تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : جمع بعض مقدمات كتب العلماء فيها علم وزهد ...



أهــل الحـديث
31-05-2013, 12:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


هل قرأت مقدمة كتاب لعالم من العلماء شارك معنا للفائدة
مقدمات كتب علماء الإسلام
المجموع شرح المهذب (1/ 2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الْبَرِّ الْجَوَّادِ. الَّذِي جَلَّتْ نِعَمُهُ عَنْ الْإِحْصَاءِ بِالْأَعْدَادِ. خَالِقِ اللُّطْفِ وَالْإِرْشَادِ. الْهَادِي إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ. الْمُوَفِّقِ بِكَرَمِهِ لِطُرُقِ السَّدَادِ. الْمَانِّ بِالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ عَلَى مَنْ لَطَفَ بِهِ مِنْ الْعِبَادِ. الَّذِي كَرَّمَ هَذِهِ الْأُمَّةَ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا بِالِاعْتِنَاءِ بِتَدْوِينِ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِفْظًا لَهُ عَلَى تَكَرُّرِ الْعُصُورِ وَالْآبَادِ. وَنَصَّبَ كَذَلِكَ جَهَابِذَةً مِنْ الْحُفَّاظِ النُّقَّادِ: وَجَعَلَهُمْ دَائِبِينَ فِي إيضَاحِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ وَالْبِلَادِ. بَاذِلِينَ وُسْعَهُمْ مُسْتَفْرِغِينَ جُهْدَهُمْ فِي ذَلِكَ فِي جَمَاعَاتٍ وَآحَادٍ. مُسْتَمِرِّينَ عَلَى ذَلِكَ مُتَابِعِينَ فِي الْجُهْدِ وَالِاجْتِهَادِ. أَحْمَدُهُ أَبْلَغَ الْحَمْدِ وَأَكْمَلَهُ وَأَزْكَاهُ وَأَشْمَلَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. الْكَرِيمُ الْغَفَّارُ * وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ. الْمُصْطَفَى بِتَعْمِيمِ دَعَوْتِهِ وَرِسَالَتِهِ. الْمُفَضَّلُ عَلَى الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنْ بَرِيَّتِهِ. الْمُشَرَّفُ عَلَى الْعَالَمِينَ قَاطِبَةً بِشُمُولِ شَفَاعَتِهِ. الْمَخْصُوصُ بِتَأْيِيدِ مِلَّتِهِ وَسَمَاحَةِ شَرِيعَتِهِ. الْمُكَرَّمُ بِتَوْفِيقِ أُمَّتِهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي إيضَاحِ مِنْهَاجِهِ وَطَرِيقَتِهِ. وَالْقِيَامِ بِتَبْلِيغِ مَا أُرْسِلَ بِهِ إلَى أُمَّتِهِ. صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى إخْوَانِهِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَآلِ كُلٍّ وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ. وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ (أَمَّا بَعْدُ)
فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَظِيمُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (وَمَا خَلَقْتُ الجن والانس إلا ليعبدون مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أن يطعمون) وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْعِبَادَ خُلِقُوا لِلْعِبَادَةِ وَلِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الدُّنْيَا بِالزَّهَادَةِ: فَكَانَ أَوْلَى مَا اشْتَغَلَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ: وَاسْتَغْرَقَ الْأَوْقَاتِ فِي تَحْصِيلِهِ الْعَارِفُونَ. وَبَذَلَ الْوُسْعَ فِي إدْرَاكِهِ الْمَشْهُورُونَ. وَهَجَرَ مَا سِوَاهُ لِنَيْلِهِ الْمُتَيَقِّظُونَ بَعْدَ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَعَمَلِ الْوَاجِبَاتِ التَّشْمِيرُ فِي تَبْيِينِ مَا كَانَ مُصَحِّحًا لِلْعِبَادَاتِ الَّتِي هِيَ دَأَبُ أَرْبَابِ الْعُقُولِ وَأَصْحَابِ الْأَنْفُسِ الزَّكِيَّاتِ، إذْ لَيْسَ يَكْفِي فِي الْعِبَادَاتِ صُوَرُ الطَّاعَاتِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّاتِ وَهَذَا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ وَقَبْلِهَا بِأَعْصَارٍ خَالِيَاتٍ: قَدْ انْحَصَرَتْ مَعْرِفَتُهُ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّاتِ الْمُصَنَّفَةِ فِي أَحْكَامِ الدِّيَانَاتِ، فَهِيَ الْمَخْصُوصَةُ بِبَيَانِ ذَلِكَ وَإِيضَاحِ الْخَفِيَّاتِ مِنْهَا وَالْجَلِيَّاتِ، وَهِيَ الَّتِي أُوضِحَ فِيهَا جَمِيعُ أَحْكَامِ الدِّينِ وَالْوَقَائِعُ الْغَالِبَاتُ وَالنَّادِرَاتُ، وَحُرِّرَ فِيهَا الْوَاضِحَاتُ وَالْمُشْكِلَاتُ، وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ التَّصْنِيفَ فِيهَا مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ وَالْمَبْسُوطَاتِ، وَأَوْدَعُوا فِيهَا مِنْ الْمَبَاحِثِ والتحقيقات والنفائس الجليلات
* وجميع مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَمَا يُتَوَقَّعُ وُقُوعُهُ وَلَوْ عَلَى أَنْدَرِ الِاحْتِمَالَاتِ الْبَدَائِعَ وَغَايَاتِ النِّهَايَاتِ، حَتَّى لَقَدْ تَرَكُونَا مِنْهَا عَلَى الْجَلِيَّاتِ الْوَاضِحَاتِ، فَشَكَرَ اللَّهُ الْكَرِيمُ لَهُمْ سَعْيَهُمْ وَأَجْزَلَ لَهُمْ الْمَثُوبَاتِ، وَأَحَلَّهُمْ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ، وَجَعَلَ لَنَا نَصِيبًا مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْخَيْرَاتِ، وَأَدَامَنَا عَلَى ذَلِكَ فِي ازْدِيَادٍ حَتَّى الْمَمَاتِ، وَغَفَرَ لَنَا مَا جَرَى وَمَا يَجْرِي مِنَّا مِنْ الزَّلَّاتِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ بِوَالِدَيْنَا وَمَشَايِخِنَا وَسَائِرِ مَنْ نُحِبُّهُ وَيُحِبُّنَا وَمَنْ أَحْسَنَ إلَيْنَا وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، إنَّهُ سَمِيعُ الدَّعَوَاتِ جَزِيلُ الْعَطِيَّاتِ
* ثُمَّ إنَّ أَصْحَابَنَا الْمُصَنِّفِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَعَنْ سَائِرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُوا التَّصَانِيفَ كَمَا قَدَّمْنَا وَتَنَوَّعُوا فِيهَا كَمَا ذَكَرْنَا وَاشْتَهَرَ مِنْهَا لِتَدْرِيسِ الْمُدَرِّسِينَ وَبَحْثِ الْمُشْتَغِلِينَ الْمُهَذَّبُ وَالْوَسِيطُ وَهُمَا كِتَابَانِ عَظِيمَانِ صَنَّفَهُمَا إمَامَانِ جَلِيلَانِ: أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ الشيرازي: وأبو حامد محمد بن مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْغَزَالِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَتَقَبَّلَ ذَلِكَ وَسَائِرَ أَعْمَالِهِمَا مِنْهُمَا وَقَدْ وَفَرَّ اللَّهُ الْكَرِيمُ دَوَاعِيَ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ الله على الِاشْتِغَالِ بِهَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِجَلَالَتِهِمَا وَعِظَمِ فَائِدَتِهِمَا وَحُسْنِ نِيَّةِ ذَيْنِكَ الْإِمَامَيْنِ، وَفِي هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ دُرُوسُ الْمُدَرِّسِينَ وَبَحْثُ الْمُحَصِّلِينَ الْمُحَقِّقِينَ، وَحِفْظُ الطُّلَّابِ الْمُعْتَنِينَ فِيمَا مَضَى وَفِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ فِي جَمِيعِ النَّوَاحِي وَالْأَمْصَارِ: فَإِذَا كَانَا كَمَا وَصَفْنَا وَجَلَالَتُهُمَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا. كان من هم الْأُمُورِ الْعِنَايَةُ بِشَرْحِهِمَا إذْ فِيهِمَا أَعْظَمُ الْفَوَائِدِ وَأَجْزَلُ الْعَوَائِدِ فَإِنَّ فِيهِمَا مَوَاضِعَ كَثِيرَةً أَنْكَرَهَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَفِيهَا كُتُبٌ مَعْرُوفَةٌ مُؤَلَّفَةٌ فَمِنْهَا مَا لَيْسَ عَنْهُ جَوَابٌ سَدِيدٌ وَمِنْهَا مَا جَوَابُهُ صَحِيحٌ مَوْجُودٌ عَتِيدٌ فَيَحْتَاجُ إلَى الْوُقُوفِ على ذلك من لم تخصره مَعْرِفَتُهُ، وَيَفْتَقِرُ إلَى الْعِلْمِ بِهِ مَنْ لَمْ تُحِطْ بِهِ خِبْرَتُهُ: وَكَذَلِكَ فِيهِمَا مِنْ الْأَحَادِيثِ واللغات وأسماء النقلة والرواة والاحترازات والمسائل المشكلات، والاصول المفتقرة إلى فروع وتتمات مالا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِهِ وَتَبْيِينِهِ بِأَوْضَحِ الْعِبَارَاتِ
* فَأَمَّا الْوَسِيطُ فَقَدْ جَمَعْتُ فِي شَرْحِهِ جُمَلًا مُفَرَّقَاتٍ سَأُهَذِّبُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابٍ مُفْرَدٍ وَاضِحَاتٍ مُتَمَّمَاتٍ، وَأَمَّا الْمُهَذَّبُ فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ الكريم الرؤوف الرَّحِيمَ فِي جَمْعِ كِتَابٍ فِي شَرْحِهِ سَمَّيْته بالمجموع وَاَللَّهَ الْكَرِيمَ أَسْأَلُ أَنْ يَجْعَلَ نَفْعِي وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ بِهِ مِنْ الدَّائِمِ غَيْرِ الْمَمْنُوعِ، أَذْكُرُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جُمَلًا مِنْ عُلُومِهِ الزَّاهِرَاتِ، وَأُبَيِّنُ فِيهِ أَنْوَاعًا مِنْ فُنُونِهِ الْمُتَعَدِّدَاتِ فَمِنْهَا تَفْسِيرُ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ، وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّاتِ، وَالْآثَارُ الْمَوْقُوفَاتُ، وَالْفَتَاوَى الْمَقْطُوعَاتُ، وَالْأَشْعَارُ الاسْتِشْهاديَّات، وَالْأَحْكَامُ الِاعْتِقَادِيَّاتُ والفُروعِيَّات، وَالْأَسْمَاءُ وَاللُّغَاتُ،وَالْقُيُودُ وَالِاحْتِرَازَاتُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ فُنُونِهِ الْمَعْرُوفَاتِ، وَأُبَيِّنُ مِنْ الْأَحَادِيثِ صَحِيحَهَا وَحَسَنَهَا وَضَعِيفَهَا مَرْفُوعَهَا وَمَوْقُوفَهَا مُتَّصِلَهَا وَمُرْسَلَهَا وَمُنْقَطِعَهَا وَمُعْضِلَهَا وَمَوْضُوعَهَا مَشْهُورَهَا وَغَرِيبَهَا وَشَاذَّهَا وَمُنْكَرَهَا ومقاربها وَمُعَلَّلَهَا وَمَدْرَجَهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَقْسَامِهَا مِمَّا سَتَرَاهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاطِنِهَا وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا كُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْمُهَذَّبِ وَسَنُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
المجموع شرح المهذب (1/ 4)
وَأُبَيِّنُ مِنْهَا أَيْضًا لُغَاتِهَا وَضَبْطَ نَقَلَتِهَا وَرُوَاتَهَا
* وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا اقْتَصَرْتُ عَلَى إضَافَتِهِ إلَيْهِمَا وَلَا أُضِيفُهُ مَعَهُمَا إلَى غَيْرِهِمَا إلَّا نَادِرًا لِغَرَضٍ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ لِأَنَّ مَا كَانَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا غَنِيٌّ عَنْ التَّقْوِيَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا سِوَاهُمَا
* وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَأُضِيفُهُ إلَى مَا تَيَسَّرَ مِنْ كُتُبِ السُّنَنِ وَغَيْرِهَا أَوْ إلَى بَعْضِهَا: فَإِذَا كَانَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ: وَالنَّسَائِيَّ الَّتِي هِيَ تَمَامُ أُصُولِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا اقْتَصَرْتُ أَيْضًا عَلَى إضَافَتِهِ إلَيْهَا: وَمَا خَرَجَ عَنْهَا أُضِيفُهُ إلَى مَا تَيَسَّرَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُبَيِّنًا صِحَّتَهُ أَوْ ضَعْفَهُ: وَمَتَى كَانَ الْحَدِيثُ ضَعِيفًا بَيَّنْتُ ضَعْفَهُ وَنَبَّهْتُ عَلَى سَبَبِ ضَعْفِهِ إنْ لَمْ يَطُلْ الْكَلَامُ بِوَصْفِهِ: وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ هُوَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَوْ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ أَصْحَابُنَا صَرَّحْتُ بِضَعْفِهِ ثُمَّ أَذْكُرُ دَلِيلًا لِلْمَذْهَبِ مِنْ الْحَدِيثِ إنْ وَجَدْتُهُ وَإِلَّا فَمِنْ الْقِيَاسِ وَغَيْرِهِ
* وَأُبَيِّنُ فِيهِ مَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَلْفَاظِ اللُّغَاتِ وَأَسْمَاءِ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالنَّقَلَةِ وَالرُّوَاةِ مَبْسُوطًا فِي وَقْتٍ وَمُخْتَصَرًا فِي وَقْتٍ بِحَسْبِ الْمَوَاطِنِ وَالْحَاجَةِ: وَقَدْ جَمَعْتُ فِي هَذَا النوع كتابا سميته بتهذيب الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ جَمَعْتُ فِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْمُهَذَّبِ وَالْوَسِيطِ وَالتَّنْبِيهِ وَالْوَجِيزِ وَالرَّوْضَةِ الَّذِي اخْتَصَرْتُهُ مِنْ شَرْحِ الْوَجِيزِ لِلْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْحُدُودِ وَالْقُيُودِ وَالْقَوَاعِدِ وَالضَّوَابِطِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مما له ذكر في شئ مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَلَا يَسْتَغْنِي طَالِبُ عِلْمٍ عَنْ مِثْلِهِ فَمَا وَقَعَ هُنَا مُخْتَصَرًا لِضَرُورَةٍ أَحَلْتُهُ عَلَى ذَلِكَ وَأُبَيِّنُ فِيهِ الِاحْتِرَازَاتِ وَالضَّوَابِطَ الْكُلِّيَّاتِ
* وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَهُوَ مَقْصُودُ الْكِتَابِ فَأُبَالِغُ فِي إيضَاحِهَا بِأَسْهَلِ الْعِبَارَاتِ، وَأَضُمُّ إلَى ما في الاصل من الفروع والتتمات، والزوائد الْمُسْتَجَادَاتِ، وَالْقَوَاعِدِ الْمُحَرَّرَاتِ، وَالضَّوَابِطِ الْمُمَهِّدَاتِ، مَا تَقَرُّ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْيُنَ أُولِي الْبَصَائِرِ وَالْعِنَايَاتِ، وَالْمُبَرَّئِينَ مِنْ أَدْنَاسِ الزَّيْغِ وَالْجَهَالَاتِ، ثُمَّ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَاتِ مَا أَذْكُرُهُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِ صَاحِبِ الْكِتَابِ: وَمِنْهَا مَا أَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْفُصُولِ وَالْأَبْوَابِ وَأُبَيِّنُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَمَا وَافَقَهُ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَمَا انْفَرَدَ بِهِ أَوْ خَالَفَهُ فِيهِ الْمُعْظَمُ.
وَهَذَا النَّوْعُ قَلِيلٌ جِدًّا: وَأُبَيِّنُ فِيهِ مَا أُنْكِرَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ، وَالْمَسَائِلِ الْمُشْكِلَاتِ مَعَ جَوَابِهِ إنْ كَانَ مِنْ الْمُرْضِيَاتِ
* وَكَذَلِكَ أُبَيِّنُ فِيهِ جُمَلًا مِمَّا أُنْكِرَ عَلَى الْإِمَامِ أَبِي إبْرَاهِيمَ إسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَعَلَى الْإِمَامِ أَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ وَعَلَى الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَ فَإِنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا كَالْحَاجَةِ إلَى الْمُهَذَّبِ: وَأَلْتَزِمُ فِيهِ بَيَانَ الرَّاجِحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ وَالطَّرِيقَيْنِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَوْجُهِ وَالطُّرُقِ مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ أَوْ ذَكَرَهُ وَوَافَقُوهُ عَلَيْهِ أَوْ خَالَفُوهُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ كُتُبَ الْمَذْهَبِ فِيهَا اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ بَيْنَ الاصحاب بحيث لا يحصل للمطالع وثوق بكون مَا قَالَهُ مُصَنِّفٌ مِنْهُمْ هُوَ الْمَذْهَبُ حَتَّى يُطَالِعَ مُعْظَمَ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورَةِ فَلِهَذَا لَا أَتْرُكُ قَوْلًا وَلَا وَجْهًا وَلَا نَقْلًا وَلَوْ كَانَ ضَعِيفًا أَوْ وَاهِيًا إلَّا ذَكَرْتُهُ إذَا وَجَدْتُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ بَيَانِ رجحان
المجموع شرح المهذب (1/ 5)
مَا كَانَ رَاجِحًا وَتَضْعِيفِ مَا كَانَ ضَعِيفًا وَتَزْيِيفِ مَا كَانَ زَائِفًا وَالْمُبَالَغَةِ فِي تَغْلِيطِ قَائِلِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْأَكَابِرِ: وَإِنَّمَا أَقْصِدُ بِذَلِكَ التَّحْذِيرَ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِهِ: وَأَحْرِصُ عَلَى تَتَبُّعِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إلَى زَمَانِي مِنْ الْمَبْسُوطَاتِ وَالْمُخْتَصَرَاتِ: وَكَذَلِكَ نُصُوصُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَنْقُلُهَا من نفس كتبه المتيسرة عندي كالامام وَالْمُخْتَصَرِ وَالْبُوَيْطِيِّ وَمَا نَقَلَهُ الْمُفْتُونَ الْمُعْتَمَدُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَكَذَلِكَ أَتَتَبَّعُ فَتَاوَى الْأَصْحَابِ وَمُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ فِي الْأُصُولِ وَالطَّبَقَاتِ وَشُرُوحِهِمْ لِلْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا وَحَيْثُ أَنْقُلُ حُكْمًا أَوْ قَوْلًا أَوْ وَجْهًا أَوْ طَرِيقًا أَوْ لَفْظَةَ لُغَةٍ أَوْ اسْمَ رَجُلٍ أَوْ حَالَةً أَوْ ضَبْطَ لَفْظَةٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ الْمَشْهُورِ أَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ قَائِلِيهِ لِكَثْرَتِهِمْ إلَّا أَنْ أُضْطَرَّ إلَى بَيَانِ قَائِلِيهِ لِغَرَضٍ مُهِمٍّ فَأَذْكُرُ جَمَاعَةً مِنْهُمْ ثُمَّ أَقُولُ وَغَيْرُهُمْ وَحَيْثُ كَانَ مَا أَنْقُلُهُ غَرِيبًا أُضِيفُهُ إلَى قَائِلِهِ فِي الْغَالِبِ وَقَدْ أُذْهَلُ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ: وَحَيْثُ أَقُولُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَذَا أَوْ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ أَوْ قَالَ الْجُمْهُورُ أَوْ الْمُعْظَمُ أَوْ الْأَكْثَرُونَ كَذَا ثُمَّ أَنْقُلُ عَنْ جَمَاعَةٍ خِلَافَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا أَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَا يَهُولَنَّك كَثْرَةُ مَنْ أَذْكُرُهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَلَى خِلَافِ الْجُمْهُورِ أَوْ خِلَافِ الْمَشْهُورِ أَوْ الْأَكْثَرِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنِّي إنَّمَا أَتْرُكُ تَسْمِيَةَ الْأَكْثَرِينَ لِعِظَمِ كَثْرَتِهِمْ كَرَاهَةً لِزِيَادَةِ التَّطْوِيلِ وَقَدْ أَكْثَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ كُتُبَ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ مَبْسُوطٍ وَمُخْتَصَرٍ وَغَرِيبٍ وَمَشْهُورٍ: وَسَتَرَى مِنْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْكِتَابِ مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ وَيَزِيدُ رَغْبَتَك فِي الِاشْتِغَالِ وَالْمُطَالَعَةِ وَتَرَى كُتُبًا وَأَئِمَّةً قَلَّمَا طَرَقُوا سَمْعَكَ وَقَدْ أَذْكُرُ الْجُمْهُورَ بِأَسْمَائِهِمْ فِي نَادِرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ لِضَرُورَةٍ تَدْعُو إلَيْهِمْ وَقَدْ أُنَبِّهُ عَلَى تِلْكَ الضَّرُورَةِ
* وَأَذْكُرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَذَاهِبَ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ بِأَدِلَّتِهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ: وَأُجِيبُ عَنْهَا مَعَ الْإِنْصَافِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَبْسُطُ الْكَلَامَ فِي الْأَدِلَّةِ فِي بَعْضِهَا وَأَخْتَصِرُهُ فِي بَعْضِهَا بِحَسْبِ كَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَقِلَّتِهَا وَأَعْرِضُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عَنْ الْأَدِلَّةِ الْوَاهِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَشْهُورَةً:
فَإِنَّ الْوَقْتَ يَضِيقُ عَنْ الْمُهِمَّاتِ: فَكَيْفَ يَضِيعُ فِي الْمُنْكَرَاتِ وَالْوَاهِيَاتِ: وَإِنْ ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى نُدُورٍ نَبَّهْتُ عَلَى ضَعْفِهِ
* وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ مَذَاهِبِ السَّلَفِ بِأَدِلَّتِهَا مِنْ أَهَمِّ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْفُرُوعِ رَحْمَةٌ وَبِذِكْرِ مَذَاهِبِهِمْ بِأَدِلَّتِهَا يَعْرِفُ الْمُتَمَكِّنُ الْمَذَاهِبَ عَلَى وَجْهِهَا وَالرَّاجِحَ مِنْ الْمَرْجُوحِ وَيَتَّضِحُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ الْمُشْكِلَاتُ: وَتَظْهَرُ الْفَوَائِدُ النَّفِيسَاتُ: وَيَتَدَرَّبُ النَّاظِرُ فِيهَا بِالسُّؤَالِ والجواب: ويفتح ذِهْنُهُ وَيَتَمَيَّزُ عِنْدَ ذَوِي الْبَصَائِرِ وَالْأَلْبَابِ: وَيَعْرِفُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ مِنْ الضَّعِيفَةِ وَالدَّلَائِلَ الرَّاجِحَةَ مِنْ الْمَرْجُوحَةِ وَيَقُومُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَارِضَاتِ وَالْمَعْمُولِ بظاهرها من المؤولاات وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ إلَّا أَفْرَادٌ مِنْ النَّادِرِ: وَأَكْثَرُ مَا أَنْقُلُهُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ مِنْ كِتَابِ الْإِشْرَافِ وَالْإِجْمَاعِ لِابْنِ الْمُنْذِرِ وَهُوَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ النَّيْسَابُورِيُّ الشَّافِعِيُّ الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْفَنِّ وَمِنْ كُتُبِ أَصْحَابِ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ وَلَا أَنْقُلُ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْقَلِيلَ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ
المجموع شرح المهذب (1/ 6)
مِنْ ذَلِكَ مَا يُنْكِرُونَهُ: وَإِذَا مَرَرْتُ بِاسْمِ أَحَدٍ (1) مِنْ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَشَرْتُ إلَى بَيَانِ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ وَنَسَبِهِ وَرُبَّمَا ذَكَرْتُ مَوْلِدَهُ وَوَفَاتَهُ وَرُبَّمَا ذَكَرْتُ طَرَفًا مِنْ مَنَاقِبِهِ: وَالْمَقْصُودُ بِذَلِكَ التَّنْبِيهُ عَلَى جَلَالَتِهِ: وَإِذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ أَوْ الْحَدِيثُ أَوْ الِاسْمُ أَوْ اللَّفْظَةُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَهُ مَوْضِعَانِ يَلِيقُ ذِكْرُهُ فِيهِمَا ذَكَرْتُهُ فِي أَوَّلِهِمَا فَإِنْ وَصَلْتُ إلَى الثَّانِي نَبَّهْتُ عَلَى أَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ: وَأُقَدِّمُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَبْوَابًا وَفُصُولًا تَكُونُ لِصَاحِبِهِ قَوَاعِدَ وَأُصُولًا: أَذْكُرُ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ نَسَبَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَطْرَافًا مِنْ أَحْوَالِهِ وَأَحْوَالِ الْمُصَنِّفِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفَضْلَ الْعِلْمِ وَبَيَانَ أَقْسَامِهِ وَمُسْتَحِقِّي فَضْلِهِ وَآدَابَ الْعَالِمِ وَالْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ: وَأَحْكَامَ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَصِفَةَ الْفَتْوَى وَآدَابَهَا وَبَيَانَ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ وَالطَّرِيقَيْنِ وَمَاذَا يَعْمَلُ الْمُفْتِي الْمُقَلِّدُ فِيهَا: وَبَيَانَ صَحِيحِ الْحَدِيثِ وَحَسَنِهِ وَضَعِيفِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مما يتعلق به كاختصار الحديث: وزيادة الثقاة: وَاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَوَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: وَبَيَانَ الْإِجْمَاعِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: وَبَيَانَ الْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ وَتَفْصِيلِهِ: وَبَيَانَ حُكْمِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ أُمِرْنَا بِكَذَا أَوْ نَحْوِهِ: وَبَيَانَ حُكْمِ الْحَدِيثِ الَّذِي نَجِدُهُ يُخَالِفُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبَيَانَ جُمْلَةٍ مِنْ ضَبْطِ الْأَسْمَاءِ الْمُتَكَرِّرَةِ أَوْ غَيْرِهَا كَالرَّبِيعِ الْمُرَادِيِّ وَالْجِيزِيِّ وَالْقَفَّالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* ثُمَّ إنِّي أُبَالِغُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إيضَاحِ جَمِيعِ مَا أَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَإِنْ أَدَّى إلَى التَّكْرَارِ وَلَوْ كَانَ وَاضِحًا مَشْهُورًا وَلَا أَتْرُكُ الْإِيضَاحَ وَإِنْ أَدَّى إلَى التَّطْوِيلِ بِالتَّمْثِيلِ.
