المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإمام أحمد محمد شاكر نابغة الحديث وفقيه المحدثين ,عماد بن حسن المصري



أهــل الحـديث
23-06-2013, 10:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الإمام أحمد محمد شاكر نابغة الحديث وفقيه المحدثين :
الحلقة الأولى :رواية أهل البدع
قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الألفية ( ص 53 ) : أهل البدع والأهواء إذا كانت بدعتهم مما يحكم بكفر القائل بها لا تقبل روايتهم بالاتفاق فيما حكاه النووي ، ورد عليه المؤلف في شرحه على التقريب دعوى الاتفاق ، ونقل قولاً آخر بأنها تقبل روايتهم مطلقاً ، وقولاً آخر بأنها تقبل إن اعتقد حرمة الكذب ، ثم نقل عن الحافظ ابن حجر أنه قال : ( التحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته ، لأن كل طائفة تدعي أن مخالفتها مبتدعة ، وقد تبالغ فتكفر ، فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف . والمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمراً متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة ، أو اعتقد عكسه ، وأما من لم يكن كذلك وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله ) . وهذا الذي قاله الحافظ هو الحق الجدير بالاعتبار ، ويؤيده النظر الصحيح .
وأما من كانت بدعته لا توجب الكفر فإن بعضهم لم يقبل روايته مطلقاً ، وهو غلو من غير دليل ، وبعضهم قبل روايته إن لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه ، وروي هذا القول عن الشافعي ، فإنه قال : ( أقبل شهادة أهل الأهواء إلى الخطابية ، لأنهم يروون الشهادة بالزور لموافقيهم ) . وقال أيضاً : ( ما رأيت في أهل الأهواء قوماً أشهد بالزور من الرافضة ) . وهذا القيد - أعني عدم استحلال الكذب - لا أرى داعياً له ، لأنه قيد معروف بالضرورة في كل راو ، فإنا لا نقبل رواية الراوي الذي يعرف عنه الكذب مرة واحدة ، فأولى أن نرد رواية من يستحل الكذب أو شهادة الزور .
وقال بعضهم : تقبل رواية المبتدع إذا لم يكن داعية إلى بدعته ، ولا تقبل إن كان داعية ، ورجح النووي هذا القول وقال : ( هو الأظهر الأعدل ، وقول الكثير أو الأكثر ) . وقيد الحافظ أبو إسحاق الجوزجاني - شيخ أبي داود والنسائي - هذا القول بقبول روايته إذا لم يرو ما يقوي بدعته .
وهذه الأقوال كلها نظرية ، والعبرة في الرواية بصدق الراوي وأمانته والثقة بدينه وخلقه ، والمتتبع لأحوال الرواة يرى كثيراً من أهل البدع موضعاً للثقة والاطمئنان ، وإن رووا ما يوافق رأيهم ، ويرى كثيراً منهم لا يوثق بأي شيء يرويه . ولذلك قال الحافظ الذهبي في الميزان ( ج 1 : ص 4 ) في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي : ( شيعي جلد ، لكنه صدوق ، فلنا صدقه وعليه بدعته ) ، ونقل توثيقه عن أحمد وغيره ، ثم قال : ( فلقائل أن يقول : كيف ساغ توثيق مبتدع ، وحد الثقة العدالة والإتقان ، فكيف يكون عدلاً وهو صاحب بدعة ؟! ) وجوابه : أن البدعة على ضربين : فبدعة صغرى كغلو التشيع ، أو التشيع بلا غلو ولا تحرق ، فهذا كثر في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق ، فلو رد حديث هؤلاء لذهبت جملة الآثار النبوية ، وهذه مفسدة بينة . ثم بدعة كبرى ، كالرفض الكامل والغلو فيه ، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، والدعاء إلى ذلك ، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة . وأيضاً فما استحضر الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموناً ، بل الكذب شعارهم ، والتقية والنفاق دثارهم ، فكيف يقبل نقل من هذا حاله ؟! حاشا وكلا . فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم : هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب علياً رضي الله عنهم وتعرض لسبهم ، والغالي في زماننا وعرفنا : هو الذي يكفر هؤلاء السادة ، ويتبرأ من الشيخين أيضًاً ، فهذا ضال مفتر ) .
والذي قاله الذهبي مع ضميمة ما قاله ابن حجر فيما مضى - : هو التحقيق المنطبق على أصول الرواية . والله أعلم .
الحلقة الثانية : الأحاديث التي زادها عبدالله بن الإمام أحمد على أبيه :
ومن المعلوم للمحدثين والمطلعين أن في المسند أحاديث زادها عبدالله بن أحمد بن حنبل بروايته عن شيوخه ، وأحاديث من زيادات القطيعي عن شيوخه أيضاً ، وهي قليلة ، ففي هذه الأحاديث أبين ذلك صراحة ، فأقول : ( قال عبدالله بن أحمد ) أو : ( قال أبو بكر القطيعي ) . وكذلك في الأحاديث التي وجدها عبدالله بخط أبيه ولم يسمعها منه ، أبين أن هذا قول عبدالله، حتى لا يشتبه شيء على القارئ ، ولا يستطيع متلاعب أن يتلاعب .
