مشاجرات سببها المعلمون
-------------------------------------------------------------------
الشيخ محمد الصفار
لماذا يسخط الطالب على بعض معلميه؟ ولماذا يثير الشغب في حصصهم؟ ولماذا يتطاول عليهم بالسب
أحيانا؟ وبالسخرية في أحيان أخرى؟ ولماذا تصل بعض الحالات إلى الضرب بين الطالب والمعلم؟
يتفاجأ الطلبة أحيانا حين تعلو في مدارس العلم والمعرفة أصوات تحمل من الكلمات ما يقشعر له
البدن، وتشمئز منه الآذان، وترفضه الأعراف والعادات التي ألفها المجتمع.
إنه ليس نزاعا خارج أسوار المدرسة؟ وليس أمام مواقف سيارات الأجرة ولا في سوق الخضار،
ولا في مكان تتطاحن فيه المصالح وتتضارب (مع الاحترام للجميع) كلا، إنه صراع وصراخ ينطلق
من أحد الفصول الدراسية ويمتد صداه ليُسمع في كل أرجاء المدرسة، إنه صراع معلم مع أحد
طلبته، أو هو صراع أحد الطلبة مع معلمه، أو هو صراعهما معا، والمهم أننا في مدرسة تحولت
وبمقدار ما، وفي وقت ما (وإن كان وجيزا ومختصرا) إلى عالم آخر يختلف اختلافا كليا مع
الأهداف التي من أجلها أنشئ هذا الصرح.
نحن وكالعادة نميل دائما إلى تحميل الضعيف كامل المسؤولية، ونعفي القوي منها تماما، هذا ديدننا في
كل شأن من شؤون حياتنا، وفي كل ساحة من ساحاتها،، فالزوج مصيب دائما، بينما خلقت الزوجة
في عرفنا السائد لتكون على خطأ، والأب مصيب ما دام الطرف الآخر هو الابن، إلى أن تصل
النوبة إلى المعلم، فلأن الذي يقابله تلميذ أضعف منه، فعليه كل المسؤولية في أي شجار يقع بينهما.
وسريعا سيتجه المعلمون ليشيروا بأصابع الاتهام إلى التربية التي يتلقاها الطالب في منزله، لأنها هي
التي يتوجب عليها أن تعلم ابنها الأدب والاحترام للكبير وللمعلم وللمدرسة، والإجراء الطبيعي الذي
يتخذه المرشد الطلابي أو مدير المدرسة، هو إشعار الطالب أنه ممنوع من الدراسة ودخول الفصل
إلى أن يحضر ولي أمره.
مع حضور ولي أمر الطالب للمدرسة وإحضار الطالب (مع تقريعه وتوبيخه) بمحضر والده، ستتجه
الأسئلة بشكل خفي لتبحث ما إذا كانت هناك مشاكل عائلية في منزل الطالب، أو مشاكل نفسية يعاني
منها، أو أصدقاء سوء يحتك بهم.
إن هذه الأسئلة هي خلاصة ما نعتقده سببا للتشنج الحاصل بين الطالب ومعلمه، أما مشاكل نفسية
لدى الطالب، أو مشاكل عائلية مؤثرة على هدوئه واستقراره، أو أصدقاء سوء يؤثرون سلبا عليه
وعلى تصرفاته، وستنتهي الحفلة مع ولي الأمر بضرورة أن يشد على ابنه وأن يحسن تربيته، وأن
يلزمه بآداب المدرسة وسلوكياتها.
بالطبع قد يكون كل ما ذكر سليما وصحيحا، فلست هنا في محل النفي لهذه الأسباب المتقدمة، لكني
أقول إنها ليست أسبابا لكل المشاكل التي تحصل في المدارس، بل هناك أسباب أخرى سببها المعلم
وطريقة تعامله مع طلبته، ومخاطبته لهم.
ألا تشاركني القول (أيها المعلم) بأن بعض المعلمين يعتبرون أنفسهم في حالة تحد ومبارزة مع
الطلبة إذا صدر من أحدهم تصرف أو سلوك غير مسؤول أو حركة في غير محلها، أو قصر في
انجاز واجب من الواجبات، ألا تلاحظ أنهم ينسون (خاصة في مرحلة المتوسطة والثانوية) أنهم أمام
شباب مراهقين، ولذلك يعمدون إلى كسر عنفوان الشباب لدى هؤلاء الطلبة؟
هل تعتقد أيها المعلم أن الطالب في هذا العمر يسمح لأي أحد مهما كان أن يحطّم كبرياءه وشعوره
بذاته وإحساسه برجولته؟
إن بعض المعلمين يهينون ويعنفون (وإن قصدوا الخير والحرص على نجاح الطالب) وهذا ما لا
تحتمله هذه الشريحة العمرية من الطلبة أمام أقرانهم وزملائهم.
التهديد والوعيد وأحيانا الاستخفاف والتهزئة (أيها المعلم) تستفز نفسيات هؤلاء الشباب، فتترجمها
بطريقة أخرى، وتحولها مباشرة إلى ردود أفعال لا تكترث بمقام المعلم، ولا تتهيب شخصيته، ولا تعبأ
لحظات الاستفزاز والغضب هذه بما عند المعلم من سلطة وقدرة، فخير لكل معلم أن يبتعد عن هذه
الطريقة المستفزة، ليس فقط حفاظا على طلبته كي يتعدوا هذه المرحلة العمرية بأمان وسلام، بل
للحفاظ على نفسه وعلى شخصيته وهدوئه ودوره كمعلم ومحل للاقتداء.
أود هنا الإشارة إلى أمر آخر وأعتقده من الأهمية بمكان، وهو ضرورة لا يلامس المعلم نقاط
الضعف لدى طلبته إلا بشكل خاص، وضمن ظروف مساعدة، وبطريقة مدروسة، وفي تكتم تام بينه
وبين الطالب، فهذا هو طريق المربي لتقوية نقاط الضعف لدى الطالب، بتلمس أحسن السبل وأحكمها
وأهداها وأسلمها.
إن الحديث المرتفع مع الطالب والضغط على مناطق ألمه، وتواصل الحديث ليصل إلى ظروفه الخاصة
والعائلية، أو مستواه الذهني والعلمي، هو حشر له في زاوية ضيقة تصنع منه وحشا كاسرا، لا يفكر
إلا بالنيل من معلمه وإن وصل الأمر إلى ضربه وإهانته.
ربما لا يشعر بعض المعلمين بالمردود السلبي للكلمات الجارحة مثل (يا بليد) (يا غبي) (يا
تافه) (يا زفت) وأحيانا تكون الكلمات سبابا من بعض المعلمين (سامحهم الله) في حالات
الغضب والتشنج.
وربما لا يقدّر المعلم أين يمكن أن يصل الحال إذا استهتر بالطالب وتهكم عليه واستهان به وبعائلته
أحيانا، خذ مثلا أيها المعلم لكلمات طالما درجت على ألسن بعض أحبتنا المعلمين (غفر الله لهم)،
مما يدفع الطالب للخروج عن ما بقي عنده من عقل وخلق، يقول أحد المعلمين لطلبته (إذا لم يربك
أبوك، فأنا سأربيك) ويقول آخر(هذه الحركات التي تعملها في منزلكم، لا تعملها في المدرسة، فهنا
مكان محترم) ويقول ثالث (درس أخوك عندنا قبلك، وأنتم ما شاء الله عائلة بارعة في الغباء
والبلادة)، وهذه الأخيرة حضرت شخصيا معركتها التي امتدت خارج أسوار المدرسة بين أخ الطالب
والمعلم.
أعتقد أن تجنب هذه الزلات والأخطاء من جهة المعلمين تساعدهم كثيرا في إيجاد علاقات احترامية
وتقديرية مميزة مع طلبتهم، وتصنع لهم ولطلبتهم أجواء مدرسية مريحة ومربية وفاعلة.
[email protected]
http://www.alyaum.com/issue/page.php?IN=12188&P=4