المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة الشرك وأنواعه عند العلماء



أهــل الحـديث
29-05-2013, 11:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم






معنى الشرك لغة:
قال ابن فارس: "الشين والراء والكاف أصلان، أحدهما يدلّ على مقارنة وخلافِ انفرادٍ، والآخر يدلّ على امتداد واستقامة.
فالأول: الشركة، وهو أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما، يقال: شاركت فلاناً في الشيء إذا صرت شريكَه، وأشركت فلاناً إذا جعلته شريكاً لك" مقاييس اللغة (3/265).
وفي المصباح المنير : والشرك النصيب ومنه قولهم ولو أعتق شركا له في عبد أي نصيبا و الجمع أشراك مثل قسم وأقسام ، والشرك اسم من أشرك بالله إذا كفر به اهـ
وفي النهاية لابن الأثير : شركته في الأمر أشركه شركة والاسم الشرك وشاركته إذا صرت شريكه وقد أشرك بالله فهو مشرك إذا جعل له شريكا والشرك الكفر اهـ .
قال الراغب الاصفهانى )) الشرك العظيم هو إثبات شريك لله تعالى يقال أشرك فلان بالله وذلك أعظم كفر )) المفردات للاصبهاني
قال الله تعالى‏:‏ (وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ) ‏[‏الرعد‏:‏ 33‏]‏
وقال تعالى (ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا)
وقد أفصح السمعاني رحمه الله عن حقيقة الشرك بقوله : (( الإشراك هو الجمع بين الشيئين في معنى فالإشراك بالله تعالى هو أن يجمع مع الله غير الله فيما لايجوز إلا لله )) تفسير السمعاني (2/121)
وقال النووي-رحمه لله- ((الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله تعالى ، وقد يفرّق بينهما فيخص الشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش فيكون الكفر أعم من الشرك )) شرح مسلم للنووي (2/56)

معنى الشرك شرعاً:
قال الطبري "أن تجعل لله شريكا في عبادته ودعائه فلا تخلص له في الطلب منه وحده " تفسير الطبري 13
قال القرطبي في المفهم :"أصل الشرك المحرم اعتقاد شريك لله تعالى في الهيته وهو الشرك الأعظم وهو شرك الجاهلية"(6/615)
وقال الحافظ ابن كثير(( الشرك الأعظم يعبد مع الله غيره )) سورة يوسف آية (106) التفسير (2/512)
ويقول ابن تيمية: _ " وأصل الشرك أن تعدل بالله تعالى مخلوقاته في بعض ما يستحقه وحده، فإنه لم يعدل أحد بالله شيئاً من المخلوقات في جميع الأمور، فمن عبد غيره أو توكل عليه فهو مشرك به.. " الاستقامة 1/344 .
ويقول ابن القيم: -
" حقيقة الشرك هو التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به هذا هو التشبيه في الحقيقة، لا إثبات صفات الكمال التي وصف الله بها نفسه، ووصفه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعكس من نكس الله قلبه، وأعمى عين بصيرته وأركسه بلبسه الأمر، وجعل التوحيد تشبيهاً، والتشبيه تعظيماً وطاعة، فالمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، فإن من خصائص الإلهية التفرد بملك الضر والنفع، والعطاء والمنع، وذلك يوجب تعليق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل به وحده، فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق. " الجواب الكافي ص 182 .
ويذكر ابن القيم المشبهة بقوله: _ " المشبهة هم الذين يشبهون المخلوق بالخالق في العبادة، والتعظيم والخضوع، والسجود له، والاستغاثة به...فهؤلاء هم المشبهة حقاً " غاثة اللهفان 2/340، 341 باختصار .
ومما قاله المقريزي – في شأن هذا التشبيه -: - " إن المشرك شبه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، وهي التفرد بملك الضر والنفع، والعطاء والمنع، فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق تعالى. وسوى بين التراب ورب الأرباب، فأي فجور وذنب أعظم من هذا.
واعلم أن خصائص الإلهية الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وذلك يوجب أن تكون العبادة له وحده عقلاً وشرعاً وفطرة، فمن جعل ذلك لغيره فقد شبه الغير بمن لا شبيه له، ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم، أخبر من كتب على نفسه الرحمة أنه لا يغفره أبداً …ومن خصائص الإلهية للسجود، فمن سجد لغيره فقد شبهه به، ومنها الذبح له فمن ذبح لغيره قد شبهه به، ومنها حلق الرأس إلى غير ذلك" (تجريد التوحيد ص 27 , 28 باختصار ، وكلام المقريزي هاهنا يكاد يطابق كلام ابن القيم في الجواب الكافي ص 182 , 183).
وقال المقريزي :"فمن أحب غير الله تعالى وخافه ورجاه وذل له كما يحب الله ويخافه ويرجوه فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله.." تجريد التوحيد ص10
وقال عبدالقادر العمري الدهلوي: (الشرك هو أن يعتقد المرء في غير الله صفة من صفات الله؛ كأن يقول: إن فلانا يعلم كل شيء، أو يعتقد أن فلانا يفعل ما يشاء، أو يدعي أن فلانا بيده خيري وشري، أو يصرف لغير الله من التعظيم ما لا يليق إلا بالله - تعالى -، كأن يسجد للشخص أو يطلب منه حاجة أو يعتقد التصرف في غير الله) توضيح القرآن (1/105)
يقول إسماعيل الدهلوي: _ " إن حقيقة الشرك أن يأتي الإنسان بخلال وأعمال خصها الله بذاته العلية، وجعلها شعاراً للعبودية، لأحد من الناس كالسجود لأحد،و الذبح باسمه، والنذر له والاستغاثة به في الشدة... كل ذلك يثبت به الشرك ويصبح الإنسان به مشركاً، وإن كان يعتقد أن هذا الإنسان، أو الملك، أو الجن الذي يسجد له، أو ينذر له، أو يذبح له، أو يستغيث به دون الله شأناً، وأن الله هو الخالق" رسالة التوحيد ص32،33
وقال العلامة محمد بن علي الشوكاني – رحمه الله –:
(( الشرك هو أن يفعل لغير الله شيئاً يختص به سبحانه سواءً أطلق على ذلك الغير ما كان تطلقه عليه الجاهلية أو أطلق عليه اسماً آخر)) الدر النضيد ص 18.
وقال الشوكاني: (إن الشرك هو دعاء غير الله في الأشياء التي تختص به، أو اعتقاد القدرة لغيره فيما لا يقدر عليه سواه، أو التقرب إلى غيره بشيء مما لا يتقرب به إلا إليه) الدرر النضيد
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله -: (هو أن يجعل لله نداً يدعوه كما يدعو الله، أو يخافه، أو يرجوه، أو يحبه كحب الله، أو يصرف له نوعاً من أنواع العبادة)
وقال ابن سعدي: "حقيقة الشرك أن يُعبَد المخلوق كما يعبَد الله، أو يعظَّم كما يعظَّم الله، أو يصرَف له نوع من خصائص الربوبية والإلهية" تيسير الكريم الرحمن (2/499).

وقال أيضاً: _ " إن حد الشرك الأكبر وتفسيره الذي يجمع أنواعه وأفراده أن يصرف العبد نوعاً أو فرداً من أفراد العبادة لغير الله، فكل اعتقاد أو قول أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع، فصرفه لله وحده توحيد وإيمان وإخلاص، وصرفه لغيره شرك وكفر فعليك بهذا الضابط للشرك الكبر الذي لا يشذ عنه شيء". القول السديد ص 43، وانظر الحق الواضح المبين ص59.

فهذه أقوال العلماء في تصور حقيقة الشرك بعضها كمثابة التمثيل على بعض ما وقع فيه الناس من أفراد الشرك في العبادة أو في الاعتقاد، فقد كان من دأبهم ذكر النماذج دون إرادة الاستقصاء، لهذا ذكروا بعض الجوانب من الشرك، والجوانب الأخرى أشاروا إليها من خلال مصنفاتهم، ومؤلفاتهم، ومن فاته شيء منها ذكره الآخرون منهم، كما هو واضح.

