المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أين غابت هذه السُنَّة اليوم؟!



أهــل الحـديث
24-06-2013, 05:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (حفظه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.


أين غابت هذه السُنَّة اليوم؟!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لقد اعتنت شريعتنا الإسلامية الكاملة بكل ما يفيد المسلم في الدنيا والآخرة، ومن ذلك ما جاء في حثه على السواك في كل وقت وحين، خاصة في بعض المواضع التي جاء التنصيص فيها عليه في السنة النبوية،يقول الإمام النووي –رحمه الله-: "ثم إن السواك مستحب في جميع الأوقات،ولكن في خمسة أوقات أشد استحباباً: إحداها: عند الصلاة. والثاني: عند الوضوء. والثالث: عند قراءة القرآن. والرابع: عند الاستيقاظ من النوم. والخامس: عند تغير الفم. وتغيره يكون بأشياء: منها ترك الأكل والشرب،ومنها أكل ماله رائحة كريهة،ومنها طول السكوت، ومنها كثرة الكلام". الشرح على صحيح مسلم (3/142)
لقد بين لنا أيها الأفاضل نبينا صلى الله عليه وسلم فضل استعمال السواك وثمرات ذلك في الدنيا والآخرة، فعن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ". رواه النسائي(6)، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
يقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- :"يعني: يطهر الفم من الأوساخ والأنتان وغير ذلك مما يضر، وقوله (للفم )يشمل كل الفم الأسنان واللثة واللسان، كما في حديث أبي موسى –رضي الله عنه- أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وطرف السواك على لسانه. رواه مسلم (254)
الفائدة الثانية: (مرضاة للرب)، أي أنه من أسباب رضا الله عن العبد أن يتسوك". شرح رياض الصالحين (5/226)
إن السواك أيها الأحبة الكرام سنة مؤكدة في حق الرجال والنساء معا، وذلك لترغيبه صلى الله عليه وسلم فيه، وجعله من سنن الفطرة،ومواظبته صلى الله عليه وسلم عليه في جميع أحواله، كعند دخوله إلى البيت،وعند قيامه من النوم،وعند الوضوء،وعند الصلوات،ولم يترك نبينا صلى الله عليه وسلم السواك حتى في المرض الذي مات فيه،بل كان آخر ما فعل قبل موته صلى الله عليه وسلم،فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت:دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مُسْنِدَتُهُ إلى صَدْرِي ومع عبد الرحمن سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ فَأَبَدَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بَصَرَهُ –أي مدَّ نظره إليه-، فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فقَضمَتُه –أي مضغته- وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ ثُمَّ دَفَعْتُهُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَاسْتَنَّ بِهِ فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ منه، فما عَدَا أَنْ فَرَغَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رفع يَدَهُ أو إِصْبَعَهُ ثُمَّ قال: "في الرَّفِيقِ الأعلى ثَلَاثًا ثُمَّ قَضَى ". رواه البخاري (4174)
قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله-:" وفيه دلالة على تأكد أمر السواك لكونه صلى الله عليه وسلم لم يخل به مع ما هو فيه من شاغل المرض".فتح الباري (2 /377)
فلرحمته صلى الله عليه وسلم وشفقته على أمته لم يأمرها بالسواك أمر إيجاب،فعن أبي هريرة -رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ على أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ". رواه البخاري (6813)
قال الإمام الشافعي –رحمه الله-:" فيه دليل على أن السواك ليس بواجب وأنه اختيار، لأنه لو كان واجبا لأمرهم به ، شق عليهم أو لم يشق ". كتاب الأم (1/23)
أيها الكرام إن مما يُحزن كل غيور على دينه، محب لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يرى أن هذه السنة المؤكدة مع كثرة ما روي عن النبي صلى عليه وسلم فيها قولا وفعلا، مهجورة عند الكثير من المسلمين! خاصة عند بعض من يعتبرون قدوة لغيرهم، كأئمة المساجد!وطلبة العلم!،يقول الإمام ابن الملقن –رحمه الله – في كتابه البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير (2/68):"هذا آخر ما قصدته وإبراز ما أردته فيما يتعلق بالسواك ، وهو مهم جدًّا ، وقد اجتمع بحمد الله وعونه من الأحاديث من حين شرع المصنّف في ذكر السواك إلى هذا المكان زيادة على مائة حديث كلّها في السواك ومتعلقاته، وهذا عظيم جسيم ، فواعجبًا !!سنة واحدة تأتي فيها هذه الأحاديث ويهملها كثير من النَّاس!، بل كثير من الفقهاء المشتغلين!!،وهي خيبة عظيمة، نسأل الله المعافاة منها". البدر المنير (2/68)
ويزداد الألم و تكثر الحسرة أيها الأحبة، عندما ترى الكثير من الناس!بل وحتى منهم بعض الأئمة! يتقدمون إلى الصلاة ولا يأتون بهذه السنة النبوية التي الحث عليها في هذا الموطن آكد!!، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال:قال رسول الله عليه وسلم :" لولا أَنْ أَشُقَّ على أُمَّتِي أو على الناس لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مع كل صَلَاةٍ".رواه البخاري (847) واللفظ له،ومسلم(252)
قال ابن دقيق العيد –رحمه الله- :" الحكمة في استحباب السواك عند القيام إلى الصلاة، كونها حالا تقرب إلى الله فاقتضى أن تكون حال كمال، ونظافة إظهارا لشرف العبادة".فتح الباري لابن حجر (2/376)
لماذا أيها الكرام لا نحيي بيننا هذا السنة الكريمة خاصة عند قيامنا للصلاة؟!مع أن أكثرنا يحفظ هذه الحديث! أين نحن ممن سبقنا من الصالحين؟!فهذا زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أحد رواة هذا الحديث كما عند الإمام الترمذي في سننه (23) كان يَشْهَدُ الصَّلَوَاتِ في الْمَسْجِدِ وَسِوَاكُهُ على أُذُنِهِ مَوْضِعَ الْقَلَمِ من أُذُنِ الْكَاتِبِ لَا يَقُومُ إلى الصَّلَاةِ إلا استن ثُمَّ رَدَّهُ إلى مَوْضِعِهِ".سنن الترمذي(1/35)
فيا أيها الداعي إلى الله جل جلاله اعلم أن الناس يراقبون أقوالك وأفعالك وكل حركاتك!وهذا لا يعني أنك ترائيهم في عملك!وتجاملهم على دينك!بل يجب أن تسأل الله تعالى دائما الإخلاص في أعمالك،وعليك أن تكون لهم قدوة صالحة تحيي بينهم سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم،ومن ذلك سنة السواك،وتَذكر دائما عند قيامك بذلك، قول نبينا صلى الله عليه وسلم:"من سَنَّ في الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ من عَمِلَ بها بَعْدَهُ من غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ من أُجُورِهِمْ شَيْءٌ...". رواه مسلم (1017) من حديث جرير بن عبد الله البجلي –رضي الله عنه-.
يقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-:"وفي هذا الحديث الترغيب في فعل السنن التي أميتت وتركت وهجرت، فإنه يكتب لمن أحياها أجرها وأجر من عمل بها". شرح رياض الصالحين (2/345)
واحذر-سددك الله-أن تكون ممن يدعو الناس للخير ويحثهم على الحرص على السنن،وهو عن ذلك بعيد!فإن في ذلك الوعيد الشديد!،قال الله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) [الصف :2]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله-:"أي:لم تقولون الخير وتحثون عليه،وربما تمدحتم به،وأنتم لا تفعلونه، وتنهون عن الشر وربما نزهتم أنفسكم عنه،وأنتم متلوثون متصفون به، فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة؟ أم من أكبر المقت عند الله أن يقول العبد ما لا يفعل؟ولهذا ينبغي للآمر بالخير،أن يكون أول الناس إليه مبادرة،والناهي عن الشر،أن يكون أبعد الناس عنه".تفسير السعدي (ص 858)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا وإياكم لاتباع السنة والعمل بها في أمورنا كلها وإحياءها بين الناس،وأن يجعل قلوب المسلمين محبة مقبلة على السنن وأهلها، ومبغضة مبتعدة عن البدع وأهلها،فإن في ذلك بعون الله جل جلاله النجاح والفلاح والصلاح في الدنيا والآخرة، فهو سبحانه قدير وبالإجابة جدير.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي