المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المبالغة في ألقاب الشيوخ !



أهــل الحـديث
02-06-2013, 08:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


<b>

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً، أما بعد:

فلا يخفى على كثير من المشتغلين بعلوم الحديث فوائد الاشتغال بالرواية وطلبها، وليس هذا محل بسط فوائدها، وإنما الغرض من هذه الأحرف هو التنبيه على خطأ وقع فيه كثير من المشتغلين بعلم الرواية؛ آلا وهو إضفاء الألقاب الضخمة على بعض الشيوخ المسندين ممن بعضهم له اشتغال بالعلم، والبعض الآخر أشبه ما يكون بالعامة، وإنما قَصَده الناس لما حباه الله من شرف الإسناد.
وإعطاء الشيخ قدره وما يستحقه من لقب درج عليه المحدثون فتراهم يفرقون بين المسند الخلو من العلم، والمسند العالم، وإليك بعضا مما وقفت عليه وليس القصد الاستيعاب، وإنما لمحة يسيره عن منهجهم في هذا الأمر:

فإليك أيها المبارك جملا مما وصف بها الإمام الذهبي بعض شيوخه في معجمه الكبير:
"قليل العلم"، "عريا من العلم"، "على ذهنه شيء من العلم"، "مليح المشاركة في العلم غير متقن لفن منه"، "له أنسة بالعلم"، "له مشاركة في العلم"([1]).

فالذهبي –عليه رحمة الله- لم يحمله تتلمذه على هؤلاء أن يصفهم بما ليس فيهم، أو يضفي عليهم شيئا لم يكونوا متلبسين به !

وذكر ابن سيد الناس اليعمري شيخا له فقال: ومن أعالي هذه الطبقة سنا لا علما، وإسنادا لا فهما، ........... له رحلة واسعة، وأسفار شاسعة، وروايات منقولة، ودراية مقبولة، أحرز منها ما أحرز، ولم يكن فيها ممن برز([2]) .

ووصف شيخا آخر له بقوله: ولم يكن العلم من شأنه، ولكن انتفع الناس به أي انتفاع، في كتابة الأثبات وضبط السماع، وهو عندهم باتفاق صدوق، ولهم فيما يكتبه أحسن وثوق([3]).

وذكر مسند الهند الشيخ ولي الله الدهلوي ابن الشحنة الحجار فوصفه بقوله: المسند المعمر الصالح، وذكر بعده ابن البخاري فوصفه بقوله: العالم الفقيه، رحلة الآفاق، مسند العصر، وذكر عقبه عبدالمؤمن الدمياطي فوصفه بقوله: الحافظ الثقة الأمين([4]).

علق الشيخ الفاضل صالح بن عبدالله العصيمي على وصف ولي الله الدهلوي لابن الحجار بكلام طويل أنقله للفائدة:
( وانظر إلى اللقب الذي زينه به المصنف فقال: (المسند، المعمر، الصالح) فهو مسندٌ؛ لأنه يروي بالإسناد، ومعمر لأنه جاوز المائة، وصالح لأنه ذكر بالديانة، ولم يقل فيه رحمه الله: الشيخ المحدث؛ لأنهم يعلمون أن الألقاب تناط بالحقائق، أما اليوم فصار كل من عنده إسناد شيخا محدثا، بل منهم من يبالغ في الألقاب حتى يذكر في ألقاب من أخذ عنه ما يُقطع عند من عرف أولئك بأنه ليس على حقيقته، فتجده يذكره منسوبا إلى الفقه بأن يقول: الفقيه، أو بأن يقول: المحدث، أو بأن يقول: المفسر، وهذا نوع من التعظيم للذات، بأنه أخذ عن ناس متقدمين في العلم.
وحقيقة أمرهم لا يجاوز أن يكون عنده إسناد وقد عمر، فحينئذ يكتفى بوصفه بالمسند المعمر، وإذا كان معروفا بالصلاح زيد فيه ذلك، أما أن يُعمد إلى المعمرين الكبار ممن عرف بالصلاح والزهد ولهم رواية ثم يقال: إنه شيخ محدث جليل، لمجرد الرواية، فهذا افتراء في اللقب الذي أعطي إياه، ولكن لا يعرف هذه الأمور إلا من رسخت قدمه كمؤلف هذا الثبت، فإنه أعطى "الحجار" اللقب الصالح له، ولم يجعله بمنزلة "ابن البخاري" و"عبدالمؤمن الدمياطي" رحمهما الله تعالى، فإنهما من العلماء الفقهاء الحفاظ، وأما "الحجار" فرجل عامي سمع أشياء في مبتدإ أمره ثم عُمر، واحتاج الناس إلى الرواية عنه لأجل العلو.
فينبغي للإنسان أن يحتاط فيمن يلقبه إذا روى عنه، أو ذكر عنه شيئا، والأكمل أن يتورع الإنسان عن ذلك قدر المستطاع، حتى إذا بلغ مقام من يؤخذ بتلقيبه، وعُرف أنه ممن ينقد الرجال ويميزهم، فلا بأس حينئذ أن يقول ذلك، وأما أن يكون كل من كتب يوزع ألقابا، هذا والله من ضعف العلم، وذهاب أهله، فإن اللقب العلمي ليست صدقة يتصدق بها، ولا هدية تهدى لأحد، وإذا وقعت خلاف الواقع فإنها عيبٌ في حق الـمُلقِّب والـمُلقَّب إذا كان راضيا بذلك، فإن الـمُلقِّب إذا لقب أحدا فوق رتبته، واختبرت حاله، وعرف قدره في العلم، علم أنه لا يبالي بتلقيبه، وكم ترى في ترجمة رجل من المتأخرين: المحدث العلامة، فإذا اختبرته في أمر الحديث وكمال العلم، وإذا هو بمنأى عنه([5]). ا.هــ

وقال الشيخ العصيمي-أيضا- في كتابه الماتع النافع- "الغاية من السماع والرواية" بعد ذكره بأن بعض الكتب قد تدور على من ليسوا من أهل الحديث:
وكما لا تهدر منفعته لعاميته؛ فإن ما له من سماع لا يثمر القول بإمامته!، ورتبة ما للشيوخ من مسموع، لا تثبت اسم أحدهم في ديوان الراسخين، ولا يستحق الرئاسة بها في الدين.
ومن البوائق العصرية بذل ألقاب "المحدث" و"الحافظ" و"العالم" و"العلامة" للمفروح بسماعه، ولعله لا يميز المسائل الكبار في السنن والآثار، ومن كان له سماع، وله في العلم ذكر وارتفاع، فهو فضل الله يؤتيه من يشاء، وما اكتسبه مبني على الاتصاف بالعلم النافع لا السماع الواقع، فلا تغتر بزخرفة الدعوى، والزم أهل العلم والتقوى([6]).

فهذه إشارة سريعة كتبتها بعدما رأيت إقبال طلاب العلم على ميدان الرواية، وانتشار مجالس السماع، وهذه المجالس نعمة لا يعرف قدرها إلا من ذاق طعمها!

وفي الختام فإن "من الإيقاظ للاتعاظ دعوة الساعين في إقامة مجالس السماع إلى الاكتفاء بالألقاب المتعارف عليها دون تفخيم، فيخاطب الــمُسمِع "فضيلة الشيخ"، وإن زيد "المسند" فأرجو أن لا بأس بها، أما الألقاب الفضفاضة فنفخة أعجمية سرت إلى أصل العرب وقاعدتها، وأخاف على باذليها سؤال الله لهم عن غش المسلمين في منازل أهل الدين([7])".


ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
(1) يُنظر: معجم الشيوخ 222/1، 271، 324، 338، 348، 96/2، 170.
(2) الأجوبة الحديثية ص195.
(3) الأجوبة الحديثية ص206.
(4) ينظر: الإرشاد إلى مهمات الإسناد ص36.
(5) التعليق على الإرشاد في مهمات الإسناد وهو من دروس برنامج الدرس الواحد التاسع، درس رقم (10) وقد رفع على الشبكة، ويوجد تفريغ له قام به الأخ سالم الجزائري، ومن موقعه حملت هذا التفريغ.
(6) ص29-30.
(7) الغاية من السماع والرواية هامش 1 ص30. </b>