المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحَافِظْ عَبْد الرَّحْمَنِ بِنْ يُوسفْ بن خَراش وعَقِيدَتَهُ



أهــل الحـديث
19-06-2013, 02:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِالله من شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَما بَعد.
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْي هَدْيُ محَمَّدٍ صَلى الله عليه وسلم ، وَشرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ .
إِن ما كَان مِنْ أهميةِ هذا العلمِ وعظيمِ شأنهِ وكونهُ السَد ُّ المَنيع والحصينُ الحَصين وإعلم أن أصعب العُلومِ هُو عِلمُ العِللّ لِما فيه مِنْ الغُموضْ فكَانَ لِزاماً عَلى أهل العلمِ أن يحفظوا هذا الدين ويَرفعوا لِواءهُ عالياً في عَنان السَماء وذلك من خَلالِ جَمْعِ مَا تَنَاثَرَ من تَعْلِيلاتٍ ، وَدِرَاسَتِهَا دِرَاسَةً عِلْمِيَّةً ، تُبَيِّنُ الرَّاجح من المَرْجُوحِ، وَتُبَيِّنُ مَنَاهِجَ العُلَمَاءِ السَّابِقِينَ الَّذِينَ أَلَّفُوا فِيهِ .
وقَدْ عَقَدت العزم أن أتدارس أنا وأنتم عقيدة الحافظ عَبْد الرَّحْمَنِ بِنْ يُوسفْ بن خَراش ، والذي دعاني لأدرس عقيدتهًُ هو صنيع الحبيب الغالي الأخ الفاضل أحمد الأقطش - أعانه الله - على جمع تاريخه وأحكامه في الرجال ، ولأني لأظن أن مثل هذا الأمر في منهجهِ وعقيدتهِ لم تخفى على الأخ الحبيب في جمعه للتاريخ ، وقد نبه المحدثون إلي وجوب الوقوف على عقيدةِ منْ تَكلم في الرجال وجرح وعدل ، ومعرفة عقيدته لأنه قد يتساهل فيوثق مَن على عقيدتهِ ويصفهُ بالحفظ وهو متروك الرواية ، وأن يوهن مَنْ هو خصماً لهُ ، وهذا حاصلٌ مِنْ توهين النواصب لغيرهم ...
وبهذا المبحث سندرس عقيدتهُ وسنرى مدى ثبوت هذا القول فيه - رحمه الله - وكَمْ لهذا مِنْ خُطورةٍ إن ثبتت عَليه ومدى تأثيره في جرح الرواة وتعديلهم كما أسلفنا وكَم لهذا مِنْ تأثيرٍ في أقوالهِ ولابد مِنْ التطبيق على مَنْهجه في الرجال إن ثبتت عليه تلك التُهمة ، وقد شذ - غفر الله له - في عدد مِنْ الرواة الثقات الأثبات الذين عرفوا بالإمامة وأنهم أثباتٌ في الحديث .
[1] تَرجمة الحافظ ابن خراش .
[2] التشيع والترفض عِندَ المُحدثين .
[3] اتهام الحافظ عبد الرحمن بن يوسف بن خراش بالتشيع .
[4] اتهام الحافظ عبد الرحمن بن يوسف بن خراش بالترفض .
فلابد أيها القارئ أن تعي الحق وأن تسعى لأجلهِ وأن تثبتهِ ، فالسنةُ حصنٌ حصينٌ وأمرٌ عظيمٌ وإن هذا الأمر دينٌ ، قال الإمام محمد بن سيرين - رحمه الله - : (( إن الأمر هذا دينٌ فانظروا عمَّن تأخذون دينكم )) وهو علم الإسناد ومعرفة الصحيح والسقيم ، ولعلماء الجرح والتعديل دورٌ في معرفة مَنْ يقبل حديثهُ ممن يريد ، فمَنْ قالوا فيه (( ثقةٌ )) فعض عليه بالنواجذ ، ومَنْ قالوا فيه (( ضعيف )) أو (( متروك )) فألقِ بحديثهُ ولا تنظر إليهِ ، وأما مَنْ ضعف (( إماماً ثقةً )) فقل أخطأ الخطأ الفاحش وشذ عَنْ الاجماع وأقوال الأئمة العدول الثقات الأثبات الذين فاقوهُ في المنزلة والقدر والمكانة عند الأمة قاطبة ! فابن خراش ممن تكلم فيه على الاعتقاد ونقل الأئمة الأعلام ما فيه مِنْ بدعةٍ في كُتب الرجال ، ومَعْ ذلك فإنهم أخذوا عَنْهُ الأقوال ونقلوها وإن دل على شيءٍ فعلى تحري الأقوال التي تأتيهم عَنْ غيرهم ، ودقة التحقيق وسعة الإطلاع ، فرحم الله كُل أئمة الحديث قاطبةً وألحقنا ركبهم في القمم وجعلنا نبلغُ معشار ما أتهم الله .
