المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صناعة علم الزوائد عند الهيثمي والبوصيري : يكتبها عماد بن حسن المصري الاردني



أهــل الحـديث
29-05-2013, 10:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


صناعة علم الزوائد عند الهيثمي والبوصيري :
بداية يرى بعض الباحثين المعاصرين أن علم الزوائد قديم المنشأ , وأنه ظهر مع ظهور مصطلح الحديث وتقنيناته الكثيرة , فالحديث عندهم نضجع وأحترق , ومعه نضجت كل علوم الحديث ومنها علم الزوائد .
ونسب بعضهم إلى نشوء هذا العلم على يد الإمام أبي عبد محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري ( ت 405 ) في كتابه المستدرك على الصحيحين ( فإنه على زعمهم ) أول من صنف في الزوائد , ولعلي أخالفهم في ذلك ولأسباب مهمة أوجزها :
إن تصنيف المستدرك من قبل أبي عبد الله الحاكم لم يكن تصنيف زوائد , بل هو استخراج , والفرق واضح بين في المصطلحين , وقدمت في تعريف كتب الزوائد : هي الكتب التي تجمع الأحاديث التي يزيد بها بعض الكتب على بعض آخر معين , والمستدركات ليست من هذا النوع .
وتعريفها : كل كتاب جمع فيه مصنفه الأحاديث التي استدركها على كتاب مصنف آخر , مما فات صاحب الكتاب فهو على شرطه .
شرح التعريف : كل كتاب جمع فيه مصنفه الأحاديث التي استدركها أي جمعها في مصنف واحد , وهذه الأحاديث على شرط الكتاب المستخرج عليه , ولكن فات صاحب الكتاب هذه الأحاديث فبينها وبين الزائد فرق شاسع , فأن الزوائد كما عرفناها سابقا وهي التي تجمع الأحاديث التي يزيد بها بعض كتب الحديث على بعض آخر معين والمستدركات إخراج أحاديث على شرط الكتاب المستخرج وفات صاحبها تلك الأحاديث , لذلك قال الحالك في مقدمة كتابه :
بسم الله الرحمن الرحيم , وبه نستعين , وما توفيقي إلا بالله , وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم , أنبأنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الحافظ إملاء في يوم الإثنين السابع من محرم سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة : الحمد لله العزيز القهار , الصمد الجبار , العالم بالأسرار الذي اصطفى سيد البشر محمد بن عبد الله بنبوته ورسالته , وحذر جميع خلقه مخالفته , فقال عز من قال : (( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا )) النساء : 65 . وصلوات الله عليه وآله أجمعين أما بعد ..
فإن الله تعالى ذكره أنعم على هذه الأمة باصطفائه بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى آله أخيار خلقه في عصره ، وهم الصحابة النجباء ، البررة الأتقياء لزموه في الشدة والخاء ، حتى حفظوا عنه ما شرع لأمته بأمر الله تعالى ذكره ، ثم نقلوه إلى أتباعهم ثم كذلك عصراً بعد عصر إلى عصرنا هذا وهو هذه الأسانيد المنقولة إلينا بنقل العدل عن العدل وهي كرامة من الله لهذه الأمة خصهم بها دون سائر الأمم ، ثم قيض الله لكل عصر جماعة من علماء الدين ، وأئمة المسلمين ، يزكون روات الأخبار ونقلت الآثار ليذبوا به الكذب عن وحي الملك الجبار ، فمن هؤلاء الأئمة :
أبو عبدالله محمد بن إسماعيل الجعفي وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري رضي الله عنهما صنفا في صحيح الأخبار كتابين مهذبين انتشر ذكرهما في الأقطار ، ولم يحكما ولا واحد منهما أنه لم يصح من الحديث غير ما أخرجه ، وقد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يشمتون في روات الآثار ، أن جميع ما يصح عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة على ألف جزء أو أقل أو أكثر منه كلها سقيمة غير صحيحة .
وقد سألني جماعة من أعيان أهل العلم بهذه المدينة وغيرها أن أجمع كتاباً يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحاج بمثلها إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له فإنهما رحمهما الله يدعيا ذلك لأنفسهما .
وقد خرج جماعة من علماء عصرهما ومن بعدهما عليهما أحاديث قد أخرجاها وهي معلولة وقد جهدت في الذب عنهما في ( المدخل على الصحيح ) بما رضيه أهل الصنعة ، وأنا استعين بالله على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان رضي الله عنهما أو أحدهما ، وهذا شرط الصحيح عند كافة فقهاء أهل الإسلام أن الزيادة في الأسانيد والمتون من الثقات مقبولة ، والله المعين على ما قصدته وهو حسبي ونعم الوكيل .
مما سبق يتبين لنا أن الإمام الحاكم رحمه الله أراد بكتابة هذا الكتاب أن يجمع الأحاديث الصحيحة المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها ، ونستطيع أن نجمل ما قاله الحاكم فيما يلي :
1. جمع كتاباً صحيحاً - من وجهة نظره - فيه الأحاديث التي على شرط الشيخين أو أحمدهما مما فاتهما .
2. الأحاديث التي جمعها الشيخان رحمهما الله في كتابيهما ليست هي منتهى ولا كل الأحاديث الصحيحة .
3. لم يجمع هذا الكتاب زائد بأحاديثه على البخاري ومسلم بل يعمد إلى الأحاديث : صحيح على شرط الشيخين ، أو على شرط مسلم ولم يخرجاه .
والخلاصة : أن نسبة علم الزوائد للحاكم غير صحيح وهو كلام خاطئ عري عن الصحة تنقصه الأدلة والبراهين .
والصواب من ذلك كله ، أن أول من صنف في علم الزوائد هو الإمام الحافظ مغلطاي بن قليج ( ت 762 ) جمع كتابه المسمى ( زوائد ابن حبان على الصحيحين ) وهذا الكتاب لم يعثر له على أثر إطلاقاً .
ثم جاء تلميذه رحمه الله أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشهير بابن الملقن ( 804 ت ) فخرج أحاديث الشرح الكبير والزيادات الواقع في أصول الأحاديث الستة وغيرها .
إلى أن وصل الأمر إلى الإمام العراقي رحمه الله الذي وجه الهيثمي إلى جمع ما في مسند الإمام أحمد من الأحاديث الزائدة على الكتب الستة فأعانه بكتبه وأرشده إلى التصرف في ذلك .

ماذا صنع الهيثمي والبوصيري في الزوائد :
قدمنا في الأبواب السابقة أن علم الزوائد في الحقيقة لم يقم إلا على كتفي ثلاثة رجال فقط هم :
1. الهيثمي .
2. البوصيري .
3. الحافظ ابن حجر .
وإن كان قد سبقهم الإمام مغلطاي ، إلا أن كتاب مغلطاي بالنسبة لنا مفقود وبالنسبة لهم كذلك ، والدليل على صحة قولنا أن الرجال الثلاثة لم ينقلوا حرفاً واحداً من مغلطاي يدل ذلك على فقدان كتاب مغلطاي زوائد ابن حبان على الصحيحين ، ونستخلص جهود الهيثمي والبوصيري فيما يلي :
1- الهيثمي :
عمد رحمه الله إلى زوائد الكتب الستة الأصول فقرر إخراجها في مؤلف خاص لم يجمع من قبل مثله ، ثم عمد إلى إخراج زوائد مسند الإمام أحمد ، ثم زوائد ابن حبان على الصحيحين ثم زوائد معاجم الطبراني الثلاثة ، ومسند البزار ، وزوائد أبي يعلى الموصلي ، وجهود هذه الزوائد كانت منصبة على إخراجها ليسهل على الباحث الاستفادة منها .
وكان كل كتاب له مزية خاصة به غير مزية أنه من الزوائد أنه بسط فيه منهجه ، ونظم الكتاب ، وتكلم على أسانيده جرحاً وتعديلاً ، فمثلاً ذكر في المقصد العلي أنه لم يذكر الزوائد التي في السنن الصغرى للنسائي المسماة المجتبى ، وتجلت مكانة الهيثمي في الزوائد أنخ يخرج الزيادات التي انفرد بها صاحب المسند عن كتب الأصل ، فيخرِّج ما انفرد به صاحب الزيادة عن كتاب الأصل من حديث بتمامه أو حديث فيه زيادة عليهم ، وأنه يميز هذه الزيادات بقوله أخرجه فلان خلا كذا ، وساق تلك الزيادات بأسانيد أصحابها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتلك ميزة رائعة في كتابه وذلك أنه حفظ لنا بعض أسانيد الكتب التي ندت عنها كزوائد ابن حبان على الصحيحين .
وتكلم رحمه الله على أسانيد تلك المسانيد جرحاً وتعديلاً صحة وضعفاً ، فكان حقاً صاحب أول مدرسة حديثية في علم الزوائد ، فقد رتب كل المسانيد التي صنفها أصحابها على مسانيد الصحابة ، فكانت عسرة جداً ، لا يستطيع الباحث العثور على مبتغاه إلا بعد جهد جهيد .
ثم جاء حكم الهيثمي رحمه الله على الأحاديث الزائدة ليكمل عملة الموسوعي وهو :
1. الجمع .
2. الترتيب .
3. التصحيح والتضعيف .
ثم أبرز لنا قيمة الكتب التي جمعها وزوائدها وسلك في عمله هذا سبيل المتقدمين في التصنيف ، ومشى على قواعد أهل الحديث وربما جرَّح وعدَّل حسب ما توصل إلى الحق .
وكتب هذه بين أيدينا ينهل منها القاصي والداني ، وإليها يرجع كل من كتب وسيكتب في علم الزوائد .
إنها مدرسة متكاملة حفرها الهيثمي والبوصيري بأظافرهما ، وشيدا بنياناً ضخماً كان تراثاُ لمن جاء بعدهم ولا زال ، فتلك نعمة لم يعلمها إلا العارفون لهذا الفن ، قال الإمام الكتاني عن كتاب الهيثمي المجمع : هو من أنفع كتب الحديث ، بل لم يوجد مثله .
وتكللت مدرسة الهيثمي في الزوائد بالنجاح الباهر ، وسطع نورها في الآفاق ، فإنك لا تجد مُؤلِفاً أو مؤلَفاً في علم الزوائد إلا وينهل من ذلك الكتاب الشهير مجمع الزوائد ومنبع الفوائد .
فلما جمع الإمام الهيثمي تلك الزيادات الضخمة في زوائد أحمد ، وزوائد الطبراني والبزار وأبي يعلى وابن حبان بأسانيدها ، قام فجمعها في موسوعة شاملة متكاملة الأطراف مجموعة الأبواب حكم على أحاديثها ، وحذف أسانيدها وجمعها في مؤلف واحد هو مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، وفي هذا الكتاب ظهرت علامات النبوغ والعلم وقدم السبق في هذا المجال على الإمام الهيثمي ، وهذا الكتاب هو ثمرة سنوات من الجهد في الجمع والترتيب والتبويب والتنسيق في فن الزوائد سبكها جميعاً سبك الدرر في السلك الواحد وفي إطار واحد ، وتحت مسمى واحد ، فكانت كل الزوائد عليه عيال صغار لم يبلغوا بعد سن الفطام .
وحتى نقف على جهود الهيثمي في الزوائد لا بد من ذكر منهجه في أعظم كتبه وأنفعها ، وأكثر الكتب نقلاً عنها الأحكام التخريجية الحديثية .