المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيع الاستجرار وصوره



أهــل الحـديث
29-05-2013, 03:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


دراسة فقهية لبيع الاستجرار منقولة من الموسوعة الفقهية 43/9



بيع الاستجرار
التعريف :
1 - البيع : مبادلة المال بالمال تمليكا وتملكا .
والاستجرار لغة : الجذب والسحب ، وأجررته الدين : أخرته له . وبيع الاستجرار : أخذ الحوائج من البياع شيئا فشيئا ، ودفع ثمنها بعد ذلك .

الألفاظ ذات الصلة :
البيع بالتعاطي :
2 - المعاطاة والتعاطي : المناولة والمبادلة . والبيع بالتعاطي : أن يتقابض البائع والمشتري من غير صيغة ، أي إن البائع يعطي المبيع ولا يتلفظ بشيء ، والمشتري يعطي الثمن كذلك .

والفرق بين بيع الاستجرار والتعاطي هو : أن بيع الاستجرار أعم ، لأنه قد يكون بإيجاب وقبول ، وقد يكون بالتعاطي ، كما أن الغالب في الاستجرار تأجيل الثمن ، وعدم تحديده في بعض الصور .

الأحكام المتعلقة ببيع الاستجرار :
تتعدد صور بيع الاستجرار ، ولذلك تختلف أحكامه من صورة لأخرى ، وبيان ذلك فيما يلي :

مذهب الحنفية :
صور بيع الاستجرار التي وردت عند الحنفية هي :

3 - الصورة الأولى : أن يأخذ الإنسان من البياع ما يحتاج إليه شيئا فشيئا مما يستهلك عادة ، كالخبز والملح والزيت والعدس ونحوها ، مع جهالة الثمن وقت الأخذ ، ثم يشتريها بعد استهلاكها .
فالأصل عدم انعقاد هذا البيع ؛ لأن المبيع معدوم وقت الشراء ، ومن شرائط المعقود عليه أن يكون موجودا ، لكنهم تسامحوا في هذا البيع وأخرجوه عن هذه القاعدة ( اشتراط وجود المبيع ) وأجازوا بيع المعدوم هنا استحسانا ، وذلك كما في البحر الرائق والقنية .
وقال بعض الحنفية : ليس هذا بيع معدوم ، إنما هو من باب ضمان المتلفات بإذن مالكها عرفا ، تسهيلا للأمر ودفعا للحرج ، كما هو العادة . ولم يرتض الحموي وغيره هذا المعنى .
وقال ابن عابدين : إن المسألة استحسان ، ويمكن تخريجها على قرض الأعيان ، ويكون ضمانها بالثمن استحسانا ، كحل الانتفاع في الأشياء القيمية ؛ لأن قرضها فاسد لا يحل الانتفاع به وإن ملكت بالقبض .

4 - الصورة الثانية : وهي نفس الصورة الأولى ، لكن تختلف عنها بالنسبة لمعرفة الثمن ، أي إن الإنسان يأخذ ما يحتاج إليه شيئا فشيئا مع العلم بالثمن وقت الأخذ ، ثم يحاسبه بعد ذلك .
وهذا البيع جائز ولا خلاف في انعقاده ، لأنه كلما أخذ شيئا انعقد بيعا بثمنه المعلوم ، ويكون بيعا بالتعاطي ، والبيع بالتعاطي ينعقد ، سواء أدفع الثمن وقت الأخذ أم تأجل .
ومثلها في الحكم : أن يدفع الإنسان إلى البياع الدراهم دون أن يقول له : اشتريت ، وجعل يأخذ كل يوم خمسة أرطال مع العلم بثمنها .
هذا البيع جائز ، وما أكله حلال ، لأنه وإن كانت نيته الشراء وقت الدفع إلا أنه لا ينعقد بيعا بمجرد النية ، وإنما انعقد بيعا الآن بالتعاطي ، والآن المبيع معلوم فينعقد البيع صحيحا .


5 - الصورة الثالثة : أن يدفع الإنسان إلى البياع دراهم ، ويقول له : اشتريت منك مائة رطل من خبز مثلا ، وجعل يأخذ كل يوم خمسة أرطال .
هذا البيع فاسد ، وما أكل فهو مكروه ، وذلك لجهالة المبيع ، لأنه اشترى خبزا غير مشار إليه فكان المبيع مجهولا ، ومن شرائط صحة البيع : أن يكون المبيع معلوما .

6 - الصورة الرابعة : وهي أن يدفع الإنسان الدراهم للبياع دون أن يقول له : اشتريت ، وجعل يأخذ كل يوم خمسة أرطال ولا يعلم ثمنها . فهذا لا ينعقد بيعا بالتعاطي لجهالة الثمن ، فإذا تصرف الآخذ في المبيع ، وقد دفعه البياع برضاه بالدفع وبالتصرف فيه على وجه التعويض عنه ، لم ينعقد بيعا ، وإن كان على نية البيع ، لأن البيع لا ينعقد بالنية ، فيكون شبيه القرض المضمون بمثله أو بقيمته ، فإذا توافقا على شيء بدل المثل أو القيمة برئت ذمة الآخذ (1) .

مذهب المالكية :
الصور التي وردت عند المالكية هي :
7 - أن يضع الإنسان عند البياع دراهم ، ثم يأخذ بجزء معلوم من الدراهم سلعة معلومة

وهكذا . فهذا البيع صحيح ؛ لأن السلعة معلومة والثمن معلوم .
8 - أن يضع عند البياع درهما ، ويقول له : آخذ به منك كذا وكذا من التمر مثلا ، أو كذا وكذا من اللبن أو غير ذلك . يقدر معه فيه سلعة ما ، ويقدر ثمنها قدرا ما ، ويترك السلعة يأخذها متى شاء ، أو يؤقت لها وقتا يأخذها فيه ، فهذا البيع جائز أيضا .
9 - أن يترك عند البياع درهما في سلعة معينة أو غير معينة ، على أن يأخذ منها في كل يوم بسعره ، وعقدا على ذلك البيع ، فهذا البيع غير جائز ؛ لأن ما عقدا عليه من الثمن مجهول ، وذلك من الغرر الذي يمنع صحة البيع .
10 - أن يأخذ الإنسان من البياع ما يحتاج إليه بسعر معلوم ، فيأخذ كل يوم وزنا معلوما بسعر معلوم ، والثمن إلى أجل معلوم ، أو إلى العطاء إذا كان العطاء معلوما مأمونا ، فهذا البيع جائز (1) .

مذهب الشافعية :
لبيع الاستجرار عند الشافعية صورتان :
11 - إحداهما : أن يأخذ الإنسان من البياع ما يحتاجه شيئا فشيئا ، ولا يعطيه شيئا ، ولا يتلفظان ببيع ، بل نويا أخذه بثمنه المعتاد ،

ويحاسبه بعد مدة ويعطيه ، كما يفعل كثير من الناس .
قال النووي : هذا البيع باطل بلا خلاف ( أي عند الشافعية ) لأنه ليس ببيع لفظي ولا معاطاة .
قال الأذرعي : وهذا ما أفتى به البغوي ، وذكر ابن الصلاح نحوه في فتاويه . وتسامح الغزالي فأباح هذا البيع ، لأن العرف جار به ، وهو عمدته في إباحته .
وقال الأذرعي : قول النووي - إن هذا لا يعد معاطاة ولا بيعا - فيه نظر ، بل يعده الناس بيعا ، والغالب أن يكون قدر ثمن الحاجة معلوما لهما عند الأخذ والعطاء ، وإن لم يتعرضا له لفظا .
12 - الثانية : أن يقول الإنسان للبياع : أعطني بكذا لحما أو خبزا مثلا ، فيدفع إليه مطلوبه فيقبضه ويرضى به ، ثم بعد مدة يحاسبه ويؤدي ما اجتمع عليه ، فهذا البيع مجزوم بصحته عند من يجوز المعاطاة (1) .

مذهب الحنابلة :
13 - مسائل بيع الاستجرار عند الحنابلة مبنية على البيع بغير ذكر الثمن ، وقد ذكر المرداوي في الإنصاف هذه المسائل فقال :

البيع بما ينقطع به السعر لا يصح ، وهو المذهب وعليه الأصحاب ، وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد : يصح ، واختاره الشيخ تقي الدين بن تيمية ، وقال : هو أحد القولين في مذهب الإمام أحمد .
ومن شروط البيع كون الثمن معلوما حال العقد على الصحيح من المذهب ، وعليه الأصحاب ، واختار ابن تيمية صحة البيع وإن لم يسم الثمن ، وله ثمن المثل ، نظيره : صحة النكاح بدون تسمية مهر ، ولها مهر المثل (1) .
وقد ذكر ابن مفلح في فوائده على مشكل المحرر (2) اختلاف الروايات عن الإمام أحمد في مسائل البيع بغير ذكر الثمن ، وأورد صورتين اختلف فيهما رأي الإمام أحمد ، فلم يجز البيع في إحداهما ، وأجازه في الأخرى .
14 - قال الخلال في البيع بغير ثمن مسمى ، عن حرب : سألت الإمام أحمد قلت : الرجل يقول لرجل : ابعث لي جريبا من بر ، واحسبه علي بسعر ما تبيع . قال : لا يجوز هذا حتى يبين له السعر .
وعن إسحاق بن منصور قلت للإمام أحمد : الرجل يأخذ من الرجل سلعة فيقول : أخذتها منك على ما تبيع الباقي ، قال : لا يجوز ، وعن


حنبل قال عمي : أنا أكرهه ، لأنه بيع مجهول ، والسعر يختلف ، يزيد وينقص .
في هاتين الروايتين لا يجيز الإمام أحمد هذا البيع .
15 - أما روايتا الجواز فهما : قال أبو داود في مسائله : باب في الشراء ولا يسمى الثمن . سمعت أحمد سئل عن الرجل يبعث إلى البقال ، فيأخذ منه الشيء بعد الشيء ، ثم يحاسبه بعد ذلك ، قال : أرجو أن لا يكون بذلك بأس ، قيل لأحمد : يكون البيع ساعتئذ ؟ قال : لا .
قال ابن تيمية : وظاهر هذا أنهما اتفقا على الثمن بعد قبض المبيع والتصرف فيه ، وأن البيع لم يكن وقت القبض وإنما كان وقت التحاسب ، وأن معناه : صحة البيع بالسعر ، أي السعر المعهود بيعه به . وعن مثنى بن جامع عن أحمد في الرجل يبعث إلى معامل له ، ليبعث إليه بثوب ، فيمر به فيسأله عن ثمن الثوب فيخبره ، فيقول له : اكتبه . والرجل يأخذ التمر فلا يقطع ثمنه ، ثم يمر بصاحب التمر فيقول له : اكتب ثمنه ؟ فأجازه إذا ثمنه بسعر يوم أخذه . وهذا صريح في جواز الشراء بثمن المثل وقت القبض لا وقت المحاسبة ، سواء أذكر ذلك في العقد أم أطلق لفظ الأخذ زمن البيع . ورواية الجواز هذه هي ما اختارها وأخذ بها
ابن تيمية وابن القيم . يقول ابن القيم في إعلام الموقعين : اختلف الفقهاء في جواز البيع بما ينقطع به السعر من غير تقدير الثمن وقت العقد ، وصورتها : البيع ممن يعامله من خباز أو لحام أو سمان أو غيرهم ، يأخذ منه كل يوم شيئا معلوما ، ثم يحاسبه عن رأس الشهر أو السنة على الجميع ، ويعطيه ثمنه . فمنعه الأكثرون ، وجعلوا القبض فيه غير ناقل للملك ، وهو قبض فاسد يجري مجرى المقبوض بالغصب ، لأنه مقبوض بعقد فاسد ، هذا وكلهم إلا من شدد على نفسه يفعل ذلك ، ولا يجد منه بدا ، وهو يفتي ببطلانه ، وأنه باق على ملك البائع ، ولا يمكنه التخلص من ذلك إلا بمساومته له عند كل حاجة يأخذها قل ثمنها أو كثر ، وإن كان ممن شرط الإيجاب والقبول لفظا ، فلا بد مع المساومة أن يقرن بها الإيجاب والقبول لفظا .
16 - قال ابن القيم : القول الثاني وهو الصواب المقطوع به ، وهو عمل الناس في كل عصر ومصر : جواز البيع بما ينقطع به السعر ، وهو منصوص الإمام أحمد ، واختاره شيخنا ( يعني ابن تيمية ) وسمعته يقول : هو أطيب لقلب المشتري من المساومة ، يقول لي : أسوة بالناس ، آخذ بما يأخذ به غيري ، قال : والذين يمنعون ذلك لا يمكنهم تركه ، بل هم واقعون فيه ، وليس في كتاب الله تعالى ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إجماع الأمة ولا قول صاحب ولا قياس

صحيح ما يحرمه ، وقد أجمعت الأمة على صحة النكاح بمهر المثل ، وأكثرهم يجوزون عقد الإجارة بأجرة المثل ، كالغسال والخباز والملاح وقيم الحمام والمكاري ، فغاية البيع بالسعر أن يكون بيعه بثمن المثل ، فيجوز كما تجوز المعاوضة بثمن المثل في هذه الصور وغيرها ، فهذا هو القياس الصحيح ، ولا تقوم مصالح الناس إلا به .

أخوكم