المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثقافة الواتس اب



عميد اتحادي
04-06-2013, 08:50 AM
قبل أيام وصلتني رسالة ركيكة عبر الواتساب يقول كاتبها:

.. خبر عاجل يامسلمين.. الرجل الذي سوا الفيلم عن الرسول مات محروقا في أمريكا (وهو خبر لم تعرفه حتى السي ان ان). وأمريكا تتكتم على الخبر حتى لا يشمت فيها المسلمون فارجو أن تنشره أنت لأن هناك أختا من فلسطين رأت رؤيا بأن من ينشر هذا الخبر سيكافئه الله بعد أربع ساعات.. وهناك شخص اسمه محمد أقسم بالله أنه رأى الرسول في منامه وطلب منه تبليغ المسلمين (وهذا لعمري تفويض بالحديث عن خاتم الأنبياء) وأخبره أن من ينشر هذا الخبر خلال أربعة أيام سيفرح فرحا شديدا وان من يتجاهله سيحزن حزنا شديدا (ثم يسرد آيات وأحاديث يحاول ربطها بالموضوع) حتى ينهي الرسالة بقوله: أرسلها الليلة الى 20 شخصا وسوف تسمع خبرا سارا قبل الصباح (وكأن لديه مفاتيح الغيب) وحق الله إنها مجربة (وانظر الى حجم الكذبة) وإن لم ترسلها ستحزن طوال عمرك (وعند هذا الحد تتساءل ماذا يريد أخونا بالضبط؟)..


ولا أعتقد أنني بحاجة لتفنيد المغالطات الكثيرة في هذه رسالة كونها تفضح نفسها بنفسها.. يكفي الإشارة إلى أنها لا تتضمن فقط كما هائلا من الأكاذيب بل وتتطاول على المشيئة الإلهية (من خلال تأكيد حدوث كذا وكذا في حال لم تفعل كذا وكذا) وعلى مقام النبوة (من خلال ادعاءات الرؤية والتفويض تبليغ الناس).


وهذه الرسالة نموذج لأكاذيب كثيرة أصبحت تطغى على الواتساب وتويتر والفيسبوك وجزء كبير من المراسلات الإلكترونية.. أكاذيب تفبرك وترسل بدوافع تتراوح ما بين الجهل والسذاجة الى حسن الظن واحتساب الأجر - ويتجاوز بعضها ذلك الى سوء الظن والترصد وتشويه سمعة الآخرين.


فاليوم يكفي لتشويه سمعة أي انسان أن تكتب عنه في برامج التواصل الاجتماعي (أي شيء) وتؤيده (بأي شيء) ليتهمه الآخرون (بكل شيء).. يكفي أن تؤيد رسالتك بإدعاء رؤيا، أو صدور فتوى، أو مقطع مختار مما قال وكتب لينتشر في تويتر والوتساب كالنار في الهشيم.. يكفي أن تعيد إرسال "الرسالة" إلى ثلاثة من أصدقائك لتكسب إثم وصولها الى 59 ألف شخص خلال عشر ساعات فقط!!


.. المشكلة (في برامج ومواقع التواصل الاجتماعي) أنها أتاحت للجميع المشاركة في الإفتاء وإبداء الرأي وتولي مهمة الدعوة والإرشاد.. ورغم نبل الهدف يجب أن يكون هذا قاصرا على المشائخ ومن يملك العلم والشجاعة على الظهور (وليس التستر خلف رسائل مجهولة المصدر).. فمن يريد أن يرشد ويفتي عليه أن يتعمق في كتب الفقة والتفسير وأصول الدين ثم يخبرنا بصحيح وراسخ لا يعلمه معظم الناس.. أما خلق الأكاذيب وفبركة الادعاءات وترويج الشائعات فنوع من الغيبة والنميمة - والغباء والسذاجة في حال لم يعتقد صاحبها أنها كذلك.


وما يفاقم حجم المشكلة أن هذه البرامج (والواتساب كمثال) توفر ميزات مرنة تتيح لصغار العقول تفصيلها حسب الطلب/ كالبتر والقص واللزق والإضافة والربط - ناهيك عن عدم ذكر اسم المصدر أو هوية الكاتب.. وهذه كلها مزايا تسهل عملية التزوير والمبالغة وخلق ثقافة شعبية ضحلة يسهل على الغر والجاهل اقتحامها والمشاركة فيها تحت مظلة (انشر تؤجر)!!


وكي لا تدخل أنت تحت مظلة الآثمين وناشري الشائعات أقترح عليك خمسة مبادئ للتعامل مع رسائل كهذه:


الأول: عدم إعادة إرسال ما تشك في صحته تقيدا بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم "منْ حدّث بحديث وهو يرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين".


والثاني:عدم كتابة أو إرسال مايسيء للآخرين حتى لوكان صحيحا "فمنْ ستر مسْلمًا ستره اللّه يوْم القيامة".


الثالث: التأكد من مصداقية المصدر وصحة ماينشر "إنْ جاءكمْ فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا أنْ تصيبوا قوْماً بجهالة فتصْبحوا على ما فعلْتمْ نادمين".


الرابع: وحتى في حال تأكدك؛ يجب أن تقف عندك معظم الرسائل (لا العكس) من باب الاحتياط وإبراء الذمة "فكفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع".


وأخير؛ أعد الرسائل المسيئة لصاحبها وأنصحه بعدم تصديق أو بعث كل مايصل إليه ف"بئس مطية الرجل زعموا".


.. والآن؛ افعلها لآخر مرة في حياتك وأرسل هذا المقال لجميع من تعرفه في تويتر والواتساب.



فهد عامر الأحمدي / صحيفه الرياض
***********