المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بدوي في البحر



أهــل الحـديث
07-06-2013, 12:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بدوي في البحر

هل من الممكن ان نرى يوما اجتماعا للضب والحوت....... لايمكن
مثل تطلقه العرب على اليأس من حصول أمر من الأمور أو صعوبة تحصيله بل ربما عدم إمكانية وقوعه كما يقول العرب ( كما يجتمع الضب والحوت) وهم يعرفون انهما لا يجتمعان أبدا .
على نفس النسق وفي ذات السياق كان هذا العنوان لهذه الخاطرة المعنونة ( بدوي في البحر ) وان كان السبب الأولي مرور احد المحبين بجانب مكتبي ونحن في العمل وهو يصرخ عاليا ( يا بدوي) ثم قال مازحا ( بدوي وش جابك للبحر) فكانت الخاطرة........
بدوي في البحر هل يمكن ان يكون..... العجيب انه قد كان بل اصبح حقيقة واقعه ومشهدا عاديا ان ترى بدويا يتحول من عاشق للصحراء والإبل والغنم .... وممارسة التطعيس على تلك الرمال الذهبية أما على الجيب الشاص أو الكروزر أو النيسان ... والكشتات وعمل القهوة العربية ذات الأصول اليمنية على حطب السمر وإشعال النار ومعانقة الصحراء بلياليها المقمرة الجميلة .... كل هذا واكثر قد حصل واصبح عاشق الصحراء عاشقا للبحر.
أنها مفارقة عجيبة في زمن المختلطات المشكلات المتفرقات .
وقد ذهب العشق بذاك البدوي إلى أكثر من ذلك واصبح يطلق عليه كابتن بحري أو مهندس بحري ويجوب البحار ويركب الأمواج ويصارع الرياح الشمالية أو الجنوبية القاسية على ظهر المراكب البحرية أو الصنادل وقاطرات الدفع والسحب أو السفن والناقلات البترولية وغيرها بكل أريحية واقتدار.
والحقيقة أنهم على عدة أنواع لكن اقتصر على صنفين:
صنف تحول الأمر لديه إلى ضرورة ومصدر رزق فقط اصبح لايجيد غيره فهو كالمضطر والمكره على اكل الميتة، وما ان تطأ رجله اليابسة حتى يطلق لنفسه العنان ذهابا وإيابا في أنحاء البرية كالسجين الذي أطلق سراحه ويصرف الأموال الطائلة في أيام قليلة ثم يرجع إلى البحر والعمل منكسرا مطاطأ الرأس أشبه بقصة إدمان .....
أما الصنف الثاني فهو صاحبنا تحول الأمر لديه إلى قصة عشق ذاك البدوي اصبح يعرف البحر معرفة جيدة ، يحب ان يسمع ويقرأ ويكتب كل شئ متعلق بالبحر ... عاش فيه ومعه فترة كافية تجعله كالصديق الحميم الذي يسر اليه بكل مايختلج صدره من هموم ويفضي اليه بكل زفرات القلب المثقل فيرتاح .... يطمئن للكلام مع البحر والتحدث معه كانه يتحدث مع كائن بشري يسمع ويعقل ، يتكلم معه كصديق وزميل عزيز ، فلا تستغرب ان رأيته واقفا على ظهر مركبه وحيدا يتأمل وينظر إلى البحر ويتمتم بكلام مفهوم وقد تخرج زفرات وأهات وأنات يرتاح بعدها كثيرا.
وقد يكون هذا العاشق ممن توج حبه بدراسة أكاديمية نال بها شهادة الهندسة أو الكابتن البحرية فجمع بين حسنين فكانت له نورا على نور.
الحديث عن هذا البدوي العاشق يطول وكلام العشق بحر لاساحل له فكيف إذا كان ممن تملك حب البحر شغاف قلبه فالأمر سيكون عظيم والخطب جسيم.
هذا العاشق يتذكر أمجاد الآباء والاسلاف ممن ركبوا البحر فاتحين للبلاد ناشرين الحق بين العباد فيزداد العاشق طربا ونشوء فلاتلوموه!!
يتذكر العاشق احمد بن ماجد الربان العربي المسلم الخريت الماهر .... صاحب المؤلفات والفوائد والالفيات في ضبط علوم الملاحة البحرية والاستدلال بالنجوم وإرشادات البحارة فاصبح كل من بعده من العرب والغرب عالة على كتبه ومؤلفات ودراسات هذا الجبل الأشم رحمه الله ...ذاك ابن جلفار البدوي القادم من نجد ( على بعض الروايات) له حق على كل مسلم ركب البحر ان يدعوا له بالرحمة والمغفرة ماقدم للبحرية من علوم نافعة، واسمع له رحمه الله حين يقول في كتابه الماتع ( الفوائد) في نصائح يوجهها للربابنة في كلام بديع ووصايا عظيمة يقول: وتأمل في جميع الأشياء لتكون عالما بها عند الشدة ... وكن حازما قويا في كلامك واقوالك وأفعالك ، لين الطبيعة، ولا تصحب من لا يطيعك في مايعينك.... وكن شجاعا حازما ذا بأس قليل الألفاظ كبير الهمة.
ويقول أيضاً : واترك مالا يعنيك ، وانه جميع الركاب عن كثرة المزاح في البحر فما ينتج منه إلا الشر والبغض والعداوات.... ولاتركب سفينة الدلالة والهداية وانت فيها غير مطاع ولاتأخذ دركها على نفسك... فلا تكن إلا مطاعا ، واستشر وهذب الرأي فإن ركوب الإنسان عند من لايسير مسيره صعب في بحر أو بر.
ثم يقول في الصفات التي يجب ان يتحلى بها الربان:- وينبغي للمعلم ( الربان) ان يعرف الصبر من التواني ويفرق بين العجلة والحركة ويكون عارفا بالأشياء ، عزاما فتاكا، لينا في قوله، عادلا لا يظلم أحدا لاحد ، مقيما على الطاعة لربه، متقيا الله عز وجل ، لا يغضب التجار على حقوق إلا على شيء وقع عليه القول أو جرت به العادة .... كثير الاحتمال عالي الهمة صبورا مقبولا بين الناس ، لايسعى فيما لا يصلح له،أديبا لبيبا، وإلا فليس هو معلم . انتهى كلامه رحمه الله.
هذا غيض من فيض عن هذا البدوي العاشق للبحر لا تقع عينه إلا على معالي الأمور عن معالي الرجال القدوات ممن سلف وذهب رحمهم الله .
حسبي من القلادة ما أحاط بالعنق وحديث ذاك البدوي عاشق البحر عميق غزير غزارة البحر.
سقى الله ثراك يا عاشق وطابت بالبحر لياليك وايامك.

الدمام - الفيصلية المحروسة
ابوصالح البحري
١١/٢/٢٠١٣