[1] تَرجمة الحافظ ابن خراش .
[ أولاً ] إسمه ونسبه وكنيته :
عبد الرحمن بن يوسف بن خراش الحافظ ، أبو محمد المروزي ، ثُم البغدادي .
قُلت : ولا تجد مسلك أهل الحديث في ذكر أقواله بأن يذكر بكنيتهِ وهو ممن يعرف بـ((ابن خراش)) أو (( عبد الرحمن بن خراش )) ، وليس هو ممن يعرف بكنتيه عند نقل أقواله في كُتب الجرح والتعديل مِنْ تاريخه - رحمه الله - . والله تعالى أعلى وأعلم .
[ ثانياً ] شيوخهُ الذين حدث عَنْهم .
وأخذ ابن خراش عَنْ الخلق ، ومما ذكره الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء : (( وقد سمع ابن خراش من الفلاس وأقرانه بالعراق ومن عبد الله بن عمران العابدي وطبقته بالمدينة ومن الذهلي وبابته بخراسان ومن أبي التقي اليزني بالشام ومن يونس بن عبد الأعلى وأقرانه بمصر )) .
قُلت : ومِنْ تلامذتهِ : ابن عقدة - الرافضي - ، وأبو سهل المدائني ، وبكر بن محمد الصيرفي وحدث عَنْهُ آخرون ! واعتمدنا في ذكر بعضاً مِنْ تلامذتهِ عَنْ سير الذهبي - رحمه الله - .
[ ثالثاً ] ميلاده ووفاتهُ .
ما ظفرنا بشيءٍ يحيل إلي ولادتهِ ولا نشأته ولا نعلمُ عَنْ أهل بيتهِ وعَنْ مسكنهِ شيئاً وأين كان فلم يصلنا مِنْ هذا القول فيه شيءٌ ، وإذا كان أهل البصرة يكتبون الحديث في العاشرة ، والكوفة في سن العشرين كما قال الخطيب في الكفاية ، ولو قُلنا أن ابن خراش طلب العلم في سن الخامسة عشر فإن ميلاده يكون في حدود العشرين مِنْ المائة الثالثة .
وتوفي كما قال ابن عقدة وابن المنادي وعبد الباقي بن قانع : 283 هـ.
[ رابعاً ] مكانته العلمية وأقوال العلماء فيه .
وقال ابن عَدِي: (( سمعت أبا نعيم عبد الملك بن محمد يقول: ما رأيت [ص:151] أحفظ من ابن خراش لا يذكر له شيء من الشيوخ والأبواب إلا مر فيه )) .
وقال ابن المنادى : (( كان من المعدودين المذكورين بالحفظ والفهم للحديث والرجال. توفي لخمس خلون من شهر رمضان )) .
قال الخطيب البغدادي : (( كان أحد الرحالين في الحديث إلى الأمصار وممن يوصف بالحفظ والمعرفة )) ، وقال الذهبي : (( الحافظ الناقد البارع )) .
قُلت : وهذا في مثل ابن خراش عند العلماء بينٌ صريحٌ فما رأينا أحدهم إلا وصفهُ بالحفظ وكثرة الترحال والتحديث ، وكما ترى فإنهم ذكروه بالحفظ والضبط ولكن عبدان الأهوازي - رحمه الله - قد نسب ابن خراش الي الضعف ، وعدم الضبط ونقل قوله هذا الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله تعالى - في لسان الميزان فقال (5/149) : (( قال عبدان: كان يوصل المراسيل )) ، ومثال مَنْ كان يصل المراسيل ! يزيد بن أبي زيادة وقد ضعفهُ أهل العلم ، قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (6/129-130) ترجمة يزيد بن أبي زياد قال فيه شعبة: كان رفاعاً، قال: الذهبي يعني: الآثار التي هي من أقوال الصحابة؛ يرفعها.
وحين يقع هذا مِنْ راوٍ فإن نسبته إلي الوهم والخطأ أقرب ، وإن وقع هذا لمَنْ عرف حفظهُ وسعة مروياتهِ وإطلاعه فإن هذا القول لا يضرح فيكون فيه جرحاً غير قادحاً في إمامته وضبطه للحديث ، وابن خراش كان حافظاً ثقةً عندهم ! وإن مثل هذا لا يضرهُ مِنْ حيث الوهم والخطأ ، والوهم في الثقة واردٌ وقد قال أهل العلم بالحديث أن الوهم يكون في الرواة على قدرهِ ، فكُلما فحش الخطأ وكثر الوهم وفحش كان سبباً لترك روايتهِ ، وهُنا هذا القول مِنْ عبدان فيهِ لا أراهُ قادحاً فيهِ على ما فيه مِنْ توثيقٍ وقد عيب عليه بدعتهِ التي وصفهُ بها أهل العلم ، وسيأتيك البيان في ذكر مَنْ قال بتشيعهِ ثُم مَنْ قال بترفضهِ ونبينُ ذلك بإذن الله تبارك وتعالى .
وإليك مَنْ قال وتكلم فيه ببدعتهِ .
(1) لسان الميزان (5/149) : (( هذا والله هو الشيخ المعثر الذي ضل سعيه فإنه كان حافظ زمانه وله الرحلة الواسعة والاطلاع الكثير والإحاطة وبعد هذا فما انتفع بعلمه فلا عتب على حمير الرافضة وحواتر جزين ومشغرا )) أهـ .
وكان العلماء قد نقلوا أقوال ابن خراش في الرجال والتعديل والجرح ، وتناقلوها في كتبهم كما في تاريخ بغداد ودمشق عَنْهُ وأحكامه في الرجال ، وفي هذا الباب التالي سنناقش دعوى ترفض وتشيع الحافظ ابن خراش - رحمه الله - مُستدلين بذلك على ما ظفرنا بهِ مِنْ أقوالهِ وأفعالهِ التي تشير إلي ثبوت الشيء عَنْهُ أو عَدمهُ ، ونسأل الله التوفيق والتسديد .
والجرح والتعديل يتأثران تأثراً واضحاً في ميول الناقد ، وقد مثل لهذا الدكتور الجديع في تحرير علوم الحديث بقوله (1/522) : (( ويلتحق به عبد الرحمن بن يوسف بن خراش المحدث الحافظ، فإنه من غلاة الشيعة، بل نسب إلى الرفض، في جرحه لأهل الشام للعداوة البينة في الاعتقاد )) ، ويأتيك ما القول في هذه المسألة بعد ذكر مناقشة أقوالهم في تشيعه وترفضه .
قال الحافظ ابن حجر في اللسان : (( وممن ينبغي أن يتوقف في قبوله قوله في الجرح: من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد، فإن الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب، وذلك؛ لشدة انحرافه في النصب وشهرة أهلها بالتشيع، فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلقة، وعبارة طلقة، حتى أنه أخذ يلين مثل الأعمش وأبي نعيم وعبيد الله بن موسى وأساطين الحديث وأركان الرواية، فهذا إذا عارضه مثله أو أكبر منه، فوثق رجلاً ضعفه؛ قبل التوثيق ، ويلتحق به عبد الرحمن بن يوسف بن خراش المحدث الحافظ، فإنه من غلاة الشيعة، بل نسب إلى الرفض، في جرحه لأهل الشام للعداوة البينة في الاعتقاد )) قُلت : وتعقب المعلمي اليماني - رحمه الله - قول الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - في كتابه الميزان فقال في التنكيل (1/245) : (( قول ابن حجر: «ينبغي أن يتوقف» مقصودة كما لا يخفي التوقف على وجه التأني والتروي والتأمل، وقوله: «فهذا إذا عارضه مثله ... قبل التوثيق» محله ما هو الغالب من أن لا يلزم من إطراح الجرح نسبة الجارح إلى افتراء الكذب، أو تعمد الحكم بالباطل، أو الغلط الفاحش الذي يندر وقوعه، فأما إذا لزم شيء من هذا فلا محيص عن قبول الجرح إلا أن تقوم بينة واضحة تثبت تلك النسبة.
وقد تتبعت كثيراً من كلام الجوزجاني في المتشيعين فلم أجده متجاوزاً الحد،وإنما الرجل لما فيه من النصب يرى التشيع مذهباً سيئاً وبدعة ضلالة وزيغاً عن الحق وخذلانا، فيطلق على المتشيعين ما يقضيه اعتقاده كقوله «زائغ عن القصد - سيء المذهب» ونحو ذلك، وكلامه في الأعمش ليس فيه جرح بل هو توثيق وإنما فيه ذم بالتشيع والتدليس وهذا أمر متفق عليه أن الأعمش كان يتشيع ويدلس وربما دلس عن الضعفاء وربما كان في ذلك ما ينكر، وهكذا كلامه في أبي نعيم، فأما عبيد الله بن موسى فقد تكلم فيه الإمام أحمد وغيره بأشد من كلام الجوزجاني وتكلم الجوزجاني في عاصم بن ضمرة وقد تكلم فيه ابن المبارك وغيره واستنكروا من حديثه ما استنكره الجوزجاني راجع (سنن البيهقي) ج 3 ص 51 غاية الأمر أن الجوزجاني هو ل وعلى كل حال فلم يخرج من كلام أهل العلم، وكأن ابن حجر توهم أن الجوزجاني في كلامه في عاصم يُسِّرحَسْوا في ارتغاء، وهذا تخيل لا يلتفت إليه. وقال الجوزجاني في يونس ابن خباب «كذاب مفتر» ويونس وإن وثقه ابن معين فقد قال البخاري «منكر الحديث» وقال النسائي مع ما عرف عنه «ليس بثقة» واتفقوا على غلو يونس ونقلوا عنه أنه قال: إن عثمان بن عفان قتل ابنتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأنه روى حديث سؤال القبر ثم قال: ههنا كلمة أخفاها الناصبة، قيل له ما هي؟ قال أنه ليسأل في قبره: من وليك؟ فإن قال: عليٌّ نجا! فكيف لا يعذر الجوزجاني مع نصبه أن يعتقد في مثل هذا أنه كذاب مفتر؟ )) أهـ .
[2] التشيع والترفض عِندَ المُحدثين .
قال الحافظ ابن حجر في ترجمة أبان (1/81) : (( التشيع في عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضل علي على عثمان ، وأن علياً كان مصيباً في حروبهِ ، وأن مخالفه مخطئ مع تقديم الشيخين وتفضيلهما ، وربما اعتقد أن علياً أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا كان معتقداً ذلك ورعاً ديناً صادقاً مجتهداً فلا ترد روايته بهذا ، لا سيما إن كان غير داعية ، وأما التشيع في عرف المتأخرين فهو الترفض المحض فلا تقبل رواية الرافضي الغالي ولا كرامة )) .
قال الحافظ الذهبي في الميزان (1/3) : (( لقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع وحد الثقة العدالة والإتقان؟ فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة؟ وجوابه أن البدعة على ضربين:
فبدعة صغرى كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق.
فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة. (1/ 5)
ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة.
وأيضاً فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا ولا مأمونا، بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله! حاشا وكلا.
فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا رضي الله عنه، وتعرض لسبهم ، والغالي في زماننا وعرفناهو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضاً، فهذا ضال معثر )) أهـ .
وفي الرافضة قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/77) : (( فإن هذه الطائفة الرافضة من أكثر الطوائف كذبا وادعاء للعلم المكتوم ولهذا انتسبت إليهم الباطنية والقرامطة )) ، وقال (4/52) : (( كانوا أيضا أبعد عن السنة والحديث كانوا أعظم افتراقا في هذه لا سيما الرافضة فإنه يقال إنهم أعظم الطوائف اختلافا وذلك لأنهم أبعد الطوائف عن السنة والجماعة )) ، وقال شيخ الإسلام وبركة الزمان في مجموع الفتاوى (4/435) : (( ولهذا قيل للإمام أحمد من الرافضى قال الذى يسب أبا بكر وعمر وبهذا سميت الرافضة فإنهم رفضوا زيد بن على لما تولى الخليفتين أبا بكر وعمر لبغضهم لهما هو الرافضى وقيل إنما سموا رافضة لرفضهم أبا بكر وعمر .
وأصل الرفض من المنافقين الزنادقة فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق وأظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليه وادعى العصمة له ولهذا لما كان مبدأه من النفاق قال بعض السلف حب أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما نفاق وحب بنى هاشم إيمان وبغضهم نفاق )) .
[3] اتهام الحافظ عبد الرحمن بن يوسف بن خراش بالتشيع .
وقد نسب الحافظ ابن خراش إلي التشيع ، ومِنْ الأدلة التي بنيَّ عليها هذا القول :
(1) أخرج ابن عدي في الكامل (5/518) : (( وسمعت أحمد بن مُحَمد بن سَعِيد المعروف بابن عقدة يقول كان ابن خراش في الكوفة إذا كتب شيئا من باب التشيع يقول لي هذا لا ينفق إلا عندي وعندك يا أبا العباس )) أهـ .
قُلت : وقولهُ (( لا ينفق )) هُنا أي لا يروج إلا عندنا أي عند الحافظ ابن خراش ، وابن عقدة وهذا إن دل على شيءٍ فعلى تشيعهِ كون هذا القول مِنْهُ يثبت أنهُ كان يدعوا إلي بدعتهِ هذه وسيأتيك عَنْهُ في النقطة (3) ما يثبت أنهُ مِنْ المُغالين في التشيع .
(2) قال ابن عدي في الكامل (5/518) : (( وابن خراش هذا هو أحد من يذكر بحفظ الحديث من حفاظ العراق وكان له مجلس مذاكرة لنفسه على حدة إنما ذكر عنه شيء من التشيع كما ذكره عبدان فأما الحديث فأرجو أنه لا يتعمد الكذب )) .
(3) وفي هذه ما يشعرك بأنهُ مِنْ المغالين بالبدعة ! قال ابن عدي في المصدر ذاتهِ : (( سَمِعْتُ عَبْدَانَ يَقُولُ قُلْتُ لابْنِ خِرَاشٍ حَدِيثُ لا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ قال باطل قلت من تتهم في هذا الإسناد رواه الزُّهْريّ، وأَبُو الزبير وعكرمة بن خالد عن مالك بن أوس بن الحدثان أتتهم هؤلاء؟ قَال: لاَ إنما أتهم مالك بن أوس )) ، فيظهر لك تشيعهُ ظاهراً في هذه إذ ضعف حديثاً صححه الأئمة وهو ثابتٌ بالأسانيد الصحيحة إلي أبي بكر - رضي الله عنه - وعمر وغيرهُ مِنْ الصحابة .
أقول : فهذه نصوصٌ ثلاثةُ وأقوالٌ ثابتةٌ عَنْ ابن خراش في تشيعهِ ، ومما يظهر لك غلوه بالتشيع أنه قال بأن حديث : (( لا نورث ما تركناه صدقة )) موضوعٌ باطلٌ ، واتهامهُ لمَنْ اتفق الأئمة على توثيقهِ وأنهُ ثقةُ عندهم وهو مالكُ بن أوس ، فهذا إن دل فعلى أن في ابن خراش تشيعٌ وكما يظهر مِنْ الحكاية إلي حوار بين عبدان وبين ابن خراش ! ورغم معرفة عبدان بصحة الحديث وما بلغهُ مِنْ تشيع ابن خراش فإنهُ أراد أن يثبت أن ابن خراش فيه تشيع مِنْ فهمه ، فكان مِنْهُ أن قال بضعف الحديث واتهم به الثقة مالك بن أوس ، وهذا مِنْهُ يثبت تشيعهُ .
وقد اعتذر الحافظ الذهبي لهُ ما نقله الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (5/149) : (( لعل هذا بدا منه وهو شاب فإني رأيته ذكر مالك بن أوس بن الحدثان في تاريخه فقال: ثقة )) ، وقد وثقهُ كما نقل المزي في تهذيب الكمال (27/123) : (( وَقَال عَبْد الرَّحْمَنِ بْن يُوسُف بْن خراش: ثقة )).
وهذا مِنْ الحافظ الذهبي عين الانصاف والأدبِ وما عرف عَنْ الحافظ الذهبي إلا الإنصاف قال في الميزان عنه (4|330): (( هذا والله: الشيخ المعثّر الذي ضلّ سعيه. فإنه كان حافظ زمانه، وله الرحلة الواسعة والاطلاع الكثير والإحاطة. وبعد هذا فما انتفع بعلمه. فلا عتب على حمير الرافضة )) ولا ينفي أنه تعقبه في تراجم الرواة الذين شذ فيهم ابن خراش وجرحهم جرحا مُخالفاً فيهم أئمة الدين والإيمان ! ، وهذا مِنْهُ توثيقٌ لمن اتهمه برواية لا نورث وجرحه لأجلها ! وهذا على توثيقه لهُ يثبت رواية مالك بن أوس مِنْ توثيقهِ لهُ في التاريخ ! فهذا إن دل على شيءٍ فعلى أن ابن خراش قد يكون رجح إلي الحق ! وصحح ووثق راوٍ يروي ما يهدم مذهبهم ، وكُلنا يعرف ما القول في هذه القضية وهي المعروفة بفدك ! والتي حاول الرافضة الحمير ! أن يثبتوها لفاطمة رضي الله عنها وأنه مِنْ باب التشغيب مِنْهُمْ زادهم الله تعالى ضلالاً إلي ضلالهم ! وإثباته لوثاقة مالك بن أوس ! فيرد بذلك بدعته ويهدم ما يحتج بهِ الرافضة في شأن فدك ، وهذا إن دل فعلى أمانة الرجل وصدق لسانهِ فتصحيحه لهذا الحديث ما يثبت ذلك ! ويكفيك أن قال فيمن اتهمه فيه أنه ثقةُ ونقله في تاريخه ! ونقله المزي في التهذيب واعتذار الحافظ لهُ .
وهذا يثبت عليه التشيع وليس كُل متشيعٍ رافضياً ! وإنما كُل رافضي شيعي ، ولهذا فإن ثبوت التشيع عليه لا يعني أن أقواله في الرجال ترد وإن الأصل في أقواله أن ترد ما ثبت فيه مُخالفته لأئمة هذا الشأن في الجرح والتعديل وشذ فيه عَنْ أقوال الأئمةِ كما جرح أحمد بن فرات ! وجرح غيرهُ مِمَنْ عرف بصدق الرواية وأنه ثقةٌُ عندهم ! . والله أعلى وأعلم .
[4] اتهام الحافظ عبد الرحمن بن يوسف بن خراش بالترفض .
واتهم ابن خراش - رحمه الله - بالترفض واستدلوا لذلك بعدد مِنْ المرويات :
(1) قال ابن عدي (5/518) : (( سمعت عبدان يقول وحمل بن خراش إلى بُنْدَار عندنا جزأين صنفهما في مثالب الشيخين فأجازه بألفي درهم فبنى بذلك حجرة ببغداد ليحدث فيها فما متع بها ومات حين فرغ منها )) أهـ .
(2) سؤالات حمزة للدارقطني (1/241) : (( سألت أحمد بن عبدان عن عبد الرحمن بن يوسف بن خراش يقبل قوله قال لم أسمع فيه شيئا )) أهـ .
(3) وفي الباب ذاتهِ : (( سألت أبا زرعة محمد بن يوسف الجرجاني عن عبد الرحمن بن خراش فقال كان أخرج مثالب الشيخين وكان رافضيا )) أهـ .
أقول : فالقول الأول سيأتي بيانهُ ، وأما الثاني وهو سؤال حمزة السهمي لعبدان عَنْ عبد الرحمن بن يوسف بن خراش ! وأظنهُ يريد بقوله هُنا في الجرح والتعديل هل يقبل قوله فيهم أم يرد ! فقال أنهُ لم يسمع مَنْ تكلم في قبول أقواله أو ردها في الجرح والتعديل ، وهذا لمعرفة حمزة بأن هُناك أقوالٌ للحافظ ابن خراش في الرجال ، وفي سؤاله لأبي زرعه ! فقد اتهمه بالترفض وأثبت لهُ أنه أخرج كتاباً في مثالب الشيخين - عياذاً بالله - ووصفهُ بالترفض ! قال الذهبي في السير (13|510) عنه: «هذا مُعَثَّرٌ مخذول. كان عِلمهُ وبالاً، وسعيه ضلالاً، نعوذ بالله من الخِذلان» ، وهذا مِنْ الأقوال ما يثبت فيه ترفضه وهذه الدعوى بحاجةٍ لتحرٍ دقيق وبحثٍ وتنقيب وإليك البيان .
وأما ما نقل في تشيعهِ فثابتٌ عَنْهُ بنقل العدل عبدان وهو سني المذهب ، وابن عقدة الرافضي وهذين النصين عَنْهُ في تمام الصحةِ ولا مطعن فيهما ولا مدخلٌ لعدم ثبوت نسبة ابن خراش للتشيع وفيه البيانُ لحالهِ ، وهذين عَنهْ مُثبتان لتشيعهُ فهذا ثابتٌ ولا محالة في ذلك عَنْهُ وعلى تشيعه فلا يرد قوله في الرجال إلا إن ثبت أنه خالف في قولهِ وجرحه للثقات .
وأما فيما يتعلق في ترفضهِ ،فقد طعن في ثبوت القصتين عَنْهُ في ترفضهِ ! ويرد الإنقطاع المزعوم في القصتين قولهُ : (( وحَمَل بن خراش عندنا )) وهذا يحيلك إلي كون الأمر قد وقع في الأهواز عند عبدان الأهوازي ، وهو إمامٌ ثقةٌ ثبتٌ لا يمكن أن يكون هذا مِنْهُ كذباً ! وإن كان حدث الأمر في بلدته فلابد أن أخبار بلدته تصلُ إليه بالأسانيد الثابتة الصحيحة وهذا عَنْهُ لا نقول بأنه لا يصحُ وإلا إن سلمنا جدلاً فهذا اتهامٌ لهُ بأنه قد كذب بقوله ( عندنا ) وهذا مِنْهُ على سبيل الجزم بمعرفة الخبر وأنه حصل في بلدته ! فلا يمكن أن يميل المرء إلي غير ثبوته عَنْ عبدان .
واعلم أيها القارئ أن شهرة هذه القصة بين المحدثين واحتجاجهم بها على اثبات الترفض على ابن خراش أي تقبلهم إياها ! وهي التوثيق والتصحيح إلا قبول الرواية وقبول الراوي ! ، وهذا حاصلُ في هذا الخبر الذي بين أيدينا عن عبدان فتلقي المحدثين له بالقبول ونقلهم إياه يشعرك أن هذا محمولٌ عندهم على الأحتجاج وأنهم لم يضعفونه خصوصاً لم يتطرق أحدٌ مِنْهُمْ إلي ضعف هذا القول عن ابن خراش ! أو عن عبدان - رضي الله عنه - فاخراج جمع مِنْ الأئمة لهذه يشعرك بصحة هذا الخبر والله تعالى أعلى وأعلم بالصواب في هذا الشأن .
وأما بعد ثبوت القصة فهذا يوصلك إلي ثبوت تصنيف ابن خراش كتاباً في مثالب الشيخين - عياذاً بالله - وهو مِنْ الأعمال الهدامة والسعي الضال والخذلان البين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وقد حدث ابن خراش ببعض ما في فضائل ابي بكر الصديق رضي الله عنه ومِنْ هذه الأحاديث قوله : (( ألست أحق الناس بها ، ألست أول مِنْ أسلم ... )) واختلف في وصله وارساله ورجح الإمام الدارقطني الإرسال على الوصل ! وقد حدث به ابن خراش موصولاً وهذا على ترجيح غيرهِ فإنهُ قد حدث بما هو في فضائل أبي بكر .
وكذلك تراجعه عَنْ القول باتهام مالك بن أوس في حديث لا نورث ما تركناه صدقة ، فقد ثبت لديك أنه قد وثق مالكٌ وهذا مِنْهُ رجوعُ عَنْ القول بالبطلان على الحديث ، وتوثيقهُ لهُ يضعف مذهبهُ ويهلكهُ في هذا الشأن والباب على هلاك مذهبه في الترفض ! وقد حدث به أبي بكر رضي الله عنه واتهامه لم يكن للشيخين رضي الله عنهما بل كان خطابه في غيرهما ! وإن دل جرحه لمالك على توثيقه اياه في موطن أخر أنه لا يستسيغ الكلام في الصحابة ! وخصوصاً الشيخين كما هو حال الرافضة اليوم أو غيرهم ممن برع في الطعن في الشيخين والطعن في هذا الخبر بتفرد أبي بكر الصديق رضي الله عنه به - ولا يصح قولهم - فقد رواه غير واحد من الصحابة .
وقد وثق ابن خراش مَنْ عرف بتكلمه في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وتوثيقهُ لمَن عرف بنيله مِنْ علي بن أبي طالب يثبت لك أنه معتمد في الرجال ، فيوثقهُ ويشير إلي معتقده مبيناً أنهُ كان عثمانياً ينال مِنْ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهذا الصنيع يثبت أنه ما كان يظهر الترفض أبداً وأنهُ كان يخفيه ! وإلا فقد طرح حديثه مِنْ قبل المحدثين وجرحوهُ بما يوجب ترك ما يرويه ابن خراش ولكان قولهُ في الرجال مردودٌ مُطلقاً والله تعالى أعلى وأعلم .
وما ورد في أنهُ كان يكتم الترفض ! لا يبرء ساحتهُ أبداً مِنْ تُهمة الترفض أيها القارئ الكريم وهذا الذي أوردته أنا مِنْ الأقوال صالحةٌ لتخفيف تلك الجريمة الغبراء والعقيدة الفاسدة عقيدة الغوغاء والمُعترك المُهلك الذي يخر بصاحبه مِنْ عنان السماء ، فكان هذا عمله الذي ختم به وقولهُ الذي انتهى بهِ فهذا خذلان وخسران وويلٌ وهلاكٌُ وثبور ، وهذا الجرم الكبير والقول الشنيع هو الذي دفع الحافظ الذهبي ليتكلم فيه بمثل ذلك الكلام والقول الشديد ! فرحم الله الحافظ على انصافه وغيرته على السنة والشيخين فداهما روحي ! وقد شد عليه الحافظ في تاريخ الإسلام وما كان منه هذا إلا لما عرف عَنْهُ مِنْ الترفض ! ومَعْ ذلك فأقواله في الجرح والتعديل لا ترد لما عرف عَنْهُ مِنْ التحر وموافقة أقوال الأئمة ، وأما مَنْ شذ فيهم وخالف الأعلام في توثيقهم وجرحه للثقات الأثبات فذلك مردود قوله فيهم ! ولا يعتبر بما قاله ابن خراش فيمن خالفه فيه الأئمة ، وعرف بأنه مِنْ أئمة السنة وحملة لواءها ومِنْ الحفاظ الاثبات ! وقد ضعفهم واتهمهم بالكذب وإن كان في قوله شيئاً مِنْ التحامل ! ولكن رد عليه الأعلام ونقضوا قولهُ . والله أعلم

إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان



أملاهُ العبد العاثر / أبو الزهرء بن أحمد آل أبو عودة الغزي الأثري
في العاشر مِنْ شهر شعبان لعام 1434
غفر الله له ولأمه ورحم أباهُ وأمد أمه بالعافية والصحة إنه ولي ذلك
والقادر عليه وأخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين .