تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : التنوير: علمانية جديدة.



أهــل الحـديث
09-06-2013, 08:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

بدايةً أعتذر إذ تقدمت بين يدي المشايخ الأفاضل، وطلابِ العلمِ النجباء، وأعترف: بأنني لست من أهلِ العلم ولا طلابه، وليس لي فيه باع ولا ذراع، لكن ضاق صدري فأحببت أن أُشركَكم همّي.

أقول:
أصبحَ واضحًا رواجُ فكر التنوير على كثيرٍ من شبابنا، وتأثر بهذه النزعة التجديدية التحررية شبابٌ كانوا على خيرٍ واستقامة، ثم تأثروا بنحاتةِ أفكار، وزبالة أذهان، فأصبحوا يُهاجمون المدرسةَ التي كانوا يتعلمون فيها.

أصبح لدى هؤلاء هاجسٌ يستوحشون منه، ألا وهو(التراث)، ويأنفون من أصحاب تلك المدرسة!
فترى الواحدَ منهم -ولمّا يكتمل نُضجه المعرفي بعد- يتربع في جلسته، وينفخ صدره، ويرفعُ صوتَه مستدركًا ومغلطا لجماهير أهل العلم، من السلف ومن المعاصرين؛ فهو رجلٌ مثلُه مثلُ الشافعي والبخاري وابن حنبل وابن حزم، سواء بسواء؛ فكما كان يجوز لأؤلئك أن يتحدثوا في دين الله: يجوز له أن يتحدث، ويستدرك على السلف ما فاتهم، ويُغلطهم حتى في حالةِ إجماعهم.

ولا يتردد ذلك الشاب في إطلاق الوهم على جماهير السلف وعامة العلماء، فإذا قالَ بقولٍ فاسدٍ لا تُؤيده الأدلة الشرعية، ويتناقض -صراحةً- مع كلِّ تفاسيرِ أهل العلم: بادرَ إلى تخطئتهم في اجتهادهم، بل ويجمع مع هذه السيئةِ سيئةً أُخرى: ألا وهي اتّهام السلف بفساد نيتهم!؛ فيزعمُ أنَّهم قالوا ذلك القول؟َ في دين الله وأطبقت عليه كلمتُهم من باب المجاملة للسلطة السياسية!، أو حسدًا وحقدًا على الطائفة الشيعية، أو لأمورٍ أخرى!

ثم لمّا تطور الأمر، وصارَت آراؤهم تتناقض بشكل واضح وصريح مع أقوال الصحابة الكرام، بادروا إلى إسقاط الصحابة واحدًا تلوَ الآخر: إمّا تصريحًا(مثل تكفيرهم لسيدنا معاوية)، وإمّا تعريضًا وتلميحًا(كالحطِّ من قدرِ عائشة الصديقة، وأبي هريرةَ ناقل السنة الشريفة).

فصارَ هذا الشاب لا يتوقف في مذهبه وفكره،يُسقط كلَّ من يقف في طريقه؛ فلم يعد لفهم السلف اعتبارٌ عنده، ولمّا تصادمَت أقوالُه مع أقوال الصحابة: أسقطَ بعضَهم، وقلَّلَ من شأن بعض، ثم لم يأنف من أن يُغلِّطَهم في قولِهم -مع أنهم أدرى منه بكلام العرب، وأقربُ منه لزمن النبوة، بل هم عاينوا النبي وجالسوه وسألوه عن ما يشكل عليهم-.

ثم لمّا وصلَ أمرُهم إلى مناقضة السنة صراحةً؛ قال قائلُهم:"ومن يقول بأن هذا المروي عن النبي هو من قولِه؟!"؛ فشككوا في منهج نقل السنة النبوية، ونسفوا منهج المحدثين في الحكم على الأحاديث صحةً وضَعفًا، بل وصار الأمرُ عندَهم من البديهيات! فيضحكون ويسخرون ممن ينظرُ لأسانيد الأحاديث، ويستغربون: كيف تأخذون الدين بهذه الطريقة(فلان يقول أنَّ فلانًا قال بأن فلانا قال له..... إلخ)!
والعجيبُ: أنَّ بعضُ أؤلئك لو طعنتَ في نسبه لاستشاطَ غضبا! فإذا قلتَ له:"وما يُدريك أنَّك -فعلًا- منحدرٌ من النسل الفلاني؟" كان جوابُه: هكذا قال لي أبي، عن جده، عن جدِّ جدِّه! فهو يرى -بفطرته- أنَّه يستحيلُ أن يكذبَ أجدادُه فيتناقلوا نسبًا مزيفا على مرِّ الزمان، ولكنَّه لا يرى أنَّ الله قد حفظَ على الناس دينَهم بحفظِه لسنةِ نبيهم!
فمن أشرف وأقدس: نسبٌ لا يُسمن عندَ الله ولا يُغني، أم سنةُ النبي التي فيها تفصيل صلاتنا وصيامنا وأركان حجنا وباقي ديننا؟!

لا تقل: رواه البخاري، فالبخاري -عندَهم- كان يروي كثيرًا من الأحاديث مجاملةً للسلطة السياسية، ولا نستطيع الاعتماد على ما رواه البخاري وغيرُه! فهم رووا خُرافاتِ بول الإبل، وخرافات المهدي، وخرافات (اسمع وأطع)، وخرافات زواج النبي بعائشة وهي طفلة!

فتنةٌ عظيمة؛ لأنَّها ليست في ثوب العَلمانية القبيح الذي لا يستسيغُ الناس رؤيته، بل بغلافٍ مزيَّف باسم:(تجديد فهم التراث)؛ فهو يُقدم فهمًا جديدًا للإسلام، لم يكن موجودًا خلال الـ1400 سنة الماضية!
فهذا الإسلام الجديد، يزعمون أنه هو دين محمد -عليه السلام-، لكنَّ النبي لمّا مات، خلفه أبو بكر الصديق الذي أخطأ فقاتل العرب وأجبرهم على دينِ الإسلام مخالفا لآية:"لا إكراه في الدين"، ثم أتى عمر الذي أخطأ في حربِه للناس من أجل نشر حكم الإسلام(فالجهاد دفاعٌ عن النفس فقط!)، وهكذا ما زال الصحابة يُخطئون رغمَ أنَّ الآيات واضحة!، ثم تتابع المسلمون على الخطإ فما زالوا قرونًا طويلة وهم يقومون بجريمة(رجم الزناة)،و(قتل المرتد)،و(الفتوحات الإسلامية)..... هكذا يقولون!

ثمَّ هم ينقدون كلَّ شيء عندَنا!
فإذا رأوا غربيًّا يُعالج ساقَ خنزيرٍ قد انكسرت، راحوا ينشرون الخبر ويُذيعونه في كلِّ مكان، وبلهجةٍ تهكمية ساخرة يقولون:"عندَنا الملتحون يقولون بأن هذا كائن نجس وخبيث يُقتل، وهناك يُعالجونَه ويُخففون ألمَه"!!
وكأنَّ أمةَ الإسلام أمة وحشية لا تعرف الرحمة!

وإذا تكلمَ خطيبُ الجمعةِ في خطبته عن الموت، وحذَّرَ من حسرةِ الفوت، تجهم هذا التنويري، وقال-بسخرية-:"موت موت موت موت، الله أحلى من هذا، الله هو الحب والرحمة، إلهي ليس الذي يعرفه خطيب الجمعة".
وإذا تكلم خطيبُ الجمعة عن حقِّ الصلاة، تهكم أيضًا، وقال:"يتكلم عن وجوب الصلاة، وهذا أمر يعرفه كل طفل، ويترك قضايا الأمة الحساسة!!".
فإذا نزل خطيبُ الجمعة على رأيه، وتكلم في قضايا الأمة الحساسة، مثل الربيع العربي، ونحو ذلك، تهكم أيضًا! وقال:"رجل درس ثلاث سنوات كتبَ الفقه ثم يأتي ليأخذَ دور السياسي والإعلامي فيتكلم في السياسة والطب والاقتصاد ...."!
فما الذي يُعجبه؟! وما الذي يُرضيه؟ لا شيء، هو سينتقد في كلِّ الأحوال!

بل ضاعت مهابة شعائر الله بسببهم، فبعضهم يُقسم بالله بأنَّ الخطيبَ لو دعى في خطبته للأمير أو الوزير: فسينسحب من صلاة الجمعة!

بل صارَ يستعملُ فيما يزعمُ أنَّه كتابةُ أدبية: معانٍ شرعية ذات قدسية معينة؛ فصار يقول:"صلاة الحب"،و"مصلى العشاق"، ولا بأس بأن يتهكمَ على جماعةٍ ما فيقول:"لا يوجد في مكةَ نادٍ رياضي سوى الصفا والمروة"!

إذا حدثتَه عن يأجوجَ ومأجوجَ وخروجَهم وصفاتِهم، أو عن المسيح الدجال وشكله وضخامته وقصة حبسه، أو عن نزول عيسى بن مريم-عليه السلام-، ضحك وسخر منك، ويأمرك بالسكوت حتى لا يسمعَ هذا الكلام غربيٌّ!؛ لأنه يراه خرافة لا يصدقها عاقل!
لكنّه -في الوقت نفسه- يُؤمن بعلوم الطاقة، وقانون الجذب، والهالات الاكترونية، والعلاج المغناطيسي، والعلاج بالأحجار الكريمة! ويرى أن منكرَها جاهلٌ!

إلى أين سيصل هؤلاء؟

حتى على المستوى الإنساني، كانوا يتكلمون كثيرًا عن الاستبداد السياسي، وأنَّ بني أمية فعلوا وفعلوا، ولا يتورعون عن تكفيرهم ولعنهم!
ويلمزون أهلَ العلمِ الذين ليسوا على مذهبهم في التنوير بأنَّهم وُعّاظ سلاطين، وطُلّاب دنيا!
ثمَّ لما يمدحُ شيخٌ يُحبونه بشارَ الأسد، أو يمدح صديقُهم حسن المالكي المجرمَ حسن نصر الله، يقولون: اجتهاد، والذي في سوريا قتال طائفي، وبشار مجرم، والجيش الحر مجرم، والمتضرر هو سوريا!
فانظر كيف تلينُ كلمتُهم الآن!

إخواني:
أيُّ منهجٍ رقيقٍ هذا؟! وأيُّ تناقضاتٍ عجيبة يحملها هؤلاء؟
أظنُّ أنَّ كثيرًا منهم دافعه لاعتناق هذه الآراء المنحرفة هو خلفية نفسية، وتنشئة خاطئة؛ فقد يكون سبب هذا قسوة عوملَ بها، وقد يكون شيئًا وافقَ هواه، ويكون زيغًا وانحرافًا في الفهم.

والمهم: كيف نتصدى لهؤلاء؟
فإنَّ كلامَهم له رَواج وقَبول عند عامةِ الناس؛ لما فيه من نَفَسٍ ثوري حماسي، ونغمةٍ رنّانةٍ عاطفية: فهم يُريدون الحرية، والعدالة، ومحاربة الاستبداد السياسي: هكذا يزعمون.