المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفوائد الماسية من الرحلة المقدسية الحلقة الخامسة (2)



أهــل الحـديث
22-06-2013, 07:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



تركناكم تتهنون بإفطاركم في جبال (فقوعة) وها نحن عُدنا إليكم (والعود أحمد) ـ كما يقال ـ لنستأنف معكم رحلتنا إلى شمال فلسطين في هذا اليوم الرائع من أيام ربيع فلسطين الجميل.
نزلنا من جبال (فقوعة) بعد أن أخلينا المكان لمجموعة من نساء الصهاينة حضرن حال انتهائنا من الإفطار، واستعدادنا للانطلاق، فحمدنا الله على توفيقه، وعدم قدومهن حال إفطارنا، حتى لا تنسد نفوس المؤمنين عن طعامهم.
انطلقنا راشدين نازلين الجبل نحو سهل (بيسان)، وطلبت من الأخ رمزي برهوم أن يأخذني إلى موقع (عين جالوت) حيث جعل منه الصهاينة متنزهاً ومدينة للألعاب، فاستجاب ـ جزاه الله خيرا ـ فاخترقنا في طريقنا بعضاً من قرى (الزعبية)؛ (كفر مصر)، ثم (طمرة)، ثم (الناعورة)، ثم (الطيبة) حتى وصلنا باب متنزه (عين جالوت)، ورجعنا للنطلق مرة أخرى عبر طريق رقم (65) نحو هدفنا التالي وهو مدينة وبحيرة (طبرية).
سرنا في سهل بيسان الشمالي في اتجاه الشمال الشرقي حتى أشرفنا على جبل (دبورية) وقد احتضنته أربع قرى عربية من جهات قاعدته الأربع، (أم الغنم) من الجنوب بمحاذاة الطريق، ثم (عرب الشبلي) شرقا بمحاذاة الطريق بعد انحرافها شمالاً، بينهما جبل (الطور) ثم (عين ماهل) شَمَالا، ثم (إكسال) غرباً، بينه وبين جبل (القفزة) ـ الذي يقال إن عيسى ـ عليه السلام ـ قفز منه إلى سهل بيسان ـ يعلوه دير للنصارى كبير، تحت أقدام (الناصرة)
وصلنا مفرق (مَسْكَنَةَ) فتمسكن!! بعض الإخوة للنزول في محطة (البترول) التي على المفرق لقضاء حوائجهم بعد الإفطار الذي أكلوا فيه الأخضر واليابس في جبال (فقوعة) حيث تركناكم في الحلقة السابقة، فطلبت من الأخ رمزي أن يوقف السيارة في ظل الجدار حتى أرتاح قليلا، لأنني لم أنزل معهم لقضاء حاجة.
انطلقنا بعد قضاء الحوائج عبر طريق رقم (77) متجهين شرقا نحو مدينة وبحيرة (طبرية)، والتي أخبرني الأخ رمزي برهوم ـ أثناء توجهنا إليها ـ أن ما يجمع اليهود، والنصارى ـ فقط ـ بغضهم للمسلمين، وأن (طبريا) إحدى ثلاث مدن، إضافة لـ (حيفا)، و(القدس الغربية) كانت فيها أكثرية يهودية قبل نكبة سنة 1948م، وهذا بالنسبة للمعلومة الأولى حق لا شك ولا ريب فيه، وأما بالنسبة للمعلومة الأخرى فقد تبين لي فيما بعد أنها خطأ.
إذ لم تتعد نسبة اليهود في (طبريا) سنة 1945م (33%)، وفي (حيفا) في نفس السنة (47%)، وفي (القدس الغربية) (38%).
دخلنا طبريا بعدما اشتد حر النهار، فوجدنا في ساحة المسجد رجلا من أهالي (الحولة)، عاصر النكبة سنة 1948م، واسمه (أمير أبو شاهين؛ أبو صلاح)، ويقيم الآن في قرية (وادي الحمام) على بعد نحو ربع ساعة بالسيارة من طبريا، والذي سمى النكبة باسمها، فوهمت أنه سبق لسان فسألته ـ أتأكد منه أنه يعتبر ما حصل نكبة فعلاً ـ فأجابني بدهشة:
آه شو لكان؟!
يعني: أم ماذا تسميها أنت؟!
