المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : استشارة عقدية : هل يوصف الله عز وجل بالحركة ؟!



أهــل الحـديث
04-06-2013, 11:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


نقلاً عن مركز التأصيل للدراسات و البحوث :


وردنا على الفيسبك هذا السؤال من أحد الإخوة :هل الله يوصف بأنه يتحرك ؟ وما الفرق بين أهل السنة وغيرهم في هذا ؟

---

الجواب :

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ؛

*أولا : أهل السنة :

ورد وصف الحق تعالى في الكتاب والسنة بالحياة ، والحي هو الفعَّال ، كما ورد عن غير واحد من السلف .

قال ابن القيم : " قد دل العقل والشرع على أن الله سبحانه حي فعال، ولا فرق بين الحي والميت إلا بالفعل، فالفعل الاختياري من لوازم الحياة " [1] .

-إذا تبيَّن هذا فإننا نقول :

لفظ الحركة = هو لفظ مجمل ، يطلق ويراد به الحركة المكانية ، وهو انتقال الجسم من مكان إلى مكان ، بحيث يفرغ الحيز الأول الذي كان يشغله ، ويمتلئ الحيز الثاني الذي انتقل إليه .

وهذا هو المعنى المراد بالحركة عند المتكلمين .

بينما يتوسع الفلاسفة في معنى الحركة ، فيجعلونها مطلق الحدوث والتحول ، تدريجا ، لا دفعة واحدة .

ويجعلونها تحت مقولات أربعة ، في الكيف ، والكم ، والأين ، والوضع .

الأول : كالاسوداد والابيضاض ، والثاني كالنمو والذبول ، والثالث كالحركة المكانية ، والرابع كدوران الساقية في محلها دون خروج من فلكها .

أما مفهوم الحركة في اللغة فهو مفهوم واسع ، يطلق ويراد به جنس الفعل مطلقا ، ولو نفسيا ، فيقال : تحرك غضبه ، وسكن ، ولو لم يكن للجسم ، فيقال : جاء الحر ، وذهب الشتاء .

- بناء على ذلك ؛ يكون مطلق الصفات الفعلية التي تقوم بالحق تعالى ، كالغضب والرضا ، والحب والبغض ، والإرادة ، وغير ذلك من جنس الحركة العامة عند الفلاسفة .

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا حول ولا قوة إلا بالله " .

قال شيخ الإسلام : " لفظ الحول يتناول كل تحول من حال إلى حال، والقوة هي القدرة على ذلك التحول؛ فدلت هذه الكلمة العظيمة على أنه ليس للعالم العلوي والسفلي حركة وتحول من حال إلى حال، ولا قدرة على ذلك إلا بالله " [2] .

- ثم من الصفات الفعلية التي تقوم بالحق تعالى ما هو من جنس الحركة الخاصة ، كالمجئ ، والإتيان ، والنزول ، والاستواء ، والقرب ، والدنو .

- ومن ثَمَّ وقع الخلاف : هل يوصف الله بالحركة أم لا ؟

وقد تقدم أن لفظ الحركة – ومثله الانتقال - مجمل ، ومثل تلك الألفاظ " فمن أثبتها مطلقا ؛ فقد أخطأ ، ومن نفاها مطلقا ؛ فقد أخطأ ؛ فإن معانيها منقسمة إلى ما يمتنع إثباته لله، وما يجب إثباته له .

فإن الانتقال يراد به : انتقال الجسم والعرض من مكان هو محتاج إليه إلى مكان آخر يحتاج إليه، وهو يمتنع إثباته للرب تعالى .

وكذلك الحركة إذا أريد بها هذا المعنى ؛ امتنع إثباتها لله تعالى .

ويراد بالحركة والانتقال : حركة الفاعل من كونه فاعلا، وانتقاله أيضا من كونه غير فاعل إلى كونه فاعلا.

فهذا المعنى حق في نفسه ، لا يعقل كون الفاعل إلا به، فنفيه عن الفاعل ؛ نفي لحقيقة الفعل وتعطيل له .

وقد يراد بالحركة والانتقال ما هو أعم من ذلك، وهو فعل يقوم بذات الفاعل يتعلق بالمكان الذي قصد له، وأراد إيقاع الفعل بنفسه فيه، وقد دل القرآن والسنة والإجماع على أنه سبحانه يجيء يوم القيامة، وينزل لفصل القضاء بين عباده، ويأتي في ظلل من الغمام والملائكة، وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، وينزل عشية عرفة، وينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة، وينزل إلى أهل الجنة، وهذه أفعال يفعلها بنفسه في هذه الأمكنة .

فلا يجوز نفيها عنه بنفي الحركة والنقلة المختصة بالمخلوقين؛ فإنها ليست من لوازم أفعاله المختصة به .

فما كان من لوازم أفعاله ؛ لم يجز نفيه عنه، وما كان من خصائص الخلق ؛ لم يجز إثباته له .

وحركة الحي من لوازم ذاته، ولا فرق بين الحي والميت إلا بالحركة والشعور ، فكل حي متحرك بالإرادة وله شعور، فنفي الحركة عنه كنفي الشعور، وذلك يستلزم نفي الحياة " [3] .

وذلك تقرير نفيس من ابن القيم ، في منع الإثبات أو النفي المطلق للحركة والانتقال في حق الله تعالى .

-فما كان من الصفات من جنس الحركة الخاصة ، كالمجيء والنزول والإتيان والاستواء والقرب ونحوه ، فتلك الصفات للكلام فيها مقامات ثلاثة :

أولا : أن موقف أهل السنة في ذلك = اتباع السلف الصالح في إثبات تلك الصفات ، كما وردت في الكتاب والسنة ، مع الإيمان بمعناها على ظاهرها ، دون تأويل لمعناها بالمشيئة أو الرضا أو الإرادة ، وغير ذلك .

ثانيا : أن موقف أهل السنة تنزيه الله تعالى عن مشابهة الحوادث في صفاته عموما ، وفي تلك الصفات خصوصا ، فلا يرون أن مجيئه ونزوله واستواءه كمجيء ونزول واستواء المخلوقين ، بحيث يلزم من تلك الصفات ما يلزم منها في المخلوقين .

قال شيخ الإسلام : " والذي يجب القطع به : أن الله ليس كمثله شيء في جميع ما يصف به نفسه.

فمن وصفه بمثل صفات المخلوقين في شيء من الأشياء فهو مخطئ قطعًا، كمن قال: إنه ينزل فيتحرك وينتقل، كما ينزل الإنسان من السطح إلى أسفل الدار، كقول من يقول: إنه يخلو منه العرش، فيكون نزوله تفريغًا لمكان وشغلا لآخر، فهذا باطل يجب تنزيه الرب عنه " [4] .

فنحن نعلم أن " المجيء والإتيان والصعود والنزول توصف به روح الإنسان التي تفارقه بالموت، وتسمى النفس، وتوصف به الملائكة، وليس نزول الروح وصعودها من جنس نزول البدن وصعوده؛ فإن روح المؤمن تصعد إلى فوق السموات، ثم تهبط إلى الأرض، فيما بين قبضها ووضع الميت في قبره. وهذا زمن يسير، لا يصعد البدن إلى ما فوق السموات، ثم ينزل إلى الأرض في مثل هذا الزمان " [5] .

فدل ذلك أن تلك الصفات في بعض المخلوقين لا يلزم فيها ما يلزم بعض المخلوقين ، فلأن يكون ذلك غير لازم في حق الله تبارك وتعالى = أولى وأظهر وأصح .

ثالثا : تسمية ذلك حركةً :

فالمعروف أن لفظ الحركة مما لم يرد في الكتاب والسنة إثباته أو نفيه عن الحق تعالى ، والقاعدة في مثل ذلك أن يستفصل في معناه ، فإن كان مراد مطلقه إثبات الصفات الفعلية الواردة في الكتاب والسنة من غير تأويلها أو تشبيهها بصفات المخلوقين = كان صوابا ، وإن أراد غير ذلك = كان خطأ .

قال شيخ الإسلام : " ما تنازع فيه المتأخرون، نفيًا وإثباتًا؛ فليس على أحد بل ولا له أن يوافق أحدًا على إثبات لفظ أو نفيه، حتى يعرف مراده، فإن أراد حقًا ؛ قُبل، وإن أراد باطلا ؛ رُدّ، وإن اشتمل كلامه على حق وباطل ؛ لم يُقبل مطلقًا ولم يُرد جميع معناه، بل يُوقف اللفظ ويُفسّر المعنى " [6] .

والأصل ألا يطلق ذلك اللفظ المجمل ؛ لورود الاحتمال على معناه .

-وبناء على ذلك فقد اختلف أهل السنة في تسمية تلك الأفعال حركة :

1- فمنهم من نفاه مع إثبات الألفاظ والمعاني الصحيحة الواردة في الكتاب والسنة .

2- ومنهم من توقف في الإطلاق أو النفي ، وهذا الذي نص عليه أبو عمر بن عبد البر ، وابن بطة ، وغيرهما .

3- ووقع في كلام عثمان بن سعيد الدارمي ، وحرب بن إسماعيل الكرماني ، وعزاه لغير واحد من السلف = إطلاق لفظ الحركة .

4- ووقع في كلام بعض الحنابلة – كأبي الحسن التميمي - إثبات النزول والمجيء من غير حركة وانتقال ، بإجمال ، وهؤلاء " الذين نفوا الحركة والانتقال، فإن نفوا ما هو من خصائص المخلوق فقد أصابوا ، ولكن أخطئوا في ظنهم أن ذلك لازم ما أثبته لنفسه، فأصابوا في نفي خصائص المخلوقين ، وأخطئوا في ظنهم أنه لازم ما أثبته لنفسه " [7] .

" أما الذين أمسكوا عن الأمرين وقالوا: لا نقول يتحرك وينتقل، ولا ننفي ذلك عنه، فهم أسعد بالصواب والاتباع، فإنهم نطقوا بما نطق به النص، وسكتوا عما سكت عنه، وتظهر صحة هذه الطريقة ظهورا تاما فيما إذا كانت الألفاظ التي سكت النص عنها مجملة محتملة لمعنيين: صحيح وفاسد، كلفظ الحركة والانتقال والجسم والحيز " [8] .

-على أن التأليف بين ذلك :

أن يعلم أن إطلاق الألفاظ المجملة يجوز للحاجة ، أو المصلحة ، كأن يكون تفهيما لمن يتكلم بهذا اللسان ، وبه يعقل المعاني ، أو على سبيل النقض على من ينفيه نفيا مطلقا بما فيه من المعنى الصحيح الموافق للكتاب والسنة .

قال شيخ الإسلام : " لم يذكر هو ولا رسوله ولا أهل العلم والإيمان به : أنه ليس بجسم ، ولا جوهر ، ولا متحيز ، ولا في جهة ، ولا أن صفاته ليست بعرض ، ولا قائمة بالغير ، ولا نحو ذلك .

وكذلك في الإثبات له الأسماء الحسنى التي يدعى بها ، وليس في تلك الأسماء أنه جسم ، ولا جوهر ونحو ذلك ، ولا أن صفاته تسمى أعراضاً ، ونحو ذلك .

فلم يكن واحد من هذين مشروعاً على الإطلاق ، ولا هو أيضاً منهياً عنه على الإطلاق .

[بل إذا أثبت الرجل معنى حقاً ، ونفى معنى باطلاً ، واحتاج إلى التعبير عن ذلك بعبارة لأجل إفهام المخاطب ؛ لأنها من لغة المخاطب ونحو ذلك = لم يكن ذلك منهياً عنه ؛ لأن ذلك يكون من باب ترجمة أسمائه وآياته بلغة أخرى ليفهم أهل تلك اللغة معاني كلامه وأسمائه ، وهذا جائز ، بل مستحب أحياناً ، بل واجب أحياناً ، وإن لم يكن ذلك مشروعاً على الإطلاق ]، كمخاطبة أهل هذه الاصطلاحات الخاصة في أسماء الله وصفاته وأصول الدين باصطلاحهم الخاص ، إذا كانت المعاني التي تبين لهم هي معاني القرآن والسنة " [9] .

وقال : " السلف والأئمة لم يكرهوا الكلام لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المولدة كلفظ [الجوهر] و [العرض] و [الجسم] وغير ذلك؛ بل لأن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات فيها من الباطل المذموم في الأدلة والأحكام ما يجب النهي عنه لاشتمال هذه الألفاظ على معاني مجملة في النفي والإثبات.

كما قال الإمام أحمد في وصفه لأهل البدع فقال: هم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويلبسون على جهال الناس بما يتكلمون به من المتشابه.

فإذا عرفت المعاني التي يقصدونها بأمثال هذه العبارات، ووزنت بالكتاب والسنة، بحيث يثبت الحق الذي أثبته الكتاب والسنة، وينفي الباطل الذي نفاه الكتاب والسنة ؛ كان ذلك هو الحق؛ بخلاف ما سلكه أهل الأهواء من التكلم بهذه الألفاظ: نفيا وإثباتا في الوسائل والمسائل؛ من غير بيان التفصيل والتقسيم الذي هو الصراط المستقيم. وهذا من مثارات الشبهة " [10] .

*ثانيا : الفرق المخالفة لأهل السنة في ذلك :

وهم على أقسام :

- فبعض الفرق التي تغلو في الإثبات ، كالكرَّامية – نسبة لأبي عبد الله محمد بن كرام السجستاني - ، والهشامية – نسبة لهشام بن الحكم الرافضي – فإنهم يثبتون تلك الصفات التي هي من جنس الحركة الخاصة ، كالمجئ والنزول والاستواء ، ويلتزمون ما فيها من مشابهة المخلوقين ، كالنقلة ، والخلو .

- وذهب أغلب المتكلمين ، كأكثر المعتزلة ، والجهمية ، ومتأخري الأشاعرة – طبقة أبي المعالي الجويني ثم الغزالي ثم من بعدهما - ، والماتريدية ، وأكثر الإمامية ، والزيدية : إلى نفي ذلك ، وتأويل الصفات الواردة في ذلك ، سواء التي من جنس الحركة العامة ، كالرضا والغضب ، أو التي من جنس الحركة الخاصة كالاستواء والنزول .

- وذهب الكلابية ، وأبو الحسن الأشعري في آخر أحواله : إلى إثبات الصفات التي من جنس الحركة الخاصة كالنزول والاستواء ، دون التي من جنس الحركة العامة كالرضا والغضب ، على أن في إثباتهما للنوع الأول تفويضا ، مخالفا لطريقة السلف في الإيمان باللفظ والعلم بالمعنى والجهل بالكيف ، كما هو متواتر عن مالك ، متلقى بالقبول عند أهل السنة .

- وذهب بعض المتكلمين كأبي الحسين البصري من المعتزلة ، والرازي في آخر أقواله ، وأبي البركات بن ملكا الفيلسوف ، إلى إثبات الصفات الفعلية التي من جنس الحركة العامة ، كالرضا والغضب ، دون المجئ ونحوه مما هو من جنس الحركة الخاصة .

* وعمدة من ينكر الصفات الفعلية – بالنوعين المذكورين العام والخاص – أنها حوادث ، فلو حلت بالباري تعالى لكان حادثا ، لأن ما لا يخلو من الحوادث فهو حوادث ، وذلك هو (دليل الأعراض وحدوث الأجسام) ، الذي يستدل به أغلب المتكلمين في إثبات حدوث العالم وقدم الباري تعالى .

وهذا دليل مبتدع ، " أول ما ظهر هذا الكلام في الإسلام بعد المائة الأولى، من جهة الجعد بن درهم، والجهم بن صفوان، ثم صار إلى أصحاب عمرو بن عبيد، كأبي الهذيل العلاف وأمثاله " [11] .

" أما أكابر أهل العلم من السلف والخلف: فعلموا أنها طريقة باطلة في نفسها، مخالفة لصريح المعقول وصحيح المنقول، وأنّه لا يحصل بها العلم بالصانع، ولا بغير ذلك، بل يوجب سلوكها اعتقادات باطلة توجب مخالفة كثير ممّا جاء به الرسول، مع مخالفة صريح المعقول ؛ كما أصاب من سلكها من الجهميّةوالمعتزلة، والكُلاّبيّة، والكرّاميّة، ومن تبعهم من الطوائف، وإن لم يعرفوا غورها وحقيقتها " [12] .

وهذا الدليل مبني على أن الأجسام لا تخلو من " الحركة والسكون، والأجسام مستلزمة لذلك لا تنفك عنه، وما لا يسبق الحوادث فهو حادث، ويبنى ذلك على حوادث لا أول لها " [13] .

وهذا الدليل " ذمه الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر، وبين أنه ليس من طرق الأنبياء وأتباعهم " [14] ، و" صرح بأن تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم ليس موقوفاً على دليل الأعراض، وأن الاستدلال به على حدوث العالم من البدع المحرمة في دين الرسل " [15] .

" فلزمهم من سلوك هذه الطريق إنكار كون الرب تعالى فاعلا في الحقيقة ، وإن سموه فاعلا بألسنتهم ؛ فإنه لا يقوم به عندهم فعل ، وفاعل بلا فعل ؛ كقائم بلا قيام ، وضارب بلا ضرب ، وعالم بلا علم .

وضَمَّ الجهمية إلى ذلك أنه لو قام به صفة ؛ لكان جسما ، ولو كان جسما ؛ لكان حادثا ؛ فيلزم من إثبات صفاته إنكار ذاته ، فعطلوا صفاته وأفعاله بالطريق الذي أثبتوا بها وجوده !

فكانت أبلغ الطرق في تعطيل صفاته وأفعاله .

وعن هذه الطريق أنكروا علوه على عرشه ، وتكلمه بالقرآن ، وتكليمه لموسى ، ورؤيته بالأبصار في الآخرة ، ونزوله إلى سماء الدنيا كل ليلة ، ومجيئه لفصل القضاء بين الخلائق ، وغضبه ذلك اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وجميع ما وصف به نفسه من وصف ذاتي أو معنوي أو فعلي " [16] .

* ويستدل المتكلمون على نفي تلك الصفات من الشرع بقوله تعالى : {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76)} [الأنعام: 75، 76] .

قالوا : فإن إبراهيم أنكر ربوبية الكوكب لكونه آفلا = أي متحركا .

وقد نقض أهل العلم ذلك الاستدلال البدعي من وجوه كثيرة ، وأحسن من رده شيخ الإسلام ابن تيمية ، في مواضع عديدة من كتبه ، بتوسع وإسهاب .

ومن أجمع مواضعه وأخصرها في (السبعينية) ، قال :

" ولو تدبروا لعلموا أن قصة إبراهيم هي على نقيض مطلوبهم من الأفول .

أما أولا: فإن إبراهيم إنما قال: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} ، والأفول هو المغيب والاختفاء ، بالعلم القائم المتواتر الضروري في النفس واللغة ، ولم ينقل أحد أن الأفول مجرد الحركة.

وأما ثانيا: فإنه قد قال {فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} .

ومعلوم أنه من حين البزوغ ظهرت فيه الحركة ، فلو كانت هي الدليل على الحدوث ؛ لم يستمر على ما كان عليه إلى حين المغيب ، بل هذا يدل على أن الحركة لم يستدل بها ، أو لم تكن تدل عنده على نفس مطلوبه .

وأما ثالثا: فإنما قال: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} فنفى محبته فقط ، ولم يتعرض لما ذكروه.

وأما رابعا: فمن المعلوم أن أحدا من العقلاء لم يكن يظن أن كوكبا من الكواكب دون غيره من الكواكب هو رب كل شيء حتى يكون رب سائر الكواكب والأفلاك والشمس والقمر " [17] .

- أكتفي بهذا القدر ، على أن أغلب مباحث الجواب تقتضي سعة وتفصيلا ، لعل الله ييسر بسطه ، وأن يجعل في المذكور هنا كفاية .

والعلم عند الله تعالى .

وكتبه : عمرو بسيوني

فجر الاثنين الثالث من رجب المحرم سنة 1434 من الهجرة الشريفة ، الموافق 13/5/2013م




[1] مختصر الصواعق المرسلة 472 .

[2] شرح حديث النزول 186 .

[3] مختصر الصواعق المرسلة 473 .

[4] شرح حديث النزول 188-189 .

[5] شرح حديث النزول 82 .

[6] التدمرية 65-66 .

[7] مختصر الصواعق 472 .

[8] مختصر الصواعق 472 .

[9] بيان تلبيس الجهمية 4/389-390 .

[10] مجموع الفتاوى 3/307 .

[11] منهاج السنة 8/5 .

[12] النبوات 1/261 .

[13] منهاج السنة 8/5 .

[14] درء التعارض 2/188 .

[15] درس التعارض 2/13 .

[16] الصواعق المرسلة 3/965-986 .

[17] بغية المرتاد 359-360 .