أهــل الحـديث
04-06-2013, 05:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها.
أوقات المسلمين إلى أين.....؟!
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن مما ابتلي به كثير من المسلمين اليوم أيها الأحبة الكرام هو عدم المبالاة في أين تنفق الأوقات! وأين تنفق الساعات واللحظات!هل تعمر بالخير وطاعة الرحمن؟ أو تصرف في اتباع الهوى وطاعة الشيطان؟!!
فنرى بعضهم مضيعا لوقته بين وسائل الاتصال الحديثة كشبكات التواصل ( التويتر! و الفيسبوك! والرسائل عبر الجوالات! وغيرها من وسائل الاتصال!)التي وللأسف لم يستغلها الكثير من شباب المسلمين سواء من الإناث والذكور فيما ينفعهم! بل أصبحت داءا عضال ومرضا قتال،هدمت أخلاق الكثير وأفسدت قيمهم وتربيتهم الإسلامية!فشغلتهم عن ذكر الله جل جلاله وعن الصلاة وغير ذلك من الواجبات إلى درجة أنهم أصبحوا من شدة التعلق بها يصعب عليهم مفارقتها لا في حلهم ولا في ترحالهم!فبدل أن يستغلوها فيما ينفعهم ونشر الخير بين المسلمين!أصبحت هذه الوسائل مصدر كل شقاء وسبب كل بلاء عند الكثير منهم،والله المستعان.
والبعض الآخر وخاصة من الشباب غرقوا في ملذات أخرى، وصرفتهم الشهوات عن طاعة رب البريات فأوقعتهم في المنكرات والمحرمات، ومن هذه الملهيات داء هذا العصر، ألا وهو كرة القدم التي بدل أن تكون سببا في نشر الخير والتسامح ووسيلة مباحة للترفيه، أصبحت تعج بالمنكرات ككشف العورات وإضاعة الصلوات وغير ذلك من الواجبات،وصارت مصدرا للشحناء والبغضاء والتعصب الذي جر حتى إلى الاقتتال من أجل هذا الفريق أو ذاك! ويزداد الألم ويشتد الحزن والحسرة عندما نرى أن هذه الفرق التي يتعصب لها من بلاد الكفار!
فالغيور على دينه والحريص على المسلمين يتساءل في نفسه، ألهذه الدرجة وصل الحال بكثير من أبنائنا؟!أين عقيدة الولاء و البراء؟ هل ماتت! أين الحب في الله والبغض في الله؟! أمحي!من القلوب؟!.
إن أبنائنا اليوم أصبحت تربيتهم على غير الكتاب والسنة،وفهم سلف الأمة! وليسوا مقتدين بنبينا صلى الله عليه وسلم وأسلافنا الصالحين!وإنما صار تعلقهم باللاعبين والفنانين والممثلين وغير ذلك من الفسقة والمجرمين أعداء الدين! حيث اغتروا بمظاهرهم الكاذبة! فقلدوهم في كل شيء !حتى في ملبسهم ومظهرهم الخارجي!.
ويزداد العجب أنك إذا سألت شابا من المسلمين عن اسم أحد العشرة المبشرين بالجنة لم يجيبك!بل حتى على أشهر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة!لكن مع هذا تجده على إطلاع تام!بسيرة اللاعب فلان! أو الفنان أو الممثلة أو الفنانة فلانة!بل حتى على أدق التفاصيل عنهم! ويفتخر بذلك ويعتز!انقلبت والله الموازين! أين شبابنا اليوم الذين أكثرهم ألهتهم اللذات والشهوات من الأغاني والألحان،وغرتهم الأماني وسيطر عليهم الشيطان!من شباب الرعيل الأول الصالح الذين كان يضرب بهم المثل في الشجاعة وحب الجهاد في سبيل الله لنصره هذا الدين، وطاعة الرحمن، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وتجد أيضا في مقابل ذلك الكثير من نساء المسلمين-إلا من رحم الله- أوقاتهن ضائعة في المنتزهات أو الأسواق والمجمعات! أو الحفلات!أو مشاهدة المسلسلات!مع ما فيها من المنكرات كترك الحشمة والحجاب الشرعي والاختلاط بين الرجال والنساء،وتهديم القيم والأخلاق ومنع الفضيلة ونشر الرذيلة!مضيعين بذلك حق الله جل جلاله عليهن،الذي أمرهن بفعل الطاعات ونهاهن عن ارتكاب الذنوب والمنكرات، بل ضيعن حتى حق أزواجهن وأبنائهن من حسن الرعاية و القيام بشؤون بيوتهن!حتى أدى ذلك لتشتت الأسر وفساد الأبناء!وإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال ابن الجوزي –رحمه الله-:"رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً ،إن طال الليل فبحديث لا ينفع، أو بقراءة كتاب فيه غزاة وسمر،وإن طال النهار فبالنوم،وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق،فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم، وما عندهم خبر،ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود،فهم في تعبئة الزاد والتأهب للرحيل،إلا أنهم يتفاوتون وسبب تفاوتهم قلة العلم وكثرته بما ينفق في بلد الإقامة، فالمتيقظون منهم يتطلعون إلى الأخبار بالنافق هناك،فيستكثرون منه فيزيد ربحهم، والغافلون منهم يحملون ما اتفق،وربما خرجوا لا مع خفير،فكم ممن قد قطعت عليه الطريق فبقي مفلساً،فالله الله في مواسم العمر،والبدار البدار قبل الفوات".صيد الخاطر (ص46)
إن الذي يحزن القلب ويدمي العين أيها الأفاضل،أنك إذا أنكرت على بعض هؤلاء وذكرته أن وقتهم ما هو في الحقيقية إلا عمرهم الذي سيسألون عنه يوم القيامة، وقلت لهم عليكم أن تستغلوه فيما ينفعكم في الدنيا والآخرة، واحذروا من التسويف والاغترار بالصحة والعافية فإن الموت لا يفرق بين صحيح وسقيم ولا بين صغير وكبير، وإياكم من اتباع هوى النفس والشيطان، فإنهما سبب لهلاك كل إنسان! أخذتهم العزة بالإثم وردوا عليك وقالوا هذا تشدد! وعلينا أن نروح على أنفسنا ولا نضيق عليها!فماذا سنأخذ من هذه الدنيا!،وغير ذلك من العبارات الرنانة التي زينها لهم الشيطان وقد يرددوا عبارة ساعة!وساعة!.
قال ابن القيم –رحمه الله-:"وقتُ الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مر السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته وإن عاش فيه عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة، كان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته".الجواب الكافي(ص109)
أيها الأحبة الكرام نعم إن من سماحة الشريعة الغراء وكمالها أنها حثت الفرد على أن يتمتع بالمباحات، ويخفف عن نفسه من الضائقات، لكن بشرط أن لا يجره ذلك إلى ارتكاب المحرمات أو يشغله عن فعل الواجبات،قال تعالى:(وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا)[ القصص :77]
قال ابن كثير –رحمه الله- : "أي مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن و المناكح، فإن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا ولِزَوْرك عليك حقا، فآت كل ذي حق حقه".تفسير ابن كثير (3/400)
وقال صلى الله عليه وسلم:"إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه ". رواه البخاري (1867) من حديث أبي جحيفة – وهب ابن عبد الله السوائي ( رضي الله عنه)
قال الحافظ ابن حجر– رحمه الله-:"(وإن لنفسك عليك حقا) أي: تعطيها ما تحتاج إليه ضرورة البشرية مما أباحه الله للإنسان من الأكل والشرب والراحة التي يقوم بها بدنه ليكون أعون على عبادة ربه ". فتح الباري ( 3 /38)
وقال الشيخ ابن عثيمين– رحمه الله- :" وهذا من عدل الشريعة الإسلامية وكمالها،أن الله عز وجل له حق فيُعطى حقه عز وجل ،وكذلك للنفس حق فتعطى حقها ، وللأهل حق فيعطون حقوقهم،وللزوار و الضيوف حق فيعطون حقوقهم،حتى يقوم الإنسان بجميع الحقوق التي عليه على وجه الراحة، ويتعبد لله براحة لأن الإنسان إذا أثقل على نفسه وشدد عليها ملَّ وتعب،وأضاع حقوقا كثيرة ".شرح رياض الصالحين ( 2/236)
لكن العاقل أيها الكرام يعلم أن الله جل جلاله لم يخلقه لأنه في حاجة له،ولا خلقه كالبهائم يأكل ويشرب وينام! وإنما أوجده لغاية حميدة، وهي عبادته سبحانه جل وعلا،وحده لا شريك له،قال تعالى:(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56)ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون(57)إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين(58) [الذاريات:56-58]
قال الإمام النووي -رحمه الله-:"وهذا تصريح بأنهم خلقوا للعبادة فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة فإنها دار نفاد لا محل إخلاد ومركب عبور لا منزل حبور ومشروع انفصام لا موطن دوام فلهذا كان الأيقاظ من أهلها هم العباد وأعقل الناس فيها هم الزهاد".رياض الصالحين(ص3)
فلهذا نجد أن الكيس الفطن يتزود من دنياه لأخراه ويستغل أوقاته في الطاعات والتزود من الخيرات التي تنفعه يوم القيامة بإذن رب الأرض والسموات،ويجعل هذه الدنيا الفانية مطية ومعينا له على الآخرة الباقية، لأنه يعلم أن داره هذه ما هي إلا دار ممر وابتلاء،لا دار مستقر ورخاء!،قال بشر بن الحارث-رحمه الله-:"مررت برجل من العُبَّاد بالبصرة،وهو يبكي،فقلت:ما يُبكيك؟فقال:أبكي على ما فرطت من عمري،وعلى يومٍ مضى من أجلي لم يتبين فيه عملي".المجالسة وجواهر العلم للدينوري (1/37)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يبارك لنا وللمسلمين في أوقاتنا وأعمارنا، ويجعلنا ممن يستغلها فيما ينفعه في الدنيا والآخرة،ويحفظهم من كل الشرور فهو سبحانه ولي ذلك و العزيز الغفور.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبو عبد الله حمزة النايلي
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها.
أوقات المسلمين إلى أين.....؟!
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن مما ابتلي به كثير من المسلمين اليوم أيها الأحبة الكرام هو عدم المبالاة في أين تنفق الأوقات! وأين تنفق الساعات واللحظات!هل تعمر بالخير وطاعة الرحمن؟ أو تصرف في اتباع الهوى وطاعة الشيطان؟!!
فنرى بعضهم مضيعا لوقته بين وسائل الاتصال الحديثة كشبكات التواصل ( التويتر! و الفيسبوك! والرسائل عبر الجوالات! وغيرها من وسائل الاتصال!)التي وللأسف لم يستغلها الكثير من شباب المسلمين سواء من الإناث والذكور فيما ينفعهم! بل أصبحت داءا عضال ومرضا قتال،هدمت أخلاق الكثير وأفسدت قيمهم وتربيتهم الإسلامية!فشغلتهم عن ذكر الله جل جلاله وعن الصلاة وغير ذلك من الواجبات إلى درجة أنهم أصبحوا من شدة التعلق بها يصعب عليهم مفارقتها لا في حلهم ولا في ترحالهم!فبدل أن يستغلوها فيما ينفعهم ونشر الخير بين المسلمين!أصبحت هذه الوسائل مصدر كل شقاء وسبب كل بلاء عند الكثير منهم،والله المستعان.
والبعض الآخر وخاصة من الشباب غرقوا في ملذات أخرى، وصرفتهم الشهوات عن طاعة رب البريات فأوقعتهم في المنكرات والمحرمات، ومن هذه الملهيات داء هذا العصر، ألا وهو كرة القدم التي بدل أن تكون سببا في نشر الخير والتسامح ووسيلة مباحة للترفيه، أصبحت تعج بالمنكرات ككشف العورات وإضاعة الصلوات وغير ذلك من الواجبات،وصارت مصدرا للشحناء والبغضاء والتعصب الذي جر حتى إلى الاقتتال من أجل هذا الفريق أو ذاك! ويزداد الألم ويشتد الحزن والحسرة عندما نرى أن هذه الفرق التي يتعصب لها من بلاد الكفار!
فالغيور على دينه والحريص على المسلمين يتساءل في نفسه، ألهذه الدرجة وصل الحال بكثير من أبنائنا؟!أين عقيدة الولاء و البراء؟ هل ماتت! أين الحب في الله والبغض في الله؟! أمحي!من القلوب؟!.
إن أبنائنا اليوم أصبحت تربيتهم على غير الكتاب والسنة،وفهم سلف الأمة! وليسوا مقتدين بنبينا صلى الله عليه وسلم وأسلافنا الصالحين!وإنما صار تعلقهم باللاعبين والفنانين والممثلين وغير ذلك من الفسقة والمجرمين أعداء الدين! حيث اغتروا بمظاهرهم الكاذبة! فقلدوهم في كل شيء !حتى في ملبسهم ومظهرهم الخارجي!.
ويزداد العجب أنك إذا سألت شابا من المسلمين عن اسم أحد العشرة المبشرين بالجنة لم يجيبك!بل حتى على أشهر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة!لكن مع هذا تجده على إطلاع تام!بسيرة اللاعب فلان! أو الفنان أو الممثلة أو الفنانة فلانة!بل حتى على أدق التفاصيل عنهم! ويفتخر بذلك ويعتز!انقلبت والله الموازين! أين شبابنا اليوم الذين أكثرهم ألهتهم اللذات والشهوات من الأغاني والألحان،وغرتهم الأماني وسيطر عليهم الشيطان!من شباب الرعيل الأول الصالح الذين كان يضرب بهم المثل في الشجاعة وحب الجهاد في سبيل الله لنصره هذا الدين، وطاعة الرحمن، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وتجد أيضا في مقابل ذلك الكثير من نساء المسلمين-إلا من رحم الله- أوقاتهن ضائعة في المنتزهات أو الأسواق والمجمعات! أو الحفلات!أو مشاهدة المسلسلات!مع ما فيها من المنكرات كترك الحشمة والحجاب الشرعي والاختلاط بين الرجال والنساء،وتهديم القيم والأخلاق ومنع الفضيلة ونشر الرذيلة!مضيعين بذلك حق الله جل جلاله عليهن،الذي أمرهن بفعل الطاعات ونهاهن عن ارتكاب الذنوب والمنكرات، بل ضيعن حتى حق أزواجهن وأبنائهن من حسن الرعاية و القيام بشؤون بيوتهن!حتى أدى ذلك لتشتت الأسر وفساد الأبناء!وإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال ابن الجوزي –رحمه الله-:"رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً ،إن طال الليل فبحديث لا ينفع، أو بقراءة كتاب فيه غزاة وسمر،وإن طال النهار فبالنوم،وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق،فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم، وما عندهم خبر،ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود،فهم في تعبئة الزاد والتأهب للرحيل،إلا أنهم يتفاوتون وسبب تفاوتهم قلة العلم وكثرته بما ينفق في بلد الإقامة، فالمتيقظون منهم يتطلعون إلى الأخبار بالنافق هناك،فيستكثرون منه فيزيد ربحهم، والغافلون منهم يحملون ما اتفق،وربما خرجوا لا مع خفير،فكم ممن قد قطعت عليه الطريق فبقي مفلساً،فالله الله في مواسم العمر،والبدار البدار قبل الفوات".صيد الخاطر (ص46)
إن الذي يحزن القلب ويدمي العين أيها الأفاضل،أنك إذا أنكرت على بعض هؤلاء وذكرته أن وقتهم ما هو في الحقيقية إلا عمرهم الذي سيسألون عنه يوم القيامة، وقلت لهم عليكم أن تستغلوه فيما ينفعكم في الدنيا والآخرة، واحذروا من التسويف والاغترار بالصحة والعافية فإن الموت لا يفرق بين صحيح وسقيم ولا بين صغير وكبير، وإياكم من اتباع هوى النفس والشيطان، فإنهما سبب لهلاك كل إنسان! أخذتهم العزة بالإثم وردوا عليك وقالوا هذا تشدد! وعلينا أن نروح على أنفسنا ولا نضيق عليها!فماذا سنأخذ من هذه الدنيا!،وغير ذلك من العبارات الرنانة التي زينها لهم الشيطان وقد يرددوا عبارة ساعة!وساعة!.
قال ابن القيم –رحمه الله-:"وقتُ الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مر السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته وإن عاش فيه عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة، كان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته".الجواب الكافي(ص109)
أيها الأحبة الكرام نعم إن من سماحة الشريعة الغراء وكمالها أنها حثت الفرد على أن يتمتع بالمباحات، ويخفف عن نفسه من الضائقات، لكن بشرط أن لا يجره ذلك إلى ارتكاب المحرمات أو يشغله عن فعل الواجبات،قال تعالى:(وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا)[ القصص :77]
قال ابن كثير –رحمه الله- : "أي مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن و المناكح، فإن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا ولِزَوْرك عليك حقا، فآت كل ذي حق حقه".تفسير ابن كثير (3/400)
وقال صلى الله عليه وسلم:"إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه ". رواه البخاري (1867) من حديث أبي جحيفة – وهب ابن عبد الله السوائي ( رضي الله عنه)
قال الحافظ ابن حجر– رحمه الله-:"(وإن لنفسك عليك حقا) أي: تعطيها ما تحتاج إليه ضرورة البشرية مما أباحه الله للإنسان من الأكل والشرب والراحة التي يقوم بها بدنه ليكون أعون على عبادة ربه ". فتح الباري ( 3 /38)
وقال الشيخ ابن عثيمين– رحمه الله- :" وهذا من عدل الشريعة الإسلامية وكمالها،أن الله عز وجل له حق فيُعطى حقه عز وجل ،وكذلك للنفس حق فتعطى حقها ، وللأهل حق فيعطون حقوقهم،وللزوار و الضيوف حق فيعطون حقوقهم،حتى يقوم الإنسان بجميع الحقوق التي عليه على وجه الراحة، ويتعبد لله براحة لأن الإنسان إذا أثقل على نفسه وشدد عليها ملَّ وتعب،وأضاع حقوقا كثيرة ".شرح رياض الصالحين ( 2/236)
لكن العاقل أيها الكرام يعلم أن الله جل جلاله لم يخلقه لأنه في حاجة له،ولا خلقه كالبهائم يأكل ويشرب وينام! وإنما أوجده لغاية حميدة، وهي عبادته سبحانه جل وعلا،وحده لا شريك له،قال تعالى:(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56)ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون(57)إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين(58) [الذاريات:56-58]
قال الإمام النووي -رحمه الله-:"وهذا تصريح بأنهم خلقوا للعبادة فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة فإنها دار نفاد لا محل إخلاد ومركب عبور لا منزل حبور ومشروع انفصام لا موطن دوام فلهذا كان الأيقاظ من أهلها هم العباد وأعقل الناس فيها هم الزهاد".رياض الصالحين(ص3)
فلهذا نجد أن الكيس الفطن يتزود من دنياه لأخراه ويستغل أوقاته في الطاعات والتزود من الخيرات التي تنفعه يوم القيامة بإذن رب الأرض والسموات،ويجعل هذه الدنيا الفانية مطية ومعينا له على الآخرة الباقية، لأنه يعلم أن داره هذه ما هي إلا دار ممر وابتلاء،لا دار مستقر ورخاء!،قال بشر بن الحارث-رحمه الله-:"مررت برجل من العُبَّاد بالبصرة،وهو يبكي،فقلت:ما يُبكيك؟فقال:أبكي على ما فرطت من عمري،وعلى يومٍ مضى من أجلي لم يتبين فيه عملي".المجالسة وجواهر العلم للدينوري (1/37)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يبارك لنا وللمسلمين في أوقاتنا وأعمارنا، ويجعلنا ممن يستغلها فيما ينفعه في الدنيا والآخرة،ويحفظهم من كل الشرور فهو سبحانه ولي ذلك و العزيز الغفور.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبو عبد الله حمزة النايلي