وجدنا الصهاينة قد هدموا الواجهة الشمالية من المسجد، وأبقوا الواجهة القبلية، وجعلوا من المسجد مكانا يتبول فيه القاصدون ذلك المكان من الصهاينة بعد أن جعلوا من ساحة المسجد الكبيرة والتي بنوها بالنمط الاسلامي وبأقواس شبيهة بأقواس المسجد، ومن الحجر الأسود التي بُنِيَ منها المسجد، وجعلوها سوقا تجاريا، ومطاعم، وحانات، ومقاهي، ونوادي ليلية، وعلى واجهة مبنى كبير مقابل موقع المسجد جدارية تمثل الوجه العربي (لطبريا) قبل النكبة.. طلبت من الإخوة تصويرها، وقد شرح لنا الدكتور مراد أبو غوش عن بعض الأديرة، وما فيها من مستشفيات علاجية نفسية وعضوية.
توجهنا عبر منحدر مدرج عريض نحو البحيرة والمسجد الذي على البحر الذي أخبرنا عنه الأخ (أمير أبو شاهين)، والذي حوله الصهاينة المحتلين مخزناً، وفي طريقنا كان بعض المتشددين اليهود الأرثوذكس من صغار السن على شاطئ البحيرة مع بعض حاخاماتهم، وتوجه بعضهم إلينا بهمة انقطعت بصياح الحاخام عليهم، وتراجعوا من حيث انطلقوا، ومررنا من بينهم نحو المسجد الذي وجدناهم قد حولوه مخزنا لكاهن هالك كتب اسمه وملكيته عليه منذ الاحتلال، وكان في قبلته حدادان يعملان في ديكورات لمقهى بجانب محول كهربائي مزروع في أرض المسجد، ولما رأوا أننا قدمنا لزيارة المسجد أوقف أحدهما الآخر عن قص الحديد بـ (الصاروخ) حتى ننتهي من زيارتنا، وكان في محيط المقهى لوحات كبيرة مصورة لمدينة (طبرية)، وشوارعها، وبحيرتها، وصياديها، قبل سنة النكبة 1948م، تظهر الوجه العربي الفلسطيني الأصيل للمدينة، وقد صورها الإخوة كذلك إضافة للمسجد.
توجهنا بعد ذلك إلى مجسم بناه الصهاينة لشكل البحيرة، يظهر على عداد إلكتروني مضاء بالضوء الأحمر كمية المياه المتوفرة في البحيرة، وكمية المياه الواجب توفرها فيها، وحيث كنا في أواخر فصل الشتاء، وأوائل فصل الربيع، ومع هذا كانت البحيرة ناقصة كثيرا.
تكلمت للشباب عن بحيرة (طبريا) وما يقابلها في الجهة الشرقية من (الجولان) المحتل، وما يعلوه من (جبل الشيخ)، وثلوجه التي تذوب على مدار العام لتشكل رافدا أساسيا للبحيرة، إضافة لروافدها الأخرى القادمة من جنوب (لبنان)، فضلا عن الينابيع الكثيرة التي تنبع من داخل حوض البحيرة، وكلمتهم عن (اليرموك) في جنوبها الشرقي، وعن معركة (اليرموك) قريبا منها، وعن معركة (حطين) غربها غير بعيد من موقفنا، ومآلها وحالها عند خروج (يأجوج ومأجوج) وهم من كل حدب ينسلون، وَشُرْبُ أولهم لها، ومرور آخرهم عنها وهي جافة حتى يقول آخرهم:
لقد كان في هذه مرة ماء.
كما أخبر بذلك نبينا صلى الله عليه وآله وسلم. وتكلمنا عن خروج (الدجال)، ونزول عيسى عليه السلام، وعن جبل (الطور)، واحتمالاته بسبب تسمية أكثر من جبل في فلسطين وما حولها بهذا الاسم، ومذبحة اليهود مع الدجال وأعوانه.
خرجنا من موقع البحيرة إلى الطريق المؤدية إلى (حيفا)، جاعلين من (حطين) وموقع المعركة فيها عن أيماننا، وتذكرت ما قرأته عن أحداث المعركة الشهيرة وكيف كانت خطة صلاح الدين رحمه الله تعالى السيطرة على شاطئ البحيرة الغربي وعزل جنود الصليبيين عنها حتى لا يتمكنوا من ورودها والشرب منها مما عجل بهزيمتهم لانقطاعهم عن الماء الذي هو عصب الحياة، وأثناء خروجنا من طبرية لفت نظري امرأة يهودية بكامل حجابها عدا تغطية الوجه تزين سيارة عروسين.
