المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أصول في العِلم



أهــل الحـديث
22-06-2013, 09:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


العلم بالله تعالى وبشرعه أعظم من أن يحاط بفضله، أو يدرك جليل قدره، إذ تعلمه لله عبادة، ومذاكرته تسبيح، وطلبه والبحث عنه جهاد، وتعليمه صدقة، وبذله لأهله قربة، وهو الأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة، به يبلغ العبد منازل الأخيار، والدرجات العلى في خير دار! إذ ما عُبد الله بشيء أفضل من العلم! وكل عبادة لا تصح إلا بالعلم!
وخير العلم ما أورث الخشية، وبالخشية وصف الله العلماء: إنما يخشى الله من عباده العلماء

والعلماء الربانيون هم أتقى الناس لله، وأعلمهم بشرعه وهداه، وهم الأولياء وورثة الأنبياء، وهم أهل الاتباع والذكر، ومع التحقيق هم أولو الأمر.
فرض الله في المعروف طاعتهم، وأمر بمحبتهم وولايتهم، وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيّات فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات!
فهم الذين يرجع إليهم في الملمات وعن فتاويهم يصدر الناس في المهمات.
والعلماء الربانيون بعلمهم يعملون، وبالحق يصدعون، فهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته، وهم المحيون لما مات من سنته، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، بهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا، فهم أهل الحديث والأثر ، وهم أهل الفقه والنظر.

أفضل العلماء علماء السلف من الصحابة والتابعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الذين اجتمعت كلمتهم في مسائل الإيمان والعقيدة، وإن اختلفت في بعض فروع الشريعة.
وحقوق العلماء الربانيين مذكورة، وأعمالهم مشكورة، ولحومهم مسمومة، وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة، والحذر الحذر من تتبع أو اتباع زلاتهم، أو دعوى عصمتهم، أو إسقاط منزلتهم، والحذر الحذر ممن اتخذوا العلم حرفة وصنعة، لا عبادة وقربة، ممن باعوا الدين، ورضوا أن يكونوا أبواقا للظالمين.

ويتأكد على العلماء العاملين صرف الحكمة إلى الجوانب المثمرة من العلوم، والبعد عن الترف الفكري والجدال العقيم، فكل مسألة لا ينبني عليها عمل قلبي أو بدني، فالخوض فيها خوض فيما لم يستحسن شرعا.

وتتأكد عند التعليم البداءة بعلوم التوحيد والإيمان ثم التثنية بالفقه والأحكام، وعلى منهج السلف في التلقي والاستدلال، مع العناية بمقاصد الشريعة الغراء، وقواعدها الفقهية والأصولية على حد سواء.
وعلى العلماء والفقهاء واجب في التأصيل لنوازل المسائل، وقد كانت همة أكابر العلماء إلى العناية بالتأصيل مصروفة ، وجهودهم في استنباط أحكامها معروفة، وهذا يقتضي عناية بتكوين الملكة الأصولية والفقهية تأصيلا وتصويرا، وتقريرا وتفصيلا.

وفي منهج التعليم يتأكد التلقي عن الأكابر بالمشافهة ما أمكن والتدرج في سلم التعليم، إذ الربانيون يعلمون بصغار العلم قبل كباره، وبأصوله قبل فروعه، ويعتنون بعلوم الغايات لا يهملون علوم الوسائل والآلات.
وعلماء الأمة المتقنون بأسباب الإصلاح العلمي والتغيير يعتنون، وبدراسة سنن الله تعالى في التمكين يهتمون، وبالسياسة الشرعية وفقهها ينتفعون وأمتهم ينفعون.
والربانيون من العلماء يتفقدون طلبة العلم وعن المزالق يحذرونهم، وينهون الطالب عن توقر قبل أوانه، وتعصب لمذهبه أو لرأيه أو علماء زمانه، كما ينبهونه إلى خطورة السطحية أو الظاهرية في فهم وفقهه مع الولع بالغرائب، ويمنعون الطالب من التصدر قبل أوانه، والتعالم والجدال المذموم، وينهونه عن الميل إلى التعسير والتشديد والجنوح جهة التساهل والتفريط، وكما يطالبونه بالانقباض عن فتنة السلطان ينهونه عن العزلة عن واقع الأمة والانفراد بالشذوذات في الفتاوى والأحكام.


بقلم د. محمد يسري إبراهيم