المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشياب المسلم الملتزم واعتداده برأيه العلمي ,عماد بن حسن المصري



أهــل الحـديث
18-06-2013, 09:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

1. إمتنانُ الله على امة محمد صلى الله عليه وسلم :
لقد منّ الله على هذه الأمة الطيبة المباركة بأن قيضَ لها من العلماء المحدِّثين , والفقهاء العاملين , والدعاة المبلغين , ما لم يقيض لغيرها من الأمم , فهذه الأمة الطيبة المباركة لا زالت أرحام النساء فيها تلد المحدِّث تلو المحدِّث , والفقيه تلو الفقيه , وهكذا حتى يرث الله الأرض ومن عليها , وما خلا قرن من القرون الأربعة عشر المنصرمة إلا وكان فيها من المحدِّثين والعلماء ما لم يكن في القرن الذي قبله , بل كان يتعاصر في قرن واحد أكثر من عشرة محدِّثين كما كان في القرن الثاني والثالث , بل قد يكون في القرن الواحد خمسون محدِّثاً في عطاء وتعاون ما لم يشهده مجتمع غير المجتمع الإسلامي .

2. خصائص الأمة المحمدية بإسنادها :
والإسناد الموصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خصيصة لهذه الأمة اختصها الله بها دون سائر الأمم ، فما من مسألة في شريعتنا إلا ولنا فيها رصيد كبير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نتكأ عليها ( ونحن مطمئنين ) على عباداتنا المقربة لنا إلى ربنا جل جلاله .
قال عبد الله بن المبارك رحمه الله : ( الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ) ولقد بالغت الأمة عناية في ضبط الإسناد الغاية في الدقة ، حتى إنك لتجد المؤلفات الضخمة التي ألفها أساطين الحديث يعالجون كل جزئية في السند فإذا فرغوا منه اتجهوا إلى المتن ليخلوه من الشذوذ والعلة ، بل إن بعض الشعراء ، وأصحاب اللغة يرونها بالأسانيد حتى يطمئنوا على صحة بيت من الشعر نقله ناقل .

3. حفظ الله لسنة نبيه :
وسنة المصطفى عليه السلام محفوظة بحفظ الله لها ، قال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9] ومن أسباب حفظ الله عز وجل لسنة نبيه إن قيض الله لهذه السنة العلماء العاملين المحدِّثين الذين نقبوا عن سنة سيد المرسلين ، فنقوها من الغث وأبقوا السمين . فلله درهم من علماء عاملين . ومحدِّثين بارعين ، صاحبوا أنفاس سيد المرسلين ، فمهما جاءت معاول الهدم لتهدم شيئاً من هذا البناء الشامخ ، تصدى لها العارفون بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فكانوا حماة ورعاة لهذه السنة المشرفة . أما أولئك الخفافيش الذين يعملون في الظلام ، فليس بمقدورهم تغيير حرفٍ واحدٍ من سنة المصطفى ، مهما عملوا وساعدوا العاملين في طعنهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فالله هو الحافظ لسنة نبيه .
وعلى مدار التاريخ الإسلامي - عبر منه - وخرج بلا ذكر جمع ممن حاولوا تزيف شيء من سنة أبي القاسم فما أفلحوا ولا استطاعوا أن يزيفوا كلمة واحدة ، بل جاء الحق على لسان فرسان الحديث فعفى كلامهم على آثار أولئك فكانوا أثراً بعد عين .
كيف لا والله عز وجل يقول: ( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29] ذكرت الآية نوعين من التحريم -تحريم الله - وتحريم رسوله وكلا التحريمين جاء بمنزلة واحدة في التشريع ليدل على أن السنة قرينة لكتاب الله في التشريع ، والحفظ ، فكان حفظ الله لسنة نبيه بوجود هؤلاء العلماء المحدّثين .

4. السكوت على المنحرفين :
والسكوت على الانحراف والمنحرفين ليس سنة من سنن الله الكونية ، حاشا لله ، بل هي سنة الجاهلية الأولى التي رأت كل منكر خالف حتى الفطرة ( من مكونات المجتمع ) الذي تعيش فيه هذه المسوخات المنحرفة ، إلا من كانت فطرته سليمة لم يطرأ عليها العفن ، ولم يدخل قلبه الران ، فهذه الفطرة السليمة هي امتداد لسنة الإصلاح التي كان يدعوا إليها أنبياء الله جميعاً ، وللأسف الشديد تمترس بعض أهل العلم في هذا الزمان ممن طعنوا في السن والعلم خلف جدران العاج وسكتوا على انحرافِ وطيشِ فكرٍ اتسع معه الخرق على الراقع ، وظنوا أن سكوتهم على هذا الانحراف أن شره ليس مستطيراً . واستطار الشرر ، وبدأ المعول الفكري ينشط ونحن نذكر القاعدة ( أميتوا الباطل بعدم ذكره ) وبقينا نجمد على هذه القاعدة ونصفق لها تصفيق الأبله الذي يقنعه فضول الكلام ، والجائع الذي يرضيه بقايا الطعام ، حتى خرج الباطل من قزميته وتطاول على الحق ، بل هذه القاعدة عاطلة باطلة ، فلقد نقضها القرآن ونسفها من أسفلها فقال عز وجل : () [النمل:64] متحدياً أهل الباطل أن يدللوا على باطلهم ولو بأدنى دليل . بل إن بعض علماءنا ومشايخنا كان ينهوننا الجلوس مع المبتدعة ومناقشتهم حتى استطال المبتدعة وأنشئوا مدارسهم الفكرية في غياب وانحسار أهل الحق .
وهذا الانحسار ساهم فيه ( بحسن نية ) بعض علماءنا معللين ذلك بالخوف من تأثير شبه المبتدعة ، لأن قلوب المؤمنين كالإسفنجة فهي تشرب الشبه ومما يُلقى إليها من البدع وأشباهها .

5. دور العقل :
ليس هناك عاقل على وجه الأرض يدعي أن العقل محكَّم على ما لا يدركه من مبادئ الشرائع والمعجزات وجوهر المغيبات ، إن مقام العقل مقام عال وفريد مكرَّم من قبل الحق جل وعلا ، فلقد خاطبه بأسمى رسالة ، وأوضح مقالة ، وجعله مناطى التكليف لكل فرائض الإسلام وأحكامه . والنقل هو مجموع تلك النصوص المقدسة عند المسلمين التي جاءتهم عبر الوحي الإلهي ( خاصة كتاب الله ) فهو المعجزة التي تحدى بها العرب وهم أصحاب فصاحة وبيان ( وهو حجة عقلية ) خاطب العقل في فهم آيات الكون والإنسان ، وربطه ربط السبب بالمسبب فالنظر في آيات الكون والإنسان نظرة عقل وفكر وتدبر ثم التوصل بالمقدمة المنطقية وربطها بمقدمة أخرى لنصل بدلالة العقل على وجود الصانع جل في علاه .
قال الإمام محمد عبدة : ( لقد تقرر بين المسلمين أن الدين إن جاء بشيء قد يعلوا على الفهم فلا يمكن أن يأتي بما يستحيل عند العقل ) .
إن كتاب الله هو مصدر العقلانية المؤمنة الباعثة على التعرف على ذات الله العلية ، والتسليم المطلق بنصوص الشريعة الغراء ، مع التسليم الكامل المطلق بأن ما كان مسطوراً لا يخالف ما كان منظوراً .
وما أجمل ما قاله الإمام ابن رشد : ( فإنا معشر المسلمين نعلم على القطع أنه لا يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد به الشرع ، فإن الحق لا يضاد الحق ، بل يوافقه ويشهد له ، فالحكمة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة ، وهما المصطحبات بالطبع ، المتحابتان بالجوهر والغريزة ) .
وما أجمل ما قاله صاحب ( شرح الطحاوية ) : ( ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام ) .
أما هؤلاء المنبهرون بالمستشرقين ( والذين يعملون معهم ) فلقد نسي هؤلاء ( المستشرقون ) وأتباعهم أن الحضارة الغربية كانت ذا عقل ( خرف ) في القرون الوسطى إذ كانت المدرسة العقلية ملغاة أمام النص الكهنوتي المجرد عن العقل ، بل إن الكنيسة الغربية كانت تقف أمام كل عقل يفكر كما كانوا يحرقون المفكرين ممن كانت لهم وقفات ضد الكنيسة النقلية عديمة العقل والنظر ؛ لأن الإيمان في الديانة الغربية يقام على ما يلقى إليها من إيمان دون إعمال العقل .
لقد كانت معجزات الرسل السابقة مادية ، كان أتباعهم يقفون أمام هذه المعجزات موقف مشلول التفكير الذي ألغى عقله أمام تلك البراهين . عكس المعجزة المحمدية التي جاءت محاكية العقل ناهية له عن سفساف الأمور إلى معاليها ، حتى بلغ النضج العقلي العربي إلى التفوق بآلاف المرات على العقل الأفلاطوني ، والأرسطي ، والأفلاطيني .
لم يعرف المسلمون منذ بزغ فجر الإسلام نصوص الوحي نصوصاً لاهوتية مجردة من إعمال العقل . بل نصوصه تؤدي بالنتيجة العقلية المدعومة بالنقل لتشكل ثنائيا أخوياً لتوصل إلى معرفة الحق جل وعلا ومعجزاته الكونية .
لقد تعرض الغرب بهجمته الشرعية إلى ما يسمى ( مصدرية القرآن ) معتمدين على شبهة أن القرآن يخالف العقل مما أداهم بالنتيجة إلى مقولتهم الفاسدة أن القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم وقاد هذه المدرسة ( غوستاف لوبون ) و(منتغمري واط ) وشيخه ( بل ) و (جولدتسهير ) وقالوا : إن القرآن تأثير بالإنجيل والتوراة ، والفقه الإسلامي تأثير بالقانون الروماني الذي كان سانداً في بلاد الشام . وياليتهم استخدموا المنطق العقلي الذي يدعونه لكان أوصلهم للحقائق المذهلة الموصلة إلى أن القرآن كلام الله وليس لجبريل عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم فيه إلا التبليغ .
إن الدعوة المقامة حالياً على ألسنة بعض الناشئة الغمر من شبابنا الذين يعملون في حقل السنة ، أن العقل أساس كل شيء ، وهو المقدم على النقل لم تعرفه العصور المفضلة العاقلة عن ربها ، الفاهمة لمعنى العقل في الفهم الصحيح والتلقي الصحيح ، فإنهم أبواق للمستشرقين ظهرت جلياً في نقدهم لمتون السنة من ناحية العقل .

6. الاعتداد بالرأي :
إن التعصب للرأي والجمود عليه هو إتباع للهوى الذي نهانا الله عز وجل : (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [ص:26] وقوله : .
فأصل التعصب ضيق الطعن عند هؤلاء الشباب ، فليس عندهم المقولة ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ) بل عكسوا المقالة ( رأيي صواب لا يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ لا يحتمل الصواب ) وحملوا الناس بالسياط والتفسيق والتكفير على مقولتهم وهي عاطلة باطلة ، تبرأ القرآن والسنة ، والسلف منها . وما أجمل ما يُنسب للشافعي قوله :
كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي
وإذا ما زدت علماً زادني علماً بجهلي
ومن هؤلاء من يحاكم المحدِّثين الأوائل وأفكارهم على مجموعة أفكاره المستعارة من المستشرق السويدي ( .... ) واعتزالٍ عفنٍ مضي ، واشعرية نامت في قبور الموميات الماضية فجاء ليوقفها بخزعبلات ( على قوله لم تنضج بعد ) .
ولقد ابتلى هؤلاء المنحرفون بداء عضال ، راموا الورم شحماً ، ظنوا أنهم على شيء ، فانتشرت في رؤوسهم النشوة ، وقالوا : كم ترك الأول للآخر ، ونسوا المقولة الشهيرة لأبي عمرو الداني : ( ما نحن فيمن مضى إلا كبقلٍ في أصول نخل طوال ) فلله در السابقين ، أسسوا البنيان ورفعوا القواعد ، وسقفوا السقف ، وشيدوا الجدران ، وجاء هؤلاء فنسبوا الأمر كله لهم وإنما هم جلاّط بين ساخي البناء .

7. وقبول الحق سيمى المؤمنين :
وقبول الحق سمة العارفين العاقلين على ربهم ، السالكين معارج القبول ، لا يهمهم مع من كان الحق قال عليه السلام : ( الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها والحكمة كما قال الخليل رحمه الله مرجعها إلى العدل والعلم والحلم . والحكمة وِزَانُ قصبة للدابة سميت بذلك لأنها تذللها لراكبها حتى تمنعها الجماح ونحوه ومنه اشتقاق الحكمة لأنها تمنع صاحبها من أخلاق الأراذل .
وقال تعالى :( فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) [البقرة:213] .
وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) [المائدة:8] .
ولقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحق من يهودي ( قال له : إنكم تنددون وتشركون ، وتقولون : ما شاء الله وشئت ، وتقولون : الكعبة . فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلقوا أن يقولوا : ورب الكعبة ، ويقولون : ما شاء الله ثم شئت ) .
من هنا بدأ هؤلاء الناشئة يحاكمون السابقين أصحاب المدارس وأساطين العلم على أفكار عندهم لم تنضج بعد ويعتبرونها مدرسة كاملة يجب أن يصار إليها ، فجاء نقدهم ضبط عشواء ، فكانوا كالإسفنجة جاءت لتشرب البحر ، وشمعة تضيء شمس النهار . فكانوا كمن أراد الشهرة فبال في زمزم . فبدءوا بالطعن في الثابت من سنة رسولنا الأكرم .
من ذلك : حديث المطلقة ثلاثاً حديثنا هذا ، وقالوا : هو يخالف ظاهر القرآن ، وهي شبهة واهية كما سأبينه في مكانه ، وحديث : الدجال ، وحديث الذبابة ، وحديث لطم موسى عين ملك الموت ، وحديث الشفاعة ، ورؤية الله في الآخرة ، وحديث أين الله ، وحديث النزول حيث أن النهار يدوم في مناطق العالم الاستوائية ، وياليتهم حاكموا المتقدمين على شيء ملموس بين أيدينا ، بل يحيلونا على معدوم ومن أحالك على معدوم فقد ظلمك ، وكأن المتقدمين كانوا بلا عقول ولا ذكاء ولا فهم ، فوالله العظيم إننا لا نستحق فيمن سبق إلا ( وراقين ) تحت أيدي وراقيهم ، فكيف نحاسبهم ونناطحهم ؟ وياليتنا نناطح بدليل ولكن كما قال الأعشى :
كناطحِ صَخْرة يوماً ليفلقها
فَلمْ يَضرْها وأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ

فأولئك سبقوا وحطوا رحالهم في المقدمة ، ونحن لا زلنا نقول هم رجال ونحن رجال .

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم
لنا ولهم الهداية ، والبعد عن الضلال والغواية ،