المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مراقبة الله في السر والعلن



عميد اتحادي
18-06-2013, 04:10 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



مراقبة الله في السر والعلن



أخرج ابن ماجه في سننه عن ثوبان رضي الله عنه .. .. عن النبي صلى الله عليه ‏وسلم أنه قال: ( لأعلمن أقواماً من أمتي .. يأتون يوم القيامة بحسنات .. أمثال جبال تهامة ‏بيضاً .. فيجعلها الله عز وجل هباء منثوراً " .. قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا .. جلهم ‏لنا .. أن لا نكون منهم .. ونحن لا نعلم .. قال: " أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم .. ‏ويأخذون من الليل كما تأخذون .. ولكنهم أقوام .. إذا خلوا بمحارم الله .. .. انتهكوها .. .. " .. صححه الألباني.


والمراد ‏بهؤلاء: من يبتعد عن المعصية ويتظاهر بالصلاح مراعاة للناس .. .. وأمام أعينهم .. .. وبمجرد ‏أن يخلو بنفسه .. .. ويغيب عن أعين الناس .. .. سرعان ما ينتهك حرمات الله .. .. فهذا قد جعل ‏الله سبحانه .. .. أهون الناظرين إليه .. .. فلم يراقب ربه .. .. ولم يخش خالقه .. .. كما راقب الناس ‏وخشيهم .. .. أما من يجاهد لترك المعاصي .. .. ولكن قد يضعف أحياناً .. .. من غير مداومة على ‏مواقعة المحرمات .. .. ولا إصرار عليها .. .. فيرجى ألا يكون داخلاً في ذلك.‏

قد يبتعد الإنسان عن المعاصي والذنوب .. .. إذا كان يحضره الناس .. .. وعلى مشهد منهم .. .. لكنه إذا خلا بنفسه .. .. وغاب عن أعين الناس .. .. أطلق لنفسه العنان .. .. فاقترف السيئات .. .. وارتكب المنكرات .. .. ( وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً ) الإسراء:17 .. .. ) وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) البقرة: 74.


بل إن الإنسان قد يقع في ذنب .. .. ولو كان بحضرته طفل ..لامتنع من الوقوع فيه .. .. فصار حياؤه من هذا الطفل .. .. أشد من حيائه من الله جل وعلا .. .. أتراه - في هذه الحالة - مستحضراً قول الله تعالى: ( أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ) البقرة:77 .. .. ( أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) التوبة: 78.


ويحك يا هذا .. .. إن كانت جراءتك على معصية الله .. .. لاعتقاد أن الله لا يراك .. .. فما أعظم كفرك .. .. وإن كان علمك باطلاعه عليك .. .. فما أشد وقاحتك .. .. وأقل حياءك ) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ( النساء:108.


من أعجب الأشياء .. .. أن تعرف الله ثم تعصيه .. .. وتعلم قدر غضبه ثم تعرض له.. .. وتعرف شدة عقابه ثم لا تطلب السلامة منه .. .. وتذوق ألم الوحشة في معصيته .. .. ثم لا تهرب منها ولا تطلب الأنس بطاعته.


قال قتادة: ( ابن آدم .. .. والله إن عليك لشهوداً غير متهمة في بدنك .. .. فراقبهم .. .. واتق الله في سرك وعلانيتك .. .. فإنه لا يخفى عليه خافية .. .. الظلمة عنده ضوء .. .. والسر عنده علانية .. .. فمن استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظن فليفعل .. .. ولا قوة إلا بالله ) .. .. ( وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ .. .. وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ ) فصلت:23-22.


قال ابن الأعرابي: ( آخر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله .. .. وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد ) .. .. ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ق:16 .


إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل .:. .:. .:. خلوت ولكن قل عليّ رقيبُ


ولا تحسبنّ الله يغفل ساعةً .:. .:. .:. .:. .:. ولا أن ما نخفيه عنه يغيبُ


وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ) أسألك خشيتك في الغيب والشهادة ( والمعنى أن العبد يخشى الله سراً وعلانية .. .. ظاهراً وباطناً .. .. فإن أكثر الناس قد يخشى الله في العلانية وفي الشهادة .. .. ولكن الشأن خشية الله في الغيب .. .. إذا غاب عن أعين الناس فقد مدح الله من خافه بالغيب.

وكان بكر المزني يدعو لإخوانه: ( زهَّدنا الله وإياكم في الحرام .. .. زهادة من أمكنه الحرام والذنب في الخلوة .. .. فعلم أن الله يراه فتركه).

وقال بعضهم: ( ليس الخائف من بكى فعصر عينيه .. .. إنما الخائف من ترك ما اشتهى من الحرام إذا قدر عليه ).

إذا السر والإعلان في المؤمن استوى .:. .:. .:. فقد عزّ في الدارين واستوجب الثنا

فإن خالف الإعلان سراً فما له .:. .:. .:. .:. .:. على سعيه فضل سوى الكدّ والعنا







ومِنَ الأمُورِ المُوجِبَةِ لخَشيَةِ اللهِ عَزَّ وجَل:



1) قوة الإيمان بوعده .. ووعيده على المعاصي.

2) النظر في شدة بطشه وانتقامه وسطوته وقهره .. .. وذلك يوجب للعبد ترك التعرض لمخالفته كما قال الحسن: ( ابن آدم .. .. هل لك طاقة بمحاربة الله .. .. فإن من عصاه فقد حاربه ).

3) قوة المراقبة لله .. .. والعلم بأنه شاهد رقيب على قلوب عباده وأعمالهم .. .. وأنه مع عباده حيث كانوا فإن من علم أن الله يراه حيث كان .. .. وأنه مطلع على باطنه وظاهره وسره وعلانيته .. .. واستحضر ذلك في خلواته .. .. أوجب له ذلك ترك الماصي في السر .. .. قال وهب بن الورد: ( خف الله على قدر قدرته عليك .. .. واستحي منه قدر قربه منك ) .. .. وقال: ( اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك ).

4) استحضار معاني صفات الله تعالى .. .. ومن صفاته ( السمع .. والبصر.. والعلم ) .. .. فكيف تعصي من يسمعك .. .. ويبصرك ويعلم حالك؟!.. فإذا استحضر العبد معاني هذه الصفات .. .. قوي عنده الحياء .. .. فيستحي من ربه أن يسمع منه ما يكره .. .. أو يراه على ما يكره .. .. أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه .. .. قتبقى أقواله وحركاته وخواطره موزونة بميزان الشرع .. .. غير مهملة ولا مرسلة تحت حكم الطبيعة والهوى.


قال سليمان التيمي: ( إن الرجل ليصيب الذنب في السر .. .. فيصبح وعليه مذلته ) .. .. وقال غيره: ( إن العبد ليذنب الذنب فيما بينه وبين الله .. .. ثم يجيء إلى إخوانه فيرون أثر ذلك الذنب عليه ).

فالسعيد من أصلح ما بينه وبين الله .. .. فإنه من أصلح ما بينه وبين الله .. .. أصلح الله ما بينه وبين الخلق .. .. ومن التمس محامد الناس بسخط الله .. ..عاد حامده من الناس ذاماً له.


قال سفيان الثوري: ( إن اتقيت الله كفاك الناس .. .. وإن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئاً ). وودّع ابن عون رجلاً فقال: ( عليك بتقوى الله .. .. فإن المتقي ليست عليه وحشة ) .. .. قال زيد بن أسلم: ( كان يقال: من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا ) .. .. نسأل الله عز وجل أن يرزقنا خشيته في الغيب والشهادة .. .. وفي السر والعلانية إنه ولي ذلك والقادر عليه .. وصلي اللهم وسلم على حبيبي وقرة عيني محمد ابن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه وسلم يا رب تسليماً كثيراً.

وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين .. وَلا عُدْوانَ إِلا عَلَى الظَالِمِين.


دمتم برضى الرحمن:$