المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وسائل الإعلام !! و حب الشهرة!!!



أهــل الحـديث
13-06-2013, 05:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها.


وسائل الإعلام !! وحب الشهرة!!!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لقد تعددت اليوم أيها الأفاضل وسائل الإعلام والاتصال المرئية والمسموعة والمقروءة!، وهذا التنوع والكثرة وللأسف أشغل الكثير من الناس عن واجباتهم وصدهم عما ينفعهم،فنرى البعض منهم يضيع وقته بينها دون فائدة حقيقية ترجع عليه!وإنما لإرضاء هوى النفس!وقتل الوقت!حتى أصبحت من أهم المعوقات التي صدت الكثير من شباب المسلمين عن العلم الشرعي والجلوس بين يدي العلماء و الأخذ منهم،فبدل أن يصبح الواحد منهم من المتعلمين!صار يفتخر أنه من المغردين!!بل لكثرة الانشغال بها هُجر كلام رب العالمين!!والله المستعان.
بل كانت سببا في انتكاس وانحراف كثير من شباب المسلمين حتى من المستقيمين! لعدم استغلالها فيما ينفع! و لاحتواء أكثرها على ما يفسد الدين ويهدم القيم وأخلاق المسلمين، من الأفكار الهدامة،والصور و الأفلام و المسلسلات الساقطة وغير ذلك من المحرمات!ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
وهذا لا يعني أيها الكرام أنه لا خير و لا نفع فيها!بل ولله الحمد لا تخلو من ذلك، ولهذا نجد أن من المسلمين من أحسن استغلالها، وصرفها فيما يرجع عليه وعلى الآخرين بالنفع كالدعوة إلى الله جل جلاله، و إيصال الحق للناس وغير ذلك من الطاعات فجزاهم الله خيرا وكتب أجرهم.
لكن لو نظرنا في حال بعض من استغلها في الدعوة إلى الله جل جلاله! نجد أن منهم من ابتلي بنوع آخر من الأمراض الذي قد يؤدي إلى هلاكه! إذا لم يتداركه الله جل جلاله بفضله،ويراجع نفسه ويعالجها مما حلِّ بها! وهذا الداء هو مرض قتال وداء عضال!ألا وهو حب الشهرة والظهور!وإن كانت الشهرة ليس الأصل فيها الذم،وإنما العيب و الذم على من يسعى في طلبها ويبذل جهده للتحلي بها بين الناس!.
قال الإمام أحمد –رحمه الله- :"من بلي بالشهرة،لم يأمن أن يفتنوه". الآداب الشرعية لابن مفلح (2/233)
فاليوم أيها الأفاضل نرى ونسمع العجائب من بعض الدعاة – إلا من رحم الله-، فنشاهد بعضهم يفرح ويفتخر بكثرة مشاهديه ومريديه!ومن يرتقب ويتقصى أخباره على وسائل الإعلام ومواقع الاتصال!، حتى أصبحنا نسمع أن الداعية الفلاني! والشيخ الفلاني!يصرح ابتهاجا وفرحا!والآخر يحتفل أن متابعيه وصلوا إلى مليون!أو مليونين!أو أكثر! على مواقع التواصل!.
فأين هؤلاء! أيها الأفاضل من هدي من سبقهم من الصالحين الربانيين،الذين جمعوا بين العلم والعمل والخوف على أنفسهم من الاغترار والفتن، قال الفضيل بن عياض –رحمه الله- :"بلغني أن العلماء فيما مضى كانوا إذا تعلموا عملوا، وإذا عَملُوا شُغلوا، وإذا شغلوا فُقِدوا، وإذا فقدوا طُلبوا، وإذا طلبوا هَربوا".المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص 331)
ولهذا حذروا -رحمهم الله- أشد الحذر من السعي لتحصيل الشهرة، رغبة منهم في طلب الإخلاص والبعد عن مواطن الرياء و العجب،قال الإمام سفيان الثوري –رحمه الله- :"إياك والشهرة؛ فما أتيت أحدًا إلا وقد نهاني عن الشهرة". حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني (7/23)
ويقول بشر بن الحارث –رحمه الله- :" إذا عُرفت في موضعٍ فاهرب منه، وإذا رأيت الرجل إذا اجتمعوا إليه في موضعٍ لزمه، واشتهى ذلك فهو يحب الشهرة".تاريخ دمشق لابن عساكر (10/206)
وتذاكر سفيان الثوري مع الفضيل بن عياض – رحمهما الله- فبكيا ، فقال سفيان الثوري –رحمه الله- : "إني لأرجو أن يكون مجلسي هذا أعظم مجلس جلسناه بركة"، فرد الفضيل –رحمه الله-: قال : ترجو!؟ ، لكني أخاف أن يكون أعظم مجلس جلسناه علينا شؤما أليس نظرت إلى أحسن ما عندك فتزينت به لي و تزينت لك به ، فعبدتني و عبدتك ، فبكى سفيان حتى علا نحيبه ، ثم قال : "أحييتني أحياك الله" .حلية الأولياء( 7/64)
ونرى البعض الآخر!يتسابق من أجل الظهور على تلك القناة أو الأخرى!وتكون الحصرية لبرنَّامجه أو لقائه! بمبلغ كذا! حتى لا يهتم لماهية هذه القناة ومن يشرف عليها!ويزداد الحزن و يكثر الأسى! عند نرى أن بعض القنوات التي يظهرون عليها هي قنوات يستعملها أعداء الدين للإفساد ،وهدم كل فضيلة ونشر كل رذيلة بين المسلمين!،وإذا نصحت بعض هؤلاء الدعاة! وأنكرت عليه، وذكرته أن ظهورك على هذه القناة الساقطة! هو تشهير وتزكية لها! خاصة أن برنامجك عليها! قد يُسبق أو في أثناءه أو بعده مباشرة بإعلانات و إشهارات تحتوي على المنكرات!وهذا الذي تريده هذه القنوات! فبدل أن يتقبل ويراعي هذه المفاسد!أنكر عليك واتهمك بالتشدد!وأن عمله هذا من قبيل الإصلاح!.
