المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بُشرى لطلبة العلم :صدور الطبعة الثانية من رسالة (كيف نخدم الفقه المالكي) للشيخ بن حنفية العابدين



أهــل الحـديث
09-06-2013, 10:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم
فهذه مقدمة الطبعة الثانية من كتب الشيخ الفقيه بن حنفية العابدين المعسكري الجزائري
{ كيف نخدم الفقه المالكي }

صدر عن دار الامام مالك
بالجزائر العاصمة
وللدار وكيل بمصر وتونس


مقدمة الطبعة الثانية

الحمد لله الذي له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون،وأشهد أن لا إله إلا الله، ولا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، واتبع هداه،وعلى جميع أنبياء الله، أما بعد فهذه هي الطبعة الثانية لكتابي (كيف نخدم الفقه المالكي) الذي صدر منذ عشر سنين، والباعث على كتابته ما يعرفه من قرأه، وهو الانقلاب الكبير الذي حدث في بلدي في مجالات شتى، وقد أجملت الإشارة إلى فرد من أفراد هذا الانقلاب في مقدمةالطبعة الأولى وأنا بصدد الرد على من قد يعترض على إثارة هذا الموضوع في تلك الظروف الصعبة إذ قلت: إن هذا الذي كتبته جاء بعد ما يقارب العقد من الزمن، تجاوز فيه هذا التعصب حده عندنا، وصار شعار مذهب مالك من أكبر ما تحارب به السنة في بلادنا، بل كان هذا حربا على مذهب مالك نفسه، فمن اللازم أن يبين زيف هذه الدعوى، ولأن الإصلاح ليس كلا لا يتجزأ، فمن قدر على القيام بشيء منه، أوالدعوة إليه؛ فليفعل، ولا ينبغي أن يستقل أي شيء من عمل الخير، فإن إحسان المسلم أي عمل من أعماله كيفما كانت منزلته؛ هو من جملة هذا الإصلاح، بل إنه من أسباب النصر والتمكين،،،" ، انتهى، وكنت أعتزم ذكر بقية أفراد هذا الانقلاب في شتى المجالات في مقدمة هذه الطبعة ثم عدلت عن ذلك .وهذا الذي ذكرته يدلك على أن الكتاب كان أصله رد فعل اقتضاه الوضع القائم في البلد يومئذ وما يزال، لهذا تضمن نقدا لما عشناه من العسف والجور والقهر تحت غطاء التزام مذهب مالك، لكنه ضم إلى ذلك ما قد يصلح أن يكون، البعيدة عن بداية لخدمة هذا المذهب الخدمة التي فيها مرضاة الله ورسوله التعصب والتحجر، والتفلت و(التحرر)، وقد كان هذا النقد الذي في الكتاب مانعا من جملة موانع حالت بيني وبين إعادة طبعه رغم كثرة من رغب فيه، إلى أن جاءت الرغبة ممن لم أقو معهم على الامتناع، وعلى رأسهم الشيخان الفاضلان أبو سعيد بن أحمد، والدكتور مراد بوضاية وفقهما الله، وهذا منهما تقدير للجهد وإن كان ناقصا، وتثمين للعمل وإن كان قالصا .وقد كنت أقول عن تلك الفتنة وكانت لما تزل في بدايتها إن الشروخ التي ستخلفها في علاقات الأفراد بعضهم ببعض وفي نسيج الأمة ستكون أعظم أثراوأبعد غورا من هذه الخسائر التي لحقتنا في الأنفس والأموال والأعراض والمنشآت، لكن ربنا سبحانه وتعالى سلم، فلم يكن الأمر كما ظننت، إذ عادت اللحمة بين الأفراد إلى سابق عهدها، وتنوسيت الحزازات ومخلفات ذلك الانقسام لما يغلب على أفراد هذا الشعب من الخير والسماحة، فلله الحمد على ما أعطى وأولى . لكن هذا الذي حصل في صلة الأفراد بعضهم ببعض بمقتضى ما فطروا عليه من الخير لم يحرك القائمين على شؤون البلد إلى الإدلاف نحو استئصال عوامل التفرقة والابتعاد عن تصنيف أبناء وطنهم إلى فئات وجماعات، واعتماد مقاييس في الإبعاد والتقريب ما أنزل الله بها من سلطان، فهل لك أن تقول إن أفراد الأمة المفطورين على الخير سبقوا بعض من هم فوقهم إلى لم الشمل وتناسي الضغائن والأحقاد، ودفن الإحن والتعالي على السفاسف، نعم إن الدعوة إلى ذلك ظاهرا قد حصلت، لكن الواقع شاهد على أن الإصلاح لم يصل إلا إلى العطب الذي يمكن بعض الجهات من مواصلة الطريق الذي اختطته أو خط لها، أما الباقي فقد أبقي على ما كان عليه، لا أكاد أفهم كيف ينظر بعضهم إلى مجموعة من الناس في بلدهم باعتبارهم جالية يصرح بذلك وهو في موقع عال في السلطة، مع أن هؤلاء الذين يقصدهم هم من الجيل الذي عرف الحياة بعد الاستقلال، فإن كان فيهم عرج أو عوج وسمة البشر النقص؛ فالعهدة على النظام الذي ترعرعوا فيه وتربوا، وإقرار المرء بمشيئة الله تعالى النافذة في خلقه ليس مانعا من تحميل الوزر من يستحقه .

قد يقلقك أيها القارئ الكريم حديثي هذا عن وضع البلد وما وصلت إليه بعد ربطه بتلك الفتنة، لأن المعتاد في كتب العلم والفقه منه على الخصوص إنما هو تقرير أحكام الله تعالى بعيدا عن مؤثرات الحياة وما يطبعها من الخصائص والسمات، فلا تنزعجن، أليس من الخير لك أن تعلم هذا الوضع أو بعضه من مدون الكتاب بدل أن تعلمه ممن قد يأتي بعده فلا يهتدي إلى تفسير لهذه الحدة التي طبعت كلامه الذي ستقرأه كما يفعل محققو الكتب وناشروها وهم يقدمون لها بدراسة بيئة الكاتب ومحيطه والمؤثرات التي احتفت بعمله؟، يكتفي كثير من الناس في مثل هذه الأمور بالحديث عنها في خلواتهم فيخفون السخط، ويظهرون الرضا، اللهم إننا نحمدك أننا لم نبلغ بعد مرحلة الاكتفاء في تغيير كثير من المنكرات بالقلب الذي هو أضعف الإيمان، ونسألك أن تمكننا مما هو فوق ذلك مما نقيم به دينك وننتصر به لسنة نبيك، إن النقد الهادئ الذي لا يهدف إلى التهييج والتهريج ويعمد إلى تنبيه أولي الأمر إلى ما تجاوز فيه مفوضوهم ومساعدوهم الحق والعدل ليس مخالفا للشرع، فكيف إذا كان متجها إلى الانحرافات ذاتها بعيدا عن ذكر الناس بأسمائهم، وقد سجل لنا تاريخ سلفنا من عهد الصحابة فمن دونهم مواقف نيرة في إعلانهم إنكار المنكر، ولتعلم مع هذا أني ممن لا يرون سلوك نهج العنف والتجييش ضد الحكام، فليس هو بالسبيل المقبول الذي نطيع الله تعالى بانتهاجه، ولا هو بعد ذلك بالمفيد في الإصلاح كما يقر به كل عاقل، وكما عشناه وما زلنا نعيشه، ولتعلم بعد هذا أن انتقاد نظام معين من أنظمة الحكم في جانب أو أكثر ليس بالضرورة نقدا لرئيس أو وزير أو غيرهما ممن هم في هرم السلطة أومن دونهم من الأفراد الذين يتولون إدارة ذلك النظام، فقد دخل على أنظمة الحكم في هذا العصر من التعقيد والتداخل ما يجعل الحاكم الذي تتوجه إليه الأنظار عادة في كل اختلال ليس إلا حلقة من الحلقات في اتخاذ القرار،وأمر حلق اللحى وكشف المرأة رأسها للحصول على جواز السفر وبطاقة التعريف،واختلاف الأمر فيه حسب الولايات وأمزجة الولاة شاهد على هذا الذي أقوله،ولو ذهبت أذكر لك أمثلة لهذا الاختلاف في معاملة الناس حسب الولايات لقضيت العجب، وقد يكون الحاكم نفسه يشكو من هذا الواقع الذي سجن فيه ولم أجد منه مخلصا، فمن الحق أن يكشف له تجاوز الذين يشتطون ويظلمون فيسيئون إليه من حيث يريدون أن يرضوه ويخدموه، والمعيب هو أن يجبه الحاكم بمثل هذه الانتقادات باسمه علنا، بل الصواب هو إسداء النصح له ودعوته إلى تقويم الاعوجاج سرا كلما تيسر ذلك، وفيما عليه بعض أهل العلم الربانيين في هذا العصر ما يستأنس به لسلوك هذا النهج الوسط .حين صدر هذا الكتاب اختلفت ردود الأفعال تجاهه، والغريب أن أكثر الجهات التي لحقني منها الأذى هي تلك التي يفترض أن توافقني على مضمونه، لكن شاء الله تعالى أن يجيء الأذى من حيث يظن خلافه، وفي ذلك عبرة للمرء كي يخلص النية لله تعالى ويصدق في توجهه إليه، وقد قال سبحانه: " كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ"، فهو سبحانه الأول والآخر، وما أريد به وجهه هو الذي يبقى، وإنما أوتينا من هذا الباب، وقد ظن بعضهم أنه كتاب فقه، فانتظر أن يجد فيه أحكام الطهارة والصلاة وغيرهما، ورأى فريق آخر أن فيه سموما فحذر منه، واكتفى بعضهم ممن اشتد أذاه بقراءة مضمونه من عنوانه فحشره في خانة التعصب، وأفتى بمنع قراءته وطالب بمصادرته، تفعل هذا يا عبد الله وأنت بعيد عن السلطة فكيف لو مكنت منها؟، وهل لي أن أخبرك أن نسخا منه قد أحرقت في معسكر، وضاع منه نحو ستمائة نسخة بمدينة الجزائر بسبب تلك الفتوى، وتفصى الناشر من مسؤوليته التي التزم بها في عقد الطبع، والعجب أن سمة التعجل هذه قد حصلت لبعضهم مع كتابي عن أبي راس المعسكري فحشرني في خانة المتصوفة، ظن المسكين والظن لا يغني من الحق شيئا أن ذلك هو مدلول عنوانه الذي هو أبو راس الناصري المعسكري حياته وتصوفه من خلال كتابه الحاوي، وأنا لست من المتصوفة قطعا في رسومهم التي خالفوا بها، أما ما عليه المتصوفة المتقدمون الذين كانوا على الجادة فماشريعة محمد أعظم قصوري عنه وتقصيري فيه، وإن كنت لا أقر مصطلحهم الذي هو التصوف لأنه يزاحم الإحسان الذي هو معلم من معالم هذا الدين، ثم تكرر هذا الأمر مع كتابي هل الحزبية وسيلة إلى الحكم بما أنزل الله؟، فقرأ بعضهم المحتوى من العنوان فاعتبروه دعوة مقنعة إلى الحزبية، وجلبوا لكاتبه السب والشتم من وراء البحار، وقد حصل من الأحداث ما قلب الموازين القائمة منذ عقدين من الزمان في مسألة إنشاء الأحزاب، فانتقل بعض مبدعي المتحزبين إلى متحزبين، وظل الكاتب على ما كان عليه من القيود في هذا الأمر، بل ازداد يقينا بعدم المشروعية وعدم الجدوى من ثم، ولهذا جاء كتابي الذي سميته المخرج من تحريف المنهج يستعرض شيئا من هذا الغلو الذي أضر بالعمل الدعوي السني السلفي، وشغل الناس عن كثير من الباقيات الصالحات، وربطهم بالقيل والقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، وجعل هم بعضهم الطعن في الأعراض، وتركوا ما هو من واجب الوقت الكفائي من إصلاح الحياة، ثم بلغ هذا اللغط الحضيض حيث تجاوز الأتباع إلى الرؤوس، والمهم أن المرء يدعو إلى ما يراه حقا على بصيرة من دينه، ولا يهمه بعد ذلك ما يقول الناس، فإنهم سيعرضون على الله جميعا لا تخفى منهم خافية .وحيث إن تلك الظروف التي تحدثت عنها قد طرأ عليها بعض التغيير في صلة أفراد الأمة بعضها ببعض، ويكاد ذلك الزبد الذي تضخم شأنه يذهب جفاء، وهوذاهب إن شاء الله، وحيث إن بعض إخواننا الذين كانوا ينبزون الكاتب بالتعصب المذهبي فيسرفون، وينفرون من فقه مالك جهلا فيغلون؛ قد رجع كثير منهم إلى مدارسة مصنفات هذا المذهب، فقد رأيت إعادة طبع هذا الكتاب، وأعمال البشر في حاجة إلى المراجعة والمعاودة، ولا يكاد أحد يستمر رضاه على ما كتب ولو قرب العهد، والعلم لا يعرف الجمود، والعصمة إنما هي لكتاب كما قال الإمام الشافعي رحمه الله: "قد ألفت هذه الكتب ولا بد أن يكون فيها اختلاف، فإن الله تعالى قال: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا "(النساء82)، وقال العماد الأصفهاني: "إني قد رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده لو غير هذا لكان أحسن،ولو زيد هذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك لكان أجمل،وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر"، انتهى،
وقال ياقوت الحموي: "المتصفح لكتاب أبصر بمواقع الخلل من مبتدئ تأليفه"،وقال الجاحظ: "عقل المنشئ مشغول وعقل المتصفح فارغ .وإذا كان هؤلاء وفيهم العلماء قد قالوا هذه الأقوال عما خطوا وكتبوا،
فكيف بأخيكم هذا وليس هو إلا مبتدئا محبا للعلم وأهله؟، فسددوه وانصحواله في رفق، وقد تضمنت هذه الطبعة إضافة أشياء، وإعادة ترتيب بعض الفقرات،وحذف بعضها، وتوضيح بعض ما كان مجملا، وإصلاح ما كان خطأ من سبق قلم ونحوه، وقد حال بيني وبين ما كنت أرغب فيه من تفصيل بعض المسائل أن أصل الكتاب لم يجر على الطريقة الأكاديمية المعاصرة، وإنما هي رؤوس أقلام تنبه إلى أصول المسائل وأمثلة والمثال يتجوز فيه، ولما كان العلم إنما يراد للعمل، وأن التدريس والتأليف مهما بلغ من الكثرة لا يوصل إلى المطلوب من إصلاح الحياة العامة في هذا العصر الذي تخلى فيه معظم حكام المسلمين عن إقامة الدين، وليقيني بلزوم الإصلاح المتدرج الجزئي بعيدا عن ممارسة الحكم العام أضفت فقرة إلى الكتاب أشرت فيها بإجمال إلى هذا النهج الذي أرتضيه في التمكين للشرع في هذا العصر، ولم أتمكن من تفصيل القول فيه، فلعل ما ألمحت إليه يكون باعثا على التأمل فيه وإثرائه بالآراء والأفكار النافعة ممن أعطاهم الله بسطة في العلم حتى تثرى المباحث الفقهية بما يخدم الدعوة خدمة ميدانية عملية، ولهذا جعلت الكتاب ثلاثة فصول، أولها الفقه والغاية منه، والثاني عن الفرق بين مذهبية المتعصبين والمستبصرين،والثالث عن أصول مالك وأمهات مذهبه وما ينبغي أن يراعى في الاستفادة من مصنفات الفقه وشروحها، والله ولي التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا به .


وكتب
بن حنفية العابدين
معسكر في
الحادي عشر من شعبـان 1433
الموافــق لـ 01 يوليو 2012