المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أيهما أشد عليك؟!



أهــل الحـديث
10-06-2013, 08:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الأحبة هذه مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.


أيهما أشد عليك؟!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن كثيرا منا أيها الأفاضل إذا دخل فصل الصيف اشتكى من شدة حره وبذل الأسباب التي تقيه من كربه وذلك باستعمال الوسائل المعينة على ذلك،والذهاب إلى الأماكن الباردة باذلا في ذلك الغالي والنفيس!.
وهذا بإذن الله لا محظور فيه،إذا لم يخالطه منكرات مثل الاختلاط وكشف العورات، وإضاعة الواجبات كالصلوات، فإن من سماحة الشريعة المباركة أنها شرعت للمسلم التمتع بالمباحات، شريطة أن لا تكون وسيلة للمحرمات أو سببا في ترك الطاعات،قال تعالى:(وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) [ القصص :77]
قال ابن كثير –رحمه الله-:"أي مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن و المناكح، فإن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا ولِزَوْرك عليك حقا، فآت كل ذي حق حقه".تفسير ابن كثير (3/400)
إن شدة حر الصيف وبرد الشتاء أيها الأفاضل هما نَفس من أنفاس النار كما أخبر بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ، حيث قال: "اشْتَكَتْ النَّارُ إلى رَبِّهَا، فقالت: يا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا ،فَأَذِنَ لها بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ في الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ، فَهْوَ أَشَدُّ ما تَجِدُونَ من الْحَرِّ، وَأَشَدُّ ما تَجِدُونَ من الزَّمْهَرِيرِ".رواه البخاري (512)،ومسلم (617) واللفظ له، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- .
قال الإمام ابن رجب -رحمه الله- :"فالمحققون من العلماء على أن الله أنطقها بذلك نطقاًحقيقياً ،كما ينطق الأيدي والأرجل والجلود يوم القيامة،وكما أنطق الجبال وغيرها من الجمادات بالتسبيح والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم،وغير ذلك مما يسمع نطقه في الدنيا". فتح الباري لابن رجب(3/70)
ويقول الحافظ ابن حجر –رحمه الله- :"النفس المذكور ينشأ عنه أشد الحر في الصيف".فتح الباري (2/19)
وقال الحافظ العيني –رحمه الله-:" فإن المراد منه جهنم وليس المراد نفس النار،لأن جهنم فيها النار وفيها الزمهرير ، وهو البرد الشديد ، والضدان لا يجتمعان،ولفظ جهنم يشملهما، وعلى غير ذلك من أنواع العذاب أعاذنا الله من ذلك برحمته".عمدة القاري (15/164)
لكن الكيس الفطن أيها الكرام هو الذي تحدثه نفسه ويتساءل إذا كان هذه الشدة في حر الدنيا الفانية! فكيف بشدة حر جهنم الباقية ؟! فيعتبر ويتعظ امتثالا لقوله تعالى :( أفرأيتم النار التي تورون(71) أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون (72) نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين(73) فسبح باسم ربك العظيم) [الواقعة :71-74]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :"(نحن جعلناها تذكرة ) للعباد بنعمة ربهم وتذكرة بنار جهنم التي أعدها الله للعاصين وجعلها سوطا يسوق به عباده إلى دار النعيم.( ومتاعا للمقوين )،أي:المنتفعين أو المسافرين،وخص الله المسافرين لأن نفع المسافر أعظم من غيره،ولعل السبب في ذلك لأن الدنيا كلها دار سفر،والعبد من حين ولد،فهو مسافر إلى ربه،فهذه النار جعلها الله متاعا للمسافرين في هذه الدار،وتذكرة لهم بدار القرار،فلما بين من نعمه ما يوجب الثناء عليه من عباده، وشكره وعبادته،أمر بتسبيحه وتعظيمه،فقال:( فسبح باسم ربك العظيم ) ، أي : نزه ربك العظيم ، كامل الأسماء والصفات ، كثير الإحسان والخيرات . واحمده بقلبك ، ولسانك ، وجوارحك ، لأنه أهل لذلك ، وهو المستحق لأن يشكر فلا يكفر،ويذكر فلا ينسى،ويطاع فلا يعصى".تفسير السعدي (ص 835)
وقال الشيخ الشنقيطي –رحمه الله-:" أي نذكر الناس بها في دار الدنيا إذا أحسوا شدة حرارتها، نار الآخرة التي هي أشد منها حراً لينزجروا عن الأعمال المقتضية لدخول النار ".أضواء البيان ( 7/536)
فإذا زينت له نفسه المعصية! تذكر دائما نار الآخرة الحامية!التي هي أضعاف نار الدنيا الفانية،قال صلى الله عليه وسلم:" نَارُكُمْ جُزْءٌ من سَبْعِينَ جُزْءًا من نَارِ جَهَنَّمَ"،فقيل يا رسول الله إن كانت لكافيةً،قال:"فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا".رواه البخاري(3092)واللفظ له،ومسلم (2843)من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-.
قال الغزالي –رحمه الله- :"نار الدنيا لا تناسب نار جهنم ،ولكن لما كان أشد عذاب في الدنيا عذاب هذه النار عرف عذاب جهنم بها،وهيهات لو وجد أهل الجحيم مثل هذه النار لخاضوها طائعين هربا مما هم فيه".إحياء علوم الدين (4/ 531)
ولهذا كان أيها الأفاضل من سبقنا من الصالحين إذا رأوا نار الدنيا اضطربت أنفسهم وتغيرت أحوالهم،وتذكروا نار يوم الدين الذي لا نجاة منها إلا بفضل أرحم الراحمين ثم ببذل الأسباب التي تنفعه بإذن رب العالمين،قال سعد بن الأخرم الطائي-رحمه الله-:"كنت أمشي مع ابن مسعود فمر بالحدادين وقد أخرجوا حديدا من النار فقام ينظر إليه ويبكي". التخويف من النار لابن رجب(ص 25)
لكن أهل العصيان بدل أن يعتبروا بشدة الحر ويتفكروا في حال يوم المقر،غلَّبوا أهوائهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل،فجاهروا بالمعاصي والمحرمات،وتركوا فعل الواجبات والطاعات ونسوا أن حياتهم في الحقيقة ما هي إلا لحظات! وستنقطع عنهم اللذات وتنصرف عنهم الشهوات وتبقى لهم الحسرات،وسيقفوا أمام رب البريات ليسألهم عما كان منهم في كل الأوقات،قال تعالى:( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) [ الحجر :93]
قال ابن الجوزي –رحمه الله- :"هذا سؤال توبيخ يسألون عما عملوا في ما أمروا به من التوحيد والإيمان، فيقال لهم لم عصيتهم وتركتم الإيمان، فتظهر فضيحتهم عند تعذر الجواب".زاد المسير ( 4/419)
أيها الأفاضل ينبغي علينا أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، وأن نقف وقفة صادقة،وليسأل كل منا نفسه سؤالا مهما!، ألا وهو إذا كنا لا نحتمل حر الدنيا!ونستعين بكل الوسائل الحديثة للتخلص والتخفيف منها!، فكيف سنتحمل شدة حر الآخرة ؟! ولماذا لا نبذل الأسباب التي تقينا بإذن الله جل جلاله منها؟!
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا إلى الخيرات وعمل الصالحات واستغلال الأوقات، وأن يجعلنا ممن يخشاه في الجلوات و الخلوات ،فهو سبحانه غفور قريب يجيب الدعوات.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي