المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحرير مذهب شيخ الإسلام بن تيمية فى مسألة العذر بالجهل



أهــل الحـديث
18-06-2013, 02:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


مقدمة لابد منها :
يستدل كثيراً من المخالفين بأقوال العلماء
ونحن نقول لهم قبل أن نناقش قول العالم يجب الأخذ بقواعد مهمة :
1- يجب التفريق بين النصوص المطلقة والمقيدة:
فمثلاً يستدل البعض بقول عالم من العلماء:
إن من نذر أو استغاث بغير الله فهو كافر مشرك حلال الدم والمال ...الخ، فيقول هذا المستدل إن مذهب هذا العلم عدم العذر بالجهل في مسائل العقيدة أو التوحيد سواء في دار الإسلام أو غيرها، والدليل أنه قال كافر، مشرك ولم يقل ما لم تقم عليه الحجة أو نحو ذلك، وقد يرد على هذا الاستدلال، بأن هذا النص عام، وليس فيه تعيين شخص معين، فعند التعيين لابد من قيام الحجة، والعالم لم ينف ذلك، كما أنه لا يلزم أن يقال في كل نص من النصوص العامة: ما لم تقم عليه الحجة، لأن العلماء في كثير من الأحيان لا يذكرون الأعذار، فهم حين يقولون من فعل كذا فقد كفر، لا يقولون إلا إن كان متأولاً أو جاهلاً أو مكرهاً..الخ، ولعل هذا يشبه قولهم: إن الزاني والسارق وشارب الخمر لا يكفرون، لا يلزم أن يقال في كل نص إلا إن كان مستحلاً والله أعلم.
2- يجب التفريق بين النصوص العامة والمخصصة فالعام محتمل لهذا المعنى وغيره فلا يؤخذ منه هذا الاستدلال لعدم وضوح مقصود الأئمة فيه
3-وقد يكون العالم الفلانى تراجع عن مذهبه فكلامه ينسخ كلامه السابق
والصحيح في مثل هذه النصوص: أنه لا يجوز نسبة قول أو رأي لعالم في مسألة ما إلا بجمع النصوص المختلفة عنه في هذه المسألة أو تلك، ثم بعد ذلك استخلاص رأيه لان كثيراً من المخالفون يدلسون على العلماء لانهم اختاروا من كلامهم ما يؤيد رأيهم، وأغفلوا ما يعارضه، وهذا لا يليق بالباحث المنصف، لأنهم في هذه الحالة ينسبون لهؤلاء الأئمة من الأقوال ما لم يقولوها، بل قالوا عكسها.
وينبغي أن نعلم - قبل مناقشتها - أن الحجة تكون بالكتاب والسنة والإجماع، وليس المرجع في هذه المسائل خاصة إلى قول عالم بعينه مهما علا قدره. لإن الله قال {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } (59) النساء والنبى قال { تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى ابدا كتاب الله وسنة رسوله } رواه الحاكم وحسنه الألبانى
ومعلوم إنه : كلاً يؤخذ بقوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيضاً : العلماء يحتج لهم ولا يحتج بهم
فإذا كان ليس قولهم حجة ولا يصلح الإستلال بكلامهم بدون دليل فلماذا تناقشون مذهبهم واقوالهم ؟!
لاسباب ومنها :
1-حتى نثبت إن مذهب أهل السنة والجماعة اليوم فى مسألة ما ليست شاذة ولا محدثه بل لها أثار من أقوال السلف قديماً
2-ولكى نثبت مذهب العالم بتحرى دون نقص او زيادة او تدليس
أولاً : بعض نصوص شيخ الإسلام تثبت معتقده فى
العذر بالجهل مطلقاً :
ولكن : ينبغي أن يعلم أن كلام ابن تيمية في بيان العذر بالجهل ودلائله وأحواله كثير جدا لا يسعه مقال مختصر لكن نذكر ما يفهم به موقفه ويحصل به اليقين بإذن الله تعالى .
1- قوله:" وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وجماهير أئمة الإسلام" (مجموع الفتاوى (23/346).
فهذا النص وغيره من نصوص ابن تيمية يفيد أن من فعل ما هو كفر أو شرك بالجهل أو بالتأويل فإنه لا يكفر بل يبقى على إسلامه حتى يرتفع عنه ذلك الوصف المانع من تعلق حكم الفعل الشركي به وهذا ينطبق على كل ما هو شرك كالاستغاثة بالقبور والذبح لها والنذر وغير ذلك كما هو ظاهر إطلاق النص.
فهذا النص إذن يدل على عدة أمور مهمة وهي:
1- أن باب الجهل وباب التأويل في الإعذار سواء عنده.
2- أن من فعل ما هو شرك أو كفر جهلا أو تأويلا فإنه يبقى له وصفه الأصلي وهو الإسلام ولهذا قال ابن تيمية في أثناء كلامه:"فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية".
3- أن هذا الإعذار شامل لكل المسائل العقدية والعملية
2- نصه على أن الجهل عذر في مسائل الدين كلها سواء مسائل الاعتقاد أو العمل وسواء أصول الدين أو فروعه من كلامه في هذا المعنى: قول) هذا مع أني دائما ومن جالسني يعلم ذلك مني: أني من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية ، إلا إذا عُلم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة، وفاسقا أخرى وعاصيا أخرى وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها: وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية.." (مجموع الفتاوى (3/229 )
فابن تيمية في هذا النص يقرر أن الجهل عذر في كل المسائل على اختلاف أنواعها سواء كانت من المسائل العملية أو الاعتقادية ولم يستثن من ذلك شيئا فلو كان يستثني من العذر بالجهل المسائل الظاهرة كالاستغاثة بالقبور لاستثنى ذلك وذلك لأنه ذكر هذا القول في معرض بيانه لحقيقة موقفه من المخالفين له، وبيان أصوله في الحكم عليهم وجاء بصيغة فيها التنصيص على العموم وهذا المقام يقتضي تفصيل القول، وذكر حكم كل ما يتعلق بالمسألة ولكن ابن تيمية لم يفعل شيئا من ذلك هنا فدل هذا على أنه لا يرى أن المسائل الظاهرة تخرج من هذا الحكم الذي قرره.
3- قال شيخ إلاسلام : ( ومن أنكر ما ثبت بالتواتر والإجماع فهو كافر بعد قيام الحجة عليه). الرد على البكري (1/413):"
4- قال ابن تيمية :( وبينا أن المؤمن الذي لا ريب في إيمانه قد يخطئ في بعض الأمور العلمية الاعتقادية فيغفر له كما يغفر له ما يخطئ فيه من الأمور العملية، وأن حكم الوعيد على الكفر لا يثبت في حق الشخص المعين حتى تقوم عليه حجة الله التي بعث بها رسله، كما قال تعالى:} وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا{ وأن الأمكنة والأزمنة التي تفتر فيها النبوة لا يكون حكم من خفيت عليه آثار النبوة حتى أنكر ما جاءت به خطأ، كما يكون حكمه في الأمكنة والأزمنة التي ظهرت فيها آثار النبوة ) بغية المرتاد (1/311 ):
5- ومن ذلك أنه عذر من تشبث ببعض أقوال الفلاسفة الذين لا يشك في كفر أقوالهم من له أدنى علم من المسلمين كما يقول ابن تيمية وفي هذا يقول:( ثم الفلاسفة الباطنية هم كفار كفرهم ظاهر عند المسلمين.... وكفرهم ظاهر عند أقل من له علم وإيمان من المسلمين إذا عرف حقيقة قولهم لكن لا يعرف كفرهم من لم يعرق حقيقة قولهم وقد يكون قـد تشـبث ببعض أقوالهم من لم يعلم أنه كفر فيكون معذورا لجهله "( شرح الأصفهانية (164)
6- قال رحمه الله : ( وليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك ؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة") مجموع الفتاوى (12/466):"
فإذا كان ابن تيمية لا يكفر الجاهل في مثل هذه الأمور العظيمة التي لا يشك مسلم في أنها من أعظم ما يناقض الإسلام فهي لا تقل ظهورا في البطلان والمناقضة لشرع الله عن الاستغاثة بالقبور إن لم تكن أعظم منها في بعض الصور فكيف يقال مع ذلك إنه لا يعذر بالجهل في الاستغاثة بالقبور وهو قد عذر فيما هو مثلها أو أعظم منها ؟!
ثانياً : الرد على من يستدل ببعض نصوص معينه على عدم العذر بالجهل فى الشرك :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فكل من غلا في حي، أو في رجل صالح، كمثل علي رضي الله عنه أو عدي ونحوه، أو فيمن يعتقد فيه الصلاح كالحلاج أو الحاكم الذي كان بمصر، أو يونس الفتي ونحوهم، وجعل فيه نوعاً من الآلهة مثل أن يقول: كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان ما أريده أو يقول إذا ذبح شاه: باسم سيدي، أو يعبده بالسجود له أو لغيره، أو يدعوه من دون الله تعالى مثل أن يقول: يا سيدي فلان اغفر لي أو ارحمني أو انصرني أو ارزقني أو أغثني أو أجرني أو توكلت عليك أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك أو نحو هذه الأقوال والأفعال التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى، فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب و إلا قتل) (مجموع الفتاوى 3/395) علق صاحب الجواب المفيد بقوله : (فتأمل كلام الإمام رحمه الله وتأمل عظم الافتراء عليه) ص66.)
وأيضاً قوله:( فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات فهو كافر بإجماع المسلمين" (مجموع الفتاوى (13/120)
والرد هو :
أولاً : يجب أن نعلم إن كلام ابن تيمية في هذه المسألة كثير جداً وهو صريح في أن حكم الاستغاثة بالقبور شرك أكبر يوجب أن يستتاب فاعله، فإن تاب وإلا قتل وهذا كله يرد على من زعم أن ابن تيمية لا يكفر بالاستغاثة بالقبور، أو أنه يراها كفرا أصغر كما زعم ذلك ابن جرجيس وغيره , فلا شك عندنا بكفر من فعل كل هذه الأمور، لكن هذا الكلام من باب التكفير بالعموم ( المطلق _ النوع )، وحديثنا حول تكفير المعين إذا فعل شيئا مما ذكر، وكان جاهلاً لم يبلغه الحكم، و أيضاً لا يلزم أن يقال في كل نص، من فعل كذا فقد كفر إلا أن يكون جاهلاً كما بينا من قبل
ثانياً : هناك نصوص كثيرة لابن تيمية تعذر بالجهل فى الشرك وخاصة شرك القبوريين :
1-قال رحمه الله : (... والاستغاثة بمعنى أن يطلب من الرسول ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم، ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به، و إما مخطيء ضال، و أما بالمعنى الذي نفاه الرسول - صلى الله عليه وسلم-: فهو أيضاً مما يجب نفيها، ومن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو أيضاً كافر إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها) (مجموع الفتاوي 1/112 ) ,(والرد على البكرى 1/ 420) فهذا النص صريح في حكم من صرف شيئا من أنواع العبادة كالاستغاثة إلى غير الله أنه لا يكفر إذا لم تقم عليه الحجة
2- وأصرح منه قوله - رحمه الله -: (فإنا بعد معرفة ما جاء به الرسول نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن تدعو أحداً من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا لغير ميت ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور و إن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم- مما يخالفه) (الرد على البكري 376، وانظر مجموع الفتاوى 1/372،).
فهذا الكلام من ابن تيمية فيه أن الاستغاثة بالقبور كفر أكبر ولكن لا يحكم على كل من استغاث بها بالكفر حتى تقوم عليه الحجة وقرر أن هذا الإعذار يكون لكل من لم يبلغه العلم ولو لم يكن حديث عهد بالكفر
3-وأيضاً : قوله حين سئل عن حكم الاستغاثة بالرسول فبيّن أن من استغاث به فيما لا يقدر عليه إلا الله لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة فقد سأله السائل فقال:" ( ما تقول السادة العلماء أئمة الدين وفقهم الله لطاعته فيمن يقول: لا يستغاث برسول الله صلى الله عليه وسلم هل يحرم عليه هذا القول وهل هو كفر أم لا؟ وإن استدل بآيات من كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم هل ينفعه دليله أم لا؟ وإذا قام الدليل من الكتاب والسنة فما يجب على من يخالف ذلك؟ أفتونا مأجورين".
فأجاب بجواب طويل بين في أوله ثبوت شفاعته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وفصل القول في ذلك ثم بين بعض أنواع الاستغاثة الجائزة ثم قال:"( والاستغاثة بمعنى أن يُطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به وإما مخطئ ضال. وأما بالمعنى الذي نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أيضا مما يجب نفيها ومن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو أيضا كافر إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها) ( الفتاوى (1/108 – 112)
4- أنه لم يحكم على من اعتقد في إمامه أنه يخلق ويتصرف في الكون ولا من كان يقول بقول الفلاسفة إذا كان جاهلا بحقيقة هذا القول وكلامه في هذا كثير ومن ذلك: جوابه لما سئل عمن يعتقد في شيخه أنه يخلص من سوء الحساب يوم القيامة وينجي من عذاب الله تعالى قرر أن من اتبعه وهو جاهل بحقيقة قوله أنه لا يحكم بكفره فقد سأله السائل:" عن جماعة اجتمعوا على أمور متنوعة في الفساد، وتعلق كل منهم بسبب ومنهم من قال: إن يونس القتات يخلص أتباعه ومريديه من سوء الحساب وأليم العقاب ومنهم من يزعم أن عليا الحريري كان قد أعطي من الحال ما إنه إذا خلا بالنساء والمردان يصير فرجه فرج امرأة. ومنهم من يدعي النبوة، ويدعي أنه لا بد له من الظهور في وقت فيعلو دينه وشريعته ؛ وأن من شريعته السوداء تحريم النساء، وتحليل الفاحشة اللوطية، وتحريم شيء من الأطعمة وغيرها؛ كالتين واللوز والليمون. وتبعه طائفة: منهم من كان يصلي فترك الصلاة، ويجتمع به نفر مخصوصون في كثير من الأيام إلخ".
فأجاب ابن تيمية بجواب طويل قال فيه:" أما قول القائل: إن يونس القتاتي يخلص أتباعه ومريديه من سوء الحساب وأليم العذاب يوم القيامة فيقال جوابا عاما: من ادعى أن شيخا من المشايخ يخلص مريديه يوم القيامة من العذاب: فقد ادعى أن شيخه أفضل من محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ومن قال هذا فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل".
ثم قال في بيان حكم أتباع الشيخ يونس:" وأما المنتسبون إلى الشيخ يونس: فكثير منهم كافر بالله ورسوله لا يقرون بوجوب الصلاة الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت العتيق ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله؛ بل لهم من الكلام في سب الله ورسوله والقرآن والإسلام ما يعرفه من عرفهم وأما من كان فيهم من عامتهم - لا يعرف أسرارهم وحقائقهم - فهذا يكون معه إسلام عامة المسلمين الذي استفاده من سائر المسلمين لا منهم ؛ فإن خواصهم مثل الشيخ سلول وجهلان والصهباني وغيرهم: فهؤلاء لم يكونوا يوجبون الصلاة؛ بل ولا يشهدون للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة"( الفتاوى (2/104 – 106)
فابن تيمية في هذا النص قرر أن من كان من أتباع جماعة الشيخ يونس وهو من العامة الذين يجهلون حقيقة قولهم فإنه لا يكفر بل يبقى معه أصل إسلامه.فهذه النصوص في كلام ابن تيمية صريحة في أن الجهل عذر في مسائل الشرك كالاستغاثة بالقبور وصريحة في أن من استغاث بالقبور وهو جاهل بأن فعله هذا مما حرمه الله تعالى؛ إما لشبهة أو لعدم بلوغ العلم الصحيح إليه أنه لا يكفر بذلك ولا فرق في ذلك من حيث التأصيل الشرعي بين حديث العهد بالكفر، وبين من نشأ في بلاد الكفر، وبين من نشأ في بلاد المسلمين فالأصل في هؤلاء كلهم أن من استغاث بالقبور وهو جاهل لا يحكم عليه بالكفر حتى تقام عليه الحجة وكل من لم تقم عليه الحجة فإنه لا يكفر
ثالثاً : الرد على من يقول إنه يعذر فى المقالات الخفية فقط كمسائل الصفات أما الظاهرة فلا :
ودليلهم قول شهير عن شيخ الإسلام قال فيه: (... وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال: إنه فيها مخطيء ضال، لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي تعلم العامة والخاصة من المسلمين أنها من دين المسلمين، بل اليهود والنصارى يعلمون: أن محمداً – صلى الله عليه وسلم- بعث بها، وكفر مخالفها، مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سوى الله من الملائكة والنبيين والشمس والقمر والكواكب والأصنام وغير ذلك، فإن هذا أظهر شعائر الإسلام، ومثل أمره بالصلوات الخمس، وإيجابه لها وتعظيم شأنها، ومثل معاداته لليهود والنصارى والمشركين والصابئين والمجوس، ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ونحو ذلك...)( مجموع الفتاوى 4/54.).
والرد هو :
أولا : بالنسبة للنص لو رجعنا إليه في الفتاوى، لوجدنا شيخ الإسلام يتكلم عن طائفة معينة، وهي طائفة أهل الكلام، حيث قال في أول الكلام: (و أيضاً فإنه لا يعرف من أهل الكلام أحد إلا وله في الإسلام مقاله يكفر قائلها عموم المسلمين حتى أصحابه، وفي التعميم ما يغني عن التعيين، فأي الفريقين أحق بالحشو والضلال من هؤلاء؟ وذلك يقتضي وجود الردة فيهم، كما يوجد النفاق فيهم كثيراً، وهذا إذا كان في المقالات الخفية.. إلى أن يقول: (ثم تجد كثيراً من رؤسائهم وقعوا في هذه الأمور، فكانوا مرتدين، و إن كانوا قد يتوبون من ذلك ويعودون إلى الإسلام، فقد حكى عن الجهم بن صفوان: أنه ترك الصلاة أربعين يوماً لا يرى وجوبها... وأبلغ من ذلك: أن منهم من يصنف في دين المشركين والردة عن الإسلام كما صنف الرازي كتابه في عبادة الكواكب والأصنام، وأقام الأدلة على حسن ذلك ومنفعته ورغب فيه، وهذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين، و إن كان قد يكون تاب منه وعاد إلى الإسلام) ( انظر النص بطوله، مجموع الفتاوي 4/53-55. ) فهو كما ترى يتكلم عن أهل الكلام، وهؤلاء - كما لا يخفى - ليسوا حديثوا عهد بإسلام، ولا نشأوا ببادية بعيدة، فليسوا ممن يعذر بالجهل في المسائل الظاهرة ومما يؤكد هذا الفهم، قول شيخ الإسلام - رحمه الله -: (لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي تعلم العامة والخاصة من المسلمين أنها من دين المسلمين... مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة أحد سوى الله.. ومثل أمره بالصلوات الخمس ... ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ونحو ذلك) ومثل هؤلاء (أي المتكلمين) لا يعذرون في جهل مثل هذه الأمور، وغيرهم ممن لم تقم عليهم الحجة يعذرون في مثل هذه الأمور
ثانياً : مسألة الخفاء والظهور مسألة ليس فيها نص قاطع لا قرآن ولا سنة ولا إجماع وهؤلاء المخالفين قد غفلوا عن أن الخفاء والظهور أمران نسبيان يختلفان باختلاف الزمان والمكان وبنسبة العلم عن الإشخاص أيضاً
ثالثاً : هناك نصوص كثيرة للشيخ يعذر الجاهل فى الاشياء الظاهرة ومنها :
1-قال شيخ إلاسلام : " ومن أنكر ما ثبت بالتواتر والإجماع فهو كافر بعد قيام الحجة عليه". الرد على البكري (1/413):
2-قال رحمه الله : ( وقد سئل عمن يزعم سقوط التكاليف الشرعية عنه :" لا ريب عند أهل العلم والإيمان أن هذا القول من أعظم الكفر وأغلظه . وهو شر من قول اليهود والنصارى " وذكر رحمه الله تعالى ألوانا من الموبقات التي يستبيحها هؤلاء الناس ثم قال "لكن من الناس من يكون جاهلا ببعض هذه الأحكام جهلا يعذر به فلا يحكم بكفر أحد حتى تقوم عليه الحجة من جهة بلاغ الرسالة كما قال تعالى : ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) وقال تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) مجموع الفتاوى (11/401 :406)
3-قال ابن تيمية : ( أما كونه عند المستمع معلوما أو مظنونا أو مجهولا أو قطعيا أو ظنيا أو يجب قبوله أو يحرم أو يكفر جاحده أو لا يكفر ؛ فهذه أحكام عملية تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال. فإذا رأيت إماما قد غلظ على قائل مقالته أو كفره فيها فلا يعتبر هذا حكما عاما في كل من قالها إلا إذا حصل فيه الشرط الذي يستحق به التغليظ عليه والتكفير له ؛ فإن من جحد شيئا من الشرائع الظاهرة وكان حديث العهد بالإسلام أو ناشئا ببلد جهل لا يكفر حتى تبلغه الحجة النبوية. وكذلك العكس إذا رأيت المقالة المخطئة قد صدرت من إمام قديم فاغتفرت لعدم بلوغ الحجة له ؛ فلا يغتفر لمن بلغته الحجة ما اغتفر للأول فلهذا يبدع من بلغته أحاديث عذاب القبر ونحوها إذا أنكر ذلك ولا تبدع عائشة ونحوها ممن لم يعرف بأن الموتى يسمعون في قبورهم ؛ فهذا أصل عظيم فتدبره فإنه نافع ". مجموع الفتاوى (6 /60-61):"
4-وقال أيضاً: (...والتحقيق فى هذا أن القول قد يكون كفرا كمقالات الجهمية الذين قالوا إن الله لا يتكلم ولا يرى فى الآخرة ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر فيطلق القول بتكفير القائل كما قال السلف من قال القرآن مخلوق فهو كافر ومن قال ان الله لا يرى فى الآخرة فهو كافر ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة كما تقدم كمن جحد وجوب الصلاة والزكاة واستحل الخمر والزنا وتأول فإن ظهور تلك الأحكام بين المسلمين أعظم من ظهور هذه فإذا كان المتأول المخطئ فى تلك لا يحكم بكفره إلا بعد البيان له وإستتابته كما فعل الصحابة فى الطائفة الذين إستحلوا الخمر ففي غير ذلك أولى وأحرى (الإيمان الأوسط 161) , (مجموع الفتاوى 7/619)
وهذا النص يعذر فيه فى المسائل الخفية والمسائل الظاهرة مع بعض ايضاً
رابعاً : الرد على من يدعى ان بن تيمية يعذر فى الفروع ولا يعذر فى الاصول :
بين شيخ الإسلام، فساد تقسيم الدين إلى أصول يكفر منكرها، والمخطيء فيها وفروع لا يكفر منكرها ولا المخطيء فيها، وبين أن هذا التقسيم لا أصل له عن السلف لا عن الصحابة ولا عن التابعين لهم بإحسان، وهو تقسيم متناقض (... فإنه يقال لمن فرق بين النوعين: ما حد مسائل الأصول التي يكفر المخطيء فيها؟ وما الفصل بينهما وبين مسائل الفروع؟ فإن قال: مسائل الأصول هي مسائل الاعتقاد، ومسائل الفروع هي مسائل العمل، قيل له: فتنازع الناس في محمد - صلى الله عليه وسلم- هل رأى ربه أم لا؟ وفي أن عثمان أفضل من علي، أم علي أفضل؟ وفي كثير من معاني القرآن وتصحيح بعض الأحاديث هي من المسائل الاعتقادية العلمية، ولا كفر فيها بالاتفاق، ووجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج وتحريم الفواحش والخمر هي مسائل علمية، والمنكر لها يكفر بالاتفاق، و إن قال: الأصول هي المسائل القطعية، قيل له: كثير من مسائل العمل قطعية، وكثير من مسائل العلم ليست قطعية، وكون المسألة قطعية أو ظنية هو من الأمور الإضافية، وقد تكون المسألة عند رجل قطعية لظهور الدليل القاطع له، كمن سمع النص من الرسول - صلى الله عليه وسلم- وتيقن مراده منه، وعند رجل لا تكون ظنيه، فضلا عن أن تكون قطعية لعدم بلوغ النص إياه، أو لعدم ثبوته عنده، أو لعدم تمكنه من العلم بدلالته) (مجموع الفتاوي 23/346/347، وانظر 13/125،126، ومنهاج السنة 5/87-91) وبين أن الاعتبار بالتكفير بقيام الحجة أو عدم قيامها، بصرف النظر عن كون المسألة من العقائد أو الأحكام، أو من الفرائض الظاهرة المتواترة أو غير ذلك، قال رحمه الله: (... و أما الفرائض الأربع فإذا جحد وجوب شيء منها بعد بلوغ الحجة فهو كافر، وكذلك من جحد تحريم شيء من المحرمات الظاهرة المتواتر تحريمها كالفواحش والظلم والكذب والخمر ونحو ذلك، و أما من لم تقم عليه الحجة مثل أن يكون حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، لم تبلغه فيها شرائع الإسلام ونحو ذلك، أو غلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستثنون من تحريم الخمر، كما غلط في ذلك الذين استتابهم عمر، وأمثال ذلك. فإنهم يستتابون وتقام الحجة عليهم، فإن أصروا كفروا حينئذ، ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك، كما لم يحكم الصحابة بكفر قدامة بن مظعون، وأصحابه لما غلطوا فيما غلطوا من التأويل) (مجموع الفتاوي 35/165)
خامساً : الرد على من يقول إن بن تيمية يكفر المعين قبل إقامة الحجة :
1- قال شيخ الإسلام : (ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاه الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافراً، لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال، وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم) (الرد على البكري (ص/259).)
2- وقال أيضاً: (...والتحقيق فى هذا أن القول قد يكون كفرا كمقالات الجهمية الذين قالوا إن الله لا يتكلم ولا يرى فى الآخرة ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر فيطلق القول بتكفير القائل كما قال السلف من قال القرآن مخلوق فهو كافر ومن قال ان الله لا يرى فى الآخرة فهو كافر ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة كما تقدم كمن جحد وجوب الصلاة والزكاة واستحل الخمر والزنا وتأول فإن ظهور تلك الأحكام بين المسلمين أعظم من ظهور هذه فإذا كان المتأول المخطئ فى تلك لا يحكم بكفره إلا بعد البيان له وإستتابته كما فعل الصحابة فى الطائفة الذين إستحلوا الخمر ففي غير ذلك أولى وأحرى (مجموع الفتاوى 7/619)
3- قال ابن تيمية : ( ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية و النفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم أنا لو وافقتكم كنت كافرا لأني أعلم أن قولكم كفر و أنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال وكان هذا خطابا لعلمائهم و قضاتهم و شيوخهم وأمرائهم و أصل جهلهم شبهات عقلية حصلت لرؤوسهم في قصور من معرفة المنقول الصحيح و المعقول الصريح الموافق له وكان هذا خطابنا، فلهذا لم نقابل جهله وافتراءه بالتكفير بمثله) . الرد على البكري (2 /494):"
4- و أيضا فإن تكفير الشخص المعين و جواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها و إلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر ولهذا لما استحل طائفة من الصحابة و التابعين كقدامة بن مظعون و أصحابه شرب الخمر و ظنوا أنها تباح لمن عمل صالحا على ما فهموه من آية المائدة اتفق علماء الصحابة كعمر و علي و غيرهما على أنهم يستتابون فإن أصروا على الاستحلال كفروا و إن أقروا به جلدوا فلم يكفروهم بالاستحلال ابتداء لأجل الشبهة التي عرضت لهم حتى يتبين لهم الحق فإذا أصروا على الجحود كفروا { الرد على البكرى 2/492}
5- قال رحمه الله : " بعد أن ذكر مقالات الباطنية فهذه المقالات هي كفر لكن ثبوت التكفير في حق الشخص المعين موقوف على قيام الحجة التي يكفر تاركها وإن أطلق القول بتكفير من يقول ذلك فهو مثل إطلاق القول بنصوص الوعيد مع أن ثبوت حكم الوعيد في حق الشخص المعين موقوف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه، ولهذا أطلق الأئمة القول بالتكفير مع أنهم لم يحكموا في عين كل قائل بحكم الكفار بل الذين استمحنوهم وأمروهم بالقول بخلق القرآن وعاقبوا من لم يقل بذلك إما بالحبس والضرب والإخافة وقطع الرزق بل بالتكفير أيضا، لم يكفروا كل واحد منهم وأشهر الأئمة بذلك الإمام أحمد وكلامه في تكفير الجهمية مع معامتله مع الذين امتحنوه وحبسوه وضربوه مشهور معروف". بغية المرتاد (1/353-354):
6- قال رحمه الله : وليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك ؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة" ( مجموع الفتاوى (12/466)
7- قال ابن تيمية:« فهذا الكلام يمهد أصلين عظيمين : " أحدهما " أن العلم والإيمان والهدى فيما جاء به الرسول وأن خلاف ذلك كفر على الإطلاق فنفي الصفات كفر والتكذيب بأن الله يرى في الآخرة أو أنه على العرش أو أن القرآن كلامه أو أنه كلم موسى أو أنه اتخذ إبراهيم خليلا كفر وكذلك ما كان في معنى ذلك وهذا معنى كلام أئمة السنة وأهل الحديث. و" الأصل الثاني " أن التكفير العام - كالوعيد العام - يجب القول بإطلاقه وعمومه . وأما الحكم على المعين بأنه كافر أو مشهود له بالنار : فهذا يقف على الدليل المعين فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه ». مجموع الفتاوى (12/497)
8- وكذلك فإنه لم يكن يكفر أعيان العلماء الذين كانوا يحثون الناس على الاستغاثة بالقبور، ويستدلون لهم بما يؤيد فعلهم هذا ومن أشهر الأمثلة على ذلك تعامل ابن تيمية مع البكري فإنه كان يدعو الناس إلى الاستغاثة بالقبور وكفر ابن تيمية ومع هذا فإنه لم يكفره بل قال:" لم نقابل جهله – البكري – وافتراءه بالتكفير بمثله كما لو شهد شخص بالزور على شخص آخر، أو قذفه بالفاحشة كذبا عليه لم يكن له أن يشهد عليه بالزور ولا أن يقذفه بالفاحشة "( تلخيص الاستغاثة (2/494))
سادساً : الرد على من زعم واتهم إن شيخ الإسلام قال ذلك سياسة لا إعتقاداً ولا حول ولاقوة إلا بالله :
ومن التأويلات الباردة التي أشهرت في وجه هذه النصوص المستشهد بها من كلام ابن تيمية الزعم أن ابن تيمية قال هذا:"سياسة" لا اعتقادا، لأنه كان مستضعفا وكان لابد له من مداراة حتى يزول الاستضعاف، ويكفي لرد هذا الزعم أنه تخرص لا دليل عليه ولا موجب له، بل هو افتراء على ابن تيمية رحمه الله ، ومع ذلك نقول : لا ندري أكان من طريقة ابن تيمية المداهنة في أصل الدين؟ وما الذي يدفعه إلى مثل هذا هو الذي لم يداهن في قضايا أسهل من هذه دخل بسببها إلى السجن كمسألة الطلاق الثلاث ومسألة شد الرحال. وهو الذي يقول مجموع الفتاوى (14/476):" فإن الشرك والقول على الله بلا علم والفواحش ما ظهر منها وما بطن والظلم : لا يكون فيها شيء من المصلحة"، ويقول (مجموع الفتاوى (35/372-374):" ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله، واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتدا كافرا يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة، ... ولو ضرب وحبس وأوذي بأنواع الأذى ليدع ما علمه من شرع الله ورسوله الذي يجب اتباعه واتبع حكم غيره، كان مستحقا لعذاب الله...".
ولو فرضنا أنه كان مكرها في حال لبين الحق في حال أخرى وصرح بأنه يحكم بالكفر على من لم تقم عليه الحجة ولو مرة في حياته ، ولا حجة لمن تمسك بقوله في الرد على البكري :" لم نقابل جهله وافتراءه بالتكفير بمثله " للتدليل على هذا التأويل لأن معنى كلامه أني لم أقابل الجهل بالجهل والافتراء بالافتراء ، ثم إن المكره والمداري لا يستدل ويطنب في الاستدلال لمسألة لا يعتقدها .
سابعاً : الرد على من زعم ان ابن تيمية عذرهم بالكفر الآخروى فقط!:
ومن التأويلات أن الكفر الذي ينفيه هو الكفر الذي يستحق صاحبه العقوبة في الدارين القتل في الدنيا والخلود في النيران في الآخرة دون اسم الكفر الذي تجري عليه بقية أحكام الدنيا كما في المجهر (278) وهذا لا مسنتد له في كلام ابن تيمية بل فيه ما يدل على ضده كقوله (مجموع الفتاوى (11/406) :" ولهذا لو أسلم رجل ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه ؛ أو لم يعلم أن الخمر يحرم لم يكفر بعدم اعتقاد إيجاب هذا وتحريم هذا ؛ بل ولم يعاقب حتى تبلغه الحجة النبوية"، وقوله(11مجموع الفتاوى (/409):" وأدنى هذا أن يكون شاكا في المعاد وذلك كفر - إذا قامت حجة النبوة على منكره حكم بكفره - هو بين في عدم إيمانه بالله تعالى". وقوله في (مجموع الفتاوى (12/497):"وأما الحكم على المعين بأنه كافر أو مشهود له بالنار : فهذا يقف على الدليل المعين فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه ».
وأصحاب هذا التأويل دائما يرجعون إلى كلام ابن تيمية في الكفار الذين لم تبلغهم الحجة ، ويتركون كلامه في أهل الإسلام الذين وقعوا في الكفر، وهذا تضليل وتحريف لا يجوز كقوله وهو يتحدث عن عدم توقف قبح الأفعال على الشريعة –كما يقوله الأشاعرة-:« واسم المشرك ثبت قبل الرسالة» فلا يرى من تمسك بهذه الجملة وترك عشرات النصوص التي ربما استغرق بعضها الصفحات تفصيلا واستدلالا إلا متبعا لهواه . (مجموع الفتاوى (20/38)
ثامناً : الرد على من خصص كلامه بمن كان حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة فقط :
والجواب أن ذلك يذكر على سبيل المثال لا التقييد، والمقصود هو بيان أحوال مظنة الجهل هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن تمثيله بالبادية البعيدة ليس المقصود به البعيدة المكان حصرا، بل البعيدة عن العلم ، قال رحمه الله (مجموع الفتاوى (11/407) :" ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان وكان حديث العهد بالإسلام فأنكر شيئا من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول ". وقال رحمه الله (مجموع الفتاوى (13/118):"وأيضا فكون الشيء معلوما من الدين ضرورة أمر إضافي فحديث العهد بالإسلام ومن نشأ ببادية بعيدة قد لا يعلم هذا بالكلية فضلا عن كونه يعلمه بالضرورة"، وقال ومع هذا فقد يكثر أهل هذه الأهواء في بعض الأمكنة والأزمنة حتى يصير بسبب كثرة كلامهم مكافئا عند الجهال لكلام أهل العلم والسنة حتى يشتبه الامر على من يتولى أمر هؤلاء فيحتاج حينئذ الى من يقوم بإظهار حجة الله وتبيينها حتى تكون العقوبة بعد الحجة وإلا فالعقوبة قبل الحجة ليست مشروعة قال تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ولهذا قال الفقهاء فى البغاة إن الامام يراسلهم فإن ذكروا شبهة بينها وإن ذكروا مظلمة أزالها كما أرسل على ابن عباس الى الخوارج فناظرهم حتى رجع منهم أربعة آلاف وكما طلب عمر بن عبد العزيز دعاة القدرية والخوارج فناظرهم حتى ظهر لهم الحق وأقروا به ثم بعد موته نقض غيلان القدرى التوبة فصلب (مجموع الفتاوى (3/240):"
وأيضاً بن تيمية يسوى بين العذر بالجهل والعذر بالتأويل فى نصوصه السابقة توضح ذلك
وأيضاً ذكر بالشيخ هذه النقطتين وأخرى أيضاً فقال : ( والتكفير هو من الوعيد فإنه وان كان القول تكذيباً لما قاله الرسول لكن قد يكون الرجل:-
1. ... حديث عهد بإسلام .
2. ... أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة
3. ... وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص.
4. ... أو سمعها ولم تثبت عنده .
5. ... أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً".
وكنت دائماً أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال: "إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليم، فو الله لإن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين , ففعلوا به ذلك فقال الله له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك، فغفر له" فهذا رجل شكَّ في قدرة الله، وفي إعادته إذا ذُري، بل اعتقد أنَّه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه فغفر له بذلك، والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بالمغفرة من مثل هذا) ( مجموع الفتاوى (3/229 ، 231).

وأخيراً : ملخص مذهب شيخ الإسلام في هذه المسئلة:
إن من وقع في عمل من أعمال الكفر - سواء كان ذلك في العقائد أو الأحكام، وسواء كان في المسائل الظاهرة أو الخفية - بما في ذلك الوقوع في الشرك وكان جاهلاً الحكم، مثل أن يكون حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم الثقات أو بلد منتشر فيها الجهل أو فى بلد فيها أهل العلم ولكنه لم يصله الدليل او وصله و تأوله خطأ فإنه لا يكفر حتى تقام عليه الحجة والله أعلم.