مررنا في طريقنا على (المغار) شمال غرب جبل (حطين)، ثم على (طرعان) على يمين الطريق، وتذكرت زميلا لي في الدراسة كان بيننا صداقة ومحبة وكان اسمه موسى الطرعاني، ثم انحرفنا يسارا مرورا (بكفر كنا) عن يسارنا ثم (مشهد) عن يميننا حت وصلنا (الرينة) وتذكرت المثل الشعبي الفلسطيني مع كامل حبي واحترامي لشباب (الرينة) خصوصاً، وكامل شباب فلسطيننا الحبيبة عموماً:
«شباب الرينة.. كل عشرة بقطينة».
ثم واصلنا مسيرنا وتركنا (الهيب) عن يميننا، ثم دخلنا سهل (البطوق) وعن يميننا جبال (الديدبان) حتى وصلنا (بير المكسور) وما حوله من قرى بدوية، وقد أخبرني بعض الإخوة المرافقين أن كثيرا من أبناء هذه القرى البدوية قد انخرطوا ـ للأسف ـ في جيش الاحتلال مما دفع جيش الاحتلال لإنشاء مفرق في المنطقة أسماه (مفرق المحارب البدوي) ثم أخذنا يميننا نحو (كفر مندا) ومررنا بعدة مفارق كمفرق (الموصل) حتى وصلنا مفرق (جولاني)، وانعطفنا يمينا مرورا (بشفا عمرو)، و(إبطن) يسارا ،وعن يمينا في الأفق الغربي على الجبال كانت تبدو من بعيد قرية (كوكب أبو الهيجا)؛ قرية رفيقنا في الرحلة خضر منصور في الجليل السفلي.
واصلنا مسيرنا حتى وصلنا (حيفا)، والتي دخلناها من جهتها الجنوبية الشرقية، تصادفك عند دخول حيفا جامعة حيفا ببنائها العالي جدا، وببرج كلية الهندسة فيها، واخترقنا حيفا حتى صعدنا جبل (الكرمل)، ووقفنا فوق حديقة (البهائيين) التي هي جنتهم الدنيوية مع ما توعدهم الله وأمثالهم من المرتدين عن دين الحق بجهنم يصلونها وبئس المصير.
تعرفنا على بعض أحياء حيفا القديمة من موقعنا العالي المطل، ومن أخينا خضر منصور خاصة؛ ابن المنطقة وخبيرها، مثل حي (الحليصة) وكان يسارنا عل جبل الكرمل، ومسجد الحي القديم، وكذلك مستشف حيف الشهير، ثم نزلنا من جبل الكرمل نحو حيفا التحتى ـ كما يسمونها ـ يعني حيفا السفلى، تمييزا لها عن حيفا التي في الجبل.. جبل الكرمل الشهير.
نزلنا إلى مسجد الاستقلال الشهير الذي كان يخطب وَيُدَرِّسُ فيه الشيخ عز الدين القسام ـ رحمه الله ـ في ثلاثينيات القرن الماضي قبل ثورة سنة 1936م، وقد سمعت من بعض مرافقينا أن الشيخ سيد سابق صاحب كتاب «فقه السنة» الشهير كان يُدَرِّسُ فيه أيضا، والمسجد في الطابق العلوي وأما الطابق السفلي من المسجد فقد حوله الصهاينة المحتلون إلى حانة وبار ومقهى، وحوله بيوت العرب المُهَجَّرين مغلقة أو محتلة ومغتصبة من الصهاينة المحتلين، وغير بعيد من المسجد مقبرة الاستقلال التي تحتضن بين ذرات ترابها كثيرا من رفات وجثامين من نحسبهم على الله ـ والله حسيبهم ـ شهداء، وعلى رأسهم الشيخ عز الدين القسام ـ رحمه الله ـ.
توضأنا وصلينا الظهر والعصر جَمْعَاً وَقَصْراً، وانطلقنا في شوارع (حيفا التحتى) والمدينة القديمة نتنسم رائحة الماضي العريق، ونتحسر على حال شعبنا الطريد في طريقنا إلى عكا حيث ينتظرنا أحبتنا هناك. دخلنا عكا في ساعت ما بعد الظهر من جهة تلة نابليون حيث أخزاه الله وهزمه الهزيمة المنكرة التي جعلتها يشد الرحال عنها إلى فرنسا كسير النفس، محزون الفؤاد، بعد أن حطمت عكا حلمه الكبير في امبراطورية فرنسية عظمى، وتوالت هزائمه بعد ذلك حتى فقد إضافة لمملكته عمره، وقد خلده الصهاينة بتل قرب حديقة سموها باسم (لِيلي) زوجة مجرم الحروب، وسجين بدنه البغل؛ أرئيل شارون، أطال الله مرضه وحبسه في دنياه قبل أخراه.
وجدنا إخواننا الكرام من أهل عكا، وعلى رأسهم الأخ علي أحمد أباظة المصري قد هيأوا لنا مائدة (سَمَكِيَّةً) كبيرة مع مُقَبِّلاتِها وتوابعها، وبعد الغداء أخذ التعب مني كل مأخذ، فاستأذنتهم ريثما يُصَلُّونَ العَصْرَ في قيلولة صغيرة في سيارة الأخ أمجد سلهب ـ جزاه الله خيرا ـ والذي تركني نائما أثناء توجهنا إلى عكا فما أيقظني حتى دخلناها.
دخلنا عكا التي أعرفها من خلال برنامج وثائقي عنها رأيته على إحدى الفضائيات بعنوان:
(من داخل الأسوار)
دخلنا عكا وتجولنا في شوارعها القديمة حتى وصلنا خان ... وصعدنا الأسوار الجنوبية حيث كان شباب عكا يتبارزون في القفز من أعلى الأسوار وسط مياه البحر قريبا من الشاطئ، وبادر أخونا رمزي برهوم بالقفز من أعلى السور، ثم تتابع الشباب بعده على القفز، حيث قفز الدكتور مراد أبو غوش، وتردد الأخ رشاد إبراهيم في القفز وطال تردده حتى انصرفنا دون أن يقفز، ولما حضر الأخ فادي من أهالي عكا، والذي يسمونه (سمكة عكا) هلل الحاضرون لقدومه لامتياز قفزاته بمهارات خاصة، حيث ألهب حماس الحاضرين بدورانه حول نفسه أثناء القفز إلى الماء، وقد رافقنا في رحلتنا أخ من أهل حيفا طويل ضخم قوي البنية، لا أذكر اسمه، ولا أدري هل رافقنا من حيفا في بعض السيارات التي كانت معنا، أم كان ينتظرنا في عكا، أم التحق بنا هناك، وكان اللافت للنظر فيه ومنه حرصه الشديد على خدمتي ومساعدتي جزاه الله خبرا.
نزلنا عن الأسوار وواصلنا التجوال حول المنارة القديمة، وأخذت عصا الشيخ علي أباظة أتوكأ عليها، ورأينا أماكن المدافع التي كانت على الأسوار من أيام الدولة العثمانية، والتي أدركها الشيخ علي كما أخبرنا، وحاولت تصوير حيفا من الحيد البحري في عكا، ولم نفلح بسبب الضباب، ثم دخلنا نفقا كان يستخدمه الغزاة قرب البحر من الجهة الغربية وخرجنا عند باب خان ... وسط المدينة القديمة.
رأينا بعض البيوت القديمة والحديثة مدهونة ببعض الأزرق، وأخبرونا بأن البهائيين يشترون ما يشاؤون، ويبنون كما يريدون، بخلاف الفلسطينيين أبناء المدينة الذين لا يستطيعون ترميم بيوتهم، ولا الزيادة عليها لا قليلا ولا كثيرا.
رأيت في طريقنا إلى مسجد (الجزار) ـ للتعرف على مكان القبرين فيه، وصحة الصلاة فيه من عدمها ـ كنيسا لليهود، وكنائس للنصارى مفتوحة، ومساجد للمسلمين مغلقة حتى وصلنا مسجد (الجزار) الذي في يمينه غرفة تحتوي قبرين لأحمد باشا الجزار، وابنه سليمان، وقد تبين لي أن كثيرا من الناس إنما يَرِدُون المسجد للصلاة فيه من أجل القبرين، ظنا منهم واعتقادا أن لصاحبيهما مكانة ومنزلة، وللمسجد ميزة بقبريهما عن غيره من المساجد، وقد انعقد الاتفاق ـ وإن شئت فقل: الإجماع ـ على أن الصلاة في هكذا مسجد مكروهة، واختلف في نوع الكراهة بين كراهة التحريم، وكراهة التنزيه، وبطلان الصلاة، وعدم صحته كما نقله شيخنا رحمه الله تعالى عدد من كتبه، وجمعها أخونا الشيخ مشهور حسن في كتاب «قاموس البدع»؛ فصل: بدع الجنائز، مسائل: بدع بناء المساجد على القبور.
وعلى مذهب الحنابلة الذي رجحه شيخ الإسلام في عدد من كتبه، وكما نقله شيخنا عنه في الكتاب السابق أفتيت لهم بحرمة الصلاة في هذا المسجد، وببطلانها وعدم صحتها، لأقطع تعلقهم بهذا المسجد، وأسد ذريعة الشرك التي يمكن أن تنطلق من ارتياد هذا المسجد، سيما وقريب منه مسجد ليس فيه قبور، وقد أغلقه الصهاينة المحتلون.
تركت إخواني ورفاقي يذهبون إلى موقع (الثلاثة الحمراء)، حيث أَعْدَمَ الإنجليزُ الملاعين ثلاثة من الثوار الفلسطينيين في أعقاب ثورة البراق سنة 1929م؛ محمد جمجوم، وعطا الزير، وفؤاد حجازي، وانطلقت نحو مسجد (الظاهر عمر الزيداني) الذي ستكون فيه محاضرتي بين المغرب والعشاء.
توضأت في المسجد قبل المغرب، ولفت انتباهي عند الوضوء أن بعض البيوت تكشف حمامات المسجد لقربها من أماكن الوضوء مما يوجب على المتوضئ أن يتأكد من إغلاق الباب.
بدأت المحاضرة بسؤال الحاضرين من أبناء (عكا) وغيرهم عن أحمد الشقيري، ووالده الشيخ أسعد الشقيري، وللأسف وجدتهم كما وجدت الحضور أمس في طولكرم لا يعرفون الكثير، وأكثرهم لا يعرفون شيئا عن شخصيتين مهمتين جدا من أبناء عكا في نهاية الحقبة العثمانية، وحقبة الانتداب البريطاني الخبيث، وفترة الاحتلال الصهيوني بعد النكبة والنكسة، وتكلمت عن شيء من ترجمة الرجلين ثم تكلمت في ثنايا محاضرتي عن.. مستذكرا عظمة ملك الجليل وقناديله التي خلدها الكاتب والصحفي والشاعر إبراهيم نصر الله في روايته «قناديل ملك الجليل» وهو عين الشخص الذي بنى المسجد الذي نحن فيه، أو سمي المسجد باسمه.
انتهت المحاضرة، وأجبت على بعض الأسئلة، وخرجنا خارج المسجد نأكل بعض الحلويات (العَكِيِّةِ) قبل أن يجتمع كثير من شباب عكا مرة أخرى خارج المسجد في مرآب السيارات، فشعرت أنها ستكون محاضرة تلو المحاضرة فطلبت من إخواننا أن ننصرف راشدين.
خرجنا من عكا عبر طريق رقم (6) مرة أخرى في اتجاه القدس، ولفت انتباهنا في بعض الطريق سيارة تحمل لوحة (دبي) نتجاوزها مرة، وتتجاوزنا أخرى لمسافة من الطريق، وقد اتصل الأخ إياد الشريف بشخص يَدْرس أو يُدَرِّس في الجامعة العبرية في القدس، اسمه (علي)، ورتب لي لقاء معه بعد الفجر الغد في المسجد الأقصى.
وصلنا باب العمود وقد أخذ التعب منا مأخذه، وأعطوني الكاميرا لشحن بطاريتها لرحلة الغد، وانطلقت من باب العمود نحو الفندق وحدي، أتحسر على فردوسنا المفقود، وأجدد الأمل في عودته من جديد.
اتصل بي بعد يومين الشيخ علي المصري وأخبرني أنه نظم أبياتا شعرية في زيارتنا لعكا، ثم رأيت بعد أيام على منتديات كل السلفيين هذه الأبيات، وقد أجبته عليها بهذه الأبيات.
بوركت علي يا ابن المصري بشعورك نحوي قد رفعت ذكري
فيا سعدي بكم حين رأيتكم وفي تلة نابليون قد لقيتكم
وحين أشبعتم منا البطونا ومن سمك عكانا أطعمتمونا
فلم أقو بعد على النعاس وفارقت اخوتي أحبُّ الناس
ودخلت عكا من همومي نائم وقلبي في ربوع بلادي هائم
وقد بدا برهوم بالإغارة ومن غوصه السورُ استجار
وحين غاص طبيبنا مراد فتتابع بعد غوصه الأولاد
ولما بدا فادي على الأسوار وتسارع الصبيان بالتباري
وحين أغار بالغوص فادي أغاظ بفن غوصه الأعادي
وكنت أنا وأنت وسلهب من قفزات السباحين نتعجب
وأما إيادنا الشيخ الشريف فكان باللقطات جد خفيف
ولما أتيتَ بنا على المنارة وبعدها في الشق والمغارة
وأريتنا الأسواق من أنفاق وعند الخان قد تم التلاقي
وسرنا نحو مسجد الجزار ونحو قبره المشيد بالأحجار
وقلنا الصلاة فيه مردودةُ لأحاديث نبينا المحمودةُ
وبالزيداني تمت المحاضرة ولم تُبق وقتا بعد للمسامرة
وختمتموها بحلويات عكا فدككتم الأمعاء منا دكا
على أمل اجتماعات لنا مكررة في أرض فلسطيننا المحررة
1ـ غض الطرف والبصر ما استطعت، فالنظرة سهم من سهام إبليس مسمومة فمن تركها من خوف الله أثابه جل وعز إيمانا يجد حلاوته في قلبه.
2ـ تعرف على القرى والطرق والمواقع لتُعَرِّفَ من ورائك.
3ـ حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج.
4ـ لا تكثر من الطعام والشراب في السفر حتى لا تضطر لقضاء الحاجة حيث لا مكان لقضائها أحيانا.
5ـ تأكد من صحة معلوماتك ووثقها، فعصرنا عصر الدقة والتوثيق وهو منهج أهل السنة والحديث.
6ـ انتبه لجيل النكبة، فهو يحمل على كاهليه هم أمة وشعب ووطن.
7ـ لا تَهَبْ عدوَّكَ أبداً، فعدوك يخافك ويخشاك، أكثر مما تهابه، لأنك محق، وعدوك مبطل، فهو دائم الخوف وسيبقى كذلك.
8 ـ استغل كل فرصة لتذكر إخوانك بالله، وبأيام الله القادمة.
9ـ تذكر أمجاد معارك الإسلام الخالدة على أرض فلسطين واعمل على إحيائها بالضوابط والأصول، والشروط الشرعية، فأرض فلسطين أرض جهاد ورباط على مدى التاريخ.
10ـ تولي الكفار وإعانتهم على المسلمين كفر وردة، ولا بد من بيان هذا للمسلمين حتى لا يوالوا أعداء الله ويعاونوهم على المسلمين قبل الحكم بكفرهم وردتهم عن الإسلام,
11ـ من خطط أعداء الله ضد الإسلام والمسلمين ما يُسمى بالتعددية والقبول بالآخر، وهذا حق يراد به باطل، وبيان كفر الكافرين والمرتدين كالبهائيين وغيرهم من أعظم شعائر الإسلام وواجباته.
12ـ تعرف على تاريخ بلدك وشخصياتها وما قدموا لخدمتها ضمن قول الله تعالى:
{ولا تنسوا الفضل بينكم}.
13ـ تجوالنا في بلادنا، والتعرف على تاريخها وماضيها ومستقبلها الشرعي من الواجبات الشرعية على أهل العلم خاصة.
14ـ العلم في الصغر كالنقش في الحجر، وتعلم السباحة من الأمور المشروعة بل ربما المستحبة أيضا، فعلم أبناءك السباحة في صغرهم لعلهم يحتاجونها في كبرهم يوما ما.
15ـ أجمع أهل العلم على كراهة الصلاة في المساجد ذات القبور، وقال بعضهم بحرمتها، وببطلان الصلاة فيها، وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
16ـ ما يجمع المسلمين أكثر مما يفرقهم خاصة في البلاد التي يسيطر عليها الكفار والمشركون، فلا ينبغي إظهار وإشهار الخلافات التي بين المسلمين لأعدائهم، مصداقا لقوله تعالى على لسان هارون:
{فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }
[الأعراف: 150]
17ـ الشعر كالكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، فلا تقل قبيحا أبداً.
وإلى أن نلتقيكم في الحلقة السادسة من رحلتنا المقدسية، وفوائدها الماسية نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.