المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف تتغلب بإذن علام الغيوب على المعاصي و الذنوب!!



أهــل الحـديث
30-05-2013, 05:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها.


كيف تتغلب بإذن علام الغيوب على المعاصي و الذنوب!!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن من الأمراض التي قد يبتلى بها كثير من المسلمين في هذه الحياة الزائلة و الدنيا الفانية مرض الشهوات الذي هو داء عضال ومرض قتال عواقبه خطيرة وأضراره جسيمة يفسد القلوب ويضر الأجساد و يجر من سيطر عليه إلى المهالك ويجعل من تغلب عليه يعيش في ضيق واضطراب إذا لم تتداركه رحمة الله الخالق الوهاب ويسعى للتخلص منه ببذل الأسباب.
إن كثيرا منا أيها الكرام قد يحدث نفسه ويتساءل، بعد أن عرف ضرر هذا المرض الخطير وتبعات هذا الداء العسير ، وعلم أن لذته إنما هي دقائق وساعات ثم يتبعها بعد ذلك الندم والحسرات!!!، يقول الإمام سفيان الثوري –رحمه الله-:
تفنى اللذات ممن نال صفوتَها
من الحياة ويبقى الخزي والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها
لا خير في لذة من بعدها النار. الغرباء للآجري (ص 68)
فيقول المبتلى به كيف السبيل للتخلص من مرض الشهوات؟!،وكيف الطريق لتجنب المعاصي والمنكرات ؟!وكيف الابتعاد عن الذنوب والمحرمات؟! وكيف أتغلب عن معاصي الخلوات و الجلوات؟!!
فالجواب أيها الأحباب أن هذا الأمر يسير على من وفقه العلي الكبير وأخلص النية وصدق في طلبه وبذل الأسباب التي بعون الوهاب تبعده عن المحرمات وتقربه إلى التواب، ومن أهمهما:
-التوبة التي هي أساس كل نجاح ومصدر كل فلاح،قال تعالى:(وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)[النور :31]
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله-:"وهذه الآية في سورة مدنية، خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم وصبرهم وهجرتهم وجهادهم، ثم علق الفلاح بالتوبة تعليق المسبب بسببه، وأتى بأداة لعل المشعرة بالترجي إيذانا بأنكم إذا تبتم كنتم على رجاء الفلاح، فلا يرجو الفلاح إلا التائبون جعلنا الله منهم ".مدارج السالكين (1/ 178)
قال الشيخ ابن سعدي–رحمه الله-:"فلا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة، وهي الرجوع مما يكرهه الله، ظاهرا وباطنا،إلى ما يحبه ظاهرا وباطنا،ودل هذا،أن كل مؤمن محتاج إلى التوبة،لأن الله خاطب المؤمنين جميعا، وفيه الحث على الإخلاص بالتوبة ". تفسير السعدي (ص 567)
- الدعاء الذي هو أعظم دواء وأنفع علاج لكل بلاء ،فالخالق جل وعلا أمرنا بالدعاء وتكفل لنا بالإجابة تفضلاً منه سبحانه، إذا توفرت الشروط كصدق النية في الابتعاد عن الذنوب قال تعالى:(ادعوني أستجب لكم)[غافر:60]
قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:"هذا من لطفه بعباده ونعمته العظيمة،حيث دعاهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأمرهم بدعائه، دعاء العبادة ودعاء المسألة، ووعدهم أن يستجيب لهم، وتوعد من استكبر عنها فقال:(إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)أي:ذليلين حقيرين،يجتمع عليهم العذاب و الإهانة،جزاء على استكبارهم".تفسير السعدي(1/740)
- تذكر مراقبة الله جل جلاله وأنه سبحانه مطلع على عبده عالم بما يظهره وما يبطنه ،فلا يخفى عليه سبحانه شيء مهما صغر حجمه وبلغ قدره،قال الشيخ السعدي –رحمه الله-:"هو الرقيب :أي المطلع على ما في القلوب،وما حوته العوالم من الأسرار والغيوب، المراقب لأعمال عباده على الدوام،الذي أحصى كل شيء،وأحاط بكل شيء،ولا يخفى عليه شيء وإن دق،الذي يعلم ما أسرته السرائر،من النيات الطيبة والإرادات الفاسدة".فتح الرحيم الملك العلام(ص 58)
- الابتعاد عن المعاصي مهما كان حجمها، وعلى القلب أن يستحضر عند ارتكابها عِظم من يعصي،و التفكر في الوعيد الشديد الوارد فيمن ارتكبها، لأن ملأ القلب من الخوف من الباري سبحانه وتذكر عظمته من أقوى الأسباب المعينة على الابتعاد عن المعاصي، فلو نظرنا نجد أنه ما ارتكبت الذنوب وتعدى الخلق على حدود علام الغيوب إلا بعد ذهاب الخوف من القلوب،يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"الخوف علامة صحة الإيمان،وترحُّله من القلب علامة ترحُّل الإيمان منه". مدارج السالكين ( 1/515).
يقول المناوي –رحمه الله-:"القلب إذا امتلأ من الخوف أحجمت الأعضاء جميعها عن ارتكاب المعاصي،وبقدر قلة الخوف يكون الهجوم على المعاصي، فإذا قل الخوف جدا واستولت الغفلة كان ذلك من علامة الشقاء".فيض القدير(2/ 132)
-مجاهدة النفس وهواها والصبر والاحتساب عند القيام بذلك،وذلك بترويضها على فعل الطاعات والبعد عن المنكرات، لأن النفس أمارة بالسوء وهي منبع كل شر يحل بالإنسان، يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"فمن عرف حقيقة نفسه وما طبعت عليه،علم أنها منبع كل شر ومأوى كل سوء".مدارج السالكين (1/220)
ويقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-:"فأما مجاهدة الإنسان نفسه فإنها من أشق الأشياء، ولا تتم مجاهدة الغير إلا بمجاهدة النفس أولاً، ومجاهدة النفس تكون بأن يجاهد الإنسان نفسه على شيئين، على فعل الطاعات، وعلى ترك المعاصي؛ لأن فعل الطاعات ثقيل على النفس إلا من خففه الله عليه، وترك المعاصي كذلك ثقيل على النفس إلا من خففه الله عليه، فتحتاج النفس إلى مجاهدة لا سيما مع قلة الرغبة في الخير، فإن الإنسان يعاني من نفسه معاناةً شديدة؛ ليحملها على فعل الخير".شرح رياض الصالحين (2/51)
وليعلم من صدقت نيته في مجاهدة نفسه أن الباري سبحانه لن يضيعه وبعون الله تعالى سيوفقه للتغلب عليها وكبح شهواتها وجعلها خاضعة لأوامر الله جل جلاله،قال تعالى:(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)[العنكبوت :69]
قال الشيخ الشنقيطي –رحمه الله-:"ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن الذين جاهدوا فيه،أنه يهديهم إلى سبل الخير والرشاد،وأقسم على ذلك ".أضواء البيان(6 /163)
- التذكر عند ارتكاب المعاصي والمنكرات أن هادم اللذات ومفرق الجماعات قد ينزل في أي وقت من الأوقات،فكيف لو نزل بالمرء وهو متلبس بالمحرمات! غارق في الشهوات؟!فكيف سيكون حاله إذا بعث يوم القيامة على ما قبض عليه؟! وبأي جواب يجيب خالقه إذا سأله عن فعله ولماذا تجرأ على المحارم؟!،نسأل الله العفو و العافية.
فعلينا أيها الكرام أن لا يطول أملنا وأن لا نغتر بصحتنا و لا بشبابنا، فالموت إذا حلَّ فإنه لا يفرق بين صحيح وسقيم ولا بين صغير وكبير، قال ابن الجوزي-رحمه الله-:"يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعداً،ولا يغترر بالشباب والصحة،فإن أقل من يموت الأشياخ،وأكثر من يموت الشبان".صيد الخاطر (ص 63)
فهذه أيها الأحباب أهم الأسباب الإيمانية والوسائل الشرعية التي بإذن علام الغيوب نتغلب بها على المعاصي والذنوب، فعلينا أن نسعى جاهدين في تحقيقها ونحث غيرنا وننصحهم بذلك.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا وإياكم للصواب ويعيننا على تحقيق هذه الأسباب فهو سبحانه الوهاب وعلى عباده غفور رحيم تواب.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي