المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما بين خشية الخالق ومخافة المخلوق



أهــل الحـديث
24-06-2013, 05:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

إن خشية الله الملك الخالق العظيم هي أعظم من مخافة المخلوق، فالمخافة هي الشعور بالخوف أما الخشية فهي الشعور بالخوف مقرون بالتعظيم ومن أجل ذلك فإن بعض علماء المسلمين قيدوا أو حصروا المخافة في حق الآدميين و المخلوقات الأخرى بينما قيدوا الخشية بما كان في حق الله عزوجل. فيبدو واضحا كيف أن الخوف أعم وأشمل من الخشية، فالخشية هي حالة خاصة من الخوف فكل خشية خوف و ليس كل خوف خشية، فالخشية مرحلة متقدمة من الخوف حيث أن الخوف يكون بدون تعظيم و عِلم بالمُخوف بينما الخشية تكون على تعظيم و عِلم بالمُخوف. فالمسلم العاصي الذي هو دون مرتبة الإيمان يخاف الله عزوجل بينما المؤمن المطيع يخشى الله سبحانه وتعالى وذلك لأنه أكثر يقينا و إيمانا وتصديقا و طاعة لله عزوجل فهو يخاف الله عزوجل مع تعظيم و علم بالله عزوجل، قال تعالى ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا و لكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فيقلوبكم وإن تطيعوا الله و رسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم ). فمشاعر الخوف و الخشية تقع تحت ثلاث حالات: الأولى: وهي أن تخشى الله عزوجل، أي تخاف الله عزوجل مع تعظيمه وكذلك تخاف الآدميين و غيرهم من المخلوقات ولكن بدون تعظيم وبدرجة أقل من مخافة الله عزوجل. فهذه الحالة لا تنطبق إلا على المؤمن الذي يؤمن بالله عزوجل مع يقين راسخ وذلك لعلمه أن الله الملك العظيم هو وحده لا شريك له النافع الضار في الكون أجمع. فالشعوربالخوف هو شعور فطري وغريزي فكل بني آدم له نصيب من الشعور بالخوف ولكن بدرجات متفاوتة فلولا شعور الإنسان بالخوف لما قام بخشية الله عزوجل لأن الخشية هي عبارة عن شعور بالخوف مصحوب بتعظيم، فحتى الجبابرة الذين يدعون الألوهية وعدم الخوف من أحد، هم يخافون أيضا و لكن يطمسون خوفهم بالجبروت و السلطان و لكنهم يشعرون بالخوف عندما يرون العذاب الأليم أو قُبيل بلوغ مرحلة الموت أو الوفاة كما حدث مع فرعون مصر اللعين. فعند تدبر قوله تعالى ( فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين )، و كذلك قوله تعالى (ففرت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما و جعلني من المرسلين )، و كذلك قوله تعالى ( و ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون )،نجد أن سيدنا موسى عليه السلام شعر بمشاعر الخوف من قوم فرعون في الآية الأولى و الثانية و لكنه لم يشعر إطلاقا بالخشية منهم و حاشى لنبي أن يخشى غير الله عزوجل خاصة إذا كان من أولى العزم من الرسل كسيدنا موسى عليه السلام وما يؤكد ذلك هو أن سيدنا موسى عليه السلام لم يخف من الجبابرة بالرغم من أن الجبار هو أشد الناس قوة وبطشا وهو المتعظم و الممتنع عن القهر، لقوله تعالى ( قالوا يا موسى إن فيها قوم جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون) وكذلك قوله تعالى (قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون )، وكذلك قوله تعالى ( قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين )، فالخوف من الجبابرة هو يُمثل أشد أنواع الخوف والرهبة ومع ذلك سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام لم يتولد عنده هذه المشاعر العظيمة من الخوف وذلك طبعا لأن خشيته عليه السلام من الله عزوجل تمنعه من خشية ما هو دون الله سبحانه وتعالى. وقد يقول قائل، لماذا سيدنا موسى عليه السلام هرب وفر خائفا من قوم فرعون عندما عَلِم بأنهم يريدون قتله والجواب هنا هو أن سيدنا موسى عليه السلام هرب خائفا من قوم فرعون لأنه شجاع فعندما يواجه الإنسان أمرا مُهلكا يكاد أن يصيبه، فعندئذ الشجاعة تكون إما في مقاومة ودفع هذا الأمر المُهلك إن أمكن ذلك أو في تجنبه وتفاديه سواء بالفرار أو بالإختباء أو غير ذلك، بينما الجبن يكون عندما تستسلم لهذا الأمر المُهلك فلا تُحرك ساكنا مُنتظرا أن يُصيبك هذا الهلاك والدمار فتهلك وتموت، وكذلك الشجاعة في ساحات المعركة والقتال تكون في الثبات في الدفاع عن النفس أو في طلب النصر والغلبة على العدو، بينما الجبن يكون في الفرار من المعركة، و كذلك في الآية الثالثة يبدو واضحا كيف أن سيدنا موسى عليه السلام خاف من العصا عندما رآها تهتز كأنها جان مما يعني أن مشاعر الخوف لا تكون فقط من الآدميين بل تكون أيضا من غيرهم من المخلوقات كالحيوانات المفترسة على سبيل المثال و ليس الحصر. أما عند التأمل في قوله تعالى ( إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل )، و كذلك في قوله تعالى ( أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين )، نجد أن الله عزوجل ينفي أن يكون عباده المؤمنون يخشون من غير الله سبحانه و تعالى لأنهم لا يعظمون إلا الله الملك الخالق العظيم مما يعني أن الخشية لا تكون إلا في حق الله عزوجل.

بينما الحالة الثانية : وهي أن تخاف ما دون الله عزوجل أكثر من مخافتك الله عزوجل ولكن مع تعظيم الله سبحانه و تعالى وحده لا شريك له و عدم تعظيم ما دونه من المخلوقات وهذه الحالة تنطبق على المؤمن الذي يشوب إيمانه بالله سبحانه و تعالى بعض الشك والإرتياب، أي عدم اليقين الكامل الراسخ كما في الحالة الأولى فسبب مخافته ما دون الله عزوجل أكثر من مخافته الله عزوجل هو إعتقاده بأن الله عزوجل هو الملك العظيم العدل المقسط الذي لا يظلم أحداً من خلقه وأن الله سبحانه و تعالى هو الملك العظيم الرؤوف الرحيم الذي يرحم عباده في الدنيا حتى الكافر منهم، بينما في المقابل هو يعتقد أن المُخوف الذي يخافه هو ظالم ولا يرحم ضحيته مما يجعله يشعر بالخطر من المخلوق المُخوف بدرجة أكبر من خطر عقاب الله عزوجل وبالتالي يشعر بالخوف من المخلوق المُخوف أكثر من خوفه من الله عزوجل. فمن أجل ذلك لو كان يقينه راسخ لعلم أن الله سبحانه و تعالى وحده لا شريك له هو الملك العظيم النافع الضار ولكان خوفه من الله عزوجل أكثر من خوفه مما هو دونه سبحانه وتعالى كما في الحالة الأولى.

أما الحالة الثالثة: - وهي الحالة الأشد خطورة التي تخاف فيها ما هو دون الله عزوجل أكثر من مخافتك الله سبحانه وتعالى مع تعظيمك إياه ولكن بدرجة أقل من تعظيم الله عزوجل بحيث أن تعظيمك لهذا المخلوق المُخوف لا يوصل إلى درجة الربوبية والألوهية. و هذا للأسف ما يقع ضمن الشرك الأصغر لأنه جمع مع تعظيم عزوجل تعظيم ما هو دونه من المخلوقات، فعند تدبر قوله تعالى ( أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ) نجد المقطع (أتخشونهم) يُقرر أن خشية ما دون الله عزوجل هي مُحتملة ومُمكن حدوثها بينما المقطع (فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) يُفيد بأن المؤمن لا يخشى إلا الله عزوجل وحده لأن خشية الله عزوجل وحده هي شرط لبلوغ منزلة الإيمان وهذا ظاهر في قوله تعالى (إن كنتم مؤمنين) مما يعني أن خشية المسلم لما دون الله تَنفي عنه صفة الإيمان وهذا يتوافق مع حقيقة وقوع هذه الحالة تحت الشرك الأصغر لأن الإيمان والشرك الأصغر لا يجتمعان في المسلم. مع الإشارة إلى أن الشرك الأصغر لا يُخرج من دائرة الإسلام وهو أنواع فمنه ما هو عظيم الإثم والجرم كالحلف بغير الله فيعتبر أكبر من كبيرة الحلف بالله عزوجل كذباً ومنه ما هو أقل إثماً كقول (ما شاء الله وشئت)، فهذه الحالة الثالثة التي يجمع فيها المسلم مع تعظيم الله عزوجل تعظيم ما هو دونه من المخلوقات ولكن بدرجة أقل، تُعتبر من أعظم أنواع الشرك الأصغر. وهذه الحالة تنطبق على المسلم الذي لم يصل إلى درجة الإيمان و اليقين بالله عزوجل فلو كان عنده ذرة يقين لما حصل في قلبه درجة من تعظيم المخلوق المُخوف ولكن الحمد لله بالرغم من ذلك هو يعظم الله عزوجل بدرجة أكبر من تعظيمه لما هو دونه. و سبب تعظيمه لغير الله عزوجل بمقدار أقل من تعظيمه لله سبحانه و تعالى هو أنه مجرد ضعيف وذليل ومستسلم لما هو دون الله عزوجل و لكن ليس بشكل كامل. مما يعني أن العبد يصبح في هذه الحالة على حافة هاوية الكفر أو الشرك الأكبر و العياذ بالله لأنه ببساطة إذا ما إبتلاه الله عزوجل و سلط عليه عدو من أعداء الله سبحانه و تعالى فإن هذا العبد وللأسف قد ينتقل من مرحلة تعظيم ما هو دون الله سبحانه و تعالى بدرجة أقل من تعظيم الله عزوجل إلى درجة أكبر من تعظيم الله عزوجل وعندئذ ينتقل من الشرك الأصغر إلى الشرك الأكبر والكفر و العياذ بالله. وهنا قد يتسأل أحد ويقول صحيح أن مخافتي ما هو دون الله عزوجل أكبر من مخافتي الله عزوجل وصحيح أني أعظم غير الله عزوجل ولكن تعظيمي هذا أقل من تعظيمي لله عزوجل، فهل من الممكن أن يرحمني الله عزوجل؟. و أنا هنا أقول (والله أعلم ) نعم، فرحمة الله واسعة فإذا علمت في نفسك ضعفا و أنك تخاف غير الله عزوجل أكثر من مخافتك لله عزوجل وتعظم ماهو دون الله عزوجل ولكن بدرجة أقل من تعظيمك لله عزوجل فعندئذ أُطلب العفو و العافية و أسأل الله الملك العظيم الرؤوف العزيز الغفور أن يجنبك هكذا إبتلاء و هكذا إمتحان، فالله عزوجل يرحم ضعف المسلم أمام الفتن والبلايا والمصائب ولا يرضى لعباده الكفر، فكيف يرضى سبحانه و تعالى لعباده المسلمين الإرتداد عن دينهم والخروج عن الإسلام. وما يؤكد ذلك هو أن الرسول صلى الله عليه و سلم حث المسلمين على الفرار من الدجال و الإبتعاد منه وعدم تمني لقائه لعظمة فتنته خوفاً من إتباعه والإرتداد عن الإسلام، فالدجال اللعين معه نار و جنة، نار يخوف فيها كل من لا يؤمن به مع العلم أن هذه النار هي ظاهرها نار ولكنها في الحقيقة هي جنة و في المقابل يُرغب كل من يؤمن به بجنته التي هي ظاهرها جنة و لكنها في الحقيقة هي نار. فالرسول صلى الله عليه و سلم يقول ( فإنه يأتيه الرجل وهو يظن في نفسه الإيمان و الثبات فيتبع الدجال )، فحالة فتنة الدجال تنطبق على الحالة الأولى المذكورة أعلاه فلو نظرنا إلى الحديث فإنه يشير إلى أن الرجل يظن في نفسه الإيمان والثبات أي أن الرجل على قناعة بأنه لا يعظم سوى الله عزوجل وحده لا شريك له وأنه لا يخاف أحدا غير الله كما يخاف الله عزوجل أي أن خوفه مما هو دون الله عزوجل أقل من مخافته الله سبحانه و تعالى، ولكن في حقيقة الأمر أن هذه القناعة غير صحيحة فما هي إلا ظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا. فمن شدة عظمة فتنة الدجال يتحول هذا العبد الذي تنطبق عليه الحالة الأولى من خشية الله عزوجل إلى خشية الدجال فيخاف الدجال اللعين ويعظمه أكثر من خوفه وتعظيمه لله عزوجل وبالتالي يُصبح كافراً بإتباعه الدجال مع الإشارة إلى أن الحالة الأولى هي الحالة الأقل إحتمالا لإتباع الدجال ومع الإشارة كذلك إلى أنه بالرغم من أن الحالة الأولى تشمل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعا ولكنهم عليهم أفضل الصلاة و السلام هم مُستثنون من إحتمالية إتباع الدجال لأنهم أكثر الناس إيمانا ويقينا بالله الملك العظيم و أقلهم خوفا مما هو دون الله عزوجل. أما بالنسبة للحالة الثانية فإن فتنة الدجال تنطبق عليها بالتأكيد فمن البديهي إستنتاج ذلك لسبب بسيط وهو بما أن الحالة الأولى التي تعتبر أكثر إيمانا و تحصينا من الحالة الثانية ومع ذلك فإنها معرضة لإتباع الدجال فبالتأكيد الحالة الثانية معرضة لإتباع الدجال أيضاً، وما يؤكد ذلك هو قول الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ( إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال )، فيبدو واضحاً كيف أن الرسول صلى الله عليه و سلم يأمر جميع المسلمين أن يسألوا الله عزوجل في صلاتهم أن يحميهم ويقيهم شر فتنة المسيح الدجال وبالتالي نستنتج أن جميع الحالات أي الحالة الأولى و الثانية و الثالثة مُعرضة لإتباع الدجال لأنه ببساطة جميع المسلمين بما فيهم المؤمن والمسلم والمطيع والعاصي واجب عليهم تأدية الصلاة مما يعني أن الخطاب يشمل جميع الحالات التي تحدثنا عنها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.