بالله عليكم أيها الأحبة أي إصلاح! وأي صلاح ظهر على هذه القنوات المفسدة!بل إن فسادها وإفسادها للمسلمين زاد وانتشر! ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
وإذا رأينا البرامج الدينية التي يقدمها اليوم بعض من يرى أن الظهور لمصلحة!خاصة من اقتحم منهم ميدان النصح و الدعوة من غير زاد ولا عتاد!نجد أنه يغلب عليها القصص والفكاهة!كأنهم يريدون التخفيف عن المشاهد والترويح عنه! لا استفادته! وإذا سمعت بعضهم يفتي تحتار وتتعجب!لبعد فتاواه عن الورع والتأصيل العلمي والمنهج السلفي!.
ولهذا لا ينبغي أن نتعجب من كثرة إقبال الناس اليوم عليهم!فأكثر الناس-إلا من رحم الله- لا ينظرون إلى حال من يفتيهم ويخبرهم عن أمور دينهم!هل هو أهل لذلك؟!ومن زكاه من العلماء الربانين؟! هل هو مرجع خاصة عند النوازل التي تحل بالأمة؟!بقدر ما ينظرون إلى شهرته!وكثرة أتباعه و المتأثرين به وأسلوبه وكثرة المحفوظات والمعلومات!.
قال الإمام ابن قتيبة –رحمه الله-:"والناس أسراب طير يتبع بعضها بعضا، ولو ظهر لهم من يدعي النبوة مع معرفتهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء،أو من يدعي الربوبية لوجد على ذلك أتباعا وأشياعا".تأويل مختلف الحديث (ص 14)
ويبقى السؤال المطروح في نفس كل غيور على الدين محب لسنة خير الأنبياء والمرسلين،أين الكثير من الدعاة! والوعاظ!! اليوم من منهج الأنبياء ووظيفة الأتقياء وطريقة الأصفياء، وهو الدعوة إلى توحيد رب العالمين،الذي أرسل الله جل جلاله من أجله الرسل وأنزل الكتب،قال سبحانه:(وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) [الأنبياء:25 ]
يقول الشيخ السعدي -رحمه الله- :"فكل الرسل،الذين من قبلك مع كتبهم،زبدة رسالتهم وأصلها، الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له ، وبيان أنه الإله الحق المعبود،وأن عبادة ما سواه،باطلة". تفسير السعدي(ص521)
أين دعوتهم إلى ما يحتاجه الناس من الحث على التمسك بالسنة والبعد عن البدع وأهلها والترغيب على طلب العلم النافع الذي ينفعهم بإذن الله جل وعلا في الدنيا والآخرة؟!لا إلى ما يطلبونه من القصص و النكت!والفتاوى التي توافق الأهواء!.
أيها الدعاة الأفاضل ،يا من تصدى لتعليم الناس وحثهم على الخير،اتقوا الله جل جلاله في أنفسكم، واعلموا أن العمل إذا كان لله تعالى دام و اتصل ونفع صاحبه في الدنيا والآخرة،بإذن الباري سبحانه،وإذا كان لغير الله تعالى انقطع وانفصل وكان وبالا على صاحبه في الآخرة،وإن ظهر شيء من نفعه في الدنيا، فإنه مع مرور الأيام وانقضاء الساعات والأعوام سيضمحل ويزول، ولا يبقى بعده إلا الحسرات و الندم على ما مضى وفات،فاخلصوا في أعمالكم واتبعوا سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم،وهدي من سبقكم من الصالحين،لا تنقطعوا عن طلب العلم والرجوع إلى العلماء الربانين، وكونوا للناس هداة مهتدين، ولا تعاونوا من حيث لا تشعرون على هدم الدين! فإن العلم الذي تحملونه أمانه، فأدوه على الوجه المطلوب،بإبلاغ وإرشاد الناس إلى ما ينفعهم في الدارين ،واحذروا أشد الحذر أن تبيعوه بعرض الدنيا الفانية! لأنكم ستقفون أمام من وهبكم إياه وسيسألكم عنه! فأعدوا للسؤال جوابا وللجواب صوابا،قال تعالى:(وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون )[آل عمران :187]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :"الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد، وهذا الميثاق أخذه الله تعالى على كل من أعطاه الله الكتب وعلمه العلم، أن يبين للناس ما يحتاجون إليه، مما علمه الله ولا يكتمهم ذلك ،ويبخل عليهم به، خصوصا إذا سألوه أو وقع ما يوجب ذلك، فإن كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال أن يبينه، ويوضح الحق من الباطل، فأما الموفقون فقاموا بهذا أتم القيام، وعلَّموا الناس مما علمهم الله ابتغاء مرضاة ربهم، وشفقة على الخلق، وخوفا من إثم الكتمان، وأما الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى ومن شابههم، فنبذوا هذه العهود والمواثيق وراء ظهورهم، فلم يعبأوا بها فكتموا الحق وأظهروا الباطل، تجرؤوا على محارم الله، وتهاونوا بحقوقه تعالى وحقوق الخلق، واشتروا بذلك الكتمان( ثمنا قليلا)، وهو ما يحصل لهم إن حصل من بعض الرياسات، والأموال الحقيرة من سفلتهم المتبعين أهواءهم المقدمين شهواتهم على الحق ( فبئس ما يشترون ): لأنه أخس العوض والذي رغبوا عنه - وهو بيان الحق الذي فيه السعادة الأبدية والمصالح الدينية والدنيوية - أعظم المطالب وأجلها، فلم يختاروا الدني الخسيس ويتركوا العالي النفيس! إلا لسوء حظهم وهوانهم وكونهم لا يصلحون لغير ما خلقوا له".تفسير السعدي (ص 160)
وأحببت في ختام هذه الذكرى التي أسأل الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا وإياكم بها أن أذكر لكم بعض ما جاء عن السلف الصالح (رحمهم الله) في ذم البحث عن الشهرة وحب الظهور بين الناس، ومن ذلك :
-قال إبراهيم بن أدهم –رحمه الله-: "ما صدق اللهَ عبدٌ أحب الشهرة".حلية الأولياء (8/31)
-وقَالَ أَيُّوْبُ السختياني-رحمه الله-: "مَا صَدَقَ عَبْدٌ قَطُّ، فَأَحَبَّ الشُّهرَةَ". سير أعلام النبلاء للذهبي (6/20)
- وقال أيضا –رحمه الله-:"ذُكرت في الناس ولا أحب أن أذكر ". السير للذهبي ( 6/22)
-ويقول مطرف بن عبد الله الشخير –رحمه الله- : "لأن أبيت نائما و أصبح نادما، أحب إلي من أبيت قائما و أصبح مُعجبًا". الزهد لابن المبارك (448)
يقول الإمام الذهبي –رحمه الله- معلقا على كلامه : "لا أفلح و الله من زكى نفسه أو أعجبته ". السير ( 4/190)
-وقال بشر بن الحارث- رحمه الله-:"لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس ".التواضع والخمول لابن أبي الدنيا (72)
-وهذا محمد بن يوسف الأصبهاني –رحمه الله- كان لا يشتري خبزه من خباز واحد ، وكان يقول : " لعلهم يعرفونني فيحابوني فأكون ممن يعيش بدينه". المنتظم لابن الجوزي ( 9/100)
-ويقول رجاء بن أبي سلمة- رحمه الله- : نبأت أن ابن محيريز دخل على رجل من البزازين يشتري شيئا فقال له رجل حاضر : أتعرف هذا ؟ هذا ابن محيريز ، فقال ابن محيريز –رحمه الله- : "إنما جئنا لنشتري بدراهمنا ليس بديننا ". الحلية لأبي نعيم ( 5/139)
-وقال الإمام الذهبي –رحمه الله-: "ينبغي للعالم أن يتكلم بنية وحسن قصد، فإن أعجبه كلامه فليصمت، فإن أعجبه الصمت فلينطق، ولا يفتر عن محاسبة نفسه، فإنها تحب الظهور والثناء".سير أعلام النبلاء (4/494)
فهذه أيها الكرام بعض الآثار التي تذكر عن هؤلاء الأئمة الأعلام، فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن ينفعنا وإياكم بها،وأن يجنبنا الرياء والشهرة والسمعة وحب الظهور وكل أنواع الشرور، وأن يجعلنا وإياكم من أهل السرور، فهو سبحانه ولي ذلك و العزيز الغفور.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي