المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [ الدِراسةُ كَاملةٌ ] القَولُ النَفيسُِ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسِ



أهــل الحـديث
28-05-2013, 01:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


لْحَمْدُ للهِ بِالْعَشِى وَاِلإِشْرَاقِ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ الأَتَمَّانِ الأَكْمَلانِ عَلَى مَنْ وَقَعَ عَلَى مَحَبْتِهِ الإِتْفَاقُ ، وَطَلَعَتْ شُمُوسُ أَنْوَارِهِ فِي غَايَةِ الإِشْرَاقِ ، وَتَفَرَّدَ فِى مَيْدَانِ الْكَمَالِ بِحُسْنِ الإِسْتِبَاقِ ، النَّاصِحِ الأَمِينِ الَّذِي اهْتَدَى الْكَوْنُ كُلُّهُ بِعِلْمِهِ وَعَمْلِهِ ، وَالْقُدُوَةِ الْمَكِينِ الَّذِي اقْتَدَى الْفَائِـزُونَ بِحَـالِهِ وَقَوْلِهِ ، نَاشِـرِ أَلْوِيَةِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ ، وَمُسْدِي الْفَضْلِ لِلأَسْلافِ وَالْخَوَالِفِ ، الدَّاعِي عَلَى بَصِيرَةٍ إِلَى دَارِ السَّلامِ ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ وَالْبَشِيرِ النَّذِيرِ عَلَمِ الأَئَمَّةِ الأَعَلامِ ، الآَخِذِ بِحُجُزِ مُصَدِّقيِّهِ عَنْ التَّهَافُتِ فِي مَدَاحِضِ الأَقْدَامِ ، وَالتَّتَابُعِ فِي مَزَلاتَ الْجَرْأَةِ عَلَى الْعِصْيَانِ :

[ الباب الأول ] تَعريف تدليس التَسوية .
وهذا النوعُ مِنْ التدليس هو أردى أنواعهِ وشرهُ قال الحافظ الذهبي في ترجمة الوليد بن مسلم - رحمه الله - : (( وكان من أوعية العلم ، ثقة حافظا ، لكن رديء التدليس ، فإذا قال : حدثنا ، فهو حجة . هو في نفسه أوثق من بقية وأعلم )) وهو أن يسقط الراوي شيخاً ضعيفاً بين ثقتين علم سماعهما مِنْ بعضهما البعض أو تلاقيهما ، ففي هذه الحالة يأتي الراوي فيسقط الضعيف من بين الثقتين حتى يصبح السند مستقيماً كله، ثم يأتي بالعنعنة، ولذلك كثير من المدلسين لا يقبل منه إلا إذا صرح بالتحديث، كما قال الذهبي في بقية، قال: أما بقية إن قال: عن، فلا تلتفت إليه، وإن صرح بالتحديث فذاك، يعني: إذا قال: حدثني، فخذ، فالمدلس هنا يقول: حدثني ثم يأتي بشيخه الثقة، ثم يقول: عن؛ لأنه لو قال: حدثني، لكان كاذباً، فيسقط الضعيف من بين الثقتين ويأتي بصيغة موهمة للسماع وهي عن، ويكون شيخه قد عاصر الثقة الذي بعد الضعيف.
وقد دفع هذا الأمر العُلماء إلي التشنيع على تدليس التسوية واتهم بذلك الثوري -وكان مقلاً- والأعمش والوليد بن مسلم وهشيم بن بشير وبقية بن الوليد .
وقد بالغ ابن حزم فقال : (( إن الذي يدلس تدليس التسوية ساقط العدالة، رقيق الديانة؛ لأنه سيضيع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، أو نقول: يدخل في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس منها )) أهـ .
قُلت : وهذه مُبالغة مِنْ ابن حزم - رحمه الله - فليس مَنْ اتهم بتدليس التسوية ساقطُ العدالة رقيق الديانة في حين أنا نرى الأئمة يثنون على مثل الوليد بن مسلم ويقولون بأنه ثقةٌ ثبتٌ مِنْ الأعلام إلا أنه متهم بتدليس التسوية ، والحق أننا لابد أن ننظر للأمر بعينٍ ناقدةٍ ، وليس مثل الوليد بن مسلم سافط العدلة تماما بل مَنْ كان معروفا بتدليس التسوية فهذا مطعنٌ في عدالته ولا يقتضي اسقاط حديثه بالكلية فكونه ساقط العدالة تماما يقتضي ترك حديثه بالكلية وإن كان تكلم فيه لتدليسه فهذا لا يعني رد حديثه بالكلية كما هو ظاهر كلام ابن حزم - غفر الله له - ! وأعجب من وصفه إياهم بقوله - رقيق الديانة - وهذا وإن كان هذا أردى أنواع التدليس وأقبحها عند المحدثين فإنه ليس بمسلكٍ يسلك في الكلام عمن اتهم فيه .
ولا نعلم أحداً مِنْ الأئمة قديما ولا حديثاً قال بهذا القول والفاصل في المسألة أن لا يقول الراوي المتهم بتدليس التسوية ! حدثنا وإلا صار بذلك كذاباً بل إن الغالب على أمثال تدليس الوليد بن مسلم إذا دلس تسويةً عن الإمام الأوزاعي أن يقول (( قال الأوزاعي )) وليس بصيغةِ حدثنا ! او كأن يوهم الرواي بصيغةٍ توهم السماع وهو أن يقول (( عن )) وهذا لا يجعلها ممن استساغ الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك فإنا لا نسلم لابن حزم بقوله هذا .
[ تنبيه ] وهذا النوع مِنْ التدليس قد سماهُ بعد المُتقدمين تجويداً ، وإنظر بذلك لتدريب الراوي وفتح المغيث وشرح ألفية السيوطي أي أنهُ يذكر في جياد أهل الإسناد ، أي أنه جعل ظاهر الإسناد بهذا الفعل المُستقبح جيداً ، وسماه صاحب ظفر الاماني بالتحسين وهو أن يحسن الراوي ظاهر الإسناد بأن يحذف منه الضعيف ويبقى الثقات مِنْ الرواة .
ويشترط في هذا النوع مِنْ التدليس يشترط فيه التحديث والإخبار مِنْ المدلس إلي آخره ولذلك قال العلائي جامع التحصيل (ص94) : (( وهو مذموم جداً من وجوه كثيرة منها أنه غش وتغطية لحال الحديث الضعيف وتلبيس على من أراد الاحتجاج به. ومنها أنه يروي عن شيخه ما لم يتحمله عنه لأنه لم يسمع منه الحديث إلا بتوسط الضعيف ولم يروه شيخه بدونه ، ومنها أنه يصرف على شيخه بتدليس لم يأذن له فيه، وربما ألحق بشيخه وصمة التدليس إذا تتحقق عليه أنه رواه عن الواسطة الضعيف ثم يوجد ساقط في هذه الرواية فيظن أن شيخه الذي أسقطه ودلس الحديث وليس كذلك )) وعليه فإنه لابد مِنْ أن يصرح المدلس المُتهم بتدليس التسوية مِنْ أول الإسناد إلي أخرهِ ولا ينفع أن يصرح بالتحديث بينهُ وبين شيخه فقط .
[ مثال ] ما أورده ابن أبي حاتم في العلل : (( سمعت أبي -وذكر الحديث الذي رواه إسحاق بن راهويه، عن بقية قال: حدثني أبو وهب الأسدي عن نافع، عن ابن عمر، حديث: "لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا عقدة رأيه"- قال أبي: هذا الحديث له أمر قل من يفهمه. روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو، عن إسحاق بن أبي فروة، عن نافع عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعبيد الله بن عمرو، كنيته أبو وهب، وهو أسدي، فكناه بقية ونسبه إلى بني أسد كي لا يفطن له، حتى إذا ترك إسحاق بن أبي فروة لا يهتدى له )) أهـ .
قُلت : وعبيد الله بن عمرو ( ثقة ) ، إسحاق بن أبي فروة ( متروك الحديث ) ، نافع ( ثقة جليل ) فإنظر يا رعاك الله كيف هي عند ابن أبي حاتم ! فسواهُ بقية بن الوليد فجعل ظاهر الإسناد أنه جيدٌ وهذا مما وقع فيه بقية بن الوليد مِنْ التجويد - تدليس التسوية - . والله أعلم .
ومِنْ أكثر مَنْ وقع فيه مِنْ الرواة بقية بن الوليد والوليد بن مسلم ! قال الشيخ الجديع في كتابه النفيس تحرير علوم الحديث (2/956) : (( دخلت حمص وأكثر همي شأن بقية، فتتبعت حديثه وكتبت النسخ على الوجه، وتتبعت ما لم أجد بعلو من رواية القدماء عنه، فرأيته ثقة مأموناً، ولكنه كان مدلساً، سمع من عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك أحاديث يسيرة مستقيمة، ثم سمع عن أقوام كذابين ضعفاء متروكين عن عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك، مثل: المجاشع بن عمرو، والسري بن عبد الحميد، وعمر بن موسى الميثمي، وأشباههم، وأقوام لا يعرفون إلا بالكنى، فروى عن أولئك الثقات الذين رآهم بالتدليس ما سمع من هؤلاء الضعفاء، وكان يقول: (قال عبيد الله بن عمر عن نافع) و (قال مالك عن نافع كذا)، فحملوا عن بقية عن عبيد الله، وعن بقية عن مالك، وأسقط الواهي بينهما، فالتزق الموضوع ببقية و تخلص الواضع من الواسط )) ثُم اعتذر له الإمام ابن حبان - رحمه الله تعالى - المجروحين (1/200) كما نقل الشيخ الجديع .
لاشك في كون تدليس التسوية قادحاً في عدالة الرواة ! وقد اتهم به مَنْ هم بالجلالة والمكانة ما الله تعالى به عليمٌ كالإمام الثوري وكان - قليلاً ما يقع منه - والأعمش وأحسن ما يعتذر لمثل هذين الإمامين أنهما ما كانا يفعلانه إن وقع منهم إلا لمَنْ يعرف عندهم بانه ثقة ، ومَنْ اشتهر به أكثر هما الوليد بن مسلم وبقية ، والإكثارُ مِنْ تدليس التسوية قدحٌ في الراوي إلا أن بعضاً مِنْ الأئمة الكبار قد وقع فيهِ كما أسلفنا وليس بسبب يترك لأجله رواية المُدلس إنما يقوم المرء بجمع طرق الحديث وتخريجه وبذلك يعرف ما إن وقع فيهِ أم لم يقع ، ومثل الثوري ومنه يكاد أن يكون نادرا ومن الأعمش فإنهما فعلاه إجتهادا منهما وعمن هو عندهم ثقةٌ ! ولكن تبقى رواية الوليد بن مسلم والذي اجتمع الناس على أنه معروفٌ بهِ فهل اقتضى ذلك اسقاط عدالته بالكامل ! أم أنه لا يقبل منه ما قد دلس به وما صرح به بالسماع فمقبولٌ بلا خلاف .

[ الباب الثاني ] وينقسمُ هذا الباب إلي فصلين مِنْ حيث حال الوليد بن مسلم .
[ 1 ] أقوال مَنْ وثقهُ مِنْ الأئمةِ دُون التطرقِ لتدليسهِ وتسويتهِ .
[ 2 ] أقوال الأئمة الذين قالوا بوثاقتهِ خصوصاً في روايته عَنْ الإمام الأوزاعي

[ 1 ] أقوال مَنْ وثقهُ مِنْ الأئمةِ دُون التطرقِ لتدليسهِ وتسويتهِ .
قال الإمام العجلي في الثقات (2/342) : (( ثقة )) .
وقال الإمام محمد بن سعد (7/326) : (( كان الوليد ثقة كثير الحديث والعلم ، حج سنة أربع وتسعين ومائة ، ثم رجع ، فمات بالطريق )) أهـ .
والحافظ المزي تهذيب الكمال 7/486-489 : (( قال ابن المديني: الوليد رجل أهل الشام، وعنده علم كثير، ولم أستمكن منه )) وقد نقل توثيق الأئمةِ لهُ في الحافظ الذهبي في السير .
قال أبو اليمان : (( ما رأيت مثل الوليد بن مسلم )) .
وقيل لأبي زرعة : (( الوليد أفقه أم وكيع ؟ فقال : الوليد بأمر المغازي ، ووكيع بحديث العراقيين )).
وقال أبو مسهر : (( كان الوليد من حفاظ أصحابنا )) .
وقال أبي حاتم الرازي : (( صالح الحديث )) .
وقال ابن عدي : (( الثقات من أهل الشام مثل الوليد بن مسلم )) .
قال الإمام أحمد : (( ما رأيت في الشاميين أعلق مِنْ الوليد بن مسلم )) .
قُلت : ولم يترجم للرواة مثل الإمام الحافظ المزي في تهذيب الكمال حيث كان يذكر الرواة فيسند إلي مَنْ وثقهُ توثيقهُ وبالإسناد وهذا مِنْ باب التمكن مِنْ أقوال الأئمةِ والوصول إليها ، ولذلك فإنا سنذكر هُنا بعضاً مما أسنده الإمام المزي في تهذيب الكمال من الكلام في الوليد بن مسلم .
قال الحافظ المزي (31/86) : (( قَال الْفَضْل بْن زياد: قال أحمد بْن حنبل: ليس أحد أروى لحديث الشاميين من إِسْمَاعِيل بْن عياش، والوليد بن مسلم )) .
قُلت : وقول الإمام أحمد آنف الذكر مِنْ أنه لم يرى أحداً أعقل مِنْ الوليد بن مسلم أورده المزي في تهذيب الكمال مٌسنداً في المصدر السابق وهو من رواية الإمام عبد الله بن أحمد عن أبيه أنظر تهذيب الكمال للحافظ المزي (31/86) .
وأيضاً : (( وَقَال عَبد اللَّهِ بْن عَلِيّ ابْن المديني، عَن أَبِيهِ، حَدَّثَنَا عَبْد الرحمن بْن مهدي، عَنِ الْوَلِيد بْن مسلم، ثُمَّ سمعت من الْوَلِيد، قال علي: وما رأيت من الشاميين مثله، وقد أغرب الْوَلِيد أحاديث صحيحة لم يشركه فيها أحد )) .
وعند أبي زرعة في تاريخه (384) : (( قال لي مَرَوَان بْن مُحَمَّد: إذا كتبت حديث الأَوزاعِيّ، عَنِ الْوَلِيد بْن مسلم فما تبالي من فاتك )) وانظر الجرح والتعديل: 9 / الترجمة 70.
وقال أبو زرعة في تاريخه (384) : (( قال لي أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ: كَانَ عندكم ثلاثة أصحاب حديث: مَرَوَان بْن مُحَمَّد، والوليد، وأَبُو مسهر )) أهـ .
والمزي في التهذيب (31/86) : (( قَال أَحْمَد بْن أَبي الحواري أيضا : سمعت أَبَا مسهر قال: رحم الله أَبَا العباس، يَعْنِي الْوَلِيد بْن مسلم، كان معنيا بالعلم )) أهـ .
وقال : (( وَقَال يعقوب بْن سفيان الفارسي ، كنت أسمع أصحابنا يقولون: علم الشام عند إِسْمَاعِيل بْن عياش، والوليد بْن مسلم، فأما الْوَلِيد فمضى على سنته، محمودا عند أهل العلم، متقناصحيحا، صحيح العلم )) أهـ .
وقال : (( سألت أَبَا مسهر عَنِ الوليد ابن مسلم فَقَالَ: كَانَ من ثقات أصحابنا، وفي رواية: من حفاظ. أصحابنا )) وانظر تاريخ أبو زرعة الدمشقي 384 .
وأما قول أبي حاتم الرازي آنف الذكر رواهُ عنه محمد بن إبراهيم الأصبهاني (الجرح والتعديل: 9 / الترجمة 70) . وَقَال في العلل لابنه: كثير الوهم (رقم 494) ، وَقَال فِي موضع آخر منه: كثير الخطأ ، وإني رأيت الشيخ أبي جابر الأنصار يرى أن الجرح بمثل هذه الألفاظ مِنْ الأئمةِ نفيٌ للتدليس عن الوليد بن مسلم ! وإن كانوا جرحوه بمثل هذا الجرح فلا يعني أنهم قالوا بتدليسه ! .
وقال المزي : (( وَقَال صدقة بْن الْفَضْل الْمَرْوَزِيّ : حج الْوَلِيد بْن مسلم وأنا بمكة فما رأيت رجلا أحفظ للحديث الطويل وأحاديث الملاحم منه، وكَانَ أصحابنا فِي ذَلِكَ الوقت يكتبون ويطلبون الآراء، فجعلوا يسألون الْوَلِيد عَنِ الرأي ولم يكن يحفظ، ثُمَّ حج وأنا بمكة، وإذا هُوَ قد حفظ الأبواب وإذا الرجل حافظ متقن قد حفظ )) انظر المعرفة والتاريخ (2/421) .
اكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (12/250) نقلا عن الخليلي في كتابه الإرشاد : (( مقدم على جميع أهل الشام متفق عليه )) أهـ .

قُلت : وهذه جُملةٌ مِنْ أقوال الأئمة النُقاد الذين وثقوهُ وقالوا بأنهُ مِمَنْ اتفق عليهِ أهل العلمِ ولهُ روايةٌ في الصحيحين ! وسيأتي الكلام عليها ، وقولهم ثقةٌ دُون التعرض لتدليسه لا ينفي وقوعهُ في التدليس ! وإذا كان ثبت عن مثل ابن المديني وأبي حاتم والفسوي والإمام أحمد بن حنبل عنه أنه ثقةٌ فهل هذا يزيل ما وسم بهِ بالتدليس ! .
والذي يتضحُ أن القول بأن التدليس لا يقدح بعدالة الرواي غالباً وإلا فإن هذا يلزم أن يترك مَنْ هو مثل ابن جريج ! والإمام الثبت قتادة على قلة تدليسه ! ومَنْ هو مثل الأعمش الذي قيل عنه " ربما " وهذه تقتضي الظن لا الجزم بوقوع مثله في تدليس التسوية ، وقد ذهب جمهورُ العلماء على عدة شروط في رواية المدلس قد اشترطوها لأن التدليس ليس مِنْ الكذب وقال البزار في النكت للزركشي (2/81) : (( التَّدليس ليس بكذب ، وإنَّما هو تحسين لظاهر الإسناد )) ولذلك فإن إطلاق الكذب على التدليس ليس في مكانهِ .
فالجرح لا يكون قدحا في العدالة إطلاقاً بل إن أحسن ما يقال بأنهُ جرحٌ لرواية المُدلس ولذلك وضع الأئمةُ شروطاً لقبول رواية المدلس فهو على الأرجح ثقةٌ ثبتٌ إلا أنه كان مُتهمٌ بتدليس التسوية مثلاً وهذا لحديثه شروطٌ قد رأينأ أمثال شيخنا ماهر بن ياسين الفحل يقول بأنهُ لابد أن يصرح الوليد بن مسلم مِنْ أول السند إلي آخرهِ بالتحديث والسماع ، ولذلك فإن للأئمة مذاهبٌ في رواية المدلس عندهم - رحمهم الله ورضي عنهم - :
1- لا تقبل رواية المدلس مطلقاً سواءٌ أصرح بالسماع أم لم يصرح بهِ وهذا القول مبنيٌ على تعريف التدليس بأنهُ الكذبُ وهو ما نقل عن القاضي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي التَّلْخِيصِ فَقَالَ: التَّدْلِيسُ جَرْحٌ، فَمَنْ ثَبَتَ تَدْلِيسُهُ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ مُطْلَقًا . انظر فتح المغيب بشرح ألفية الحديث (1/228)
2- منهم من قبل رواية الندلس مطلقاً قال الشيخ ماهر الفحل : (( وَهُوَ فرع لمذهب من قَبِلَ المرسل ونقله الْخَطِيْب البغدادي عن جمهور من قَبِلَ المراسيل ، وحكاه الزركشي عن بعض شارحي أصول البزدوي من الحنفية وبنوا هَذَا عَلَى ما بنوا عَلَيْهِ قبول المرسل ؛ من أنّ إضراب الثقة عن ذكر الرَّاوِي تعديل لَهُ ، فإن من مقتضيات ثقته التصريح باسم من روى عَنْهُ إذا كَانَ غَيْر ثقة )) أهـ
3- ومن عرف أنه لا يدلس إلا عن الضعفاء لم يقبل منه إلا ما صرح به بالسماع وهذه السمة في الوليد بن مسلم الدمشقي ، ومَنْ عرف أنه لا يدلس إلا عن الثقات كابن عيينة سواءٌ أكان مصرحا بالسماع أم لم يصرح به
4- التفريق بين أن يروي بصيغة مبينة للسماع فتقبل روايته ! وبين أن يروي بصيغة مُحتملة السماع فترد روايتهُ وهذا ما عليه جمهور أهل الحديث وعامتهم منهم الخطيب وابن الصلاح ، وعلى الراجح فإنهُ لابد مِنْ معرفة الرواية التي وقع فيها التدليس من الرواي إن كان سمع بها قبلت وإن لم يكن صرح بالسماع لم تقبل وهو التفريق بين ما ثبت فيه تدليسه وبين ما لم يثبت.
والذي يتضحُ بأن الجرح نسبيٌ قال الدكتور الجديع تحرير علوم الحديث (1/376) : (( التدليس جرح نسبي يقدح فيما حدث به الراوي مدلساً، أو مترجحاً فيه مظنة التدليس، على ما ستعلمه في مبحث (الحديث المدلس) من ألقاب (الحديث المردود) ، ولا يكون وصف الراوي به مما يقدح في عدالته بمجرده، كما لا يكون منافياً لثقته، لأسباب بينتها في المبحث المشار إليه.
لذلك تجد أكثر من واقعه كانوا من الثقات المعروفين ، ولو جعلنا التدليس قادحاً، فإنه سيكون قادحاً في العدالة؛ لما فيه من معنى الغش، ولكن التأويل عند من فعله حال دون الجرح به )) .
وقال : (( ومن النقاد من جعل الإكثار من التدليس، وفحش ما يأتي به الراوي المدلس من المنكرات مما يكون قد سمعه من كذاب أو مجهول فدلسه ، ملحقاً الضرر بذلك المدلس، فيجعل علة جرحه عنده تلك المنكرات التي رواها )) .
وقال الدكتور : (( والوقوف على تحرير هذا السبب من الجرح في الموصوف به، يدفع التهمة عن بعض الرواة ممن اختلف فيهم، يعود الجرح فيهم إلى هذا السبب، فإذا تبين لم يصلح معه رد قول المعدل في حال بيان هذا الراوي سماعه للخبر )) .
وقال : (( والتحقيق أن عبارات النقاد في ابن عمارة لم تبن على ما ذكره ابن حبان، فإنه يوجد في الموصوفين بالثقة من كان يدلس المتهمين ويعنعن عن شيوخهم، ولم يطعن عليه بمثل ما طعن على ابن عمارة وفيهم من روى عنه شعبة نفسه، وإنما قام الطعن على ابن عمار على وهائه في نفسه من جهته، وقد قال علي بن المديني: " ما أحتاج إلى شعبة فيه، أمر الحسن بن عمارة أبين من ذلك "، قيل: أكان يغلط؟ فقال: كان يغلط؟! أي شيء يغلط؟ " وذهب إلى أنه كان يضع الحديث)) أهـ .
قُلت : ومما يتضح فإن الجرح نسبيٌ بسبب التدليس ويدقحُ بما حدث به الراوي مِنْ حديث ولا يكون قدحاً للعدالة بمطلقها وليس كُل مَنْ اتهم بالتدليس عن الضعفاء متروكُ الحديث مطلقاً وهذا الذي يظهر لنا من قول الدكتور حيث قال : (( فإنه يوجد في الموصوفين بالثقة من كان يدلس المتهمين ويعنعن عن شيوخهم، ولم يطعن عليه بمثل ما طعن على ابن عمارة وفيهم من روى عنه شعبة نفسه، وإنما قام الطعن على ابن عمار على وهائه في نفسه من جهته )) فأرجع الطعن فيه على شيءٍ في نفسهِ حتى اتهمه ابن المديني بالوضع ! .
ومثل الوليد بن مسلم في الصنف الخامس مِنْ أصناف المدلسين ما قاله السيوطي في ألفيته :
وَالْمُرْتَضَى قَبُولُهُمْ إِنْ صَرَّحُوا ... بِالْوَصْلِ فَالأَكْثَرُ هَذَا صَحَّحُوا
وهذا الصنف الخامس مِنْ المدلسين إذ أنهم أدخلوا فيه الوليد بن مسلم وقد أثبت أن ما أتى في الصحيح بعن في ألفيتهِ محمولٌ على الإتصال : (( وَمَا أَتَانَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِـ " عَنْ " ... فَحَمْلُهُ عَلَى ثُبُوتِهِ قَمَنْ )) ولذلك فإن حديث الوليد بن مسلم في الصحيح محمولٌ على الإتصال وسيأتي بيان هذه المسألة بشكل موسع في رواية المدلسين عند الشيخين بعد الإنتهاء ! ، فلا يقبل من الوليد بن مسلم إلا ما صرح به بالسماع مِنْ أول الإسناد لأخرهِ وتوثيقهم لا يعني أنه توثيقٌ في العدالة والرواية مُطلقاً كما قال الشيخ أبي جابر الأنصاري في كتابه القول النفيس ! بل الذي يظهر لنا أنه ممن عرف بانه مِنْ الثقات إلا أنه كان يدلس ومثلهُ لا يقبل منه إلا ما صرح به بالسماع ولا يكتفى بتصريحه عن شيخه الأوزاعي بل في كل طبقات الإسناد .
ومن المُلاحظ على الأخ الشيخ أبي جابر في كتابه النفيس أنهُ كان شديد الألفاظ في حق مُخالفه وهذا مما استنكرته على الشيخ - سدده الله - إذ أن توثيقهُ مِنْ قبل الأئمة لا ينافي وقوعه في التدليس فهذا الأعمش متفقٌ على إمامتهِ إلا أنه كان يدلس ! وهذا قتادة موصوفٌ بالتدليس وهذا لا ينافي إمامته ، وهذا أبي إسحاق السبيعي مِنْ المكثرين والأئمة الأعلام وتدليسه وقوعه فيه لم ينافي إمامته ! فكيف بمثل الوليد بن مسلم ! .

[ 2 ] أقوال الأئمة الذين قالوا بوثاقتهِ خصوصاً في روايته عَنْ الإمام الأوزاعي .
وأما تدليس التسوية فقد ثبت عند المتقدمين مِنْ أهل العلمِ بأن الوليد بن مسلم يدلس تدليس تسوية وهذا مما لا خلاف فيهِ ، ولا يقبل من الوليد بن مسلم إلا ما قد صرح به بالسماع عند العلماءْ وإلا فإن روايته في الصحيحين محمولةٌ على الإتصال وسيأتي بيان ذلك بإذن الله .
قال الشيخ ناصر الفهد في معرض كلامه على تدليس الوليد أنه على صورتين :
1- أنه قد يأخذ عن يوسف بن السفر ( وهو متروك ) عن الأوزاعي فيسقطه ويروي عن الأوزاعي .
2- أن يروي الأوزاعي عن أحد من الضعفاء فيسقط الضعيف ويسوي الإسناد .
ومما مضى فتدليس التسوية من أقبح أنواع التدليس ولا يستلزم وقوع المُدلس بهِ أن يسقط العدالة بالإطلاق إذ أن هذا نسبيٌ ولا يكون غالباً ! وروايته عن الأوزاعي وإن كان يدلسُ فيها تدليس تسويةٍ فإن هذا لا يجري مجرى العُموم على كُل ما رواه الوليد بن مسلم عَنْ الأوزاعي ، فإنه قد يحدث عنه بصيغةِ السماع ويصرح بالحديث عنهُ وهو مِنْ أصحاب الإمام الأوزاعي المشهورين ، وما يعاب عليه أنه كان يدلس عنه تدليس التسوية على إمامته في روايته عنهُ ، ودليلهُ أن الشيخين قد أخرجوا لهُ مِنْ روايته عَنْ الأوزاعي ما عرف أنه قد صرح به بالسماع وثبت لديهما أنهُ قد صرح بهِ.
ودليله ما قاله الحافظ ابن حجر في الفتح (1/450) : (( مَاله عَن مَالك فِي الْكتب السِّتَّة شَيْء وَقد احْتَجُّوا بِهِ فِي حَدِيثه عَن الْأَوْزَاعِيّ بل لم يرو لَهُ البُخَارِيّ إِلَّا من رِوَايَته عَن الْأَوْزَاعِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن نمر وثور بن يزِيد وَعبد الله بن الْعَلَاء بن زبر وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر وَيزِيد بن أبي مَرْيَم أَحَادِيث يسيرَة وَاحْتج بِهِ الْبَاقُونَ )) أهـ .
قُلت : قال الشيخ أبي جابر الأنصاري في القول النفيس في براءة الوليد بن مسلم من التدليس (1/63) : (( فدعوى الإمامين الدارقطني وابن حبان كسهمين كلاهما أخطأ مرماه .
وإلا فأين السابقون لهم بالعلم والفهم ، لم يتفطنوا لدعوى الإمامين ولم يعلوا أحاديث الوليد بن مسلم بتدليس التسوية أيو يذكروا بذلك على الأقل )) أهـ .
قُلت : وهذا مِنْ الشيخ ليس بالمقبول أبداً إذ كيف يمكنُ أن نقول بان أمثال الشيخين لم يتفطنوا لرواية الوليد بن مسلم وهو معروفٌ بالتدليس واشتهر به عند الأئمةِ قاطبةً ولا ينافي مَنْ قال بوثاقته أن يكون جهل تدليسه ! ، وهذا صنيع الشيخين فمعرفتهم بتدليسهِ واردٌ إذ لايمكن الجزم بأن إخراجهم له في الصحيح دُون معرفة تدليسهِ وهذا ما عرف به صاحب الصحيحين - رضي الله عنهما - مِنْ رواية المدلسين وهو التتبع والتحري لما يرويه هذا المدلس وإخراج ما علم سماعهُ.
وأما التسوية مِنْ رواية الوليد بن مسلم فليست مِنْ شيءٍ في صحيح البخاري ومسلم فقد صرح بالسماع في 30 حديث وعنعن في الصحيحين بـ7 أحاديث أما الأحاديث فقد تجيء عنهُ فيصرح مِنْ أول السند إلي أخره بالسماع ! وقد تأتي الأسانيد التي عنعنها بأسانيد عَنْ نفس الشيوخ تنفي كون الوليد بن مسلم قد دلس فيه تدليس التسوية ومِما يقوم مقام التصريح .
قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/17) : (( سمعت أبي يقول ذلك ثنا عبد الرحمن ثنا ابى ثنا احمد ابن أبي الحواري قال سمعت مروان يعني ابن محمد الطاطري ومربنا الوليد فلما ولى قال لى مروان: عليك به فانك إذا سمعت منه لم يضرك من فاتك من اصحاب الاوزاعي ابدأ بكتاب الاوزاعي )) أهـ ، وأيضاً عَنْ الطاطري في تهذيب الكمال (31/93) : (( وَقَال عَبَّاس بْن الْوَلِيد الخلال : قال لي مَرَوَان بْن مُحَمَّد: كَانَ الْوَلِيد بْن مسلم عالما بحديث الأَوزاعِيّ )) وهذا مما يعول عليه في مسألة قبول حديث الوليد بن مسلم في الصحيح ، وهو أن الوليد بن مسلمٌ معنيٌ بروايته عن الأوزاعي إلا أنهُ كان يدلس فيه فأمانة أهل الحديث تقتضي أن يصرح بالحديث لكي يقبل منه ما حدث بهِ وإن عنعن في الصحيحين فينظر هل صرح بالسماع أم لم يفعل .
[ مسألةُ ] عنعنة المُدلسين في الصحيحين .
وأما عنعنة المدلس عند المُحدثين على قولين عندهم - رحمهم الله - :
(1) أن عنعنة المدلس محمولةٌ على الإتصال في الصحيحين ، حيث قالوا بأن قبول العنعنة في الصحيح أن يكون الراوي قد صرح بالسماع بهِ ، وأما حديث أمثال الأعمش وقتادة وأبي الزبير ومَنْ هو مثل أبي إسحاق السبيعي فعنعنتهم محمولةٌ على الإتصال حتى يرد دليل على ثبوت ذلك عليهم - رحمهم الله - ، ومنه فحملُ عنعنة المدلس على الإتصال هو مذهبُ : (( ابن الصلاح - العلائي - والنووي - والقطب الحلبي )) وقد نقل العلائي في جامع التحصيل عن زمرة مِنْ العلماء في القول بأن عنعنة المدلس محمولةٌ على الإتصال في الصحيحين .
(2) أن تُعامل رواية المدلس في الصحيح مُعاملتها خارجهُ وعلى هذا سار الحافظ ابن حجر العسقلاني هدي الساري (385) : (( ومع ذلك فحكم من ذكر برجاله من تدليس أو إرسال ، أن تسبر أحاديثهم الموجودة بالعنعنة ، فإن وجد التصريح فيها بالسماع إندفع الإعتراض وإلا فلا )) والذي يظهر لي أننا إن أردنا التعامل مع رواية الوليد بن مسلم في الصحيح فنقول :
(3) والأسلمُ أن عنعنته مقبولةٌ في الصحيح إذا صرح بها بالسماع وقد صرح بـ30 حديث في الصحيح بالسماع ، وإن عنعنة وهي 7 أحاديث فإنا ننظر ما إن كان الوليد بن مسلم قد صرح بالسماع خارج الصحيح وعلى هذا تسري ضوابط قبول الرواة المشهورين به المكثرين .
(4) أن يكون المدلس مِنْ أثبت الناس في شيخهِ واحتمال عنعنة المدلس عمن أكثر عنه ولازمهُ هو مذهب الإمامين البخاري ومسلم والحميدي - رحمهم الله - .
(5 ) أما وإن تُوبع المُدلس بروايتهِ مثل الوليد بن مسلم ممن لم يعرف بالتدليس يرفع عنهُ التُهمةَ قال الضحاك : (( إنما الوليد بن مسلم وإن كان يخشى من تدليسه ، فقد تُوبع فقد أمنا بذلك تدليسه )) ، وإعلم أن هذه النقطتين مما يعضدُ ما قاله الحافظ ابن حجر العسقلاني ، وتؤيد ما ذهب إليه الصنف الأول مِنْ الأئمةَ فلا اعتراض على القولين ، ورواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي في الصحيح لمُلازمتهِ إياهُ ومعرفتهِ بحديثهِ . والله أعلم .
وأما الوليد بن مسلم فالذي يظهر لنا والله أعلى وأعلم أنه في المرتبة الرابعة مِنْ المُدلسين وحكم هذه الطبقة مِنْ المدلسين أن لا يقبل منهم إلا ما صرحوا به بالسماع وإن رووا بالعنعنة فإنها مردودةٌ ويأتي التأصيلُ في مسألة عنعنة أمثال هؤلاء فإن كانت مُخرجة في الصحيحين فإنها قد تَكون عند غير البخاري ومسلم قد صرح بها بالسماع ، والسبع أحاديث التي عنعن بها الوليد بن مسلم في الصحيح قد صرح بالسماع في مواطن خارج الصحيحين ، وإن وقع هذا مِنْهُ فيكونُ حديثهُ في عداد المقبول عند أئمةِ الحديث وإن كان قد عنعن ! ، أما إن لم يثبت أنه قد صرح مثلهُ بالسماع ما كان للشيخين أن يخرجا حديثهُ في الصحيحين .
والذي نراهُ - بعلمنا القاصر - أن الشيخين أدقُ مناهج المحدثين نقداً للسنة وتتبعاً لروايات المدلسين وجعلهُ في المرتبة الرابعة الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - تعريف أهل التقديس بالموصوفين بالتدليس (134) ، ولذلك إنا لا ننفي إمامة الوليد بن مسلم ومعرفته بحديث الأوزاعي وهذا لا يعني نفي التدليس تماماً عَنْ الإمام الأوزاعي ، فإنهم يقبلون ما عرف به مِنْ أنه مكثر عن شيخه ما صرح به بالسماع أو صرح به في موطن أخر إن كانت الرواية مخرجة في الصحيحين وتُعامل رواية أمثال الوليد بن مُسلم بالتحقيق والبحث والسبر حتى يتبين ما إن كان صرح بالسماع فقبلت أو عنعن فترد إلا إن ثبت أنه صرح خارج الصحيح . والله أعلم .
وقال المزي في تهذيب الكمال (31/93) : (( وَقَال أَحْمَد بْن أَبي الحواري : قال لي مَرَوَان بْن مُحَمَّد: إذا كتبت حديث الأَوزاعِيّ، عَنِ الْوَلِيد بْن مسلم فما تبالي من فاتك .
وَقَال الْفَضْل بْن زياد: قال أحمد بْن حنبل: ليس أحد أروى لحديث الشاميين من إِسْمَاعِيل بْن عياش، والوليد بن مسلم )) أهـ .
وقد أثنى عليه الطاطري وابن مسهر وهما من أهل بلدهِ في روايته عن الشاميين وخصوصاً الأوزاعي - رحمه الله - وأما طلب الشيخ أبي جابر الأنصاري في (1/63) مِنْ كتابه الجرح المفسر فإننا نقول لهُ ، ما علمنا أن مَنْ تكلم في تدليسهِ أسقط عدالتهُ بالمُطلق ، وقد أورد القرائن لما عرفَّ بهِ مِنْ التدليس وأوضح السبب الذي لأجلهِ تكلم في تدليس الوليد بن مسلم ومثيلهُ ما أورده الحافظ ابن عساكر في التاريخ (63/191) : ((أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي أخبرنا أبو الفضل بن البقال أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا عثمان بن أحمد حدثنا حنبل بن إسحاق قال سمعت يحيي بن معين يقول قال أبو مسهر کان الوليد يأخذ من ابن أبي السفر حديث الأوزاعي وکان ابن أبي السفر کذاب وهو يقول فيها قال الأوزاعي )) أهـ .إسنادهُ صحيحٌ.
وقد رأينا الإمام المعلمي يقول فيه (( شديد التدليس ، يدلس التسوية )) التنکيل: 2/ 93وانظر: النکت الجياد المنتخبة من کلام شيخ النقاد: ص689 ، وقد رأينا الإمام الألباني - رحمه الله - كذلك يضعف أحاديثاً للوليد بن مسلم مُعلاً إياها بأنهُ يدلس تدليس تسوية ، وقد تراجع عَنْ جُملة مِنْ الأحاديث التي كان يراها حسنةً عن الوليد بن مسلم بعلة التدليس والتسوية .
وكما لا يخفى جرحُ الجارح لا ينفي تعديل المُعدل ! وتعديل المعدل لا ينفي وقوع الجرح مِنْ الجارح فإن كان الشيخ أبي جابر - وفقه الله - قاس على هذا فإنا نقيسُ على مثلها ! إذ أن تعديلهم لهُ لا ينافي جرح مَنْ هو مثل الدارقطني وابن حبان والحافظ ابن حجر ، والعلائي ، وأبو زرعة العراقي ، وابن دقيق العيد مِنْ وسمه بتدليس التسوية ، وجرحُهم لهُ بتدليس التسوية لا يقتضي القضاء على العدالة بالإضمحلال أخي الشيخ أبي جابر الأنصاري - نفع الله بك - ! .

[ الباب الثالث ] وهذا الباب يحتوي ذكر مَنْ اتهم الوليد بن مسلم بتدليس التسوية .
[ 1 ] مَنْ رمى الوليد بن مسلم بتدليس التسوية .
وقد ألف الأخ الشيخ الأنصاري كتاباً أسماهُ القول النفيس في براءة الوليد بن مسلم من التدليس وهو كتابٌ يُشير فيه إلي أن ما خلص إليه هو براءة الوليد بن مسلم مِنْ تدليس التسوية ، ومثل هذا القول لم يسلم لهُ بهِ أحدٌ مِنْ أهل العلمِ المعاصرين ! فضلاً عَنْ ضربهِ بأقوال الأئمة المُتقدمين ومنهم المتاخرين كالألباني وابن حجر ! والذهبي والحفاظ المُتقنين فظهر لهُ مالم يظهر لهم وهم أهلُ العلم والتحقيق والتمحيص ، فكانت عباراتهُ شديدةً وألفاظهُ قويةً في تعامله مَعْ المُخالفين له ! ، وإن أقدم مَا استدل به على تدليس الوليد بن مسلم هو قول الهيثم بن خارجة مِنْ رواية الحافظ جزرة ! وقد نقل إسنادها الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق ودِراسةُ الأمر في عدة مباحث .
وأحب أن أشير إلي أن تدليس الوليد بن مسلم لا يكونُ إلا أن يحصل منه وأن يصرح بذلك وهو ما ورد عن الهيثم بن خارجة - رحمه الله - أو أن يصرح أهل الصنعة وأهل الفن بذلك ممن عرف حديثهُ وكان لهُ مدُّ بصرٍ فيهِ ودراستهُ ولذلك فإن حديثهُ في الصحيح قد صرح به بالسماع في المواضع الـ7 التي أخرجها لهُ البخاري ومسلم في الصحيح ، فإن حصل وصرح بذلك مِنْ قوله ثبت عليه أما وإن قال أهل العلم بهذا الشان أنهُ مدلسٌ فهذا يعتبر بهِ عندنا وعند غيرنا مِنْ عامة طلبة الحديث .
[ أولاً ] دِراسةُ قول الهيثم بن خارجة في تدليس الوليد بن مسلم .
أخرجهُ الإمام الحافظ ابن عساكر في تاريخه (63/291) : (( أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي وأبو غالب أحمد بن الحسن عن أبي إسحاق إبراهيم بن عمر عن محمد بن العباس بن الفرات أخبرنا أبو عبد الله محمد بن العباس ين أحمد الضبي أخبرنا أبو الفضل يعقوب بن إسحاق بن محمود الفقيه الهروي أخبرنا صالح ابن محمد الحافظ قال سمعت الهيثم بن خارجة يقول قلت للوليد بن مسلم قد أفسدت حديث الأوزاعي قال: كيف؟ قلت: يروي عن الأوزاعي عن نافع وعن الأوزاعي عن الزهري وعن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد وغيرك بدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي وبينه وبين الزهري إبراهيم بن مرة وقرة وغيرهما فما يحملك على هذا قال أنبل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء قلت فإذا روى الأوزاعي عن هؤلاء وهؤلاء ضعفاء أحاديث مناكير فأسقطتهم أنت وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات صعف الأوزاعي فلم يلتفت إلى قولي )).
قُلت : وهذا عندي فيه نظرٌ لعلتين في المتن :
[ 1 ] فيه مَنْ لم أعرفهُ وهو أبو الفصل يعقوب بن إسحاق بن محمود الفقيه الهروي فقد أكثر عنهُ الرواية الخطيب البغدادي في تاريخ بعداد ، والحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق .
[ 2 ] للوليد بن مسلم شيوخاً هم أنبل وأرفع منزلة مِنْ الإمام الأوزاعي - رحمه الله - كابن أبي ذئب ، والإمام مالك ، والإمام ابن المُبارك ، والثوري فلا يستقيم أن يخص أحداً بالنبل والمكانة على هذه الثلة الجليلة مِنْ الأئمةِ العُلماء الذين عرفوا بوثاقتهم وإمامتهم وأنهم أركانٌ في الدين وحملةٌ للسنة وعُرفوا بالتقوى والإيمان والورع فكيف ميز الأوزاعي عنهم ! .
واعلم أن الرواية عن الضعفاء ليست مغمزاً في الرواة والمحدثين ولعمري لو كانت مغمزاً لكان حرياً بمن يسلك هذا المسلك أن يغمز مثل شعبة الذي حديث عَنْ جابر بن يزيد الجعفي - المتروك - ولعيب ذلك على سفيان الثوري الذي حدث عن - محمد بن السائب الكلبي - وقد كان أمثالهم يحفظون أحاديث الضعفاء ويأخذونهُ مِنْهُمْ للأمانة التي حملوها وكان حرياً بهم أن يبينوا هذه الأحاديث الضعيفة فما حفظوها وما عرفوها وما حدثوا بها إلا ليبينوها للناس ، وليحذروا مِنْها ذوي الألباب والشباب ويذبوا عَنْ السُنة كُل مُدخَلٍ إليها مِنْ شوائب الألسنةِ والكلام ! .
ثُم إعلم أن الإكثار مِنْ الرواية عَنْ الضعفاء كانت عند أهل الحديث سببا للقدح بالمُكثرِ عَنْهُمْ ولكن الأمور التي أسلفنا في ذكرها مِنْ روايتهم لحديث الضعفاء وللأسباب التي أتينا على ذكرها فإنهُ لا خلاف في كونها مِنْ الفضل لا مِنْ المغمز عند أولي الألباب .

قال الشيخ أبي جابر الأنصاري (1/90) : (( ولئن كان التدليس أخو الكذب وذلك لأن المدلس يوهم شيئاً عن نفسه بلفظ محتمل بخلاف ما أخبر )) أهـ .
وقد زعم الشيخ - سدده الله - أن مَنْ رمى الوليد بن مسلم بالتدليس فإنهُ يلصق بالوليد بن مسلم الكذب لأنهُ يكذب على لسان شيخهِ أو يوهم أن شيخهُ هو مَنْ دلس هذا الحديث والذي عليه المُحدثين أن التدليس ليس كذباً واستدل بذلك ومثل برواية الأوزاعي عن الزهري ! والتي أسقط منها الوليد بن مسلم (( إبراهيم بن مرة )) وهو (( كذابٌ )) فجعل هذا الفعل كذباً وهذا عندنا محل نظر إذ أن التدليس ليس الكذب وليس هذا باباً يتطرق إليه ليكون حجةً في نفي التدليس عن الوليد بن مسلم لأننا إن وصفناه بتدليس التسوية فلا يقتضي رميهُ بالكذب إطلاقاً لأن التدليس عند أهل العلم ليس الكذب وإليك البيان في المسألة .
(1) إعلم يا رعاك الله أن وصف أحدٍ مِنْ المُحدثين بالتدليس فليس مُرادهُ ما جاء في اللغةِ ومعناهُ الكذب والتزوير ، إنما هو عند المحدثين - كما تقدم - إخفاء عيب في السند والتحسين وقد سماهُ بعضهم (( التجويد )) ويأتي هذا لأسبابٍ منها رغبة الراوي في العلو ، أو استصغار شيخٍ أو إجلالاً لمثل هذا الشيخ أن يحدث عن الضعفاء والمتروكين وإن كان للتدليس أنواعاً مذمومةً فقد تنزه عن مثلها الأئمة الثقات الأثبات الذين تدور عليهم الرواية ومدار الحديث عليهم .
وهذا النوع مِنْ التدليس قد سماهُ بعد المُتقدمين تجويداً ، وإنظر بذلك لتدريب الراوي وفتح المغيث وشرح ألفية السيوطي أي أنهُ يذكر في جياد أهل الإسناد ، أي أنه جعل ظاهر الإسناد بهذا الفعل المُستقبح جيداً ، وسماه صاحب ظفر الاماني بالتحسين وهو أن يحسن الراوي ظاهر الإسناد بأن يحذف منه الضعيف ويبقى الثقات مِنْ الرواة .
(2) عند الجمهور أن رواية المدلس لا ترد مطلقاً وكما أسلفنا فلا يكون قادحاً بالعدالة على الإطلاق مما يلزم إسقاط روايته ! ومَنْ هو بمثل هذه الصفة أو وسم بهِ فإنه لا يقبل منه إلا ما قد صرح به السماع على طبقات المُدلسين أو مَنْ جعله الأئمة في الرابعة أو الثالثة ! ، وقد تجد أهل الصنعة يقبلون مِنْ المُدلس العنعنة إذا عرف أن مثله لا يدلس إلا عن ثقة ، أو على سعة روايته وإمامتهِ وجلالته في الحديث فإنهم يقبلونها إذا عرف عنهُ ذلك ويحملونها على السماع .
وقال الشيخ أنهم لا يقبلون مِنْ الوليد بن مسلم إلا ما صرح به بالسماع في كل طبقات الإسناد فليس ذلك بلازم ! ورمى مَنْ قال بهذا القول أنهُ تحكمٌ بلا مُستند ! .
وهذا عجيبٌ جداً إذ أن الحافظ ابن حجر العسقلاني قال أنهُ في الطبقة الرابعة مِنْ المدلسين ، وهذا الشيخ المحدث الحويني يقول ببذل الإحسان (2/133) : (( وهذا اسنادضعيف، لأن الوليدبن مسلم لم يصرح بالتحديث في کل السند )) وكذلك الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، وردت لهُ أحاديثاً لم يصرح بها بالسماع في كل طبقات الإسناد ! وإن قال قائلٌ كيف للشيخين أن يخرجوا لهُ سبع أحاديث مُعنعنةً ! قُلنا ومثل هذا لا تقومُ به قائمة ولا تشدهُ حُجةٌ أبداً لأن الأحاديث التي عنعنها الوليد بن مسلم في الصحيح قد صرح بها بالسماع في موطنٍ خارج الصحيح وإن ثبت لنا سماعهُ أو تصريحه بالسماع فإن مثل عنعنته في الصحيح تحمل على الإتصال .
وخُلاصة الامر أن ما رويَّ عَنْ الهيثم بن خارجة مِنْ أن الوليد بن مُسلم أفسد حديث الأوزاعي ليس بصحيحٍ لأن فيه مَنْ لم يعرف وهو الهروي ! والمتن لا يحتمل أبدا أن يكون مثل الوليد بن مسلم قد دلس عن الأوزاعي لإنبالهِ ولهُ مِن الشيوخ مَنْ هم أجل مِنْ الأوزاعي ! .

[ بَابٌ مُهمٌ ] مَنْ رمى الوليد بن مسلم بتدليس التسوية .
أردتُ بهذا قبل الشروح في ذكر أحاديث الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن نافع التي تدلس فيها عنهُ رحمه الله تعالى أن أذكر مَنْ وسم الوليد بن مسلم بتدليس التسوية حتى يسهل مناقشة الأقوال وإن ما أحببت أن أشير إليه هو أن هُناك إجماعٌ على تدليس الوليد بن مسلم بين المحدثين وأهل هذا العلم مُتقدماً ومُتأخراً والتوثيق يختلف تماما عَنْ الوصف بالتدليس ، فألفاظ الأئمة في الجرح والتعديل تختلف تماما بحسب مضامينها ودلالتها عند المحدثين وغابتهم في القول بالتوثيق أو الوصف بالتدليس فتراهُ حافظاً إماماً موثقاً إلا أن هُناك مَنْ قال بأنهُ مدلسٌ وإنفرد بهذا اللفظ في وصف هذا الراوي والتدليس لا ينافي الوثاقة أبداً عند أهل العلم والحديث .
(1) قال صاحب تكميل النفع محمد عمرو عبد اللطيف (1/105) : (( الأولى: عنعنة الوليد بن مسلم: فإنه ثقة حافظ لكنه كثير التدليس والتسوية )) أهـ .
قُلت : وإنظر كَيف أثر بوثاقتهِ وحفظهِ وأنهُ ذا منزلةٍ عاليةٍ جداً ، إلا أنه كان يدلس وكما أسلفنا فإن الأصل في التوثيق أن لا ينافي الوصف بالتدليس ، فكَمْ مِنْ إمامٍ إنفرد إمامٌ بتوثيقهِ ثُم قال آخرٌ بأنهُ مُدلسٌ ولم يصحب هذا القول شيءٌ فلا ينفي وثاقتهُ عند ذلك الإمام .
(2) سؤالات الترمذي للإمام البخاري (1/307) : (( أنه مدلس: وذلك أن الوليد بن مسلم لم يصرّح فيه بالسماع من ثور بن يزيد بل قال فيه: "عن ثور"، والوليد مدلس فلا يحتج بعنعنته ما لم يصرّح بالسماع )) أهـ .
(3) النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي (2/121) : (( وَذكر الثَّانِي ابْن أبي حَاتِم (الْوَلِيد بن مُسلم الدِّمَشْقِي) فِي الْخَامِس من سُؤَالَات أبي دَاوُد )) أهـ .
قلُت : وذكرهم هنا في المُدسلين وقد سبقهُ يحيى بن حية وذكره العجلي في المُدلسين وإن لم يكن هذا القول صريحاً على تدليسهِ بل ذكرهُ في جُملةِ مَنْ عرف بالتدليس .
(4) التوضح الأبهر لتذكرة ابن الملقن (1/102) : (( الوليد بن مسلم الدمشقي، أبو العباس، ثقة كثير التدليس والتسوية )) أهـ .
(5) قال الشيخ حماد الأنصاري في التدليس والمدلسون (7/100) : (( معروف موصوف بالتدليس الشديد مع الصدق ويعاني التسوية التي تقدمت صفتها وحكمها )) أهـ .
(6) ومنِهم مَنْ جعلهُ مُدلسٌ تدليس أسماء أو شيوخ فذكره الدكتور الجديع في تدليس الأسماء في كتابه تحرير علوم الحديث (2/961) : (( ومنهم: الوليد بن مسلم الدمشقي، ومن أمثلة فعله ذلك، أنه كان يروي عن (عبد الرحمن بن يزيد بن تميم) فيقول: " قال أبو عمرو "، و " حدثنا أبو عمرو عن الزهري " يوهم أنه الأوزاعي، وإنما ابن تميم، وكلاهما رويا عن الزهري ، وابن تميم هذا منكر الحديث ليس بثقة )) أهـ .
(7) الكنى والأسماء للإمام مسلم الحاشية (1/611) : (( ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية )).
(8) أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق (63/191) : (( أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي أخبرنا أبو الفضل بن البقال أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا عثمان بن أحمد حدثنا حنبل بن إسحاق قال سمعت يحيي بن معين يقول قال أبو مسهر کان الوليد يأخذ من ابن أبي السفر حديث الأوزاعي وکان ابن أبي السفر کذاب وهو يقول فيها قال الأوزاعي )).
قُلت : وهذا إسنادهُ صحيحٌ وليس لمَنْ أعلهُ حُجةٌ في إعلالهِ .
(9) المُغني في الضعفاء (2/725) : (( الْوَلِيد بن مُسلم الدِّمَشْقِي إِمَام مَشْهُور صَدُوق وَلكنه يُدَلس عَن ضعفاء لَا سِيمَا فِي الْأَوْزَاعِيّ فاذا قَالَ ثَنَا الاوزاعي فَهُوَ حجَّه)) أهـ .
قُلت : وهذا الحافظ الناقد الرحالة الإمام الثبت المُحدث العالمِ الذهبي يقول أنه لا يقبل من الوليد بن مسلم إلا ما صرح به بالسماع ! فهل كان الذهبي مُقلداً أم كان مُحققا عند الأخ الشيخ أبي جابر الأنصاري في كتابه القول النفيس في براءة الوليد ! .
(10) قال العلائي في جامع التحصيل (1/111) : (( الوليد بن مسلم الدمشقي كذلك ويعاني التسوية أيضا كما تقدم )) أهـ .
(11) المدلسين (1/99) : (( الوليد بن مسلم الدمشقي كذلك ويعاني تدليس التسوية أيضاً )) .
(12) قال الحافظ ابن حجر في طبقاته (1/51) : (( الوليد بن مسلم الدمشقي معروف موصوف بالتدليس الشديد مع الصدق )) أهـ .
قُلت : وهذا الحافظ ابن حجر يجعل الوليد بن مسلم في الطبقة الرابعة من المدلسين ! وكل مَنْ وصف الوليد بن مسلم بمثل هذا الوصف إمامٌ حافظٌ ناقدٌ واسعُ البصيرة نقي الإطلاع إمامٌ في صنعتهِ فهل كُلُّ مَنْ وقع مِنْهُ هذا الفعل مُقلدٌ حتى جاز الأمر عند الشيء أن يسقط أقوال كُل العُلماء والأئمة الذين قالوا بأنه مدلسٌ يدلس تدليس تسوية لأجل تبرأة الوليد بن مسلم ، وكأني رأيتهُ ينفر عَنْ الدفاع عن قول إمامٌ واحدٌ مِنْ الأئمةِ وأراهُ مُتمسكٌ بهذه القشة ! .
(13) ديوان الضعفاء (1/428) : ((الوليد بن مسلم: ثقة مدلس، لا سيما في شيوخ الأوزاعي)) .
قُلتُ : وهذا هو تدليس التسوية عَنْ شيوخه فيسقطهم ويجود الإسناد .
(14) التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقات (2/120) : (( وقال حنبل عن يحيى بن معين: قال أبو مسهر: كان الوليد يأخذ من ابن أبي السَّفَر حديث الأوزاعي، وكان ابن أبي السَّفَر كذَّاباً، وهو يقول فيها: قال الأوزاعيُّ )) أهـ .
(15) قال الدَّارقطنيُّ في موسوعة أقوال الدارقطني (2/700) : (( الوليد بن مسلم يرسل، يروي عن الأوزاعي أحاديث الأوزاعي، عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي، مثل نافع وعطاء والزهري، فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عن عطاء، يعني مثل عبد الله بن عامر الأسلمي، وإسماعيل بن مسلم
قال السُّلَمِيُّ: قال الدَّارَقُطْنِيّ: الوليد بن مسلم يرسل في أحاديث الأوزاعي، عند الأوزاعي أحاديث عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخهم، أدركهم الأوزاعي مثل نافع والزهري وعطاء، فيسقط الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي، عن نافع والزهري وعطاء )) .
قُلت : وقول الإمام الدارقطني هذا ينفي براءة الوليد بن مسلم مِنْ التدليس وإمامٌ في العلل كالإمام الدارقطني لا يفرط بمثل قولهِ لأن لهٌ علمٌ مقدمٌ بأحاديث الوليد بن مسلم قال الإمام طاهر المقدسيسُئِلَ الحافظ سعد بن علي عن الدارقطني وابن مندة والحاكم وعبد الغني، فقال : أما الدارقطني ( ببغداد ) فأعلمهم بالعلل ، وأما ابن مندة ( بأصفهان ) أكثرهم حديثاً ، ومثل هذا القول يثبت وقوع التدليس مِن الوليد بن مسلم ! فكيف له أن ينكره .
(16) المُعجم الصغير لرواة ابن جرير الطبري (2/627) : (( توفي آخر سنة أربع وتسعين ومائة، أو أول سنة خمس وتسعين ومائة، من الثامنة، ثقة، لكنه كثير التدليس، والتسوية)) أهـ .
(17) أسماء المدلسين (1/102) : (( يكثر مِنْ التدليس )) أهـ .
(18) وقال ابن حجر في التقريب (7483) (( ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية )) .
(19) التبيين لأسماء المدلسين المقدمة (1/13) : (( ونقل الذهبي عن أبي الحسن بن القطان في بقية انه يدلس عن الضعفاء ويستبيح ذلك وهذا إن صح عنه مفسد لعدالته ، قال الذهبي في الميزان قلت نعم والله صح هذا عنه انه يفعله وصح عن الوليد بن مسلم بل وعن جماعة كبار فعله وهذا بلية منهم ولكنهم فعلوا ذلك باجتهاد وما جوزوا على ذلك الشخص الذي يسقطون ذكره بالتدليس انه تعمد الكذب وهذا أمثل ما يعتذر به عنهم والله اعلم انتهى )) .
قُلتُ : والقدحُ بعدالة الراوي تماما ليس بمُسلمٍ عند أهل الحديث كما تقدم ، وما ذكرهُ الإمام هُنا إن هو إلا تدليس التسوية وهو تجويد الإسناد وتحسين ظاهرهِ وهذا ما وقع فيه الوليد بن مسلم في أحاديثه عن الإمام الاوزاعي ومثل هذا القول لا يتركُ وراء الظهر كما فعل الأخ الشيخ أبي جابر الأنصاري - سدده الله - في معرض الكلام على براءة الوليد بن مسلم . والله المُستعان .
(20) من تكلم فيه وهو موثق مرير (1/191) : (( ثقة لكنه مدلس عن الضعفاء فلا بد أن يصرح بالسماع إذا احتج به إما إذا قيل عن فليس بحجة )) أهـ .
(21) وقال النسائي في السير (9/420) : (( وَقَالَ النَّسَائِيُّ: الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا فِي الأَوْزَاعِيِّ مِنَ الوَلِيْدِ بن مُسْلِمٍ، لاَ يُخْطِئُ، وَلاَ يُدَلِّسُ )) أهـ .
قُلت : وقال الحافظ في السير (8/8) : (( وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: رُبَّمَا دَلَّسَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ عَنْ كَذَّابِيْنَ. قُلْتُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ قَدِ احْتَجَّا بِهِ، وَلَكِنَّهُمَا يَنْتَقِيَانِ حَدِيْثَهُ، وَيَتَجَنَّبَانِ مَا يُنكَرُ لَهُ، وَقَدْ كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ذَهَبَ إِلَى الرَّمْلَةِ، فَأَكْثَرَ عَنْهُ أَهْلُهَا )) أهـ .
(22) وقد كان يوهم الوليد بن مسلم إن حدث عن الزهري أن أبو عمرو هو الإمام الأوزاعي فقال صاحبُ التعديل والجرح لمن أخرج له البخاري في الصحيح الأحاديث المتفق على اطراحها - تركها - (1/297) : (( وَمثل مَا يرويهِ الْوَلِيد بن مُسلم عَن أبي عَمْرو عَن الزُّهْرِيّ فيوهم أَنه أَرَادَ بِهِ الْأَوْزَاعِيّ وَإِنَّمَا أَرَادَ عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم وهما جَمِيعًا قد سمعا من الزُّهْرِيّ والوليد بن مُسلم قد سمع مِنْهُمَا وَالْأَوْزَاعِيّ ثِقَة وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد ضَعِيف وَقد يكون الحَدِيث يرويهِ الثِّقَة عَن الثِّقَة وَلَا يكون صَحِيحا لعِلَّة دَخلته من جِهَة غلط الثِّقَة فِيهِ وَهَذِه الْوُجُوه كلهَا لَا يعرفهَا إِلَّا من كَانَ من أهل الْعلم بِهَذَا الشَّأْن وتتبع طرق الحَدِيث وَاخْتِلَاف الروَاة فِيهِ وَعرف الْأَسْمَاء والكنى وَمن فَاتَتْهُ الرِّوَايَة عَن من عاصره وَمن لم تفته الرِّوَايَة عَنهُ وَمن كَانَ من شَأْنه التَّدْلِيس وَمن لم يكن ذَاك من شَأْنه )) أهـ .
قُلت : قال ابن حبان في الثقات (9/222) : (( الْوَلِيد بن مُسلم أَبُو الْعَبَّاس الدِّمَشْقِي مولى لبَنِي أُميَّة يَرْوِي عَن الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَمَالك روى عَنهُ أَحْمد وَيحيى وَإِسْحَاق وعَلى وَأهل بَلَده كَانَ مولده سنة تسع عشرَة وَمِائَة وَمَات سنة أَربع أَو خمس وَتِسْعين وَمِائَة بِذِي الْمَرْوَة منصرفة من الْحَج وَكَانَ مِمَّن صنف وَجمع إِلَّا أَنه رُبمَا قلب الْأَسَامِي وَغير الكنى )) ، وهذا يدل على أن الوليد لم يكن قد وقع بتدليس التسوية فحسب بل وقع أيضاً بتدليس الأسماءْ . والله أعلم .
(23) قال ابن الجوزي في الموضوعات (2/460) : (( الوليد يدلس تدليس التسوية )) .
(24) قال ابن القطان بيان الوهم والإيهام (4/110) : (( الوليد بن مُسلم کَانَ يُدَلس وَيُسَوِّي )) .
(25) وقال ابن دقيق العيد الإمام في معرفة أحاديث الأحكام (1/572) : (( کَذَلِک فبرواية مَحْمُود عَن الْوَلِيد - وَکَذَلِکَ رِوَايَة مُحَمَّد بن عبد الله الْبَغْدَادِيّ (عَنهُ) - يَزُول التَّدْلِيس، وبرواية أبي الْمُغيرَة عَن حريز تَزُول التَّسْوِيَة )) أهـ .
(26) وقد رأيت الشيخ المعلمي يصفهُ بذلك التدليس القبيح في كتابه النافع الذي رد به على الكوثري التنكيل (2/93) : (( شديد التدليس ، يدلس التسوية )) أهـ.
[ الخُلاصة ] وهذه قرابة الـ26 نص عَنْ العُلماء والأئمة الأتقياء والحُفاظ الثقات الأثبات أهل الدِيانة والامانةِ مِمَنْ لهُمْ دِرايةً بالمَروياتِ صَحيحها وسَقيمها ! ومَنْ عرف طَبقات الرُواة والمُحدثين وحقق ونظر وسبر الطُرق والأخبار ، يثبتون على الوليد بن مسلم التدليس والتسوية ، ومنهم كابن حبان يقول بأنه كان يدلس الأسماء وغير ابن حبان قال ذلك ، وهذا عندنا إجماعٌ على أن الوليد بن مسلم يقع في تدليس التسوية ولا أدري كيف ينفرد الأنصاري ببرائتهِ ! ثُم يتمسك بقول إمامٍ واحدٍ ويترك الإجماع المنعقد على وقوع الوليد بهِ ، وهذا مِنْ غرائب ما رأيت للشيخ أبي جابر في كتابه البراءة مِن التدليس ! وهذا لم يسلم لهُ أحدٌ مِنْ العُلماء المُعاصرين كيف وإذ به يخالفُ مَنْ عرفت أمانته وإمامتهُ ووثاقتهُ في الرجال والرواية وليت شعري أكان مُنصفاً بتحقيقه .
وفي شرح كتاب التدليس للدميني (8/6) : (( وهذه مشهورة عن الوليد بن مسلم، فكان الأوزاعي يروي عن ضعفاء، والوليد بن مسلم يروي عن الأوزاعي، فيأتي الوليد بن مسلم مثلاً فيسقط الضعيف بين الأوزاعي وبين الثقة الذي هو شيخ شيخه، فيكون الإسناد مباشرة: الوليد بن مسلم وهو الثقة، عن الأوزاعي وهو الثقة، عن شيخ شيخ الأوزاعي الثقة أيضاً، أما الضعيف الذي بين الثقتين فأسقطه، لا سيما وإن كان شيخ شيخ الأوزاعي لم يكن معاصراً له ولم يسمع منه، فالناظر والناقد لهذا الحديث في أول وهلة يرى أن سلسلة الإسناد سلسلة صحيحة، لكن الناقد البصير الجهبذ سينظر فيقول: إن الأوزاعي لم يرو عن شيخ شيخه هذا، ولم يرو الأوزاعي عن فلان إلا بواسطة، وهذه الواسطة لم يسقطها الوليد؛ لأنه يقول: حدثني الأوزاعي، ويقول: الأوزاعي أسقط الضعيف وعنعن عن الثقة، فـ الأوزاعي مدلس، فيتهمون الأوزاعي بالتدليس بسبب فعل الوليد بن مسلم، أو بسبب فعل بقية بن الوليد )) أهـ .
وأثبته على الوليد الدكتور ابراهيم اللاحم شرح إختصار علوم الحديث (1/172) : (( نعم، هذا تدليس التسوية ما تعرضت له، يعني ما، ليس، أو ما كل ما حذفه ابن كثير، أو لم يذكره ابن كثير نتعرض له؛ لأن المسألة أو القضايا تطول، تدليس التسوية كما ذكرنا، لكن السؤال يقول: تدليس التسوية كما نعرف لا يسقط المدلس شيخه، ويصرح أحيانا بالتحديث، ولكن يسقط متى؟ يسقط في أي مكان؟ في الوسط، وهذا يفعله بعض المدلسين، يعني هذا ليس بالكثير، يفعله بقية بن الوليد، ويفعله الوليد بن مسلم.
الوليد بن مسلم مثلا يروي الأوزاعي، يروي عن نافع ويروي عن عطاء، يروي عن عطاء، معروف بالرواية عن عطاء، ولكنه أيضا يروي عن عطاء أحيانا بواسطة بعض الضعفاء، من الذي يروي هكذا؟ الأوزاعي ، الوليد بن مسلم إذا روى عن الأوزاعي، يسقط هؤلاء الضعفاء، ويجعل الرواية عن الأوزاعي عن عطاء مباشرة، فالأخ يقول: هل يشترط أن يصرح المدلس بتدليس التسوية في جميع الإسناد؛ لكي نأمن من تدليسه في أول الإسناد، ونأمن من تدليسه في وسط الإسناد؟ الذي يظهر هو هذا، الذي يظهر وهو أنه لا بد أن يصرح من عرف بتدليس التسوية، ونجد في كلام العلماء، في كلام ابن حجر-رحمه الله- في "الفتح" كثيرا ما يورد هذا ويقول: الإسناد مصرح فيه بالتدليس، فأمن تدليس الوليد وتسويته، يظهر-والله أعلم-، نعم )) وبهِ ذا عنعن والراوي عنه الوليد بن مسلم (نعم)، فقط خاف أن يضعّف، وإلا فالأوزاعي قد عرفت إمامته، وعرفت ثقته، فخاف أن الناس يظنون أن الأوزاعي هو الذي وضع هذا الحديث الضعيف، أو هذا الحديث المنكر، فخاف من هذا، والحمد لله لم يحصل -أي لم يضعف الأوزاعي- لأنه قد عرف أن الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية . وهذا عينُ قول أبي الحسن المأربي في سؤالاتهِ (1/36) . يتبع بإذن الله تبارك وتعالى .