ومما سبق ومن بيان أنواع التوحيد يتبين أنواع الشرك الأكبر المناقض لأصل التوحيد والإيمان:
1. شرك الربوبية: وهو أن تجعل لله شريكاً في أفعاله ، مثل أن يعتقد أن المعطي أو المانع أو الضار أو النافع أو المعز أو المذل أو المدبر أو الرازق أو الخالق غيره.
وذلك مثل أن يوصف أحد من الخلق بأي صفة من صفات الله عز وجل الذاتية أو الفعلية المختصة به كالخلق أو الرزق أو علم الغيب أو التصرف في الكون، حتى مع إثبات هذه الصفات لله عز وجل.
2. شرك في الصفات:
قال الشيخ عبدالله بن محمد القرني "أما الشرك في الصفات والأفعال فيكون باعتقاد شريك له في ذلك، فكما أن لله الوحدانية في الذات فكذلك له الوحدانية في الأسماء والصفات والأفعال. فله سبحانه وتعالى الكمال المطلق في ذلك بحيث لا يتصور فيه نقص بحال .
يقول الله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [الشورى /11] .
بل هو سبحانه متصف بالكمال المطلق، لا يشركه فيه غيره، كما قال تعالى: {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل/60] .
يقول الإمام ابن كثير في تفسيرها: (أي الكمال المطلق من كل وجه وهو منسوب إليه) (تفسير ابن كثير" (2/574)) .
ومثله قوله تعالى: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ} [النحل /74]. ويقول الإمام ابن كثير رحمه الله: (أي لا تجعلوا له أندادا وأشباها وأمثالاً) (نفس المرجع (2/579) .) .
وقال تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1}اللَّهُ الصَّمَدُ {2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ {3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ{. والأحدية هنا ليست مجرد تقرير أنه واحد، بل المعنى أنه المتفرد المتوحد بصفات الكمال المطلق، بحيث لا يشاركه في ذلك غيره .
وكما أن الله هو المتفرد بصفات الكمال فهو أيضاً المتفرد بربوبية خلقة. وربوبية الله لخلقه تشمل ما يختص به الله وحده من معاني الربوبية، وهي الخلق والملك والتدبير والإنعام. ولذلك كانت هذه الخصائص هي الدلائل على وجوب إفراد الله وحده بالعبادة.
وعلى هذا. فإثبات صفة من صفات الله أو أفعال أو ما يختص به لغيره شرك في الربوبية، ولو مع اعتقاد تلك الصفة للرب، واعتقاد أن الموصوف بتلك الصفة مخلوق وليس ربا .
فمن وصف مخلوقاً بأنه يعلم الغيب، أو أنه يتصرف في خلق الله بما لا يقدر عليه إلا الله، أو نحو ذلك من صفات الكمال الذاتية أو الفعلية، أو ما يتعلق بخصائص الربوبية فقد أشرك بالله في ربوبيته ". ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة.
قال الإمام نعيم بن حماد رحمه الله: _
من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف به نفسه ورسوله تشبيه " أصول اللالكائي 3/406، وانظر مختصر العلو للذهبي ص 184 .
3. شرك في الألوهية: هو أن تجعل لله شريكاً في العبادة ، وذلك بأن تصرف نوعاً من أنواع العبادة لغيره من خوف ورجاء ومحبة وتوكل واستغاثة ونذر وذبح وغيره.انظر مجموع الفتاوى 1/91، 92، اقتضاء الصراط المستقيم 2/703، 704 وغيرها.
والشرك في الربوبية والصفات مما يناقض قول القلب وهو اعتقاده وتصديقه، أما الشرك في الألهية، فيناقض عمل القلب من المحبة والتعظيم.
فالشرك بعمل الجوارح يرجع في الحقيقة إلى عمل القلب ، فالذبح والنذر للأموات ودعاؤهم من دون الله، فهذا الشرك يرجع في الحقيقة إلى ما في القلب من المحبة والتعظيم لهؤلاء، والاعتقاد بأنهم ينفعون ويضرون من دون الله ونحو ذلك، يقول شيخ الإسلام – ابن تيمية – رحمه الله -: "أصل الإشراك العملي بالله الإشراك في المحبة … " ) قاعدة في المحبة 69 . ). ويقول – أيضاً -: "فمن رغب إلى غير الله في قضاء حاجة أو تفريج كربة لزم أن يكون محباً له، ومحبته هي الأصل في ذلك") فتح المجيد 114 .)
ارتباط المحبة بأعمال القلب الأخرى
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –: "وإذا كانت المحبة أصل كل عمل ديني، فالخوف والرجاء وغيرهما يستلزم المحبة ويرجع إليها، فإن الراجي الطامع إنما يطمع فيما يحبه لا فيما يبغضه، والخائف يفر من الخوف لينال المحبوب، قال تعالى: [ أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه" سورة الإسراء، آية : 57 ." ( مجموع الفتاوى 10/61،62 ).
وبذلك ندرك أهمية محبة الله ورسوله، وأن ذلك من أعظم أعمال القلب، بل هو أصل كل عمل من أعمال القلب أو الجوارح
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.