المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قواعد حديثية ,يكتبها عماد بن حسن المصري الأردني الحلقة الاولى



أهــل الحـديث
13-06-2013, 01:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحلقة الثانية من قواعد حديثية
ــ بم تثبت عدالة الراوي؟
قال الإمام ابن الصلاح في «مقدمته»(1 ): عدالة الراوي تارةً تثبت بتنصيص معدّلين على عدالته، وتارةً تثبت بالاستفاضة. فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة أستغني فيه بذلك عن بينةٍ شاهدةٍ بعدالته تنصيصاً. وهذا هو الصحيح في مذهب الشافعي وعليه الاعتماد في فن أصول الفقه. وممن ذكر ذلك من أهل الحديث أبو بكر الخطيب الحافظ( 2)، ومَّثل ذلك بمالك، وشعبة، والسفيانين، والأوزاعي، والليث، وابن المبارك، ووكيع، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر، فلا يُسأل عن عدالة هؤلاء وأمثالهم، وإنما يُسأل عن عدالة مَن خفي أمره على الطالبين، وتوسَّع ابنُ عبد البر الحافظ في هذا فقال: كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبداً على العدالة حتى يتبين جرحه، لقوله ^ : «يـحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدولُه» وفيما قاله اتساع غير مرضي.
وقال السيوطي معقِّباً عليه إن التعديل إنما يقبل من عالمٍ أو بالاستفاضة والشهرة(3 ).
ــ بيان مذهب الإمام ابن عبد البر النمري:
وتوسع الحافظ ابن عبد البر في التعديل فقال في «التمهيد» 1/28 من النسخة المغربية: الذي اجتمع عليه أئمة الحديث والفقه في حال المحدّث الذي يقبل نقله ويحتج بحديثه ويجعل سنةً وحكماً في دين الله: هو أن يكون حافظاً إن حدّث من حفظه، وعالماً بما يحيل المعاني، ضابطاً لكتابه إن حدّث من كتابٍ، يؤدي الشيء على وجهه، متيقِّظاً غير مغفَّل، وكلهم يستحب أن يؤدي الحديث بحروفه لأنّه أسلم له، فإن كان من أهل الفهم والمعرفة جاز له أن يحدّث بالمعنى، وإن لم يكن كذلك لم يجز له ذلك، لأنّه لا يدري لعله يحيل الحلال إلى الحرام، ويحتاج مع ما وصفنا أن يكون ثقة في دينه، عدلاً جائز الشهادة مرضياً، فإذا كان كذلك وكان سالماً من التدليس كان حجةً فيما نقل وحمل من أثر هذا الدين ...، إلى أن قال رحمه الله: وكل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبداً على العدالة حتى تتبين جرحته في حاله أو في كثرة غلطه لقوله ^ : «يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله».
قلت: أرى أن توسع الحافظ ابن عبد البر جاء من أمرين:
1. أن الراوي غير المنصوص على تعديله من أي معدّلٍ: يقوم مقام التعديل عند الإمام ابن عبد البر معرفتُه العلم وطلبه إيّاه حتى يتبين جرحه.
2. وعلى تعريف ابن عبد البر يدخل كثيرٌ من الرواة في دائرة التوثيق ممن لم ينص أحدٌ من الأئمة على توثيقهم، ومن هنا نصل إلى دائرة مؤدّاها توثيق المجاهيل، إذ معرفة الراوي بطلب العلم لا تقوم مقام التعديل. وهو أقرب إلى مذهب أبي حنيفة الإمام القائل: إن ظاهر المسلمين العدالة، وردَّ هذا القول ابن أبي الدم الفقيه الشافعي الحموي فقال: وهو غير مرضي عندنا لخروجه عن الاحتياط( 4)، ونقل الإمام السيوطي في «تدريب الراوي» 1/354 موافقة ابن الموّاق ابنَ عبد البر فيما ذهب إليه في توسعه للتعديل.
قلت: ولعل الإمام النووي رحمه الله في كتابه «تهذيب الأسماء واللغات» جنح لمثل هذا فقال: وفي الحديث الآخر: «يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين»، وهذا إخبارٌ منه ^ بصيانة العلم وحفظه وعدالة ناقليه، وأن الله تعالى يوفق له في كل عصرٍ خلفاً من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف وما بعده، فلا يضيع، وهذا تصريحٌ بعدالة حامليه في كل عصر، وهكذا وقع، والحمد لله( 5).
ورد كلا المذهبين (مذهب ابن عبد البر ومن سار على مثله كابن الموّاق والنووي) السيوطي في «تدريب الراوي» 1/357 بعد نقله تضعيف الأئمة لحديث: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله» قال: ثم على تقدير ثبوته إنما يصح الاستدلال به لو كان خبراً، ولا يصح حمله على الخبر لوجود من يحمل العلم وهو غير عدلٍ وغير ثقةٍ، فلم يبق له محمل إلا على الأمر، ومعناه أنّه أمر للثقات بحمل العلم، لأن العلم إنما يقبل عنهم، والدليل على ذلك أن في بعض طرقه عند ابن أبي حاتم: «ليحمل هذا العلم» بلام الأمر، وذهب بعض أهل العلم إلى أن العدالة تثبت برواية جماعةٍ من الـجلة عن الشخص، وهذه طريقة البزار في «مسنده» وجنح إليها ابن القطان.
قال التاج السبكي في «طبقات الشافعية» 1/ 88 في باب: (قاعدة في الجرح والتعديل): والصواب عندنا أن من ثبتت إمامته وعدالته، وكثر مادحوه ومُزكُّوه، وندر جارحوه، وكانت هناك قرينةٌ دالةٌ على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره، فإنّا لا نلتفت إلى الجرح فيه، ونعمل فيه بالعدالة.
وقال المزي رحمه الله مستصوباً ما قاله ابن عبد البر: وما قاله ابن عبد البر هو في زماننا مرضيٌ، بل ربما يتعين. وقال ابن سيد الناس: لست أرى ما قاله أبو عمر إلا مرضياً، وإليه مال ابن الجزري والذهبي(6 ).
وقال الحافظ أبو الفتح ابن دقيق العيد ما معناه:
تُعرَف ثقة ذي الثقة بأحد أمور ثلاثة:
1. أن ينص أحد الرواة على أنّه ثقة.
2. أن يكون اسمه مذكوراً في كتاب من الكتب التي لا يترجم فيها إلا للثقات، ككتاب «الثقات» لابن حبان أو العجلي أو لابن شاهين.
3. أن يكون قد خرَّج حديثه بعض الأئمة الذين اشترطوا على أنفسهم ألا يخرجوا غير أحاديث الثقات.
لذلك أشار الحافظ ابن حبان في مقدمة كتابه إلى أنّه لا يخرج في كتاب «الثقات» إلا عن ثقة يجوز الاحتجاج بخبره. فقال في «الثقات» 1/11: ولا أذكر في هذا الكتاب الأول إلا للثقات الذين يجوز الاحتجاج بخبرهم، واقنع بهذين الكتابين المختصرين عن كتاب «التاريخ الكبير» الذي خرجناه لعلمنا بصعوبة حفظ كل ما فيه من الأسانيد والطرق والحكايات. ثم قال: فكل ما أذكره في هذا الكتاب الأول فهو صدوق يجوز الاحتجاج بخبره إذا تعرى خبره عن خصالٍ خمس، ثم تكلم رحمه الله على هذه الشـروط الخمسة، وهي:
1. أن يكون فوق الشيخ المترجم له رجلٌ ضعيف لا يحتج بخبره.
2. أن يكون دونه رجلٌ واهٍ لا يجوز الاحتجاج بروايته.
3. أن يكون الخبر مرسلاً فلا يلزمنا به الحجة.
4. أو أن يكون منقطعاً.
5. أو أن يكون في الإسناد رجلٌ يدلس.
قلت: ولا بد من إيضاح مسألةٍ عند ابن حبان، فقد يقع للحافظ ابن حبان أسماء ثقاتٍ عنده ذكرهم في «ثقاته» وذكرهم في «الضعفاء»، فنصّ الحفّاظ كابن حجر والعراقي على أنه إن كان جرحه مفسراً قُدِّم على توثيقه
ــ هل خوارم المروءة تقدح في العدالة؟
قال الزركشي رحمه الله في النوع الثالث والعشرين: معرفة من تقبل روايته: قوله: (خوارم المروءة) فيه أمورٌ: أحدها: ذكر الخطيب وغيره أن المروءة في الرواية لا يشترطها أحد إلا الشافعي، وهو يقدح في نقل المصنف الاتفاق عليه. ثم قال: واعلم أن اشتراط السلامة من خوارم المروءة خارجٌ عن العدالة، فإن العدالة اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر، وخوارم المروءة التلبُّس بما لا يعتاد به أمثاله(7 ).
قال ابن الصلاح: وعقد الخطيب باباً في بعض أخبار من استفسر في جرحه فذكر ما لا يصلح جارحاً، منها عن شعبة أنّه قيل له: لِـمَ تركتَ حديث فلان؟ فقال: رأيته يركض على برذون فتركت حديثه، ومنها عن مسلم بن إبراهيم أنّه سئل عن حديث لصالح الـمُرّي فقال: ما تصنع بصالح ذكروه يوماً عند حماد بن سلمة فامتخط حماد. والله أعلم( ).
قلت : والذي ظهر لي والله أعلم عدم اشتراط السلامة من خوارم المروءة في عدالة الراوي، لأن الخوارم خارجة عن حد الحفظ والصدق والعقل والدين، فهي سلوك اجتماعي لا أكثر ولا أقل، وهذا قول الإمام ابن حزم الظاهري، فهو لا يرى المروءة داخلةً في العدالة اعتباراً، انظر «الإحكام» 1/144.

( 1) «مقدمة ابن الصلاح» ص95، و«تدريب الراوي» 1/353
( 2) «الكفاية» ص109.
(3 ) «تدريب الراوي» 1/354.
(4 ) «النكت على ابن الصلاح» للزركشي 3/330، و«فتح المغيث» للسخاوي 1/326.
( 5) «تهذيب الأسماء واللغات» 1/17.
( 6) انظر مذاهبهم في: «فتح المغيث» 1/326، و«نكت الزركشي» 2/330، و«التقييد والإيضاح» ص139، و«الروض الباسم» لابن الوزير 1/2/25، و«توضيح الأفكار» للصنعاني 2/502.
( 7) «محاسن الاصطلاح» ص218، و«والنكت» للعراقي ص136 – 137.