تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تصـــور تاريــخي !!!!



أهــل الحـديث
01-06-2013, 11:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


لكني أصدقكم القول: لقد مر علي دهر وأنا أعمل على هذه التصورات، دون أن أجد للدين لذة في وجداني! هذه هي الحقيقة! إنني لا أتهم تلك التصورات بالقصور، كلا! ولكن..كانت ظروف التلقي سيئة للغاية! لقد انفتح وعيي الجديد هذا على مرحلة (رد الفعل غير المتوازن) في تاريخ الأمة المعاصر. فكان أن تلقيت كل التصورات الجديدة في سياق مواجهة الغرب، ومقاتلة العلمانية، ومدافعة الماركسية؛ ومجاهدة الطغيان السياسي، والظلم الاجتماعي؛ فاكتسبت من صفات المحامي كثيرا، بيد أني لم أكتسب من سلوك المؤمن إلا قليلا! فعشت مع الناس أكثر مما عشت مع الله؛ لأن هذه الظروف جعلتني أفهم عقيدة (لا إله إلا الله) في سياق واحد ووحيد: هو أن (الحاكمية) إنما هي لله. وبدا لي زمنا أن ما سوى تصحيح قضية الحكم والتشريع في الدولة جزئيات من الدين، لا تستحق أي اهتمام! وكانت لنا أنشطة في هذه الاتجاهات، فبدأت ألاحظ أن معي على الجبهة الواحدة، من يخطب الليل كله، ولا يصلي لله فريضة واحدة في وقتها! فإن فعل فبلا خشوع ولا طمأنينة! ينقرها نقر الغراب! لقد تعلمنا شهوة الكلام! نعم؛ اتبعنا الشهوات وأضعنا الصلاة إلا قليلا! وبدأت أرى الآفات الخطيرة تعصف بالصف الإسلامي: العُجْب، وحب الرياسة والتصدر أمام وسائل الإعلام. ورأيت بأم عيني أن هناك فتنة أخرى، لم أعرفها من قبل: هي فتنة (الكاميرا)، أو فتنة (الميكرفون) كما سماها بعض الظرفاء! ورأيت رقة في الدين تجتاح الصفوف المتدينة كالوباء الفتاك، وسقوطا هنا وهناك، يتتابع بين الإخوان والأخوات على السواء!
المنادي ينادي للصلاة: حي على الصلاة! حي على الفلاح!.. وخطاب الواجهة الفاتنة المفتونة مستمر كأنه لا يسمع شيئا! وضربت الصفوفَ الدينية آفاتُ المجتمع المريض، من رعونة وتحلل خلقي، وانسياق وراء كثير من مغريات الحياة الدنيا وفتنتها. وبدأت أسأل نفسي متهما إياها: أي دين هذا؟ وأي صلاح هذا؟ وبدل أن يتنافس شباب الصحوة الإسلامية حول منازل العلم، ومقامات التقوى والورع، بدؤوا يتنافسون حول حدود الشبهات، ويتبارون أيهم أقدر على الرعي حول الحمى دون أن يقع فيه! زعموا..! وانطلق السباق نحو الهاوية! أين المشكلة إذن؟
هذه هي البرامج التربوية تترى تأليفا وتنظيرا، وهذه هي المطبوعات التصورية تتواتر، ولكن بلا جدوى! وبلا فائدة! فإنها حميعها تبقى على رفوف مقرات الحركات ومكاتبها موقَّرة إلى إشعار آخر! فأين الخلل؟ ولطالما وُضِع هذا السؤال، ولكن أين من يتابعه؟
وبقي الأمر بالنسبة لي غامضا، حتى لقيت بعض أساتذتي الأجلاء، ممن تتلمذت عليهم، وأخذت عنهم علم الدعوة وعلم البحث العلمي، فكانت لي معه جلسة مذاكرة حول بعض مفاهيم القرآن الكريم، وتحدثنا عن بعض النماذج من بينها مفهوم (الإله) في القرآن الكريم، فنبهني إلى الأصل اللغوي لهذه العبارة، من أنه راجع إلى معنى قلبي وجداني، وذكر لي شيئا من الدلالة اللغوية على المحبة، مما بينته قبل قليل، فكانت بالنسبة لي مفاجأة حقيقية! لا على مستوى الفهم فقط؛ ولكن على مستوى الوجدان والشعور!

من كتاب جمالية الدين للشيخ فريد الأنصاري رحمه الله