وقد وجدت أربعة كتب ألفت في شأن هذا المسند خاصة ، هي أجزاء صغيرة ، فرأيت أن ألحقها به في عملي . اثنان منها أقدمها بين يديه ، إذ كانا كالمقدمة له . وهما : ( خصائص المسند ) للحافظ أبي موسى المديني ، المتوفي سنة ( 581 ) . و ( المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد ) للحافظ شمس الدين بن الجزري ، إمام القراءات ، المتوفي سنة ( 833 ) .
وهذان الكتابان وجدهما السيد محمد أمين الخانجي رحمه الله ، بخط ( عبد المنعم بن علي بن مفلح الحنبلي ) ، وتاريخ كتابتهما شهر ذي القعدة من سنة ( 895 ) ، فنسخهما ثم طبعهما في طبعة السعادة بمصر سنة ( 1347 ) .
والكتابان الآخران ، هما : ( القول المسدد في الذب عن المسند ) تأليف شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني ، المتوفى سنة ( 852 ) ، تكلم فيه على ثلاثة وعشرين حديثاً في المسند ، مما ادعى بعض المحدثين أنها من الأحاديث الموضوعة ، وأجاب عنها حديثاً حديثاً . والآخر ( ذيل القول المسدد ) تأليف المحدث قاضي الملك محمد صبغة الله المدراسي ، فرغ من تأليفه في ( 6 صفر سنة 1281 ) ، تكلم فيه على اثنين وعشرين حديثاً ، كالتي قبلها . وهما مطبوعان معاً ، في حيدر أباد الدكن سنة ( 1319 ) .
فهذان الكتابان رأيت أن ألحقهما بالمسند في آخره إن شاء الله ، على أن أنبه عند كل حديث فيهما على رقمه في المسند . ثم أشير إلى أرقام أحاديث أخر على شرطهما في الكتابين فاتتهما .
وكنت أولاً أريد أن أفرقهما في الكتاب ، فأنقل كلام كل منهما في موضعه عند الحديث الخاص به . ثم رأيت أن ذلك يطيل القول المختصر الذي قصدت التعليق به على كل حديث ، وأن أكثره توسع ومحاولة فيها تكلف ، لتصحيح حديث ضعيف أو تحسينه . فاكتفيت بالإشارة عند كل حديث إلى ما قيل فيه ، وبتحقيق ما أراه حقاً في شأنه ، ثم أحفظ الأمانة بإثبات الكتابين بنصهما في آخر الكتاب .
واخترت في ترجمة الإمام أحمد أن أثبت نص ترجمته من ( تاريخ الإسلام ) ، للحافظ الذهبي ، لأنها لم يسبق نشرها من قبل ، ولأنها من ديوان كبير خطير من أعظم دواوين الإسلام ، لرجل حافظ ثقة حجة ، ونسخة عزيزة نادرة في المكاتب العامة ، لا يوجد منها فيه إلا الجزء بعد الجزء . وأكمل نسخة فيما نعلم ، هي التي بدار الكتب المصرية ، على أنه ينقصها منه بعض الطبقات .
وطالما فكرت في نشر المسند بين الناس ، على النحو الذي صنفت ووصفت ، شغفاً بخدمة السنة النبوية وأهلها ، وحرصاً على إذاعة فائدة هذا الكتاب الذي جعله مؤلفه للناس إماماً ، وخشية أن يضيع هذا العمل الذي لم أسبق إليه ، والذي أعتقد أنه سيكون ، إن شاء الله ، من أكبر المرغبات لأهل هذا العصر في دراسة الحديث ، وأنه سيكون مفتاحاً لجميع كتب السنة لمن وفقه الله . وسعيت في سبيل ذلك جهدي سنين كثيرة ، حتى كدت أيأس من طبعه ، إلى أن وفقت إلى الاتفاق مع ( دار المعارف ) على طبعه ، وهي من أكبر دور النشر في القاهرة ، وأوثقها وأشدها إتقاناً .
وصادف ذلك أن كانت الزيارة الرسمية التي شرف فيها مصر بزيارته ، أسد الجزيرة ، حامي حمى السنة ، رجل العلم والعمل ، والسيف والقلم الإمام العادل ، ( الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ) أطال الله بقاءه . وكانت هذه الزيارة المباركة من يوم الخميس 6 صفر الخير من هذا العام 1365 إلى يوم الثلاثاء 18 منه ( 10 - 22 يناير سنة 1946 ) فما أن رفع إلى جلالته شأن هذا الكتاب ، حتى أصدر أمره الكريم إلى حكومته السنية ، بالاشتراك في عدد كبير من نسخه ، من أوله إلى آخره ، إجلالاً لشأن الإمام الكبير ، وعطفاً على شخصي الضعيف .
بارك الله في جلالته ، وحفظه مؤيداً منصوراً ، وذخراً للإسلام والمسلمين ، وناشراً للواء العرب ، ومجدداً لمجدهم .
وأقر عينه بأنجاله الأشبال الكرام ، السادة النُجب ، قادة العرب وقدوتهم ، وموئل عزهم ، الأمراء ( سعود ) و ( فيصل ) وإخوتهما .
وأسأل الله المبتدئ لنا بنعمة قبل استحقاقها ، المديمها علينا مع تقصيرنا في الإتيان على ما أوجب به من شكره بها ، الجاعلنا في خير أمة أخرجت للناس ، أن يرزقنا فهماً في كتابه ، ثم سنة نبيه ، وقولاً وعملاً يؤدي به عنا حقه ، ويوجب لنا نافلة مزيده ، إنه سميع الدعاء .