وَإِنَّمَا أَقْصِدُ بِذَلِكَ النَّصِيحَةَ وَتَيْسِيرَ الطَّرِيقِ إلَى فَهْمِهِ فَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ النَّاصِحِ: وَقَدْ كُنْتُ جَمَعْتُ هَذَا الشَّرْحَ مَبْسُوطًا جِدًّا بِحَيْثُ بَلَغَ إلَى آخِرِ بَابِ الْحَيْضِ ثَلَاثَ مجلدات ضخمات ثم رأيت الِاسْتِمْرَارَ عَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ يُؤَدِّي إلَى سَآمَةِ مُطَالِعِهِ: وَيَكُونُ سَبَبًا لِقِلَّةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِكَثْرَتِهِ.
وَالْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِ نُسْخَةٍ مِنْهُ فَتَرَكْتُ ذَلِكَ الْمِنْهَاجَ فَأَسْلُكُ الْآنَ طَرِيقَةً مُتَوَسِّطَةً إنْ شَاءَ الله تعالى لا من المطولات المملات: وَلَا مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ الْمُخِلَّاتِ: وَأَسْلُكُ (2) فِيهِ أَيْضًا مَقْصُودًا صَحِيحًا وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَبْوَابِ الَّتِي لَا يَعُمُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا لَا أَبْسُطُ الْكَلَامَ فِيهَا لِقِلَّةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَذَلِكَ كَكِتَابِ اللِّعَانِ وَعَوِيصِ الْفَرَائِضِ وَشَبَهِ ذَلِكَ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَقَاصِدِهَا
* وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ وَإِنْ سَمَّيْتُهُ شَرْحَ الْمُهَذَّبِ فَهُوَ شَرْحٌ لِلْمَذْهَبِ كُلِّهِ بَلْ لِمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ كُلِّهِمْ وللحديث وجعل من اللغة والتاربخ وَالْأَسْمَاءِ وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي مَعْرِفَةِ صَحِيحِ الْحَدِيثِ وَحَسَنِهِ وَضَعِيفِهِ: وَبَيَانِ عِلَلِهِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَارِضَاتِ.
وَتَأْوِيلِ الْخَفِيَّاتِ. وَاسْتِنْبَاطِ الْمُهِمَّاتِ.
وَاسْتِمْدَادِي في كل ذلك وغيره اللطف والمعونة من الله الكريم الرؤوف الرَّحِيمِ وَعَلَيْهِ اعْتِمَادِي وَإِلَيْهِ تَفْوِيضِي وَاسْتِنَادِي: أَسْأَلُهُ سُلُوكَ سَبِيلِ الرَّشَادِ. وَالْعِصْمَةَ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالْعِنَادِ. وَالدَّوَامَ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ فِي ازْدِيَادٍ. وَالتَّوْفِيقَ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ لِلصَّوَابِ.
وَالْجَرْيَ عَلَى آثَارِ ذَوِي الْبَصَائِرِ وَالْأَلْبَابِ. وَأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِوَالِدَيْنَا وَمَشَايِخِنَا وَجَمِيعِ مَنْ نُحِبُّهُ وَيُحِبُّنَا وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ إنَّهُ الْوَاسِعُ الْوَهَّابُ.
وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابٌ.
حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
*
__________
(1) وفى نسخة بدل احد: رجل (2) وفي نسخة الاذرعى بدل اسلك أقصد وهو أوجه
الحاوي الكبير (1/ 7)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ يَسِّرْ وَأَعِنْ يَا كَرِيمُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَوْضَحَ لَنَا شَرَائِعَ دِينِهِ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِتَنْزِيلِ كِتَابِهِ وَأَمَدَّنَا بِسُنَّةِ رَسُولِهِ حَتَّى تَمَهَّدَ لِعُلَمَاءِ الْأُمَّةِ أُصُولٌ، بِنَصٍّ وَمَعْقُولٍ، تَوَصَّلُوا بِهَا إِلَى عِلْمِ الْحَادِثِ النازل، وإدراك الغامض الْمُشْكِلِ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ مِنْ هِدَايَتِهِ وَصَلَوَاتُهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ تَوَسَّطَ بِحُجَّتَيِ النصوص المنقولة والمعاني المعقولة حتى لم يصره بالميل إلى أحدهما مقصرا عن الأخرى أَحَقَّ، وَبِطَرِيقِهِ أَوْثَقَ. وَلَمَّا كَانَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِ اقْتَصَرُوا عَلَى مُخْتَصَرِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِانْتِشَارِ الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ عَنْ فَهْمِ الْمُتَعَلِّمِ، وَاسْتِطَالَةِ مُرَاجَعَتِهَا عَلَى الْعَالِمِ حَتَّى جَعَلُوا الْمُخْتَصَرَ أَصْلًا يُمْكِنُهُمْ تَقْرِيبُهُ عَلَى الْمُبْتَدِئِ، وَاسْتِيفَاؤُهُ لِلْمُنْتَهِي، وَجَبَ صَرْفُ الْعِنَايَةِ إِلَيْهِ وَإِيقَاعُ الِاهْتِمَامِ بِهِ. وَلَمَّا صَارَ مُخْتَصَرُ الْمُزَنِيِّ بِهَذِهِ الْحَالِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، لَزِمَ اسْتِيعَابُ الْمَذْهَبِ فِي شَرْحِهِ واستيفاء اختلاف الفقهاء المغلق بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ خُرُوجًا عَنْ مُقْتَضَى الشرح الذي يقتضي الِاقْتِصَارَ عَلَى إِبَانَةِ الْمَشْرُوحِ لِيَصِحَّ الِاكْتِفَاءُ بِهِ، وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنْ غَيْرِهِ. وَقَدِ اعْتَمَدْتُ بِكِتَابِي هَذَا شَرْحَهُ عَلَى أَعْدَلِ شُرُوحِهِ وَتَرْجَمْتُهُ بِ " الْحَاوِي " رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ حَاوِيًا لِمَا أُوجِبُهُ بِقَدْرِ الحال من الاستيفاء والاستيعاب في أوضح تقديم وأصح ترتيب وأسهل مأخذ واحد فِي فُصُولٍ. وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ أَكْرَمَ مَسْؤُولٍ أَنْ يَجْعَلَ التَّوْفِيقَ لِي مَادَّةً وَالْمَعُونَةَ هِدَايَةً بِطَوْلِهِ وَمَشِيئَتِهِ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ: اخْتَصَرْتُ هَذَا مِنْ عِلْمِ الشَّافِعِيِّ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: لِأُقَرِّبَهُ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ مَعَ إِعْلَامِيِّهِ نَهْيِهِ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ لِيَنْظُرَ فِيهِ لِدِينِهِ وَيَحْتَاطَ فِيهِ لِنَفْسِهِ، وَبِاللَّهِ التوفيق.
وقال الْمَاوَرْدِيُّ: ابْتَدَأَ الْمُزَنِيُّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ فِي كِتَابِهِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ حُسَّادِ الْفَضْلِ مَنْ أَغْرَاهُمُ التَّقَدُّمُ بِالْمُنَازَعَةِ، وَبَعَثَهُمُ الِاشْتِهَارُ عَلَى الْمَذَمَّةِ، وَكَانَ مِمَّنِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِيهَا " النَّهْرُمَانِيُّ " وَ " المغربي " و " القهي " وَأَبُو طَالِبٍ الْكَاتِبُ، ثُمَّ تَعَقَّبَهُمُ ابْنُ دَاوُدَ فَكَانَ اعْتِرَاضُهُمْ فِيهَا مِنْ وُجُوهٍ؛ فَأَوَّلُ وُجُوهِ اعْتِرَاضِهِمْ فِيهَا أَنْ قَالُوا: لِمَ لَمْ يَحْمَدِ الله تعالى
السراج الوهاج (ص: 2)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الْحَمد لله الَّذِي لم يقطع عَنَّا مَعَ كَثْرَة ذنوبنا فَضله بل سبقت رَحمته عَذَابه وَغلب إحسانه عدله أَحْمَده وَإِن كنت لَا أَسْتَطِيع عد آلائه وأشكره وَإِن كَانَ شكري من عطائه وَلكنه يسْتَوْجب زِيَادَة نعمائه وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على قطب دَائِرَة الكمالات ومشرق النُّور الإلهي لأهل الأَرْض وَالسَّمَوَات سيدنَا مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى آله وَأَصْحَابه ذَوي الْفضل والتمكين
أما بعد فَيَقُول راجي غفران الْمسَاوِي الْفَقِير إِلَيْهِ تَعَالَى مُحَمَّد الزُّهْرِيّ الغمراوي قد طلب مني حَضْرَة الشَّيْخ مصطفى البابي الْحلَبِي الكتبي الشهير شرحا لطيفا لمتن الْمِنْهَاج الْمَنْسُوب للْإِمَام يحيى النَّوَوِيّ رَحمَه الله وأثابه رِضَاهُ
وَهُوَ الْكتاب الَّذِي عولت عَلَيْهِ أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة واتفقت على الثَّنَاء عَلَيْهِ كلماتهم المرضية وتوجهت أنظار محققيهم لكشف غوامضه وَتَحْقِيق مسَائِله وتدليل دعاويه وتصويب اعتماداته وَالرَّدّ على معترضيه وتبيين مراميه وَلَكِن ذَلِك إِمَّا فِي كتب طَوِيلَة أَو صعبة المرام إِن كَانَت أسفار قَليلَة وَكِلَاهُمَا فِي هَذِه الْأَزْمَان لَا يكثر إلفه وتخط الهمة عَن استنشاق عبير روضه وَإِن سهل اقتناؤه وعذب رشفه
وَقد كثر انتشار المنن مُجَردا فِي هَذَا الزَّمَان وَلَا تَخْلُو بعض عباراته عَن خَفَاء على بعض الأذهان فأحببنا أَن نقتطف من تِلْكَ الشُّرُوح مَا يُوضح المرام ويفصح عَمَّا تضمنته إشاراته أَو أعوزته بعض عباراته من قيود بعض الْأَحْكَام كل ذَلِك بعبارات مختصرة سهلة ليَكُون مصاحبا للمتن فِي اقتنائه فيكثر بِهِ الِانْتِفَاع وتنكشف عَن أنواره غواشي ظلمائه وسميته
بالسراج الْوَهَّاج شرح متن الْمِنْهَاج
نَسْأَلهُ سُبْحَانَهُ أَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم وَيكثر النَّفْع بِهِ بَين الْعباد فِي كل مصر وإقليم إِنَّه على مَا يَشَاء قدير وبالإجابة للدعوات جدير
أصول السرخسي (1/ 9)
مُقَدّمَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْأَجَل الزَّاهِد شمس الْأَئِمَّة أَبُو بكر مُحَمَّد بن أبي سهل السَّرخسِيّ إملاء فِي يَوْم السبت سلخ شَوَّال سنة تسع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة فِي زَاوِيَة من حِصَار أوزجند الْحَمد لله الحميد الْمجِيد المبدىء المعيد الفعال لما يُرِيد ذِي الْبَطْش الشَّديد وَالْأَمر الحميد وَالْحكم الرشيد والوعد والوعيد
نحمده على مَا أكرمنا بِهِ من مِيرَاث النُّبُوَّة ونشكره على مَا هدَانَا إِلَيْهِ بِمَا هُوَ أصل فِي الدّين والمروة وَهُوَ الْعلم الَّذِي هُوَ أنفس الأعلاق وَأجل مكتسب فِي الْآفَاق
فَهُوَ أعز عِنْد الْكَرِيم من الكبريت الْأَحْمَر والزمرد الْأَخْضَر ونثارة الدّرّ والعنبر ونفيس الْيَاقُوت والجوهر من جمعه فقد جمع الْعِزّ والشرف وَمن عَدمه فقد عدم مجامع الْخَيْر واللطف يُقَوي الضَّعِيف وَيزِيد عز الشريف يرفع الخامل الحقير ويمول العائل الْفَقِير بِهِ يطْلب رضَا الرَّحْمَن وتستفتح أَبْوَاب الْجنان وينال الْعِزّ فِي الدّين وَالدُّنْيَا والمحمدة فِي البدء والعقبى لأَجله بعث الله النَّبِيين وختمهم بِسَيِّد الْمُرْسلين وَإِمَام الْمُتَّقِينَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله الطيبين
وَبعد فَإِن من أفضل الْأُمُور وَأَشْرَفهَا عِنْد الْجُمْهُور بعد معرفَة أصل الدّين الِاقْتِدَاء بالأئمة الْمُتَقَدِّمين فِي بذل المجهود لمعْرِفَة الْأَحْكَام فبها يَتَأَتَّى الْفَصْل بَين الْحَلَال وَالْحرَام وَقد سمي الله تَعَالَى ذَلِك فِي مُحكم تَنْزِيله الْخَيْر الْكثير فَقَالَ {وَمن يُؤْت الْحِكْمَة فقد أُوتِيَ خيرا كثيرا} فسر ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَغَيره الْحِكْمَة بِعلم الْفِقْه وَهُوَ المُرَاد بقوله عز وَجل {ادْع إِلَى سَبِيل رَبك بالحكمة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة} أَي بِبَيَان الْفِقْه ومحاسن الشَّرِيعَة فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرِوَايَة ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا من يرد الله بِهِ خيرا يفقهه فِي الدّين وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام خياركم فِي الْجَاهِلِيَّة خياركم فِي الْإِسْلَام إِذا تفقهوا وَإِلَى ذَلِك دَعَا الله الصَّحَابَة الَّذين هم
أصول السرخسي (1/ 10)
أَعْلَام الدّين وقدوة الْمُتَأَخِّرين فَقَالَ {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة ليتفقهوا فِي الدّين ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم لَعَلَّهُم يحذرون} وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا عبد الله بِشَيْء أفضل من الْفِقْه فِي الدّين ولفقيه وَاحِد أَشد على الشَّيْطَان من ألف عَابِد وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَلِيل من الْفِقْه خير من كثير من الْعَمَل
غير أَن تَمام الْفِقْه لَا يكون إِلَّا باجتماع ثَلَاثَة أَشْيَاء الْعلم بالمشروبات والإتقان فِي معرفَة ذَلِك بِالْوُقُوفِ على النُّصُوص بمعانيها وَضبط الْأُصُول بفروعها ثمَّ الْعَمَل بذلك
فتمام الْمَقْصُود لَا يكون إِلَّا بعد الْعَمَل بِالْعلمِ وَمن كَانَ حَافِظًا للمشروبات من غير إتقان فِي الْمعرفَة فَهُوَ من جملَة الروَاة وَبعد الإتقان إِذا لم يكن عَاملا بِمَا يعلم فَهُوَ فَقِيه من وَجه دون وَجه فَأَما إِذا كَانَ عَاملا بِمَا يعلم فَهُوَ الْفَقِيه الْمُطلق الَّذِي أَرَادَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ هُوَ أَشد على الشَّيْطَان من ألف عَابِد وَهُوَ صفة المقدمين من أَئِمَّتنَا أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد رَضِي الله عَنْهُم وَلَا يخفى ذَلِك على من يتَأَمَّل فِي أَقْوَالهم وأحوالهم عَن إنصاف
فَذَلِك الَّذِي دَعَاني إِلَى إملاء شرح فِي الْكتب الَّتِي صنفها مُحَمَّد بن الْحسن رَحمَه الله بآكد إِشَارَة وأسهل عبارَة
وَلما انْتهى الْمَقْصُود من ذَلِك رَأَيْت من الصَّوَاب أَن أبين للمقتسبين أصُول مَا بنيت عَلَيْهَا شرح الْكتب ليَكُون الْوُقُوف على الْأُصُول معينا لَهُم على فهم مَا هُوَ الْحَقِيقَة فِي الْفُرُوع ومرشدا لَهُم إِلَى مَا وَقع الْإِخْلَال بِهِ فِي بَيَان الْفُرُوع
فالأصول مَعْدُودَة والحوادث ممدودة والمجموعات فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة للْمُتَقَدِّمين والمتأخرين وَإِنَّا فِيمَا قصدته بهم من المقتدين رَجَاء أَن أكون من الْأَشْبَاه فَخير الْأُمُور الِاتِّبَاع وشرها الابتداع
أصول السرخسي (1/ 11)
وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ أتكل وَإِلَيْهِ أبتهل وَبِه أَعْتَصِم وَله أستسلم وبحوله أعتضد وإياه أعْتَمد فَمن اعْتصمَ بِهِ فَازَ بالخيرات سَهْمه ولاح فِي الصعُود نجمه
فأحق مَا يبْدَأ بِهِ فِي الْبَيَان الْأَمر والنهى لِأَن مُعظم الِابْتِلَاء بهما وبمعرفتهما تتمّ معرفَة الْأَحْكَام ويتميز الْحَلَال من الْحَرَام
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْأَمر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ رَضِي الله عَنهُ اعْلَم أَن الْأَمر أحد أَقسَام الْكَلَام بِمَنْزِلَة الْخَبَر والاستخبار وَهُوَ عِنْد أهل اللِّسَان قَول الْمَرْء لغيره افْعَل وَلَكِن الْفُقَهَاء قَالُوا هَذِه الْكَلِمَة إِذا خَاطب الْمَرْء بهَا من هُوَ مثله أَو دونه فَهُوَ أَمر وَإِذا خَاطب بهَا من هُوَ فَوْقه لَا يكون أمرا لِأَن الْأَمر يتَعَلَّق بالمأمور
فَإِن كَانَ الْمُخَاطب مِمَّن يجوز أَن يكون مَأْمُور الْمُخَاطب كَانَ أمرا وَإِن كَانَ مِمَّن لَا يجوز أَن يكون مأموره لَا يكون أمرا كَقَوْل الدَّاعِي اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني يكون سؤالا وَدُعَاء لَا أمرا
ثمَّ المُرَاد بِالْأَمر يعرف بِهَذِهِ الصِّيغَة فَقَط وَلَا يعرف حَقِيقَة الْأَمر بِدُونِ هَذِه الصِّيغَة فِي قَول الْجُمْهُور من الْفُقَهَاء
وَقَالَ بعض أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ يعرف حَقِيقَة المُرَاد بِالْأَمر بِدُونِ هَذِه الصِّيغَة
وعَلى هَذَا يبتني الْخلاف فِي أَفعَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا مُوجبَة أم لَا وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} أَي عَن سمته وطريقته فِي أَفعاله وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد} وَالْمرَاد فعله وطريقته وَقَالَ تَعَالَى {وَأمرهمْ شُورَى بَينهم} أَي أفعالهم وَقَالَ تَعَالَى {وتنازعتم فِي الْأَمر} أَي فِيمَا تقدمون عَلَيْهِ من الْفِعْل وَقَالَ تَعَالَى {قل إِن الْأَمر كُله لله}
إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي (1/ 169)
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
رَبِّ زِدْني علماً يا أرحم الراحمين
وصَلَّى الله على سَيِّدنا محمدٍ وآلِه وصحبِه وسَلّم
الحمدُ للهِ الذي أحاط عِلْمُهُ بأَطْراف المخلوقات، وأَرْسَلَ محمداً بالحقِّ واصْطفاه بالآياتِ البيِّنات، وخَصَّ أُمَّتَه باتّصال سَبَب الإِسناد بينهم وبينه فكان ذلك من أَجْزَل الكرامات، صلّى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبِه الطيبين الطَّاهرين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
أمّا بعدُ: فهذا كتابُ أَطْرافِ الأحاديث التي اشْتَمَلَ عليها " المُسْنَدُ " الشهيرُ الكبيرُ للإِمام أبي عبد الله أحمدَ بنِ محمدِ بنِ حَنْبَل مع زيادات ابنه عبد الله.
رَتَّبْتُ أسماءَ الصحابة الذين فيه على حروف المُعْجَم، ثم من عُرِفَ بالكُنْية، ثم المُبْهَم، ثم النِّساء كذلك.
الإلمام بأحاديث الأحكام (1/ 46)
(الْخطْبَة)
الْحَمد لله منزل الشَّرَائِع وَالْأَحْكَام، ومفصل الْحَلَال وَالْحرَام، وَالْهَادِي من اتبع رضوانه سبل السَّلَام، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله [وَحده لَا شريك لَهُ] توحيداً؛ هُوَ فِي التَّقْرِير مُحكم النظام، وَفِي الْإِخْلَاص وافر الْأَقْسَام، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي أرْسلهُ رَحْمَة للأنام، فَعَلَيهِ مِنْهُ أفضل صلاةٍ وأكمل سَلام، ثمَّ عَلَى آله الطيبين الْكِرَام، وَأَصْحَابه نُجُوم الْهدى الْأَعْلَام. وَبعد؛ فَهَذَا مُخْتَصر فِي علم الحَدِيث، تَأَمَّلت مَقْصُوده تأملاً، وَلم أدعُ الْأَحَادِيث إِلَيْهِ الجَفَلا، وَلَا ألَوْتُ فِي وَضعه محرراً، وَلَا أبرزته كَيفَ اتّفق تهوراً، فَمن فهم مغزاه شدّ عَلَيْهِ يَد الضِّنانة، وأنزله من قلبه وتعظيمه الأعزين مَكَانا ومكانة وسميته: بِكِتَاب الْإِلْمَام بِأَحَادِيث الْأَحْكَام.
البدر المنير (1/ 255)
مُقَدّمَة
بسمِ اللهِ الرَّحْمَن الرحيمِ
(رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا)
الْحَمد لله رَافع منار الْأَحْكَام، ومظهر دينه بأقوى (عُرًى) وإحكام، ومُشَيِّده بحفاظ جَهَابِذَة أَعْلَام، مستمرين مدى الدهور والأعوام.
نحمده عَلَى ذَلِكَ كُله وَعَلَى سَائِر الإنعام، ونشكره عَلَى أَن جعلنَا مِمَّن تَصَدَّى لجمع السّنَن الْكِرَام.
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، شَهَادَة مستمرة عَلَى الدَّوَام، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أفضل الْأَنَام، صلَّى الله عَلَيْهِ، وَعَلَى آله، وأصحابِه، وأزواجِه، وذرِّيَّاتِه، وَأَتْبَاعه الغُرِّ الْكِرَام.
وبعدُ:
فَإِن أولَى الْعُلُوم - بعد معرفَة كتاب الله - سنة الرَّسُول - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -؛ إِذْ هِيَ مبينَة للْكتاب الْعَزِيز، الَّذِي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد) .
وَلذَلِك أدلةٌ ظَاهِرَة، وبراهينُ متظاهرة:
قَالَ تَعَالَى: (وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم) .
وَقَالَ: (وَمَا أنزلنَا عَلَيْك الْكتاب إِلَّا لتبين لَهُم الَّذِي اخْتلفُوا فِيهِ وَهدى وَرَحْمَة لقوم يُؤمنُونَ) .
البدر المنير (9/ 761)
تمّ الْكتاب وَالله الْمُوفق للصَّوَاب، وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب، وَله الْحَمد أَولا وآخرًا ظَاهرا وَبَاطنا حمدًا كثيرا طيبا مُبَارَكًا، حمدًا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، كَمَا يحب رَبنَا ويرضى، حمدًا دَائِما بدوامه بَاقِيا بِبَقَائِهِ، وَأفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام والتحية وَالْإِكْرَام عَلَى عَبده وَرَسُوله مُحَمَّد خير الْأَنَام، ومصباح الظلام، وَعَلَى آله وَصَحبه البررة الْكِرَام، وَعَلَى إخوانه من النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وَسَائِر عباد الله الصَّالِحين من أهل السَّمَاوَات الْأَرْضين، وَغفر لنا ولوالدينا، وَلمن كتب لأَجله، وَلمن نظر فِيهِ، ولكاتبه من الْمُسلمين، وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين. فرغ من كِتَابَته فِي شَوَّال سنه ثَلَاث وَثَمَانمِائَة.