المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفوائد الندية من الرحلة الكينية والتنزانية الحلقة الأولى (2)



أهــل الحـديث
11-06-2013, 05:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



..بدأ أناس محتجزون يتوافدون وآخرون يخرجون، وقد كان من بين الوافدين رجل صعيدي اسمه حسان خبير في الحاسوب و(الإنترنت)، وصلني (بالإنترنت) وقال لي بعضهم:

أكتب، وحاول أن تثير الإعلام عليهم ما استطعت، فللا يرهبون شيئا كالإعلام. وكذلك كان.. حيث بدأت أكتب أول بأول من مكان الحجز على (فيسبوك) وغيره مما كان له عظيم الأثر في نفسي من حيث تواصل الناس معي أولاً بأول في مصر وخارجها.
كان الوافدون الجدد كثير من المصريين المحتجزين على الحدود الليبية خاصة، وكانوا أعدادا غير قليلة، وكانوا يفقدون حقائبهم التي جمعوا فيها شقاء سنوات من شبابهم وأعمارهم، خاصة وأن الذين يأخذون تلك الحقائب يأخذون الجديد دون غيره.
استمر دخول الوافدين الجدد بكثرة، وكان منهم شاب فلسطيني غزي معه هاتف نقال بشريحة مصرية، وكان سبب احتجازه تأشيرة إلى (بلجيكا) مزورة، وقد استعملت هاتفه للتواصل مع بعض الإخوة المصريين، وخاصة الأخ أبو عمر، الذي أوصل الرقم إلى الأهل والأصدقاء في عمان، ومنهم الأخ جمال السلفيتي ـ حفظه الله ـ الذي بقي على تواصل معي، وحين أخذوا الشاب الفلسطيني إلى النيابة العامة بعد الظهر، حُرِمْتُ من تلك الوسيلة.
صليت الظهر والعصر جمعا وقصرا مع بعض المحتجزين، وبعد الصلاة نمت قليلا.. كثر الناس في الغرفة.. وكثر اللغو واللغط.. والدخان الخانق.. وتهم المحتجزين متعددة.. والحال من سيء إلى أسوأ حتى صليت المغرب والعشاء جمعا وقصرا، وبقيت في مجلسي أقرأ القرآن حتى جاء شرطي ليأخذ مني بطاقة الصعود إلى الطائرة (البوردنغ) ليجهز (يُشَيِّكَ) لي سفري.
تنفست الصعداء.. وشعرت بقرب الفرج.. نادوني إلى القاعة الخارجية.. أجلسوني وقتا خلته دهراً.. قادني أمين شرطة (وكيل) من مصعد إلى مصعد، ومن طابق إلى طابق صعودا ونزولاً ـ وكأنه يتعمد ذلك حتى لا أعرف طريق العودة إن فكرت بها ـ حتى وصل بي إلى قاعة الطائرة المغادرة إلى (نيروبي) وبعد تفتيش أمتعتي، ناولني جواز سفري، وبطاقة صعود الطائرة، وحذرني ـ لمصلحتي ـ من العودة إلى القاهرة مرة أخرى قبل رفع اسمي من قائمة ترقب الوصول.
دخلت القاعة، وكنت أول الداخلين على الإطلاق.. ولم يدخل بعدي أحد إلا بعد وقت ليس بالقصير.. اتصلت بالأهل، وببعض الإخوة في الأردن وغيره، وطمأنتهم، وأخبرتهم بالإفراج عني، وانتظاري الصعود إلى الطائرة المغادرة إلى (نيروبي)، وقد كان لاتصال الأخ أسامة شحادة ـ حفظه الله تعالى ـ بي حينها مهنئا ومطمئنا أعظم الأثر في نفسي، فجزاه الله خير الجزاء.
جلست أقرأ القرآن، وبدأ الركاب يدخلون القاعة، ولم يدخل الأخ عبد المنعم رفيق رحلتي ودليلي، ولكنني لم أقلق لذلك كثيرا، ومن لطف الله تعالى تعطل الحاسوب الذي على بوابة المغادرة والخروج، فتأخرنا في التوجه إلى الطائرة، وأثناء هذا التأخر هَلَّ الأخ عبد المنعم وحضر، فحمدت الله على حُسن تدبيره وتوفيقه.
اعتذر الأخ عبد المنعم عن عجزه عن عمل شيء خلال فترة احتجازي، وعبر لي عن عميق مشاعره التي لا أشك بصدقها، ونبهني إلى أمر أزاح عن صدري كثيراً من الهموم التي سببها الاحتجاز، وأفرحني بتدبير الله لي، خير من تدبيري لنفسي، وهو أن تأخر طائرتنا أمس، وإلغاء الرحلة، وعدم سفرنا على الطائرة (الكينية) عجل باحتجازي الليلة البارحة فقط، وهو خير منه لو سافرنا حسب البرنامج، وحين العودة احتجزوني حين دخولي مصر التي كنت أنوي دخولها والإقامة فيها أربعة أيام بعد عودتي من (كينيا)، وبالتالي سيكون الاحتجاز لتلك المدة حتى يحين موعد حجزي للعودة إلى عمان، فلما تأملت ذلك تأكدت وزدت يقينا أن تدبير الله للعبد خير من تدبيره لنفسه على أي حال دائما وأبدا.
أخبرني الأخ عبد المنعم أنه من الضيق بمكان بسبب كذب وافتراء كثير من الذين اضطررنا للتعامل معهم أمس واليوم، سواء من موظفي شركة الطيران، أو موظفي الفندق الذي نزل فيه، أو السواقين، أو الموظفين والمستخدمين، أو غيرهم، حتى يخيل للمرء أنه من الصعب بمكان مصادفة إنسانا صادقا في التعامل في هذه المدينة الكبيرة العريقة، وهو نفس الشعور الذي انتابني تماما خاصة بعدما اتهموني بمحاولة الذهاب إلى غزة، مع أن كل وثائقي الرسمية الصادرة منهم، ومن غيرهم تثبت نيتي التوجه إلى (نيروبي)، ومع هذا كانوا يكذبوني بكذبهم وهم أهل للكذب، وأحق به.
غادرنا القاهرة متأخرين عن الموعد المقرر للرحلة، وكانت الطائرة غير ممتلئة، مما هيأ لي وبترتيب وتهيئة من رفيق رحلتي، ودليلي، وأخي الحبيب الشيخ عبد المنعم، النوم على ثلاثة مقاعد كاملة، بعد عَشاء غاب الطعام عني فيه أكثر من ثلاثين ساعة من الجوع، مما أذهبني في سبات عميق لقرب وصولنا (نيروبي).
وصلنا نيروبي في ساعة متأخرة من الليل قبل الفجر، واصطدمنا بالفوضى الأفريقية التي أشاهدها وأصادفها أول مرة في حياتي مع وجود تصور سابق لها، ولكن ليس من رأى كم لم ير!!
طلبوا مني تعبئة نموذج ورقي أبيض فعبأناه، إضافة لنموذج أصفر عبأناه قبل في الطائرة، وحمدت الله كثيرا أن معي مترجما يفهم ما يريدون، ويفعل ما يطلبون، ثم طلبوا مني صورة التأشيرة والدعوة فناولتهم إياها، واستخرج مسؤول ـ طويل ضخم ـ بناء عليها مغلفا مكتوبا عليه اسمي بالإنجليزية، وبداخله خمسين دولاراً رسوم التأشيرة، وبدأ الموظف المسؤول.. المهبول.. المخبول.. المسطول.. الضخم يبحث عن أصل الدعوة في ملف ضخم كبير جدا قد تمزق غلافه من ضخامته، وكثرة استعماله، ذكرني فورا بملف ضخم كبير كنا نستخدمه كثيرا في الجيش أثناء خدمتي الإلزامية بين سنة 1978م ـ 1980م، وهو ملف الرياضة، وكان رمزه الكودي حينها (ع3/35) وكان من كثرة اهتمام الجيش بالرياضة حينها يتغير ويُجدد بين الحين والآخر، حتى كنا نفتح ملفا جديدا كل أسبوع تقريبا من كثرة المعاملات التي تدخله، ولأن الإشارة للسابق فيه واللاحق دائمة، فكان مع ضخامته ضيف ثقيل الدم، دائم الوجود على المكاتب.. تذكرت الملف المذكور حين رأيت ملف صاحبنا المسطول آخر الليل، وآخر الشهر..
أدركت ـ من الوهلة الأولى ـ أنه لن يجد الأصل الذي يبحث عنه أبداً لأنه ـ ببساطة ـ كان يبحث في ملف شهر آيار (مايو)، ونحن في آخر يوم منه!!.. ودعوتي وتأشيرتي كانت في شهر نيسان (إبريل)!! فمن المستحيل ـ والحالة هذه ـ أن يجده في هذا الملف، ولكن خشيت أن أنبهه إلى هذا فيظهر له أنه مخطئ مهبول فيُعَقِّدْ أموري، فسكتُّ على مضض حتى لا أغضبه، وبعد المرور على الكثير من الدعوات والتأشيرات وبآلاف الصفحات، وقد قارب تواريخ نصف أيار، ولم ـ ولن ـ يجد، فاضطررت للكلام، فقلت له بإنجليزيتي الركيكة أن يبحث في ملف شهر (إبريل)، لأن دعوتي وتأشيرتي كانت في شهر (إبريل).
وحين تنبه لخطئه الغبي، لام نفسه، وأمر مساعده أن يحضر ملف شهر (إبريل)، فإذا به أكبر وأضخم من ملف شهر (مايو)، فقلت في نفسي:
لا حول ولا قوة إلا بالله، متى وأين سيجد الورقة في هذا الملف؟!
حينها استأذنت للخروج للحمام حتى ينتهوا، وغبت في الحمام فترة ليست قصيرة، وتوضأت، ورجعت وهم لم يجدوا شيئا، وطلبوا منا الانتظار إلى ما بعد الثامنة حتى يبدأ الدوام، ويحضر من هو أغبى وأجهل منهم طبعا!!.
طلب الأخ عبد المنعم من مساعد الغبي الضخم الذي كان من البداية يحوم حولنا ـ والذي تبين لنا فيما بعد أنه يقبض مقابل هذا الحَوْمِ، وتلك المساعدة ـ أن يخبر أخانا الذي طال انتظاره في الخارج في انتظارنا، وأعطاه اسمه، فخرج إليه، وحين علم أخونا (باسواد) المُنْتَظِرُ ـ باسم الفاعل المكسور ما قبل آخره، وليس باسم المفعول المفتوح ما قبل آخره!! ـ بالموضوع بادر بالاتصال بالشخص الذي ساعد في إخراج الدعوة والموافقة والتأشيرة، وبعد قليل أصدر المسؤول الأهبل الطويل الضخم أمره للشرطة بإصدار تأشيرة الدخول، وكذلك كان، ولم نحتج للانتظار إلى غباء وجهل وفساد آخر بعد الثامنة صباحا.
انتهينا من إجراءات دخول (كينيا) وإجراءات الخروج من المطار، حيث وجدنا الأخ (باسواد) في انتظارنا رفقةَ سائق نائم في سيارته، ربما لم يسمع باسم الموت، أو لم ير يوما ميتين قط!!
سار بنا هذا السائق العجيب في شوارع نيروبي الخارجة من المطار باتجاه (ممباسا) حيث لم يترك مطباً إلا ضَمَّه إلى بطن وصدر سيارته المسكينة، وعانقه بقوة وقسوة، ولم يترك حفرة إلا وجعلها تحتضن عجلات سيارته ومساعداتها بقوة وعنف، وكنا نسارع الوقت لندرك صلاة الفجر في أقرب مسجد قبل خروج وقتها، وطلوع الشمس، حيث تبين لي أثناء مغادرة المطار، والخروج إلى الطرقات أن الناس الذين يخرجون في هذه الساعة المبكرة إلى أعمالهم في (نيروبي) أكثر من مجمل عدد سكان الأردن ربما!! حيث كانت الشوارع والطرقات في هذه الساعة المبكرة غاصة ومزدحمة بالبشر، والسيارات، والدرجات، وغير ذلك.
وأما أهم الفوائد المستفادة من هذا الجزء من هذه الحلقة فهي:
1ـ ظهر لي بعض التغير الذي حل بمصر، والذي كان الخوف فيه هو المسيطر، والمهيمن على علاقة المواطنين وغير المواطنين مع الأمن المصري، الذي لم يترك الكذب والافتراء على خلق الله ولكنه صار يهابهم.
2ـ تبين لي أهمية الإعلام في تغيير كثير من الأمور التي كان يسكت عنها المواطنون خوفاً وإرهابا من المسؤولين الأمنيين.
3ـ ساعد المقهور ولو بالكلمة أو الاتصال، فإنك تزيده قوة، وربما بعثتها فيه.
4ـ أكثر من تلاوة القرآن، وذكر الله في أزماتك، وتمثل قول الله تعالى:
(فاذكروني أذكركم)
وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى:
(من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملأه).
5ـ اتصل بإخوانك وواسهم أثناء محنهم، تخفف عنهم، وتشد أزرهم، وتنفس كربتهم، وينفس الله كربتك يوم القيامة كما قال عليه الصلاة والسلام:
(من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)
6ـ إياك والكذب والافتراء على الناس، فإنه كبيرة من الكبائر، وحقيرة من الحقائر التي تجلبها لنفسك.
7ـ ارض بما قسمه الله ودبره لك، ففيه خير من تدبيرك لنفسك.
8ـ تعلم الإنجليزية ـ مع بغضي الشديد، وكراهيتي العميقة لها ولأهلها ـ لأنها لغة عالمية يحتاجها، ويضطر لها، الداعية كثير الأسفار.
9ـ لا تُظهر لمسؤول أنه غبي لا يفهم ـ إلا أن تضطر لذلك ـ لأنه سيعتبرك متدخلا في شغله الذي لا يفهمه غيره!! في حين أنه أبعد الناس عن الفهم.
10ـ لا تسلم سيارتك لسائق لا يتقي الله ولا يخاف الموت، فموتها وتلفها محقق إن عاش هو أو مات.
وإلى أن ألتقيكم في الحلقة الثانية من الفوائد الندية من الرحلة الكينية والتنزانية من قلب (كينيا) العجائب.
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.