المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفوائد الندية من الرحلة الكينية والتنزانية



أهــل الحـديث
30-05-2013, 06:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي يبتلي عباده بما يشاء لما يشاء، والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد
لقد وصلتني دعوة كريمة من جمعية القرآن والسنة فرع شرق إفريقيا لإقامة دورة علمية في (كينيا)، و(تنزانيا) في الفترة الواقعة بين 1-11/6/2013م لشرح حائية ابن أبي داود، ومنظومة قصب السكر، في (كينيا)، وشرح منظومة البيقوني، ومتن الطحاوية في (تنزانيا)، وأرسلوا لي دعوة كريمة ، وتأشيرة دخول إلى (كينيا) لذلك السبب.
1ـ انتبه لتواريخ الاقلاع ومواعيدها جيدا، وراجع آخر التطورات التي تحدث على تذكرتك، ولا تعتمد على معلوماتك السابقة.
توجهت مساء الأربعاء 29/5/2013م إلى مطار الملكة علياء الدولي للمغادرة إلى القاهرة، ولم يخبرني موظف الحجز أنني سأتأخر في القاهرة ليلة كاملة لأن الشركة المصرية ألغت رحلتها إلى نيروبي تلك الليلة، وإنما سألني هل سأبقى في القاهرة إلى الليلة القادمة؟
فقلت له: لا. رحلتي الليلة إلى نيروبي.
2ـ لا تعتمد على كلام الموظفين المحتمل واستفصل منهم، ففي كلامهم تدليس لا يختلف كثيرا عن كلام المدلسين من رواة الحديث.
أعطاني بطاقة الصعود للطائرة الـ(بوردنج) دون أن يخبرني شفويا بأن رحلتي ستكون الليلة القادمة، وهذا بحد ذاته تدليس من ذاك الموظف ـ هدانا الله وإياه ـ فرغم كثرة سفراتي السابقة لم يسبق لي أن تعرضت لمثل هذا الموقف، ولم أنتبه إلى تاريخ البطاقة الذي كتب عليها تاريخ (30/5/2013)، وركبت الطائرة المتوجهة إلى القاهرة على أمل الوصول في نفس الليلة إلى (نيروبي)، التي من المقرر أن أحاضر في مسجدها الكبير ظهر الخميس.
3ـ تأكد من تواريخ وصولك قبل ترتيب محاضراتك ودروسك والإعلان عنها.
وصلنا القاهرة في الموعد المقرر لوصول الطائرة، وتوجهت مباشرة إلى قاعة (الترانزيت)، وتفاجأت بموظف في شركة مصر للطيران يخبرني أنه يجب عليَّ التوجه إلى مكان محدد في المطار لتوجيهي إلى فندق في القاهرة، لأن رحلتي بعد (24) ساعة.
ولما توجهت حيث أشار إليَّ بعد خَتَمَ بطاقة صعود الطائرة بِخَاتَمِ (ترانزيت) وجدت الأخ عبد المنعم أبو ارخيص رئيس الجمعية، والمقرر سفره معي إلى (نيروبي) في انتظاري، ولما أخبرته الخبر أخبرني بأننا لن ننتظر إلى الغد، وأنه حول تذكرته إلى الطائرة الكينية المتوجهة إلى (نيروبي) هذه الليلة، وأنه سيحول تذكرتي إليها.
4ـ لا تظهر بطاقة صعود الطائرة للموظف إلا إذا تأكدت من أن رحلتك ستقلع فعلا.
لم يقبل موظف (مصر للطيران) تحويل تذكرتي إلى الطائرة (الكينية) مثل تذكرة الأخ عبد المنعم، لأنها مؤرخة بتاريخ (30/5/2013) مما اضطر الأخ عبد المنعم لإلغاء حجزه عن الطائرة (الكينية) والانتظار معي (24) ساعة في القاهرة للسفر على الطائرة المصرية غداً.
5ـ لا تربط نفسك بغيرك من الدعاة، وانطلق في مسيرك الدعوي، فلعل الله يبتلي غيرك، وييسر أمرك لتنفعه في انطلاقك.
سلمتنا الشركة المصرية أوراق للدخول إلى فندق () في القاهرة ولما توجهنا إلى بوابة الخروج للخروج من الجوازات، سألني ضابط الأمن عن جنسيتي فأخبرته أنني أردني الجنسية، وجواز سفري بيده، فشطب كلمة (أردني) عن ورقة دخولي وكتب في خانة الجنسية (فلسطيني) فقلت له: نعم أنا فلسطيني، ولكن جنسيتي أردني. أردني من أصل فلسطيني. فقال بتهكم:
كله عرب.
6ـ إن كنتَ فلسطينيا فافخر، ولا تحزن لما تجده من مضايقات عربية وغير عربية، فالويل لهم من تمييزهم العنصري، وقهرهم للفلسطينيين.
أوقفني الأمن المصري بعد أن ختم جوازي لتدقيقه، وبعد تدقيقه حولوني إلى الأمن الوطني سيء الذكر، وريث مباحث أمن الدولة سيئة الذكر قبله.
7ـ لا تثق برجل أمن ومباحث مهما كان ملمسه ناعماً، وحديثه حلوا، فعلى الخبث تَرَبَوّْا، ومن السحت يأكلون، ولإيذاء خلق الله يعملون.
سألني ضابط المباحث عن جهة قدومي، فأخبرته بكل صدق ووضوح، عن قدومي من عمان، ووجهتي إلى (كينيا) ، وطلب مني التأشيرة والدعوة (الكينية) فأعطيته إياها، وسألني عن سبب دخولي مصر ـ غير آمنٍ ـ فأخبرته بخبر إلغاء رحلتي، وأبرزت له ورقة الفندق، وسألني عن سبب رحلتي فأخبرته عن الدورة المتوجه إليها.
8ـ كن صادقا مع الجميع، حتى ولو كانوا ضباط مباحث خبثاء، فطعم الصدق لذيذ جدا، والصدق واجب شرعي، وفضيلة أخلاقية، وإن لم يذق ولن يذوق رجال المباحث والمخابرات والأمن طعمه طالما انهم في هذه المهن الحقيرة.
سألني عن آخر مرة دخلت مصر، فأخبرته بأنه قبل نحو ثلاث سنوات، وسألني عن سبب اعتقالي فيها، ومدته، فأخبرته بأنه لا سبب، وأنهم اعتقلوني (28) يوما مُغَمَّى العينين، مُقَيَّدُ اليدين، وأن مباحث أمن الدولة تحفظت عليَّ ـ حسب تعبيرهم ـ ليفحصوا علاقتي بجماعات متطرفة لم يثبت منها شيءٌ يُذكر، كما صرحوا بذلك للسفارة الأردنية في القاهرة، وكما أخبَرَتْ السفارة الأرنية وزارة الخارجية الأردنية بكتاب رسمي معي صورة منه، فقال: إنهم هم الأمن الوطني، وليسوا أمن الدولة.
9ـ لا تتوسع في الكلام مع المباحث والمخابرات والأمن فهم صيادو أخطاء وعثرات، ولا يقيلون عثرات الكرام، وليكن جوابك بقدر السؤال فقط.
أرسلني الضابط مع بعض عناصرهم، وهو الذي جاءني أول مرة، وأجلسني في قاعة القادمين حتى مضى علي منذ حجز جواز سفري أكثر من ساعة ونصف، ثم أدخلني إلى غرفة فيها رجلا أمن، فسألني أحدهما عن وجهتي فأخبرته، ففاجأني بأنه يشكك في روايتي، واتهمني أنني أريد أن أتوجه إلى غزة، مما سبب لي صدمة مفاجئة ـ ابتداءً ـ سرعان ما أفقت منها، وتذكرت أن هذه الأجهزة الأمنية مبنية وقائمة على الشك، والكذب، والتلفيق، وأن ما يُذكرُ عن التغيير بعد الثورة ما هو إلا ذر للرماد في العيون، وأن الدولة العميقة لا زالت قائمة، والاستبداد لا زال مستشريا، والكذب والافتراء من أشباه الرجال لا زال على حاله، وإن نَقَصَ فبحدود دنيا.
10ـ لا تُفْتِ مستفتياً بالانتماء إلى الأجهزة الأمنية، ولا تنصح مُسْتَنْصِحاً بذلك، ولا تُشِرْ على مستشير بذلك، فالفتيا أمانة، والمستشار مؤتمن، والنصح واجب، والأمانة والنصح تقتضيان التحذير من هؤلاء الكذابين المفترين الملفقين التهم جزافاً لعباد الله.
أجبت الشرطي المفتري المنفذ المتهكم السائل عن حقائبي أن معي حقيبة واحدة، وحقيبة أخرى سبقتني أو ستتبعني إلى (كينيا)، فسألني ـ بتهكم ـ (كينيا) وِلا (غزة)؟! فقلت له ـ بتصبر، وغيظ، ودهشة حقيقيةـ:
(كينيا)!!.. ويش ام وديني على غزة؟!
11ـ لا تستهزئ بمسلم، ولا تتهكم عليه، وأحسن ما استطعت إلى ذلك سبيلا، فلا تدري من يكون، ولعل دعوة منه لك ـ إن أحسنت إليه ـ ترفعك، وتنجيك، أو دعوة منه عليك ـ إن أسأت إليه ـ توبقك، وتهلكك، وترديك.
طلب مني أن أقترب منه، وسألني ـ بسخرية، واستهزاء، واستهتار، وتهكم عن خبري.. وحالي.. وموضوعي.. فأخبرته أن طائرتي المؤجلة إلى (كينيا) غدا في نفس موعدها المؤجل اليوم؛ الساعة (21.45) مساء، وأوضحتُ له سبب تأخري، وأردت أن أريه ورقة الفندق فأخبرني ـ بتهكم واستهزاء ـ بأنه لا داعي لذلك، وأنني سأنورهم ـ لا نَوَّرَ الله قلوبهم، ولا قبورهم، ولا صراطهم ـ حتى الموعد القادم للرحلة.
12ـ ادع على ظالمك، فللمظلوم دعوة مستجابة ولو بعد حين. وتذكر ظلمك لنفسك، واستغفر ربك وتب إليه.
أدخلوني مكاناً مظلماً حاراً كالفرن.. ذكرني بسرداب مباحث أمن الدولة قبل ثلاث سنوات، بالكاد ترى فيه ضوءَ جهازِ حاسوبٍ محمولٍ مضاءً، سَلَّمْتُ؛ فرد رجل ـ يحمل حاسوبا محمولا ـ السلام، وسألت عن النور فأخبرني أن خلفي مفتاحاً للنور، أشعلت مفتاح النور فأبان عن نائمين على سرر من طابقين، تنبه بعضهم لدخولي فانتبه أو استيقظ، وبقي الأكثرون يغطون في نومهم، فأطفأت النور مرة أخرى وتلمست طريقي إلى جانب الرجل حامل الحاسوب، الذي كان يلعب لعبة (السوليتير) على جهازه.
13ـ سَلِّمْ برفق وصوت منخفض، مقتديا بسنة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يسلم تسليما لا يُوقظ النائم، وَيُسْمِعُ اليقظان، ولا تُشْعِلْ النورَ على من لا يريده، واشغل وقت احتجازك بما ينفعك، ولا تُضَيِّعْ وقتك الثمين بما يضرك، أو لا ينفعك، فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
جلست بجانب الرجل برهة من الوقت حتى تبين لي المكان جيدا، وسمعت الرجل يجيب على الهاتف النقال، ففهمت التغيير الذي طرأ على مصر في عهد الثورة.. ثورة الربيع العربي الغير مباركة.. الثورة على الظلم والاستبداد واستبداله بظلم واستبداد بنفس الأدوات الأمنية الظالمة القديمة.. ولكن بنكهة وطعم من الحرية المزعومة، وحقوق الإنسان المهضومة.. حرية الإخوان المسلمين.. وحزب الحرية والعدالة.. حرية المتبجحين بمقولة عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه ـ إن صحت:
(والله لو أن شاة، أو بغلة، على شاطئ الفرات عثرت لخشيت أن يسألني الله عنها؛ لمَ لَمْ تمهد لها الطريق؟!)، وبحثت عنه فوجدت في أرشيف ملتقى أهل الحديث ما يلي:
عن الأوزاعي ـ بلاغا ـ بلفظ :أن عمر بن الخطاب قال:
لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضيعة لخفت أن أسأل عنها.
وهو عند البيهقي في الشعب، وأبي نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
وقد جاء موصولا في أنساب الأشراف: حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عاصم بن عمر عن محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن عن حاطب عن أبيه عن عمر أنه قال: لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضياعاً لخشيت أن يسألني الله عنها.
وقد جاء في كتاب: محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ليوسف بن حسن بن عبد الهادي المبرد (المتوفى : 909هـ)
تحقيق عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن، نشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية،
الطبعة الأولى، 1420هـ/2000 م، عدد الأجزاء: 3 (وهو كتاب نفيس) في (ج 2 / ص 621):
وعن داود بن علي قال: قال عمر رضي الله عنه "لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة، لظننت أن اللّه عز وجل سائلي عنها يوم القيامة".
وعن عبد اللّه بن عمر قال: كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول: لو مات جدي بطف الفرات لخشيت أن يحاسب اللّه به عمر.
وعن علي رضي الله عنه قال: "رأيت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه على قتب يعدو، فقلت: "يا أمير المؤمنين أين تذهب؟ قال: "بعير نَدَّ من إبل الصدقة أطلبه" فقلت: "لقد أذللت الخلفاء بعدك، فقال: "يا أبا الحسن لا تلمني فَوَ الذي بعث محمداً بالنبوة لو أن عناقاً أُخِذَتْ بشاطئ الفرات لأُخِذَ بها عمر يوم القيامة".
14ـ عش طالب علم مظلوما بعيدا عن السياسة والسياسيين، ولا تعش سياسيا محنكا ظالما يوبقك ويهلكك ظُلْمُ المظلومين.
أخرجت هاتفي المحمول واتصلت بالأخ سامر في (كندا) ليخبر الأخ عبد المنعم الذي كان ينتظرني في القاعة، وطلبت منه أن ينصرف راشدا لأنني محجوز في مباحث أمن الدولة التي صارت في عهد الإخوان المسلمين أمنا وطنيا!!، واتصلت بالأخ جمال السلفيتي في الأردن وأخبرته الخبر، وطلبت منه عدم إخبار الأولاد للغد حتى نرى المستجدات، وحاولت الاتصال بالأخ أبو عمر المصري فلم يجبني، واتصلت زوجتي الفاضلة فطلبت منها إغلاق هاتفها، واتصلت بها وأخبرتها عن إلغاء الرحلة، وانتظاري لرحلة الغد، ولم أخبرها بحقيقة احتجازي، وطلبت منها تبليغ سلامي للوالدة المريضة.
15ـ لا تشغل الناس ولا تزعجهم، بما تعانيه وحاول تدبر أمر نفسك.
سألت الليبي عن الكهرباء التي كانت تزود جهازه الذي أطفأه وجلس ـ بعد مكالمة هاتفية وَصَلَتْهُ عبر جهازه النقال ـ كأنه ينتظر حدثا ما، فدلني عليه، فشبكت جهازي المحمول عليه، وبدأت بكتابة هذه الكلمات، وبعد قليل دخل رجل شرطة وأخذ الرجل ـ الذي تبين لي أنه ليبي ـ وخرج به، ثم عاد بعد قليل، وأشعل النور، وسألني ـ بعصبية مَقيتةٍ ـ لأنني الوحيد المستيقظ:
لِمَ أطفأتَ النور؟!
فقلت له بعجب، ودهشة، واحتقار من كل قلبي؛ لأنه دخل أصلا والنور مطفأ:
لم أطفئ نوراً، ولم أشعله.
16ـ أحبب في الله من يستحق الحب، وأبغض في الله من يستحق البغض، واحترم لله من يستحق الاحترام، واحتقر لله من يستحق الاحتقار، فإن كل ذلك من عُرى الإسلام، وشريعة الله.
انصرفَ الشرطي ـ غير راشد إن شاء الله تعالى ـ بعد أن أبقى النور مضاءً.. استيقظ أحد الشباب من شباب قطاع غزة المحاصر المنكوب على صوت الشرطي وحواري معه وهو (يَتَحَسْبَنْ).. سألته عن حاله فأخبرني أنه فلسطيني أجرب!!!..فطمأنته أنني مثله، وأمرته بالصبر، وسألته إن كان غيره في الغرفة ـ والتي فيها حتى تلك اللحظة عشرة غيرنا ـ فلسطينيا فأشار إلى صاحب المحمول النائم على المقعد بجانبي.. ثم تبين لي عند صلاة الفجر أن العجوز الذي لم يستيقظ على رنين هاتفه فلسطينيا حيث كنا أربعة فلسطينيين، اثنان من قطاع غزة، والعجوز من فلسطينيي العراق، قدم للعلاج ولم يدخلوه، ورابعهم أنا.. نظرتُ في الغرفة أمامي فإذا فيها اثنا عشر سريرا معدنيا من طابقين، مجموعة في ستة أسرة.. فرشات جلدية حارة في صيف القاهرة اللاهب.. باردة في شتائها الزمهرير.. أربعة مقاعد معدنية طويلة يصلح كل واحد منها أن يكون سريرا مستقلا غير مريح!!.. كل مقعد فيه ثلاثة مقاعد.. بمجموع اثنا عشر مقعدا.. مقعدان جلديان طويلان في كل واحد منهما ثلاثة مقاعد ارتكزا على دعائم حديدية، يصلحان أن يكونا سريرين مستقلين لو كانا صالحين.. بعض المقاعد الجلدية المنفردة شبه المُعْدَمَةِ.. طاولتان بلاستكيتان.. برميل قمامة.. حقائب مفردة متناثرة هنا وهناك وهنالك.. على عربات المطار، وبغير عربات.. أكوام من الخبز الجاف.. بواقي جبنة مثلثات.. قوارير مياه معدنية مترامية.. عبوات مياه غازية بلاستيكية.. سمعت قراءةٍ قرآن لسورة البقرة منبعثة من حاسوب محمول للرجل الفلسطيني النائم.. رن هاتف محمول لأحد النائمين أيقظ بعض الشباب السوريين الساخطين المتسخطين من النور المضاء.. ولم يوقظ صاحبه العجوز.. قام بعض النائمين إلى الحمام.. وأشعل بعضهم سجائر ينفث من خلالها زفرات صدره.. شباب أفارقة سود.. وشباب سوريون بيض.. كلهم في الحجز شرق.. انتهت سورة البقرة.. وتبعتها سورة آل عمران.. فسورة النساء.. بحثت في برنامج الأذان عن وقت أذان الفجر في القاهرة فوجدته يؤذن بعد الرابعة.. بقيت أكتب إلى ما بعد أذان الفجر.. قمت توضأت وأذنت.. استيقظ بعض النائمين.. استيقظ فلسطينيان.. دخل شرطي طلب من العجوز الفلسطيني الاستعداد للرحيل.. سألته عن أذان الفجر فأخبرني أنه أذن.. توضأ الغزي الكبير القادم من رومانيا، والمُرَحَّلُ صباحا إلى غزة.. وتوضأ العجوز الفلسطيني العراقي!!.. صليت السنة وانتظرتهم.. صلوا السنة ثم أقمت الصلاة.. صلينا ثلاثتنا والباقون نائمون.. قرأت أواخر سورة إبراهيم
{وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء (43) وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ (44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ (50) لِيَجْزِي اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (52)}
بَرَّدَتْ الآياتُ جَمْرَ وَحَرَّ صدري.. قصَّ علينا الغزي قصة عن الاستعانة بالله والتوكل عليه مؤثرة لو كانت صحيحة.. جاء الشرطي يستحث العجوز الفلسطيني العراقي على تجهيز حقيبته الكبيرة، ويوقظ شاباً أسوداً ليستعد للرحيل.. قام شاب سوري توضأ ثم صلى.. اتصلت بأبي عمر فأجابني وأخبرته بحجزي وانقطع الخط.. جلست للكتابة.. وقف الشرطي يرقبني وأنا أكتب.. تباطأت في الكتابة ليذهب.. ذهب وجاء آخر ينظر إليَّ وأنا أكتب.. سألني بعد قليل:
ماذا تكتب؟
قصة. أجبته.
أبص (أنظر).
تركته ينظر.
ارفع فوء (فوق).
ذهبت به إلى رأس الصفحات.
عن إذنك. قالها وهو ينتزع الحاسوب من بين يدي.
ما في (بطارية). الآن ينتهي الشحن. قلت له وهو خارج به من غرفة الحجز ويطبق بابها خلفه.
غضبت.. قلت لنفسي: ما هذا الغباء؟! أيريد أن يصادر ما أكتب؟! هل سيأخذ ما برأسي؟! أم ينتزع ما في صدري؟!
نام الجميع مرة أخرى.. بقيت ذاكرا محوقلا متحسبنا.. عاد به وقد انتهى شحنه.. وتباطأ الجهاز فتحا وإغلاقا بعد اختباره فتحا وإغلاقا ففهمت أنهم عبثوا فيه كعادتهم لَمَّا عبثوا بنفس الجهاز قبل ثلاث سنوات.. (تحسبنت) وعدت للكتابة من جديد.
وإلى نلتقيكم في حلقة قادمة من معتقل الأمن الوطني المصري أو من خارجه نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته