المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة العابد جريج ..دراسة وتحليل



أهــل الحـديث
27-05-2013, 07:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




قصة جريج



عرض وتحليل

تمهيد:

قصة جريج: قصة رجل عابد زاهد في هذه الحياة، وصل به الأمر في حبه لعبادته، وخشوعه في صلاته ، أنه سمع نداء أمه ثلاث مرات ولم يرد عليها.
فما كان من أمه إلا أن دعت عليه، ودعوتها غريبة لا تعتاد النساء أن تدعو بمثلها على أولادها، دعت أن لا يموت حتى يرى وجوه المومسات.
فاستجاب الله دعاءها فاتهمته امرأة زانية من بني إسرائيل، وادعت أنه والد طفل هي ولدته.
ولكن الله نجا جريجا بصلاته وصلاحه من شر هذه الزانية، وما اتهمته به، فأنطق الله له طفلها الرضيع ليتكلم بالحقيقة.
وبذلك استجاب الله دعاء أمه عليه، ونجاه بصلاحه وتقواه من تلك الفاجرة.



نص الحديث:

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَمْ يَتَكَلَّمْ فِى الْمَهْدِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ.
وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلاً عَابِدًا، فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً، فَكَانَ فِيهَا، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّى.
فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ.
فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلاَتِي. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ، فَانْصَرَفَتْ.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ.
فَقَالَ: يَا رَبِّ أمي وصلاتي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ، فَانْصَرَفَتْ.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ.
فَقَالَ: أَي رَبِّ أُمِّي وصلاتي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ.
فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ.
فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِىٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ.
قَالَ: فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا.
فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَحَمَلَتْ.
فَلَمَّا وَلَدَتْ ، قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ.
فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ، وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟
قَالُوا: زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِي فَوَلَدَتْ مِنْكَ.
فَقَالَ: أَيْنَ الصبي؟
فَجَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: دعوني حَتَّى أُصَلِّىَ، فَصَلَّى.
فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبيَّ فَطَعَنَ فِى بَطْنِهِ، وَقَالَ: يَا غُلاَمُ مَنْ أَبُوكَ؟
قَالَ: فُلاَنٌ الراعي.
قَالَ: فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ، وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ.
قَالَ: لاَ أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا"
وفي رواية أخرى:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" كَانَ رَجُلٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، يُقَالُ لَهُ: جُرَيْجٌ ، يُصَلِّي.
فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ ، فَأَبَى أَنْ يُجِيبَهَا ، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي ، ثُمَّ أَتَتْهُ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ.
وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: لَأَفْتِنَنَّ جُرَيْجًا ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ ، فَكَلَّمَتْهُ ، فَأَبَى.
فَأَتَتْ رَاعِيًا ، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا ، فَوَلَدَتْ غُلَامًا ، فَقَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ.
فَأَتَوْهُ ، وَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ ، فَأَنْزَلُوهُ ، وَسَبُّوهُ ، فَتَوَضَّأَ ، وَصَلَّى ، ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ ، فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ؟
قَالَ: الرَّاعِي.
قَالُوا: نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ.
قَالَ: لَا إِلَّا مِنْ طِينٍ"

تخريج الحديث:
رواه البخاري: 3436 ، ومسلم : 6673.
ورواه أحمد: 7726 ، وابن حبان في صحيحه: 6489.

غريب الحديث:

الصومعة: بناء مرتفع يتخذ للعبادة.
المومسات: الزواني البغايا.
تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي: 1/157.


تحليل القصة وفوائدها [1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn1):

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَمْ يَتَكَلَّمْ فِى الْمَهْدِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ.
وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلاً عَابِدًا، فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً، فَكَانَ فِيهَا، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّى.
فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ.
فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلاَتِي. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ، فَانْصَرَفَتْ.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ.
فَقَالَ: يَا رَبِّ أمي وصلاتي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ، فَانْصَرَفَتْ.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ.
فَقَالَ: أَي رَبِّ أُمِّي وصلاتي ، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ.
فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ.


