة أصحاب النفاق الأصغر، بأن باب التوبة مفتوح لهم قبل انتهاء أجلهم في الحياة الدنيا، قال تعالى (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً *إلا الذين تابوا واصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما* ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وأمنتم وكان الله شاكرا عليما ). فالمنافق يُفضل الحياة الدنيا على الدار الآخرة، قال تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا * وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِ الله وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِك )، فالآية الثانية تُشير بوضوح إلى كلام لا يتكلم به إلا المنافقين وبما أن الآية الثانية معطوفة على الآية الأولى فهذا يؤكد حقيقة أن الآية الأولى أيضاً نزلت في حق المنافقين، فنجد الآية الكريمة تصف المنافقين بأنهم يُفضلون الدنيا على الآخرة وهذا ظاهر في لفظ (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى) وهذا الكلام لا يُوعظ به إلا من كان يُفضل الدنيا على الآخرة، وكذلك نجد الآية الأولى تصف المنافقين بخشيتهم الكفار كخشيتهم الله سبحانه وتعالى أو أشد خشية مما يفيد بأنهم يخافون الكفار ويعظمونهم أكثر من تعظيمهم الله عزوجل وهذا يُدخل صاحبه في الشرك الأكبر، أي الكفر، وهذا يتطابق مع حقيقة أن المنافقين، أصحاب النفاق العقدي، هم كفار لأنهم يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام.ودليل آخر، قال تعالى(ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) فالآية الكريمة تُشير إلى تفضيل الكافرون الحياة الدنيا على الآخرة وبما أن صاحب النفاق العقدي مشتركٌ مع الكافر في الباطن الفاسد الذي يكفر بوحدانية الله عزوجل ويُنكر نبوة الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فبالتالي صاحب النفاق العقدي هو أيضاً يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة. وبما أن كلا صاحب النفاق العقدي وصاحب النفاق العملي يشتركان في إختلاف الظاهر عن الباطن وذلك لأنهم يعلمون أن باطنهم يُخالف و يتعارض مع الدار الآخرة فلذلك يبطنون غير ما يُظهرون مما يعني أن صاحب النفاق العملي هو أيضاً يُفضل ويؤثر الحياة الدنيا على الدار الآخرة، ويكون معيار المفاضلة بين الحياة الدنيا والدار الآخرة هو مدى ميله إلى كراهية الحق، أي طريق الإسلام المستقيم، وما هي العلة وراء ذلك وهذا يشتمل على كلا حالتين النفاق العقدي والعملي، قال تعالى (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) وكذلك قوله تعالى (اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ )، فصاحب النفاق العملي وصاحب النفاق العقدي والكافر كلهم جميعاً مُشتركون في كراهيتهم للحق وهو نوره سبحانه وتعالى وهذا ظاهر في قوله تعالى (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) فالحق وهو الإسلام هو الطريق المستقيم الذي هو ضد الطريق المعوج وهذا ظاهر في قوله تعالى (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ) وبالتالي يتيهون في ظلمات الضلال، وطبعا هم جميعهم مشتركون في كراهيتهم للحق لنفس الأسباب التي جعلتهم مُشتركون في تفضيل الدنيا على الآخرة وتلك الأسباب تم توضيحها أعلاه. أما حالتين النفاق الأكبر والأصغر فهما الآتي:

حالة النفاق العملي: المنافق يكره الحق، أي طريق الإسلام المستقيم، وذلك بسبب إتباعه لهواه الفاسد ويشمل ذلك:

أ) مرض القلب، قال تعالى ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا).

ب) الطمع الشهواني، قال تعالى (ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض).

ت) الزيغ بالشبه، قال تعالى (ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض ).

ث) الكسل في العبادات، قال تعالى (وإذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى ).

ج) الرياء، قال تعالى (يراءون الناس ).

ح) قلة الذكر، قال تعالى (ولا يذكرون الله إلا قليلا ).

خ) الخوف والجبن والهلع ،قال تعالى (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقولوا تَسْمَعْ لِقولهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).

د) الكذب، قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( إذا حدث كذب).

ذ) إخلآف الوعد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( إذا وعد أخلف).

ر) خيانة الأمانة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( إذا ائتمن خان).

ز) العيب على العمل الصالح ويسخرون من العمل القليل من المؤمنين، قال تعالى (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم ).

س) يرضون ويسخطون لحظوظ أنفسهم، قال تعالى (ومنهم من يلمزك في الصدقات فان أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا إذا هم يسخطون ).

ش) الأمر بالمنكر، قال تعالى (يأمرون بالمنكر ).

ط) النهي عن المنكر، قال تعالى (ينهون عن المعروف ).

ظ) الغدر وعدم الوفاء بالعهود مع الله، قال تعالى (ومنهم من عاهد الله لان آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين * فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون * فأعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون). وغيرها من الصفات، وبالتالي المنافق يحاول أن يُخفي العلة أو السبب وهو كراهية الحق الذي يجعله يرتكب هذه المعاصي وبناءاً على ذلك، فإن نفاق المنافق يكمن في إخفاءه للسبب الحقيقي لإقترافه المعاصي وهو كراهية الحق وهذا ما يقع تحت النفاق العملي بحيث أنهم لا يكفرون بالله عزوجل في قلبهم ولا ينكرون نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وبالتالي لا يدخلون في دائرة النفاق الأكبر أو النفاق العقدي. مع الإشارة إلى أن معاصي النفاق العملي أو الأصغر المذكورة أعلاه هي تشمل المعاصي التي هي في ظاهرها معصية كإخلاف الوعد، خيانة الأمانة، العيب على العمل الصالح، الأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، الغدر وعدم الوفاء بالعهود مع الله، والمعاصي التي هي في باطنها معصية كمرض القلب، الطمع الشهواني، الكسل في العبادات، الرياء، الكذب، يرضون ويسخطون لحظوظ أنفسهم، قلة الذكر ومن أجل ذلك نجد صاحب النفاق العملي يتحجج ويتعذر بالوقوع في الخطأ والنسيان أو يتعذر بقصد الإصلاح عندما يرتكب المعاصي التي هي في ظاهرها معصية فعلى سبيل المثال، يتعذر بقصد الإصلاح عندما ينهى عن المعروف ويأمر بالمنكر، وكذلك يتعذر بالوقوع في النسيان عندما يُخلف الوعد، أو بالوقوع في الخطأ عندما يخون الأمانة خاصة إذا ما خشي العقاب أما إذا لم يخشى العقاب فإنه قد لا يُبالي أو يهتم بخلق الأعذار وفي التبرير، أما عند إرتكابه المعاصي التي هي في باطنها معصية فإنه ليس بحاجة لخلق الأعذار والحجج لأن تلك المعاصي هي ليست في ظاهرها معصية. مع الإشارة إلى أن خصال النفاق العملي هي موجودة عند صاحب النفاق العقدي ولكن ليس بالضرورة جميعها ولكن بالضرورة وجود الخصال الأربع المُشار إليهن في الحديث النبوي الشريف المذكور أدناه لأن المرض، أي الشك والإرتياب من الحق وكراهيته في قلب صاحب النفاق العقدي هو أعظم وأكبر منه في قلب صاحب النفاق العملي لأن قلبه معتم ومريض بسبب خلوه من نور الإيمان بالله عزوجل ونور إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم مع عدم نفي إمكانية إهتدائه إلى نور الإسلام إذا ما رغب في ذلك قلبه بعد أن يُهيء ويُيسر الله الملك العظيم الهادي الكريم له أسباب الهداية، قال تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ )، فالآية الكريمة تُشير إلى أن الله الملك العظيم العليم الخبير يفضح المنافقين، أصحاب النفاق العقدي، بإخراج ما في قلوبهم من مرض الكراهية والحسد والحقد على الإسلام والمسلمين.

بينما المسلم قد يقع في بعض هذه الصفات وبالتالي يشترك مع المنافق في بعض هذه الصفات الذميمة ولكنه لا يُعتبر منافق وإنما يُعتبر مسلم عاصي لإتباعه هواه الضال وليس الفاسد كالمنافق فالمنافق في قلبه مرض، قال تعالى ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون )، مع الإشارة إلى أن الشك والنفاق وعدم قبول الحق وكراهيته الموجودة في قلب المنافق هي موجودة عند صاحب النفاق الأصغر والأكبر لأن كلاهما يشتركان في إظهار خلاف ما يبطنون ولكن مع العلم بأن مرض القلب موجود عند صاحب النفاق الأكبر بدرجة أشد وأكبر. قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، و من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فَجَر )، فالحديث الشريف يُشير إلى أن من كانت تلك الخصال الذميمة الأربع فيه دخل في دائرة النفاق العملي أو الأصغر الخالص، أي المحض، وبالتأكيد فإنه ممكن ومُحتمل أن يوجد عند المنافق الخالص رذائل أخرى غير تلك الخصال الأربع. أما عندما ننظر إلى المقطع ( ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ) فنجد أن الحديث الشريف لم يصف من يكن فيه خصلة من تلك الخصال الأربع بصفة المنافق مع أنه من الأقرب أن يذكر الحديث ( ومن كانت فيه خصلة منهن كان منافقا ) وبالتالي يكون لفظ منافقاً معطوف على لفظ منافقاً خالصاً أي أن الخاص معطوف على العام ويكون المنافق من كان فيه أي خصلة منهن بشرط عدم إجتماعهن جميعاً فيه بينما المنافق الخالص تجتمع فيه تلك الخصال الأربع. مما يفيد بأن من لم تجتمع فيه تلك الخصال الأربع ووُجد عنده أي خصلة منهن فإنه يشترك مع المنافق في هذه الخصلة ولكنه لا يشترك معه في النفاق العملي الخالص وما يؤكد ذلك المقطع ( كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ) فهذا المقطع يفيد بأن من يترك أو يدع أي خصلة من هذه الخصال الأربع بنية التوبة أي بالندم على فعلها والعزم على عدم الرجوع إلى إقترافها مرة أخرى، فإنها تذهب عنه لأن حرف (حتى) هي بمعنى ( إلى أن ) للغاية مما يعني بوضوح بأنها عارض أي غير ثابتة وزائلة لأنه لو كان منافقاً لما زالت عنه تلك الخصلة حتى لو ترك العمل بها لأن نيته الفاسدة وهواه الفاسد سوف يميل مرة أخرى لأمر جوارحه بعمل تلك الخصلة الذميمة لأن أعمال الجوارح مقترنة بعمل القلب أي بمكنون النفس والنية لقوله عليه الصلاة والسلام ( إنما الأعمال بالنيات )، مما يعني أن النية والنفس الفاسدة لا ينشأ عنها سوى الخصال أو الرذائل الفاسدة كخصال النفاق التي أشار إليها الحديث الشريف وما يؤكد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ألا وهي القلب ) مما يفيد أنه عندما تفسد الجوارح فإنه ليس بالضرورة أن يفسد القلب بينما عندما يفسد القلب فإنه بالضرورة أن تفسد الجوارح. وبناءا على ذلك يبدو واضحاً وجلياً كيف أنه حتى ولو ترك المنافق العمل بأي خصلة من خصال النفاق فإن صفة النفاق لا تذهب عنه لأن في قلبه مرض بينما المسلم العاصي لو ترك العمل بأي خصلة من خصال النفاق فإن هذه الخصلة تذهب عنه لأنه ليس في قلبه مرض مع تنبيه وتحذير المسلم العاصي من الإصرار على خصال النفاق فيفسُد قلبه ويصيبه مرض الشك والنفاق خاصة النفاق العملي. فالمسلم العاصي هو ضعيف أمام المعاصي لقوله تعالى ( خُلق الإنسان ضعيفا ) فالمسلم العاصي يطيع الشيطان العاصي وبالتالي يعص الله عزوجل لأن طاعة العاصي هي معصية لله عزوجل كما أن طاعة المطيع هي طاعة لله عزوجل. فإذا كان المسلم العاصي يُحب المعصية في قلبه ونفسه لا تلومه على فعل تلك المعصية فإنه يقع في الشرك الأصغر لأنه جمع ما بين إغضاب الله عزوجل وطاعة الشيطان في قلبه وعمله، أما إذا كان لا يُحب تلك المعصية وليس مُتعلق بها في قلبه ونفسه تلوم على فعل المعصية فإنه يُعتبر مسلم عاصي غير مكتمل الإيمان لأنه يعصي الله سبحانه وتعالى فقط في عمله دون قلبه.

حالة النفاق العقدي : المنافق يكره الحق أي طريق الإسلام المستقيم وذلك بسبب ما يُبطن من إنكار لوحدانية الله عزوجل ولنبوة الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) وبما أن صاحب النفاق العقدي هو مشترك مع الكافر في باطن الكفر فهو بالتالي يكره الحق وهو نور الله الملك العظيم الهادي الكريم، أي طريق الإسلام المستقيم كما تُشير الآية الكريمة، ويتفرع من هذه الحالة:

أ) الظن السيء بالله، قال تعالى (ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا )

ب) الاستهزاء بآيات الله و الجلوس الى المستهزئين بآيات الله، قال تعالى ( وقد نزل عليكم أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ).

ت) التحاكم إلى الطاغوت و الصدود عما أنزل الله و عدم الرضا بالتحاكم اليه، قال تعالى (ألم تر الى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك من قبلك يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ). فالصد عن سبيل الله يشترك فيه المنافق مع الكافر، أما المسلم فإنه لا يَليقُ به أن يصد عن سبيل الله وإذا ما إقترف هذا الجرم العظيم فإنه يخرج من دائرة الإسلام إلى دائرة النفاق العقدي، لأنه لا يستقيم أن يرضى المسلم لنفسه الإسلام ويصد الناس عن الإسلام أو يفتن المسلمين ليرتدوا عن دينهم وذلك لأن رضى الكفر والرضى به وعنه وعليه هو كفر، فالمسلم الذي يصد عن سبيل الله، هو لم يرضى الكفر لنفسه ولم يرضى على دين الكفر ولكنه رضي بالكفر لغيره ورضي عن كفر غيره بل وسعى إلى ذلك بصده الناس عن سبيل الله أو بفتنة المسلم عن دينه. أما المسلم إذا ما كره الهداية والخير سواء للكافر أو لأخيه المسلم لكراهيته لهم دون محاولته صدهم عن سبيل الله، فإن ذلك يُعد مرضاً يُبقي صاحبه دون مرتبة الإيمان، لأنه أطاع هواه ونفسه خلافاً لما أمر الله ورسوله به لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به).

ث) مخادعة الله، قال تعالى ( يخادعون الله ).

ج) كراهية ما يرضي الله عزوجل، قال تعالى (ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم)، مما يفيد كراهية المنافقين للحق لأن طلب مرضاة الله عزوجل لا يُحَصَل إلا بإتباع طريق الحق لقوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ).

ح) لا ينفعهم القرآن بل يزيدهم رجسا الى رجسهم، قال تعالى ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم رجس فزادتهم رجسا الى رجسهم وماتوا وهم كافرون ).

وكذلك الحالة الثانية، أي النفاق العقدي، يشمل كراهية المؤمنين وحمل ضغينة وحقد شديد تجاههم لأنهم آمنوا بوحدانية الله الملك العظيم الواحد الأحد وصدقوا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * ‏النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ‏* إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * ‏وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ )، ويتفرع منه:

أ****)) موالاة الكافرين والتربص بالمؤمنين، قال تعالى (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً )، وكذلك قوله تعالى (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا ألَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا ألَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ).

ب****) الاتفاق مع أهل الكتاب ضد المؤمنين و التولي في القتال، قال تعالى ( ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وان قوتلتم لننصرنكم والله يشهد انهم لكاذبون* لئن اخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ).

ت****) مخادعة المؤمنين، قال تعالى ( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون).

ث****) الإفساد بين المؤمنين، قال تعالى ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين ).

ج****) كره المسلمين والخروج عن دائرتهم، قال تعالى ( ويحلفون بالله انهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون * لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون).

ح****) ظهور الأضغان منهم و التعرف عليهم في لحن القول، قال تعالى ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم * ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم).

خ****) البطء عن المؤمنين، قال تعالى ( وان منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله على اذ لم أكن معهم شهيدا * ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ).

د****) يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا (قصة الإفك)، قال تعالى (إن الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ).

ذ****) الفرح بما يصيب المؤمنين من ضراء والاستياء بما يمكن الله لهم ( إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون( .

وأيضاً النفاق العقدي يشمل كراهية الجهاد في سبيل الله لأن هدفه إعلاء كلمة الله عزوجل لتكون هي العليا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله )، ويتفرع منه:

أ****) الفرح بالتخلف عن الجهاد وكره ذلك و التواصي بالتخلف عن الجهاد، قال تعالى ( فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ).

ب****) الاستئذان عن الجهاد بحجة الفتنة، قال تعالى ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا(.

بينما هنالك فضيلة فارقة تُميز وتفرق بين المنافق والمؤمن وهي فضيلة التضحية، فالتضحية على وجه العموم هو العطاء بما لا يجب عليه ومن غير أن يُسأل وبدون مقابل. أما على وجه الخصوص وفي شريعة الإسلام فإن المؤمن يُضحي في سبيل الله أي أنه يعطي بما لا يجب عليه أي بما هو مُخير فيه وبدون طلب مقابل في الدنيا وإنما يطمع في الأجر العظيم في الآخرة بإذن الله عزوجل، فتجده يُضحي بشهواته وبما تهواه نفسه وبما تميل إليه من إقتراف المعاصي والذنوب فقط طلباً لرضوان الله عزوجل ورحمته بسعيه وقصده طاعة الله عزوجل بقدر إستطاعته، قال الرسول صلى الله عليه وسلم (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات)، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به )، وأيضاً قوله عليه الصلاة والسلام ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ). بينما المسلم الذي هو دون مرتبة الإيمان، فهو يعجز عن تغليب طاعته لله وللرسول على إتباعه لهواه الضال وبالتالي يعصي الله عزوجل مما يعني أنه يعجز عن التضحية في سبيل الله. أما الإحسان فإنه أن تعبُد الله كأنك تراه، فيترك المكروه ويُسارع إلى المُستحب حُباً في الله عزوجل ومن أجل التقرب إليه وإقتداءاً بالرسول صلى الله عليه وسلم وحُباً له. فالإحسان في العبادة هو الحرص الشديد على تعظيم الله الملك العظيم والإجتهاد في ذلك بأقصى جهد ممكن، والإحسان في طاعة الله عزوجل هو تصفية وتنقية عبادته وطاعته من الرياء ومن حب النفس المُهلك لأن المسلم الذي يجعل حب النفس هدفاً وغايةً يهلك لأن الغاية والهدف من خلقنا كبشر هو تكليفنا بأمانة عبادة الله عزوجل وتوحيده، قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، بينما من يحب الخير لنفسه كنتيجة وثمرة من ثمار طاعة الله عزوجل فهو ينجو لأن من رحمة الله الملك العظيم الرؤوف الرحيم أنه ما أحل إلا كل طيب وما حرم إلا كل خبيث وأنه سبحانه وتعالى يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر مما يعني أن كل ما هو معروف وطيب فيه خيرٌ ومنفعة لفاعله ولأخوانه المسلمين وحتى لغيره من الكفار، طبعاً كنتيجة. فيبدو واضحاً وجلياً كيف أن المؤمن يُضحي بهواه وميول نفسه دون طلب مقابل في الدنيا وإنما في سبيل الله وطلباً لرضوانه ورحمته سبحانه وتعالى وذلك ينسحب وينطبق على المُحسن أيضاً ولكن بدرجة أشد و أكبر. بينما المسلم العاصي فإنه يعجز عن التضحية بهواه وميول نفسه الضال لإقترافه المعاصي، مما يفيد بأن المنافق حتماً يعجز عن التضحية بهواه وميول نفسه الفاسد لأن معصيته أشد وأقبح لأنه يُظهر غير ما يُبطن. كذلك عند تدبر قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من النفاق )، فالحديث الشريف يُشير إلى الغزو أي قتال العدو في دياره وهذا هو جهاد الطلب وكما هو معلوم فإنه فرض كفاية أي إذا قام فيه من المسلمين من يفي بغرض الجهاد ويُغني عن الباقين سقط عنهم. مما يعني أنه ليس مفروض على الجميع فمن يضحي من المسلمين أي يتطوع للجهاد في سبيل الله، فهو مؤمن لأنه يسعى إلى طاعة الله عزوجل والتضحية في سبيله بما لا يجب أو يُفرض عليه فرض عين وذلك لأنه يستطيع أن يتعذر أو يتخلف عن الغزو كي يتطوع غيره من المؤمنين ويقوم مقامه في الجهاد. أما المسلم العاصي فإنه إذا إختار عدم التطوع للجهاد في سبيل الله ولم يُحدث نفسه بذلك فعندئذ تُصبح عنده خصلة من خصل النفاق ولكن ليس بالضرروة أن يُصبح منافقاً كما أشرنا سابقاً لأنه ليس في قلبه مرض، بينما المنافق فهو يتخلف عن الغزو إما لأنه يكره الجهاد ويكره إعلاء كلمة الله عزوجل وبالتالي هو صاحب نفاق عقدي أو لأنه يعجز عن تغليب طاعة الله عزوجل على هواه الفاسد لأن في قلبه مرض وبالتالي هو صاحب نفاق عملي. فهنا يبدو واضحاً وجلياً كيف أن فريضة جهاد الطلب هي فريضة فارقة ما بين المؤمن والمنافق لأن فيها طلبٌ و إختيارٌ للتضحية في سبيل الله.

المراجع:
1) موقع صيد الفوائد الإلكتروني
http://www.saaid.net)/)