المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جوابٌ نادِرٌ للشّاه عبد العزيز الدَّهلويّ عن بعضِ شُبَهِ الشِّيعةِ الرَّافِضة



أهــل الحـديث
30-05-2013, 05:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



جوابٌ نادِرٌ للشّاه عبد العزيز الدَّهلويّ عن بعضِ شُبَهِ الشِّيعةِ الرَّافِضة





بعناية الاستاذ الباحث سمير سمراد الجزائري




وبعدُ: فهذه رسالةٌ فريدةٌ وجوابٌ نادرٌ للشّاه عبد العزيز الدَّهلويّ الهنديّ (رحمه الله) (ت:1239هـ)، يُجيبُ سائلَهُ عن شبهةٍ يُورِدُها الشِّيعةُ الرّافضة، ويستدلُّون بها على أفضليَّةٍ عليّ بن أبي طالبٍ (رضي الله عنه) على الشّيخين أبي بكرٍ وعمر (رضي الله عنهما)، وقد استشكلَ السّائلُ عدمُ تصدِّي الشّاه عبد العزيز للإجابةِ على مثلِ استدلالاتِهم هذه في كتابه العظيم: «التُّحفة الاثني عشريَّة»؟


وهذه الرّسالة التي أنشُرها اليومَ كتبها مؤلّفها باللّغة الفارسيَّة، وقد ترجمها وغيرَها من الرسائل العلميّة والأدبيَّة للشّاه صاحب الدّراسة المسمَّاة: «سراج الهند الشاه عبد العزيز الدهلويّ»، وهي بقلم المفتي نسيم أحمد الفريدي، نُشرت في «مجلّة ثقافة الهند»، نيو دلهي، الهند، [المجلد 38، العدد 3و4، (ص51-53)، 1987م]، وقبل أن نوردَ نصَّها، نقتطِفُ بعضًا ممّا كتب محبّ الدّين الخطيب في مقدّمة تحقيقه وتعليقه على كتاب الشاه: «التّحفة الاثني عشريَّة» والّذي اختصرهُ محمود شكري الألوسيّ (رحمهم الله).

قال محبّ الدِّين:
«وأصلُ هذا الكتاب –أعني: «التُّحفة الاِثني عشرية»-... أَلَّفَهُ باللُّغة الفارسيّة عند انتهاء القرن الثّاني عشر الهجري كبيرُ عُلماء الهند في عصره شاه عبد العزيز الدّهلويّ (1159- 1239) أكبرُ أنجال الإمام الصَّالِح النَّاصِح شاه وليّ الله الدهلوي (1114- 1176)، وكان شاه عبد العزيز يُعدُّ خليفة أبيه ووارث علومه. وكان (رحمه الله) مطَّلِعًا على كُتب الشِّيعة مُتَبَحِّرًا فيها، وقد اختار لهذا الكتاب مع اسمه لَقَبًا هو: «نصيحة المؤمنين، وفضيحة الشَّياطين»، وذَكَرَ غَرَضَهُ مِن هذا التأليف فقال:
«هذه رسالةٌ في كشف حال الشِّيعة، وبيان أصول مذهبهم، ومآخذه، وطريق دعوتهم الآخرين إلى مذهبهم. وفي بيان أسلافهم، ورواة أخبارهم، وأحاديثهم، وبيان قليلٍ من عقائدهم في الإلهيات، والنّبوَّات، والإمامة، والمعاد».
وقال: «إنّ البلاد الَّتِي نحن بها ساكنون راج فيها مذهبُ الاِثنى عشرية حتَّى قلَّ بيتٌ مِن أمصارها لم يتمذهب بهذا المذهب. وأكثرُهم جهلةٌ في علم التاريخ، غافلون عن أصولهم وما كان عليه أسلافهم الكِرام». ثمّ قال : «وقد التزمتُ في هذه الرِّسالة أن لا أنقلَ شيئًا مِن حال مذهب الشِّيعة وبيان أصولهم والإلزامات الموجَّهة إليهم إلاَّ مِن كتبهم الشّهيرة المعتبرة، أو الموافقة لما فيها، لأحمِلَهُمْ على أن تكون الإلزامات الَّتِي يُورِدُونها بزعمِهِم على أهل السّنّة والجماعة مُطابقةً لما في الكُتُب المعتبرة عند أهل السّنّة ومُوافقة لرواياتهم الصّحيحة، وبذلك تنتفي عنَّا وعنهم تُهمة التّعصّب»....».

ثمّ قال محبّ الدِّين:
«وبعد نحوِ ربعِ قرنٍ مِن تأليف الكتاب بالفارسيَّة وانتشاره في أقطار الهند وغيرها، شَعَرَ مُسلمو الهند بحاجتهم إلى ترجمته بالعربية، وأوَّلُ مَن اقترح ذلك الحافظ محمّد حيدر، وقد كَاشَفَ في ذلك عمدة الأعيان الأمير محمد عبد الغفار خان بهادر ثابت جنك ابن محمد علي خان، واختاروا لترجمته الحافظالشّيخ غلام محمد الأسلمي لتمكُّنِهِ مِن مُؤلّفات الشِّيعة ومعرفته بموضوع الكتاب، فضلاً عن إِجَادَتِهِ اللُّغة الفارسية، غير أنَّ بيانه العربيّ لا يزيد على ما يُنتظَرُ مِن مثله....
وبقي الأصلُ الفارسيُّ وترجمتُهُ العربيّة مخطوطين يتناقلهُما النّاسخون بالقلم، ومع ذلك عَمَّ انتشارُها في مختلف البلاد، وقد تَفَضَّلَ العالم السّلفيُّ الوَجِيه الكريم الشّيخ محمّد نصيف عَيْنُ أَعْيَانِ جُدَّةَ، فأرسلَ إليَّ بالطائرة نسخةً مخطوطة من ترجمة الأسلمي، وهي في مجلد ضخم بلغ 1051 صفحة في كل صفحة 19 سطرًا، ومع أنَّها كثيرة الأخطاء فضلاً عن عُجمة مترجِمِها فقد نفعتني كثيرًا في تصحيح هذا المختصر الَّذِي قام به - في ختام القرن الثّالث عشر الهجري - علاَّمةُ العراق السّيِّد محمود شكري الألوسي...».
ثمّ قال محبّ الدِّين وهو يُعدِّد المؤلّفات في الرّدّ على الشِّيعة:
«أمَّا السّيّد محمود شكري الألوسي فلَهُ في الرّدِّ على الشِّيعة غير «مختصر التُّحفة الاِثنى عشرية» رسالةٌ عنوانُها: «سعادة الدارين، في شرح حديث الثَّقَلين». وهذه أيضًا كان أصلُها باللُّغة الفارسيّة، وهي لمؤلِّفِ «التُّحفة الاِثنى عشرية»: شاه عبد العزيز الدّهلويّ (رحمه الله)، وقد عَرَّبَهَا السّيّد محمود شكري وضَمَّ إليها فوائد مُتعلّقة بحديث الثَّقَلين، ورَتّبَها على مُقدِّمة ومقصد وخاتمة، فجاءت في 40 صفحة».