1- هذا الحديث ليس للحصر، وقد ورد كما أسلفنا حديث الطفل في قصة ماشطة ابنة فرعون، والمتكلم في قصة أصحاب الأخدود، وشاهد يوسف، ويكون قد ثبت الكلام في المهد لستة أشخاص، هؤلاء خمسة، والسادس يأتي في المبحث الذي بعد هذا إن شاء
الله ، الطفل الذي دعا الله أن لا يجعله كالجبار.
2- وفي الحديث عظيم قدرة الله في إحداث الأشياء الخارقة للعادة، تأييدا لعباده الصالحين.
3- رغم سوء بني إسرائيل إلا أنه كان فيهم مجموعة من العباد والزهاد الذين يعرفون الله حق المعرفة، منهم: جريج.
4- كان العباد والرهبان يتخذون لأنفسهم صومعات وهي عبارة عن: مكان مرتفع يتخذ للعبادة ، وينقطع فيه الإنسان غالبا عن أعين الناس.
5- الظاهر أن جريج كان من اتباع عيسى عليه الصلاة والسلام، لأنهم هم الذين اتخذوا الرهبنة ، والانقطاع للعبادة.
6- كانت له أم تحب زيارته ومحادثته، ولكنه كان يفضل دائما الانشغال بالصلاة، فكان يتلذذ فيها ويجد فيها راحته.
7- جاءت إليه أمه لتكلمه مرارا، ولكن جريج منشغل بصلاته لا يريد أن يقطعها، وقد صورت بعض روايات الحديث أن أمه كانت تضع كفها على حاجبها، والظاهر أن ذلك كان من أشعة الشمس، وهو بحد ذاته يدل على شدة معاناتها وهي تريد لقاءه والجلوس معه.
8- وفي الحديث جواز التفكير في الصلاة في أمر مشروع، لأن جريج فكر أن يرد على أمه في الصلاة، ولكنه آثر البقاء فيها.
9- لقد كان الواجب على جريج أن ينصرف من صلاته ويجيب أمه، فإجابة الأم أولى من صلاة النافلة، وهذا الحديث يستدل به العلماء على جواز قطع صلاة النافلة لنداء الأم، ومعلوم في ديننا أنه إذا تعارض أمران بدئ بأهمهما.
10- الظاهر أن المتعة التي كان يجدها جريج في صلاته لا تتصور، وإلا فإنه كان قادرا على أن يخفف في صلاته ويجيبها، وصدق ربنا إذ يقول: "وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ" (البقرة: 45)، فالخشوع في الصلاة لا يتصوره إلا من عرفه، كأمثال: جريج رضي الله عنه.
11- غضبت الأم على ابنها فدعت عليه دعوة غريبة: دعوة فتنة في دينه بأن لا يموت حتى يرى وجوه البغايا، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنها لو دعت عليه بالفتنة لفتن كما جاء في رواية أخرى للحديث عند مسلم.
ومعروف أن دعاء الوالدين لأولادهم أو عليهم مستجاب، فاحرص على أن يدعوا لك بالخير، واحذر دعاءهما عليك بالشر.
وفي هذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: " ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد ، ودعوة المسافر ، ودعوة المظلوم".
رواه أبو داود: 1536، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة:596.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم الناس عموما والوالدين أن يدعوا على أولادهم، فقال عليه الصلاة والسلام:
" لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ".
رواه مسلم: 5328.
12- وفي الحديث أيضا دليل على أن الشفقة التي أودعها الله في الوالدين قد يوجد ما يرفع هذه الشفقة، لأن هذه الدعوة من هذه المرأة عظيمة أن تدعو على ولدها أن لا يموت حتى ينظر في وجوه المومسات.
13- يبدو أن جريجا كان معروفا بعفته، وعدم التفاته للنساء، حتى اختارت الأم هذه الدعوة.
14- ينبغي على المسلم أن يوازن في أوقاته ، فساعة للعبادة ، وساعة للوالدين ، وأخرى للزوجة والأولاد ، وساعة للعلم، وهكذا.


فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِىٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ. قَالَ: فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا.

1- أوجد الله في هذه الحياة أسباب الهداية، وأسباب الضلال، والله سبحانه لا يمنع من حصول النتائج إذا وقعت أسبابها، لأنه أوجد كل هذا فتنة للبعاد، فالسارق يسرق بقدر الله، وكذا الزاني، ولكن لا يعني أن الله يرضى عن هذه الأفعال، فهذا هو القدر الكوني الذي قدره الله في هذه الدنيا بخلاف القدر الشرعي.
2- قد يكون الحسد في كل شيء حتى في العبادة، فصاحب العبادة يحسده البعض على حسن خلقه، وعظيم تقواه، وكثير مدح الناس له، فيحب الحساد أن يشوهوا سمعته ، كما حصل مع العابد جريج.
3- ليس كل الحسن خير، فالحسن فتنة ، على صاحبه أن يصونها، خصوصا إذا كان صاحب الحسن امرأة.
يقول صلى الله عليه وسلم: " مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ"
رواه البخاري: 5096، ومسلم: 4923.
فهذه المرأة استعملت حسنها في الشر والحرام، وهي أيضا مغرورة متكبرة بجمالها حتى تباهت به للفتنة أمام القوم، بدل أن تشكر الله على هذه النعمة، وتمتع بها زوجها، راحت تبحث عن الحرام بأبشع صوره.
4- الساقطون في وحل الرذيلة يظنون أن الناس مثلهم يتساقطون في الشهوات، ولا يعرفون أن من عباد الله من يستعلي لوجه الله على كل المتع الدنيوية.
5- يحاول أهل الرذيلة تشويه صفحة الصالحين، كما حصل مع قوم جريج لأنه وقع في رواية أخرى أنها قالت: إن شئتم لأفتننه لكم، قالوا: قد شئنا.
6- التقوى تعصم صاحبها من الوقوع في الرذيلة، كما حصل مع جريج، وكما مر معنا في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام.
7- كان إعراض جريج عن هذه البغي قد ترك في قلبها حقدا، وأصرت على إغوائه ، فمكرت له مكرا عظيما.
8- استجاب الله دعاء الأم، وفي هذا بيان لأثر عقوق الوالدين وترك برهما.

فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَحَمَلَتْ.
فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ.
فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ، وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟
قَالُوا: زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِي فَوَلَدَتْ مِنْكَ.
فَقَالَ: أَيْنَ الصبي؟
فَجَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: دعوني حَتَّى أُصَلِّىَ، فَصَلَّى.
فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبيَّ فَطَعَنَ فِى بَطْنِهِ، وَقَالَ: يَا غُلاَمُ مَنْ أَبُوكَ؟
قَالَ: فُلاَنٌ الراعي، قَالَ: فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ، وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ.
قَالَ: لاَ أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا.

1- استعملت المرأة حيلة خبيثة، حيث مكنت الراعي من نفسها فحملت، ولما ولدت ادعت أنه من جريج.
2- وكم تقدر النساء على الإغواء لأن كيدهن عظيم، فهن يصرعن ذا اللب الحكيم.
3- وقد كان الزنا وانتشار البغايا معروفا في بني إسرائيل، فأول ما فتنوا به النساء كما أخبرنا الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ".
رواه مسلم: 4925.
4- الزنا من الكبائر العظيمة التي يغار الله لها كثيرا ويجزي فاعلها جهنم، وقد سماها الحق سبحانه في كتابه فاحشة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِىَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِىَ أَمَتُهُ ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا".
رواه البخاري: 1044.
ولا شك أن الزنا يطفئ نور الإيمان في قلب صاحبه.
5- كم يتأسف الناس عندما يرون صاحب التقوى والصلاح وهم يثقون به، ثم يكتشفون أنه فاجر.
لذلك ذهب الناس إلى جريج لما أذاعت البغي أمره، وهدموا صومعته وضربوه، لأنه في نظرهم يدعي العبادة، ولكنه يرتكب الفاحشة، ومرتكب الفاحشة لا حرمة له.
6- طلب جريج من هذه الجموع الثائرة أن يعطوه فرصة حتى يتوضأ ويصلي.
وهذا هو شأن الصالحين أن يفزعوا للصلاة عند نزول البلاء.
7- وفيه دليل أن الوضوء كان موجودا في الديانات السماوية السابقة، ولكن لا نعرف هل كوضوئنا أم لا؟
8- صلى جريج صلاة الخاشع لربه، الواثق بدعائه، فلما فرغ طعن في بطن الطفل طعنة خفيفة، ولك أن تتخيل منظر الناس ينظرون إليه صامتين، وربما بعضهم يستهزئ بفعله كما قالوا لمريم: كيف نكلم من كان في المهد صبيا؟
وسأله جريج بكل ثقة: من أبوك؟



وبعد الصلاة حدثت الكرامة الإلهية:



الطفل يتكلم في المهد



ليعلن براءة جريج


فجريج رجا أن ينقذه ربه من ذلك الاتهام، وليس أمامه إلا مثل هذه الوسيلة، ولكن لا ندري كيف ألهمه الله إلى مثل هذه الوسيلة التي لا يتفطن لمثلها أبدا.
فنطق الغلام.
أنطقه له الله جل وعلا، نطق الغلام بإنطاق الكريم الذي يتولى الصالحين.
لقد قال على مسمع الناس جميعا: أبي الراعي فلان وسماه باسمه.
فأدرك الناس عظم الجريمة التي ارتكبوها في حق العبد الصالح جريج، وعلموا أن جريجا لم يكن من الصنف الذي ظنوه.
ما كان جريج مرائيا ولا مخادعا.
فأقبلَ بنو إسرائيلَ على جُرَيْج يُقَبِّلُونه ويعتذرون إليه ، ويَتَمَسَّحُونَ به، وطلبوا منه أن يبنوا صومعته من ذهب فرفض.
وذلك يدل على شدة ورعه وتقواه وزهده في الحياة، أو: لأن بناء أماكن العبادة والدور من ذهب منكر لا يجوز فعله.
وهل الدنيا تساوي شيئًا في قلب المستأنِس بالله؟

وفي نهاية القصة من الفوائد:

1- التسرع في الاتهام يورث الإنسان المتهم(بكسر الهاء) ندما كبيرا، فيسبب له الاعتذار أمام الناس عما بدر منه.
ورسولنا صلى الله عليه وسلم يحذرنا من ذلك فيقول: " إياك و كل ما يعتذر منه " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة، حديث رقم: 354.
رواه الضياء في " المختارة " ( 131 / 1 ) عن عمرو بن الضحاك حدثنا أبو الضحاك
ابن مخلد أنبأ شبيب بن بشر عن أنس بن مالك مرفوعا .
قلت : وهذا سند حسن. أ هـ.
2- مهما تستر أهل الباطل على باطلهم فلا بد من يوم يكشف فيه زيفهم، كما حدث مع هذه الزانية، وينبغي على المؤمن أن يكون كيسا فطنا ، فيعرف أهل الباطل من خلال كلامهم ، وحركاتهم ، كما قال سبحانه: "وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ" (محمد: 30).
3- الإنسان الصالح ينفعه صلاحه وقت الحاجة، وفي أدق الظروف تظهر التقوى لتكون البرهان الساطع على صدق المسلم وصلاحه، وإن شئت فاقرأ قول الله تعالى:" وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا" (الطلاق: 2،3).
4- الإنسان الصالح المتهم الذي تظهر براءته يزيد رصيده بين الناس حبا ومدحا وثناء.
5- يمكن أن يصحح الخطأ، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، فقد رجعوا يعتذرون لجريج ، وأرادوا أن يبنوا صومعته من ذهب ، ولكنه رفض إلا أن تعاد من الطين، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تواضعه.
6- وفي الحديث إثبات كرامات الأولياء.
7- وفيه أن كرامات الأولياء قد تقع باختيارهم وطلبهم.
8- حرمة بناء المساجد من ذهب أو فضة.
9- جواز الأخذ بالأشد في العبادة لمن علم من نفسه القدرة على ذلك، كما فعل جريج فإنه كان دائم الصلاة.
10- قوة اليقين والرجاء بالله، فما الذي جعله يسأل الصبي إلا قوة يقينه بالله، وحسن توكله عليه.
11- الله سبحانه يلهم أهل الإيمان بأشياء قد لا تخطر على بال أحد، كما ألهم جريج أن يكلم الغلام الرضيع، وقد يكون هذا من الوحي بالإلهام، كما أوحى الله إلى أم موسى أن تلقي ابنها في البحر.
12- قد يكون من الجائز عندهم التَّمَسُّحِ بالصالحين بِخِلافِ ما جاء في شريعةِ محمدٍ عليه الصلاة والسلام ، فإنه لا يجوز التمسح بالصحابة ولا بالصالحين ولا بالأولياء ، وإنما ذلك للمصطفى عليه الصلاة والسلام حَيًّا.
ولماذا قد يكون من الجائز عندهم ذلك؟
لأنه لم يرد في القصة أن جريجا أنكر عليهم، ويصعب على رجل صالح مثل جريج أن يرى المنكر ولا ينكره.
وقد يكون ذلك جهلا منهم، ولهول ما رأى جريج نسي أن يخبرهم بحرمة ذلك.
13- قوله: "يا غلام، من أبوك؟ قال: فلان الراعي": ومعلوم أن الزاني لا يلحقه الولد، فكيف الإجابة عن ذلك؟
من وجهين:
لعله كان في شرعهم يلحقه.
وقد يكون المراد: من ماء من أنت؟ وسماه أبا مجازا.
فالله أعلم


[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref1)شرح النووي على مسلم: 16/ 107، صحيح القصص النبوي: ص 271.
بالإضافة إلى الموقعين الآتيين:
http://audio.islamweb.net/ (http://audio.islamweb.net/)
http://salehalshaikh.com/