المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رواية غـــريـــب ..للدكتور عائض القرني



monmony
10-10-2006, 02:23 AM
مساكم سعيد
أخواني أعضاء غرابيل...و وزواره الكرام
أحببت اليوم ..أن أضيف لكم قصة ..
قرأتها بنفسي ..يلكي نتبادل بعض القصص التي تحتويها أدراجنا ..
فأتمنى فعلا أن نجد متابعة ..وتفاعل ..
هذه القصة ..
تتحدث عن مشاعر متضادة ..
بين الوحدة ...الموحشة ..
الظلم ...المؤلم ..
الفراق .. القاسي ..
الحزن .. الموحش ..
الهموم ..المثارة ..
الحنين .. المتصراع..
الإيمان .. المتحدي..
باختصار ..هي قسوة الزمن ..
و صراع بين الحق و الباطل ..
يشتت أسرة .. و يدمر طفولة ..
و يعذب سنوات ..

رواية غريب
للكاتب الإسلامي :محمد جربوعة
تقديم الدكتور عائض القرني

،،
سأقوم ..شخصيا بنقلها لكم ..
من الرواية الأصلية ..و إن شاء الله دون أخطاء..

لكن ..أتمنى فعلا أن يقرأها أو ينقلها البعض ..
فهي قصة ..في غاية الجمال ..و تستحق القراءة
تهزه الكلمات من الداخل ،ويسرح بخياله يستعيد وجه الرجل الذي كان يراه كجبل..

يحمله بين يديه و يرفعه إلى الأعلى...كان السرور المشوب بالخوف من الوقع يغمره، يأخذ عليه مجامع نفسه..يحس نفسه طائرا يسبح في الفضاء الرحب،فيضحك...وحين ينزله،كان يتشبث بثيابه يطلب منه أن يرفعه مرة أخرى إلى عالم النشوة. لكن الأب يهرب جارا وراءه سنواته الخمس و الثلاثين فيجري وراءه هو تحمله سنواته الخمس...يتذكر كل ذلك و تنفرج أساريره عن ابتسامة قديمة تستخرجها شفتاه من كيس ذكرياته،تماما كما يستخرج شخص ورقة متآكله من صندوق عتيق عزيز عليه. ،،

Ωالجزء الأول..من رواية غريب.......................................... .... .........................Ω ]¦•


يتذكر وصية أبيه..و تتردد كلماته في أذنيه :
-حافظ على قراءة القرآن يا بني ..
مر على ذلك سنوات ، لكن إيقاع الكلمات لا يزال رطبا نديا ،كأنه لم يمر عليه عشية أو ضحاها..
تهزه الكلمات من الداخل ، ويسرح بخياله يستعيد وجه الرجل الذي كان يراه عظيما كجبل...يحمله بين يديه و يرفعه إلى أعلى .. كان السرور المشوب بالخوف من الوقوع يغمره ،يأخذ عليه مجامع نفسه,,يحس نفسه طائرا يسبح في الفضاء الرحب،فيضحك ..و حين ينزله ،كان يتشبث بثيابه يطلب منه أن يرفعه مرة أخرى إلى عالم النشوة .
لكن الأب يهرب جارا وراءه سنواته الخمس و الثلاثسن فيجري وراءه هو تحمله سنواته الخمس..يتذكر كل ذلك و تتفرج أساريره عن ابتسامة قديمة تستخرجها شفتاه من كيس ذكرياتهـتماما كما يستخرج شخص ورقة متآكله من صندوق عتيق عزيز عليه .
و يتمتم:
-أبي..
تمتد يد إلى كتفه تستخرجه من جب الماضي ...يستدير منتبها :
-أبي ..
-أبوك ؟ أنا أملك يا غريب ..
كان ذلك اسمه الذي أخت أقداره شكله ،تماما ككما يأخذ الماء شكل الإناء الذي يصب فيه ..
-أمي ؟!!
كانت واقفة خلفه ،لم ترفع يدها عن عاتقه الصغير المثقل بأعباء الحزن .
-مابك يا بني ؟
لم يرفع رأسه ،استدارت حوله لتجلس في مواجهته رفعت عن جبينه خلصة شعره الجميلة و قرأت في عينيه دواوين من الإنكسار الفصيح ..
-غريب ، ما بك يا بني ؟
- هز رأسه يمينا و شمالا ، ماطا شفتيه ، و هو يقول بتنهيدة حزينة :
- لا شيء يا أمي ...
الأشياء الكبيرة لا تفسر بكلمات قليلة مبعثرة ضعيفة .. و يبقى الصمت أقرب إلى تفسيرها ..
صمته يقتلها ..يطعنها ، يخترق جنبها الأيسر ..منذ سنوات و هو يحمل سره ملفوفا في خرقة صمته ..يضيق بما حوله ، و يضيق عليه من حوله ... و حين يحس أن وطأة الظلم قد قاربت كسر قامته ، ينظر إلى عيني أمه بعينين مغرورقتين بالماء و الملح ، ثم يطأطىء رأسه دون أن يقول شيئا ..
و يم تكن تسأله لتعرف ، بل لتهون عليه ، و ضغط الصدور لا ينفس إلا خلال ثقوب الكلمات .
-تكلم يا غريب ...تكلم يا حبيبي ، ..تكلم ..ما بك ..؟!
كانت الثقوب أضيق من أن تسري عنه و تخرج ما يمور به صدره و وجدانه ، و احترمت صمته ، فضمت رأسه إلى صدرها، و أحس أنه في حاجة إلى أشياء أحرى .صحيح أن حنان أمه كان يدثر قلبه في فصول الحزن ، لكن القهر كان خنجرا يصل إلى مقاتله ، يخترق صدره ، و أحيانا يخلص إلى صدر أمه أيضا في محاولة حمايته فضمته إليها ..
وحين يخترق الخنجر جسدين متعانقين ، فإن الألم لا يتوزع مناصفة بينهما ، بل يكون كاملا في كل صدر مخترق .
كان اغترابه اغتراب سنديانه لا تعرف جذورها سوى تراب وماء و هواء موطنها الأصلي .
و جاءت به أقداره تعرج ، إلى حيث النار و السفود ..
-غريب ابنك يا زينب ، إنه معقد، مريض نفسيا ،لا يستوعب ما يقول ..
هذا ما كان يقوله خاله ، متظاهرا بالحرص على مصلحة الصغير ، ليبرر ما يصب عليه من النهر و القهر .
- و تضيف زوجة الخال : انظري إلى ابني باسم ، إنه رائع ، عيني عليه ، كم هو رائع !!! لا ترينه إلا ضاحكا سعيدا ..يعيش طفولته . و يعب من متعها و لهوها عبا ..

•¦[ Ω يتبعــ..الجزء الأول..من رواية غريب.......................................... .... .........................Ω ]¦•
كان الليل بنزل على المدينة ، و كان هو يسند خده بيده ، يتأملها من خلال الشرفة ، هذه المدينة صامته مثله ، تحمل أسرارها هي أيضا ، و تحس بما يحس ، تتذكر ذكرياتها الرائعة الماضية ، ذكريات الذين سكنوها ذات يوم ، تنفسوا هواءها ، و كبرت فيهم كما كبروا فيها خضراء متوضئة و اليوم لا غير القهر و الصمت .
أحسها و كأنها شقيقته ، و رآاها تمضغ ما يمضغ ـ صامتين كانا ، هو و المدينه ، ينظر أحدهما إلى الآخر ، يفهم أحدهما أخاه ، لكن لا كلام ، ومع مجيء الليل تأتي الاسئلة المؤرقة :
-أين أبي الآن ؟ وجدي ؟..و جدتي ؟و لماذا أنا هنا عند أخوالي ؟.
و لماذا يثور أخوالي على كل ما علمني أبي من قيم ؟
لماذا يستهزئون بصلاتي ، و يسخرون من قراءتي القرآن ؟ أمعهم حق ؟ أم أن الحق الذي علمني أبي ؟!
تتصرع في جوانحه الكلمات القديمة و الجديدة ، و يحس بالدوامه الجبارة تأخذ راسه ، تدور به دون رحمه ، كقشة زوبعة متصاعدة نحو السماء .
-الحق مع من . و ماذا لعي أن أفعل ؟
و يرتفع الصوت العتيق الذي كان يعرفه منذ كان مع أبيه .
الله أكبر ...الله أكبر
و من بعيد رمق المئذنة التي تطيره رائعا عبقا ..و قام ليتوضأ و يصلي المغرب.
- على العشاء كانت عين أمه عليه ..والمسافة التي تقطعها الملعقة بين الصحن و فمه كانت تبدو طويلة مضجرة ،وفي فمه تصارع نفسه مرارة اللقمة ، يلوكها كما يلوك امرؤ قلبه .
و يخطف بصره إلى الوجوه يقرأ ما ينعكس عليها مما تحمله القلوب .
كان يسرق القمة المنة ، و لا تكاد معدته تمتلىء من الطعام حتى يمتلىء قلبه من الحزن ، و هو شفاف لأمه ، ترى من ظاهره ما يختلج في باطنه ، و تقطع الصمت :
-غريب ـ كل يا حبيبي ..
يرفع بصره نحوها متكسرا ثم ينزله ، وتتبادل الأهين الأخرى النظرات .
قال خاله :
-ليتنج تنتج بحجم ما تأكل !!
و دون أن يرفع رأسه ، وضع الملعقة ، واجتهد في ابتلاع آخر لقمه كان وضعها في فمه قبل أن يخترقه كلنة خاله كخنجر مسموم ..
-أتم عشاءك يا حبيبي ..
قالت أمه ، و قد احمر وجهها ، و أحست بالزلزال يهز كيانها حين رأت دمعة من عينيه على الطاولة ، و صمتت ،ليكمل الآخرون عشاءهم .
انسل إلى الغرفة التي ينام فيها مع أمه ، أوى إلى فراشه ، غطى وجهه باللحاف .و راحت الكتلة المقهورة تستحضر الأيام الحوالي .
لقد صار مدمنا لهذا الهروب من واقعه ، و لعل ذلك كان يسري عنه بعض ما يجد من الظلم و التضييق ، الجملة ذاتها تأتيه شفافة هلامية :
-القرآن يا بني
دخلت أمه ، اقتربت من سريره ، جلست إلى جانبه ، و كشفت عن وجهه اللحاف ، و هوت عليه تمسح جنبيه بيدها و تقبله .
-غريب ...
و قاطعها :
-أمي لماذا سيمتموني غريبا ؟
ربما كان الأولى أن يقول :لماذا أنا غريب ؟ لكن تداخل الاسم بالواقع ، كان يجعل من السؤالين سؤالا واحدا .
-أمي ..
-نعم يا حبيبي .
- أين أبي ؟!!
تنهدت و رفعت بصرها إلى السماء مغمضة عينيها ، أسندت رأسها إلى الجدار بعد أن انتقلت إلى سريرها ، و جرفها موج التفكير إلى اللجنة العاتية ،فغرقت فيها ، و نسيت سؤاله ..
كانت تفكر في زوجها ، تستعيد وجهه الهادىء ، و نظراته العميقة التي لم تكف يوما عن الإطلال عليها من كل زاوية ،
كان عميقا مثل محيط ....شامخا مثل جبل ، ثابتا مثل أبنوسه متحذرة في الأرض ، وحين حاصرته الأسلاك و عضته القيود ظلما بقيت الأبنوسه بين الأسلاك كما كانت ، و ظل البحر في جنبيه عميقا . و لم يفارق شموخ الجبل أنفه و جبهته ...
خمس سنوات قضاها في السجن ، لا لشيء إلا لأنه قال : إن الله موجود في السماء و إن ظله يجب أن يكون في الأرض ، وواجهه الذين اقتسموا مع الله الكون ، فحاصروه في السماء و استأثروا هم بالأرض .
و خال غريب من دعاة "الأرض لقيصر"، و لذلك فقد ذهب إلى أبي غريب في السجن يطلب منه الكفر أو طلاق أخته ,
و رفض أبوغريب ...و فرض الخال على أخته ترك بيتها لتعيش معه ،كون زوجها لا يشرفه ، و قد يمس مصالحه .
و احتقظ أبوغريب في قلبه بإيمانه ، و جبه لزوجته و ابنه ، غير أنه كان يحس بالظلم ،فخلال سنوات سجنه الخمس لم يحظ من زوجته و ابنه بزيارة ....كان وجه والدته الطاعنة في السن ، الوحيد الذي ينتصب أمام شباك الزيارة في كل شهر حزينا ، محطما ، ترتسم عليه آثار العقود و الظلم و الحرمان ، و كثيرا ما كانت روحه تتململ بهذه الأبيات و هو يتأمل وجهها من حلف شباك الزيارة :
بيننا هذا الشباك الظالم
نصفه شوق و نصف علقم
خلفه كفاك و الوجه الذي
صار بدري بين ليلي يظلم
حين ينأى الغير تبقين معي
فماذا أنثني أو أندم
و كان يسألها عن وحدتها ، فتجيبه لأن لها الله ، و يشفق عليها ، على شيبتها التائهة في زحام الدنيا التي لا ترحم ، و يسألها عن أخبار ابنه ، فلا يجد عندها ما يثلح صدره ، أو يطفىء اللهب المتصاعد في جوانحه
•¦[ Ω يتبعــ..الجزء الأول..من رواية غريب.......................................... .... .........................Ω ]¦•



أمي .. أمي ..





نبهها صوته ، يده على ركبتها ، كان قد ترك سريره و جاء ليجلس إلى جانبها ، استدارت إليه ، و بيدها دعكت يده على رطبتها ، ثم أسندت رأسها إلى رأسه ... أحسته شقيق حزنها و تمزقها .

الوحيد الذي يحمل الجرح الذي تحمله .
كانا حرفين غريبين في كتاب بلغة أخرى ، حرفين أخضرين في كتاب أحمر ، و قد كان خاله كثيرا ما يباهى بحجاته الثلاث و بفقهه الإلحادي للإسلام ، كثيرا ما ينتقد الصبي غريب بالصلاة و قراءة القرآن ، أما زوجته فكانت تتباهى بكفريات ابنها ، و كلمات السوء التي يتلفظ بها مازحا و جادا ، غاضبا و هادئا .
و قد لقي غريب في بيت خاله طوال سنواته السبغ ما لو لقيه غيره لا تصبغ بصيغة السوء و لون الخطيئة ، لكنه كان يحمل في ذاكرته وشم الوفاء الذي رسمه أبوه بين جوانحه و في سمعه .. كان يحسه يتقمصه ..يتداخل به ، فينطلق لسانه و يتصرف بتصرفه .
كان الفارق بين أبيه و خاله كبيرا ، فارقا بين الطهر و اللوثه ، السماء و الأرض ، الشموخ و الحقارة .
لذلك كانت كلمات خاله و زوجة خاله و أولادهما الكثيرة التكررة ممجوجة عنده لا تكاد تثبت أمام كلمات قليلة كقناديل عتيقة بأغصان شجرة ذاكرته .
و كان يحس نفسه غصنا من أبيه ، يسري فيه ذات النسغ الذي يسري فيه .
و كانت أمه ترى ذلك الشبه واضحا ، فتقول به خيت يسألها عنه كيف كان :
-غريبا كبيرا كان .
كانت يده في يد أمه و هو يعيد السؤال .
-أين أبي يا أمي ؟..
كانت تتأرجح على جبل رقيق مشدود بين الحقيقة و اللاحقيقة .. المصارحة وعدمها .. و هداها فكرها إلى أن الحقيقة يمكن أن تتجزأ ، و هي ليست مضطرة لأن ترى بعينيها الاثنتين أو أن لا ترى أصلا ، فبإمكانها النظر و الرؤية بعين واحدة ، فلماذا لا تعطيه إذن بعضا من كل ما يطلب معرفته ؟!!


و بعد صراع مع نفسها قالت به بعضا من البعض ، و لو أنه أعفاها لكان خيرا لها .



•¦[ Ω نهاية..الجزء الأول..من رواية غريب.......................................... .... .........................Ω ]¦•
•¦[ Ω الجزء الثاني ..من رواية غريب.......................................... .... .........................Ω ]¦•


مرت سنوات أخرى ، و استوى عود الشاب ، فقد صار بطولة حلم أمه فيه ، لكنه كان يحس أنه كلما كبر ازداد حمل عاتقه ، و منذ سنين و هو يحمل هذه القامة لا يجد لها أرضا يركزها عليها ... حملها منذ أن اتقلعت من أرضها أول مرة و خرجت إلى منافي الاغتراب و جليد الانتظار .. كان وسيما كأبيه ، كثير الصمت ، يقول بعينيه العميقتين الكثير ، أما كلامه فكانت لا تشوبه تأتأة يعسر معها نطق الكلمات في تسلسل و سلاسة ، و قد عرف من بعد كما عرفت أمه من قبل أن ذلك نتيجة ما عاناه من الكبت و التقريع ، و كثر اللوم و التضييق من بين خاله .


و لم يتخلف عنه في ذلك كبير و لا صغير ،فقد كان كدفة باب يدفعها الداخل و يشدها الخارج ، بل إن المجالس و طوال تلك السنوات لم تكن محل للجميع إلا بالسخرية منه .
و كان يرى الطفولة ، لكنه لم يعشها ، يراها في أبناء خاله في البيت ، و زملائه في الدراسة ، و كانت يداه و كواهله مثقلة بالحمل الذي يعييها .
لذلك لم يكن بإمكانه حمل ما يحمله الصبيان في سنة عاده ، من لعب و حلوى و حفنات فرح ، كما لم يكن بإمكانه الإنطلاق بخفة .
انقضى فصل الصبا الذي لم ير فيه الصبا ، و جاء فصل الشباب ،دون زهرة شباب ، و رغم ذلك فقد اقترب من أبيه أكثر ، حين بدت أعلى من شفته العليا ملامح شارب ناعم، وصارت أمه لذلك أكثر من انتشاء به ، فقد كانت تحب زوجها ، و ها هي اليوم تستعيض عن الأصل برؤية الفرع .
ولكم كانت تجلس الأوقات الطوال ، تتأمله ، و هو يقرأ القرآن ، أو يراجع دروسه ، أو يكتب خواطره ، فتسبح الله ، إذ لم تكن ترى فيه سوى سحنة أبيه و ملامحه ...!!!


سنوات مرت و هو يجمع عقد الحقيقة من أمه ، وممن حوله ، حبة حبة ، و اليوم لا يأوي إلى فراشه و يخبىء رأسه تحت اللحاف حتى يفتح زوادة معلومة و يروح يستعرض محتوياتها، لذلك كانت الوحدة تستهويه ، فهي فسحته و مدخله إلى عالمه ، عالم ذكرياته .
الآن هو يعرف كل شيء ،يعرف أن أباه تزوج أمه ، و قد كانت (خضراء دمن) تعتقد غير ما تعتقده عائلتها، تزوجها أبوه بعد أن بلغه ما تعانيه من محيطها نتيجة لأفكارها و تدينها ، كان كمن مد إليها يده لينقذها في رقبتها طوقا ، غير أن التيار كان أقوى منها بعد ذلك ،فقد دخل زوجها السجن لأنه كان حكيما مصلحا في واقع تغتسل فيه المدن بدماء و آلام مصلحيها .
و حالت بينهما القبضان،ووجدت أمه نفسها في بيت لا رجل فيه ،وجذبتها الأيدي إلى منبتها ، تاركة وراءها ما يمزق قلبها .. أم زوجها ، العجوز الضعيفة التي لا عائل لها و لا راعي .. و كانت طوال سنوات أعجز من أن تتعهدها بمساعدة أو حتى بزيارة ،فلم يكن عندها من المال شيء ،ولا كان مسموحا لها بالسفر إليها في مدينتها البعيدة .


كل ذلم عرفه الشاب الغريب و اطلع على خبره ، تماما كما عرف أن أاباه قد سافر بعد أن خرج من السجن إلى بلد أجنبي و معه والدته العجوز التي قضت سنوات سجنه منتظرة إياه .


و كان على القتى أن يحصل على خيط يوصله إلى أبيه و جدته ... كان يحس بالشوق إليهما يمزقه تمزيقا ، وقد صار أوان لقائهما،فقد بلغت فتنة خاله له مبلغا جعله يوعز إلى أحد معارفه من الضباط أن يستدعي الفتى ليحبسه يومين أو ثلاثة عله يترك أفكاره المتخلفة،بعد أن لم ينجح معه غير ذلك من وسائل الترهيب ،وقد صار لابد حسب رأي الخال من مي ـو آخر الدواء الكي .


وقد خدم الضابط صديقه و نزل عند رغبته متفضلا و زيادة ،فقد جعل اليومين أسبوعا،قضاه غريب في التفكير في هذه الجدران الصماء التي لم تنكسر منذ يوسف عليه السلام من قبله.
كان على أثر والده تدينا و على أثره ابتلاء،و قد أحس زنزانته الانفرادية بالنشوة ... بالوفاء لأبيه .


كان يتأمل الضابط الذي حقق معه بعينين فيهما عمق قضية،و تاريخ دين،و كان مطمئنا،فلم يكن له من جرم سوى أنه اختار طريق الله تعالى،ورآه قزما لا جذور له و لا بهجة لون ، ولم يأبه بتهديداته ،بل إنه لم يجب عن الكثير من أسئلته
يتبع الجزء الثاني
و لم يتفاجأ خاله و هو يسمع ذلك من صديقه الضابط ، بل علق بقوله :
-عنيد كأبيه .
كانت أياما اتسع فيها باب غريب إلى عالم ذكرياته و تأملاته .
كان في أذنه صوت الضابط:
-أنت بهذا تسترخص عمرك ،وتلقي به إلى التهلكة و المشانق.
و يرد هو :
-عمري عزيز،لذلك لا أعطيه إلى لشيء غال،ولم أجد أغلى من الإسلام .
كان يجلس القرفصاء في زنزانته و يستعيد الشريط ويعيد النظر في كل آرائه و آراء غيره ، بكل موضوعية ... فهل يكون مخطئا فعلا ، و الحق مع غيره ؟
ويقول لنفسه :
-لي عمر واحد ،يجب أن أفنيه ككل المصلحين أو المفسدين في درب ما .و بأي لون من الألوان، فما و من هذا الذي يستحق أن أعطيه جهدي و عمري و روحي ؟!!البشر ؟
وهل يستأهل أناس يبيعون روادهم و خيرهم لأعدائهم بثمن و بدون ثمن ، أن يضحي الإنسان العاقل من أجلهم بعمره ؟ّ
لقد ضمر الخير في البشر ،وضمرت إنسانيتهم ،حتى ألفوا اليد التي تجلدهم ،وتسلهم اللقمة ، تستخرجها من مريئهم،وغدوا يدافعون عنها ،ويتقربون إليها بذبح كل من يدعوهم إلى قطعها و الخلاص منها .
فلماذا لا يترك القط لخانقه، وقد عرف فعلا أن القط يحب خانقه ؟!!
هل يضحي من أجل فكرة يربح بها دنياه ،ويخسر بها آخرته ؟!أفيكون ذكيا من يخسر الخلود بسنوات معدودة لا تخلو مهما كان،من كدر ،ولا يصفو ماؤها من مغرة ؟!!
كان تفكيره قد هداه إلى ان أعظم ما يستاهل التضيحة هو الإسلام،هذا الدين العظيم،وكان يرى سحابة الندم و الخيبة على وجوه الكثير من الذين أفنوا أعمارهم لغير الحق.
كانت نهائة أولئك إلى مضغ لبان المرارة،و احتساء كؤوس الحسرات.
لذلك كان الفتى يحس بالطمأنينة لحسن اختياره، و كان يحس أن توافقه مع أبيه في هذا الاختيار يزيد من قناعته صلابة و يقينا .
وقد قالت له عندما احضنته راجعا من حبسه :
إنك شامخ و عنيد مثل أبيك ...هل تعرف يا غريب ؟
ورد عليها
ماذا يا أمي ؟
-في المساء سأريك قصيدة لأبيك .
-قصيدة ،سألها و قد فاجأه ذلك .
-نعم قصيدة ، هي أجمل ما قرأت لأبيك مما يصور نفسيته الشامخة الجريئة التي لا تقبل الهوان ،ولا تشرب إلا صفوا .
-فالآن يا أمي أعطنيها .
-في المساء يا بني .

نور حياتي
15-10-2006, 10:11 AM
لله يعطيك ألف عافية....



تسلم يدك

ربي لا يحرمنا

بوادر
17-10-2006, 09:22 PM
I m not understand anythng its too small








http://www3.0zz0.com/2006/10/17/18/57407535.jpg

هَذْيَّان
25-10-2006, 07:42 AM
حــبيبــتي..

بتوجعنا ع ــيوننا..

بس جد راح ألبس نظارهـ ح ــى أقرأها..

لأن لو مالبست بروح فيها..

دمتِ يالغلا..

Coffee Girl
14-04-2007, 12:19 AM
نور يا عسل قصه شيما وسالفته مع بنت عمها كملتيها و شو اسم الروايه بليز انتظر الرد

أول خطوة
14-04-2007, 10:44 AM
الرواية واضح انها حلوة من قبل ان اقراها

بس ياليت تغيرين الخط

القراءة بهذا الخط صعبة وبتتعب نظر الاعضاء


أول خطوة

صدى المشاعر
17-04-2007, 01:41 PM
يعطيك العافية

دفا المشاعر
29-04-2007, 02:40 AM
،، مون موني ،،

رواية يبدو أنها ممتعة وجميلة ما دامت أنها مقدمة من الدكتور عائض القرني ..
وبتأليف محمد جربوعة ,,

وعذراً على تكبير حجم خطك ليتسنى للقراء قراءة الرواية براحة أكبر ,,

وفقتِ في الإختيار ، باركَ الله فيكِ ،،

سأنتظر جديدك المتميز بكل شوق ،،

,, في حفظ الله ورعايته ,,

*محب الإسلام*
06-05-2007, 01:06 PM
شكرا ويعطيك العافية

مون موني الأعضاء أتوقع لايريدون التطويل

أمل عبدالعزيز
31-05-2007, 07:56 AM
,
,

مون موني ...

اختيار موفق ..
بارك الله فيك وجزاك الله خيراً ..

دمت بخيـــر