وهذا نصُّ الجواب:
«رسالة ذات أهمّيّة والرّدّ عليها:[1]
أرسل الخواجة حسن المودودي اللكنوي رحمه الله رسالة إلى الشّيخ عبد العزيز في اللُّغة الفارسيّة، وإنِّي أُقدِّم ترجمتَها فيما يلي:
تحية وسلاما وبعد....
فقد دخل علينا أمس الحافظ الملك الأمير محمّد خان بهادر بن حافظ الملك، وبينما كُنَّا نتحدّثُ إذْ أمرني بأن أكتُبَ إليك رسالةً، لأسألك لماذا لم تَرُدَّ في كتابِك القيِّم على ما يستدلُّ به الشِّيعةُ مِن تفضيل عليٍّ (كرّم الله وجهه)[2] على الخلفاء الثلاثة. وذلك لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعثهم في معظم الغزوات تحت راية أميرٍ سواهم، ولكنّه لم يُؤمِّر أحدًا على عليٍّ (رضي الله عنه) في أيِّ غزوةٍ مِن الغزوات. وهذا الّذي حملني أن أكتب إليك، فلو دفعت هذه الشُّبهةَ تكونُ مأجورًا عندَ الله، وكان في وسعي أن أُزيلها بالدَّلائل القويّة، ولكن رأيتُ أنّ الأميرَ لا يطمئنُّ إلاَّ إلى جوابك، فلم أردَّ عليه شيئًا. واقرأ السَّلام منِّي على رفيع الدين والشيخ عبد القادر، ويقرأ عليكم السّلام الحاج شرف الدِّين.

يردّ الشّاه عليه:[3]
سيدي المتحلّي بأوصاف حميدة المتخلّق بخلق حسن الخواجة الحسن اللكنويّ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
تَهَلَّلتُ بِشْرًا حينما تلقّيتُ رسالتكم الكريمة، والآن أردُّ على سؤال الأمير الحافظ الملك رغم ما أُعَانيه مِن أسقام وعوارض مما أدّى إلى اختلال الحواس:
إنّ كتابي «تحفة اثني عشريّة» يبحث عن الشِّيعة وأهل السّنّة، ولم أطرق فيه قضيّة التفضيل، وهي الأخرى[4] ما تصدّيتُ لها في ذلك الكتاب، والنّاسُ قد ذهبوا في الرّدِّ عليها مذهبين: أحدهما: مذهب أصحاب السِّيَر والرِّواية، وثانيهما: مذهب أصحاب الدِّراية.
أمّا الأوّل: ففحواه أنَّ دِراسة كتب السِّيرة تدلُّنا على أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يُؤَمِّر قبيلةً على بني هاشم وبني أمية في أغلب الأحيان، وذلك يشمل كُلاًّ مِن حمزة وأبي عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب والعباس وجعفر وعقيل وفضل بن عباس وأبي سفيان بن الحارث وعثمان بن عفان الأُمَوي وخالد بن سعيد بن العاص الأُمويّ، ولو كانت هذه الميزة سببًا للتّفضيل لكان هؤلاء كلّهم سواسية فيها، ولم يجعل النّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) هاتين خاضعتين للقبائل الأخرى[5]، لأنّهما وَرِثَتَا سيادة قريش منذ قديم، وقد ازداد هذا الفضل لكون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منهم، فلو أَمَّرَ عليهم رجلاً مِن القبيلة الأخرى كان مِن الممكن أن يشقَّ ذلك عليهم، وهُم لا يطيقونه، وإنّ جميع التّكاليف الشّرعيّة تُبْنَى على الحِكمة، وهكذا هذا أيضًا، ولا يخفى ذلك على مَن يَنتمِي إلى أُسرةِ الأُمراء والوُلاة، واختبر إخوانه وأعمامه.
أمّا الثّاني: فهو محتاجٌ إلى توطئةٍ، وهي: أنّ سُنّة اللهِ في الكون أنّهُ لن يبلغ أحدٌ قِمّةَ المجد والرِّفعة دون أن يجتاز المراحل الّتي يلحقها، لأنّهُ لو كان كذلك لفَتَرت هِمَّتُه ولا يحسن القيام بواجب نحو هذه المكانة الرّفيعة، ويستوي فيه جميع النّاس إلاَّ مَن اختارهم الله لحملِ رسالته وتبليغ دينه، انظروا مثلاً إلى أولياء الله؛ إنَّهُم لم يبلغوا مبلغ التّوجيه والإرشاد ما لم يتأدّبُوا ويخضعوا لمرشديه[6]، وكذلك العلماء لم يتولَّوا منصب التّدريس ما لم يتحمَّلُوا ضربات أساتذتهم وقرعوا أبواب المدارس، يصدُقُ ذلك على طبقة العلماء وأصحاب الحِرف والصِّناعة، وهذا الَّذِي تقتضيه الحكمةُ لسَبَبين، الأوّل: أنّ الإنسان لا يبلغ قِمَّةَ المجد إلاَّ تدريجيًّا، والثّاني: أنّ القيادة يتطلّب الخضوع والطّاعة، والّذي لم يخضع لأحدٍ مُدّةً مِن الزّمن قبل أن يتولَّى منصب القيادة والطّاعة لا يحسن القيام بحقوق رعيّته، ولا يُدرِك الوسائل والأعمال الّتي تجذب القلوب والّتي تتقزَّزُ منها الرّعيّة، وإذا لم يَفهَم هذه الحقيقة لن تَنَالَ[7] حكومته القوّةَ والنُّفُوذ.
وبعد هذه التّوطئة أقول: إنّ دِراسة الحديث تدلُّنا على أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اطَّلَعَ على خلافة الخلفاء الرّاشدين المهدييِّن مِن عندِ اللهِ تبارك وتعالى.
ولما كان الخليفة الرّابع (كرّم الله وجهه)[8] قد قُدِّر[9] له أن يقضي أربعًا وعشرين سنةً مِن حياته في طاعة الخلفاء الثّلاثة، لم يشعر الرّسول (عليه الصلاة والسلام) حاجة إلى ترويضه على الخضوع، وكذلك لمّا كان عثمان بن عفان قد قُدِّر له أن يقضي اثنتي عشرة سنةً مِن حياته في طاعة الشّيخين، لم يحتج إلى هذه المرانة في حياة الرّسول (صلى الله عليه وسلم).
وأمّا الشيخان (رحمهما الله)، فقد قُدِّر لهما أن يتولَّيَا [10] منصب الخلافة بعد الرّسول مباشرةً، فاعتنى الرّسولُ بتمرين بينهما على الطّاعة والخضوع.
أمّا أبو بكرٍ الصّدّيق (رضي الله عنه) فقد تولَّى مَقاليد الخلافة بعد وفاة الرّسول مباشرةً، وخلفه عمر الفاروق بعد سنتين وثلاثة أشهر، وكان مِن الوزراء والمشاوَرِين[11] أيّام خلافة أبي بكرٍ الصّدّيق (رضي الله عنه).
ولم تُتَح لأبي بكرٍ الصّدّيق فُرصٌ أكثر لاتباع غيره في حياة الرّسول، وعلى العكس مِن ذلك طالما جعل رسولُ اللهِ عمرَ الفاروق تابعًا لغيره، لأنّ أبا بكرٍ الصّدّيق كان سهل المراس ليِّن الجانب، فلم يكن يحتاج إلى مزيدٍ مِن التَّمرين على البيعة، وكان عمرُ الفاروق شديد الشَّكِيمة حادّ الطّبع، فيه عَلاَئِمُ السُّؤدد[12] والإمارة، والطَّبِيب يُعالج المرض بهذه، فكان مِن اللاَّزم أن يروِّض الخليفةَ الثّاني على التَّبعيَّة أكثر مِن صاحبه. واقرأ السَّلام مِن إخوتنا الثّلاثة على الحاج شرف الدّين» اهـ.



[1] - العنوان من صاحبِ الدِّراسة، وهو المترجِم.


[2] - لا ينبغي تخصيصُ عليّ (رضي الله عنه) بهذا.


[3] - العنوان من صاحبِ الدِّراسة، وهو المترجِم.


[4] - في الأصل: أخرى.


[5] - في الأصل: الآخر.


[6] - يعني هنا: شُيوخَ التَّربية كما هو عندَ أرباب التّصوّف، والمؤلِّف متأثّرٌ بهم!


[7] - في الأصل: تناول.


[8] - لا ينبغي تخصيصُ عليّ (رضي الله عنه) بهذا.


[9] - في الأصل: قرر.


[10] - في الأصل: يتولّى.


[11] - في الأصل: والمنشرين.

[12] - في الأصل: السّود.